الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


علي حمادي العاملي، ملمح هاديء وسط حالة من الصخب

كريم محمد الجمال
كاتب وباحث

2024 / 5 / 9
الادب والفن


علي حمادي العاملي
ملمح هادئ وسط حالة من الصخب

يتنقل بدراجته في شوارع الضاحية الجنوبية لبيروت، ابتسامته لا تفارق محياه. أكاد أجزم أنه الرجل الوحيد الذي رأيته يبتسم دوماً في كل الأحوال. علي حسين حمادي شاعر، وقاص لبناني من الطراز الرفيع. والأهم من كل ذلك إنسان، تظهر انسانيته، ومحبته للخير، ومودته للآخرين على وجهه البشوش الهادئ ذي القسمات الصافية الرائقة. أخلاقه الرفيعة، وبسمته، وتواضعه مفتاح لوصوله إلى القلوب قبل أن نقرأ شعره، أو نثره، أو إحدى قصصه القصيرة. رجل يدخل القلب مباشرة، ينعكس طيب روحه على دماثة خلقه، وهدوءه، رغم انه يعيش وسط حالة من القلق والاضطراب والصخب، يمر بها لبنان، وبالأخص الضاحية الجنوبية من بيروت. في هذه الظروف الاستثنائية التي تعاني منها المنطقة، وحالة الاستقطاب السياسي التي انعكست أيضاً على الواقع الثقافي ليس في لبنان وحده بل في المنطقة بأسرها.

الشيخ علي حسين حمادي العاملي ليس فقط شاعر وقاص، ولكنه يعمل في التدريس الاكاديمي، يدرس علوم القران واللغة العربية والبلاغة. حاصل على إجازة في الدراسات الاسلامية، ماجستير في الفقه والأصول. حاصل على ماجستير في علم الاجتماع السياسي من الجامعة اللبنانية. حاصل على ماجستير في القانون العام من كلية الحقوق الجامعة اللبنانية. حاصل على إجازة في إدارة الأعمال. ولا زال لديه شغف وطموح نحو العلم والتحصيل، ويتابع في دراسة الدكتوراة. الرجل الهادئ الحكيم لديه جوانب أخرى مبدعة في مجال الكتابة للأطفال، ومجال كتابة الأناشيد، وكذلك المقالات التراثية، ولكن يبقى عنده شغف لا ينتهي، بل حنين للقراءة.

براز اسمه كقاص مع مجموعة قصصية بعنوان "نصفي الأسفل" صادرة عن دار الفارابي. أثار عنوان المجموعة غريزة النقد والانتقاد عند كثيرين أغلبهم لا يقرأ اصلاً. من عوامل براعة ونجاح القاص ان يضع عنوانا يشد انتباه القارئ ويثير فضوله، ربما عنوان المجموعة القصصية لا يتناسب مع الطبيعة المحافظة لبيئة الكاتب الذي كان حريصا كل الحرص أن يكون إبداعه ليس لبيئة، ولا طائفة، ولا وطن بل أراد أن يخاطب العالم كما يراه، وينتظر من هذا العالم ان يخاطبه بنفس الطريقة التي يراه بها.

نوع الكاتب في أغراض القصص، واستعمل تقنيات مختلفة، وعبر عن قضايا متعددة. وأثار مخيلة القراء، وتحدث بأكثر من لسان، وتقمص أكثر من شخصية. ركزت المجموعة القصصية في مجملها على الجوانب الاجتماعية، وانطلقت منها إلى عديد الجوانب الأخرى مثل الجوانب التاريخية، والجوانب السياسية، والجوانب العقائدية. انتقد الكاتب بأسلوب راق بالإشارة مرة، وبالتصريح مرة، وبالتمثيل والرمزية مرة جوانب وحالات في المجتمع ليس اللبناني فقط ولكن توسع وتطرق لباقي الوطن العربي. أهم القصص والتي اعترض البعض عليها ومنها قصة نصفي الأسفل تنتقد الفهم السيء للدين، والصورة السلبية التي قدمتها التنظيمات التكفيرية من خلال تبنيها للقتل والدم والتكفير وترويع الامنين. قصة نصفي الأسفل تتحدث عن مجموعة من اللصوص باسم الدين استحلوا فروج بعض المغيبات بعد أن استباحوا عقولهن الضائعة. أثارت قضية المهاجرين والمهاجرات من دول العالم لينضموا إلى التنظيمات المتطرفة ،ويقتلوا الأبرياء، وينتسبوا ظلماً وزوراً وعدواناً للإسلام ورسالته الرحيمة الشريفة. وما نتج عن ذلك من فتاوى شاذة، حيث قدمت النساء الآبقات أنفسهن بدون إذن أوليائهن لأولئك الارهابيين والتكفيريين في مخالفة شرعية صريحة حتى ولو بمسمى الزواج فإنه فاسد شرعاً، وها نحن نرى نتيجة هذه الفتاوى المضلة، وكيف قدمت تلك المرأة المنحرف عقائدياً نصفها الأسفل لأولئك الأغراب، وأمرائهم الفاسقين الفاسدين. والمخيمات المكتظة
بأبناء وبنات لقطاء من هذا الأصل السيء مثل مخيم الهول وغيره خير دليل. وتناولت المجموعة القصصية هذه الافكار على عدة مستويات وبأكثر من صوره قديمة وحديثة.

تناولت أيضاً المجموعة القصصية قضايا مثل سوء معاملة المرأة، وترد الخدمات العامة والمرافق، وقضايا الفساد المالي والإداري. وركزت المجموعة على قضية الواسطة والمحسوبية والرشوة، والتي انتقلت إلى الوسط الأدبي والثقافي أيضاً.
من القصص التي لامست شعوري وتجربتي "جرعة زائدة" التي تنتقد الأوضاع الثقافية والأدبية. قصة "نحن العرب" تحدثت عن بعض الأوضاع السياسية في مصر وقت الثورة المصرية ومعارضة الشعب المصري، ورفضه للتطبيع. قصة جنازة كورونية تحدثت عن الأوضاع وقت الجائحة، وتأثيرها على الناس وسلوكهم. قصة "أبونا شيخ كبير" تحدثت عن المشافي وتردي القطاع الصحي من جانب، وتردي قيمة الانسان وحياته التي هي في الأساس لا تقدر بثمن في زمن كل شيء فيه صار له ثمن حتى حياة الانسان. قصة "مسرح العمائم" ناقشت ضرورة إصلاح المؤسسات الدينية، وضرورة تقديم نماذج جيدة لطلبة العلم ورجال الدين بعيدا عن التشدد وعن الصورة السلبية النمطية التي يحاول الاعلام تقديمها، وعن بعض الجهات ذات الدور المشبوه التي تحاول ترسيخ قيم غريبة وتغريبية في هذا المجتمع.

سعدت بقراءة المجموعة القصصية على المستوى الشخصي كقاريء، وأعجبني الدأب والإصرار والاجتهاد عند الرجل الخلوق المبتسم الهادئ. فهو بالفعل ملمح هاديء وسط حالة من الصخب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان كان السينمائي: -أكفان كروننبرغ- على البساط الأحمر


.. فنان أمريكي يُصدر أغنية بصوته من جديد بعد أن فقد صوته بسبب س




.. -الكل يحب تودا- فيلم لنبيل عيوش يعالج معاناة الشيخات في المغ


.. حصريا.. مراسل #صباح_العربية مع السعفة الذهبية قبل أن تقدم لل




.. الممثل والمخرج الأمريكي كيفن كوستنر يعرض فيلمه -الأفق: ملحمة