الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في رحاب -الفتاوى المؤصلة للقضية الفلسطينية- مع الفقيه المفكر الدكتور طه أحمد الزيدي

احمد الحاج

2024 / 5 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


* إن تبيين الأحكام الشرعية عند المستحدثات والقضايا الكبرى من أهم واجبات علماء الأمة .

* فلسطين أرض إسلامية محتلة من قبل الصهاينة،وتحريرها مطلوب شرعا.

* إن الانفاق على أهل غزة من أفضل القربات وأعظم الطاعات .

* واجبنا يتجلى في نشر الوعي الجماهيري بحقيقة التحديات ومقومات هويتنا وطبيعة قضيتنا .




لا تكاد تشرق على كوكبنا الأزرق شمس إلا ونسمع بجرائم وحشية جديدة تقشعر لها الأبدان وتشيب لهولها الولدان تواصل آلة الإجرام الصهيوني اقترافها بحق أهلنا الجياع والمحاصرين في قطاع غزة خاصة، وفي فلسطين عامة،وذلك على مرآى ومسمع من العالم بأسره، جرائم بشعة يندى لها جبين الانسانية جمعاء طالت البشر والشجر والحجر ولم تستثن منهم أحدا قط ، ولا يخفى على متابع أن ما يؤصله الحاخامات ويشيعونه بين أبناء جلدتهم وحثهم على الانخراط التام في الصراع الوجودي لإبادة ما يسمونهم بـ"العماليق" وتحقيق "نبوءة أشعيا" وأسطورة اسرائيل الكبرى من النيل الى الفرات"، وبهدف السيطرة الكاملة على ما تسمى عندهم بـ "أرض الميعاد" تمهيدا لهدم الاقصى المبارك، وبناء مايسمى بـ هيكل سليمان على أنقاضه استعدادا لما يطلقون عليها "معركة هرمجدون"، وفي خضم ذلك كله ومما يؤسف عليه حقا تكاد لا تسمع مناظرا تأصيليا مضادا ونقيضا لذلكم - الهراء المقدس- الذي يتفوه به الحاخامات وينشرونه على مدار الساعة إلا لماما، والحق يقال فلقد سررنا كثيرا بخبر صدور كتاب" الفتاوى المؤصلة للقضية الفلسطينية..مسائل (طوفان الأقصى) في ضوء السياسة الشرعية " لمؤلفه الفقيه المفكر الدكتور طه الزيدي، وهو رئيس جمعية البصيرة للبحوث والتنمية الإعلامية ،وعضو الهيئة العليا للمجمع الفقهي العراقي ، ولم نجد بدا من المسارعة لإجراء حوار معلومات شفاف معه نتناول من خلاله أهم المسائل المؤصلة للقضية الفلسطينية في ضوء السياسة الشرعية،ولاسيما بعد صدور الكتاب الجديد الذي يخوض في غمارها مجتمعة ما من شأنه أن يملأ فراغا طال انتظاره في المكتبة العربية، وبادرناه بالسؤال الأول فأجاب على اسئلتنا مشكورا وبكل رحابة صدر :



س1:من المسائل المهمة التي ذكرتها جنابك الكريم في كتابك الجديد "أنه وفي نوازل الرباط فإن العلماء الربانيين المرابطين هم الأكثر إحاطة بالواقع ومآلاته، إلا أن مشاورة العلماء المرابطين لفقهاء الأمة يعينهم في تحصيل دقة الاستنباط ودفع العاطفة المؤثرة على الحكم الشرعي" حبذا لو أوضحتم لنا جانبا من هذه المسألة وسلطتم عليها الضوء .
ج: بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، وبعد: فحياكم الله استاذ أحمد وأشكر لكم اهتمامكم وحسن متابعتكم لما يتعلق بقضيتنا المركزية (فلسطين والاقصى)، ومما لا شك فيه أن تبيين الأحكام الشرعية عند النوازل والمستحدثات والقضايا الكبرى من أهم واجبات علماء الأمة مع ابتغاء مرضاة الله تعالى وخشيته وقول الحق، قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ) (آل عمران: 187)، وهذا الأمر على عمومه، ولكن مع توسع المعارف أصبح لزاما على علماء الأمة أن يتخصصوا في مجال معين لتكون احاطتهم وتصوراتهم دقيقة فتكون أحكامهم أقرب الى مراد الله تعالى ومراد رسوله ﷺ لأن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، ومن هنا ظهر الفقه المتخصص والافتاء التخصصي فأصبح لكل مجال من مجالات الحياة ولكل نوع من أنواع الفقه فقهاء متخصصون أعمق نظرا وأدق استنباطا وأثبت تنزيلا للمستجدات في مجال تخصصهم، وهذه من مآثر الفقه الاسلامي وحيويته، ومما لا شك فيه أن القضية الفلسطينية واسعة ومتجذرة لذلك تحتاج لدراسة نوازلها الى متخصصين ومتابعين لجوانبها ومتعلقاتها ومعلوم أن علماء فلسطين المرابطين هم الأعلم في استنباط الأحكام المتعلقة بقضيتهم لأنهم أدق تصورا لنازلتهم، وأكثر إحاطة بالواقع ومآلاته،فيما يتعلق بتحقيق المناط وتعيين محل الحكم وتنزيله على واقعهم والأحوال الخاصة بأبناء بلدهم وقدرات وأهداف عدوهم، وإن طلبوا من علماء الأمة رأيا فسعيا منهم لدقة الاستنباط ودفعا للعاطفة المؤثرة على الحكم، وليتكامل المفتي المجاهد مع فقيه السياسة والمقاصد، لتحصيل الحكم الشرعي في هذه النوازل.


س2: فلسطين أرض إسلامية محتلة من قبل اليهود الصهاينة، والسعي إلى تحريرها مطلوب شرعا، ولا بد للمسلمين من نصرة الشعب الفلسطيني ،ترى هل استعرض كتابكم الجديد جانبا من أساليب النصرة وبعضا من وسائلها ؟
ج: من المسائل المهمة في الفقه السياسي تحرير محل النزاع وتحديد المفاهيم المتداولة فيه، وكل من يدرس الأحكام المتعلقة بالقضية الفلسطينية لا بد أن يبدأ بتوصيف طبيعة أرض فلسطين في التصور الاسلامي، وبناء على ما سبق لقد بدأنا في بيان التكييف الفقهي لأرض فلسطين ليتجلى لنا تأصيل الأحكام المتعلقة بها، ففلسطين أرض إسلامية محتلة من قبل اليهود الصهاينة، والجهاد من أجل تحريرها مطلوب شرعا، ومقتضيات المعارك يحددها أولو الأمر والعلماء، ومناط أحكامها لدى المرابطين منهم، وهنا يبرز لنا واجبان شرعيان، الأول بحق أبناء فلسطين إذ يجب عليهم الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأهليهم وأولادهم وإخراج عدوهم من أرضهم بكل ما استطاعوا من قوة ، وبناء عليه فالمقاومة الإسلامية في فلسطين حق مشروع، ومعركة طوفان الأقصى هي جهاد لدفع العدوان والذود عن الدين والمقدسات والحرمات، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، والواجب الثاني يتعلق بالدول الإسلامية حكومات وشعوبا بتأييد المقاومة الفلسطينية ودعمها ليحرروا بلادهم ويخرجوا عدوهم، ويتأكد هذا الواجب في ظل الدعم الغربي للكيان الصهيوني، فإذا كان الغرب لا يتخلى عن حكومة هذا الكيان وهم على باطل فمن باب أولى شرعا وعرفا أن لا يتخلى العرب والمسلمون عن أبناء الشعب الفلسطيني وحقهم المشروع في مقاومة العدو، وينبغي عليهم نصرتهم بما يستطيعون وما تحتاجه المعركة من دعم سياسي وميداني واقتصادي وإعلامي، قال الله تعالى: (وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ).

س3 : منذ انطلاق عملية طوفان الاقصى في السابع من اكتوبر/ 2023 ونحن لانفتأ نسمع بمن يبرر للمحتل الصهيوني عدوانه الغاشم بزعم أنه يمارس حقه في الرد على عدوان بدأ في السابع من أكتوبر - من وجهة نظره القاصرة أو المتحاملة - متجاهلا تاريخ الكيان الاجرامي الحافل بالفظائع والمجازر منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917م ، فما هو حكم موالاة أعداء الأمة من الصهاينة المحتلين والغرب المعتدين؟
ج: هنالك حقيقة شرعية تتعلق بالقضية الفلسطينية قد يغفل عنها كثير من المسلمين أو يتغافلوا عنها، وهي أنّ المقاومة الإسلامية في فلسطين لليهود المعتدين المحاربين المحتلين لفلسطين ليس من باب جهاد الطلب، بل هو من جهاد الدفع، وبابه سيبقى مفتوحا ما دام العدو محتلا لأرض فلسطين، وطبيعة المعركة وتجديد القتال يحدده قادة المقاومة، ولذا يحرم شرعا موالاة العدو وتبرير جرائمه بحق أبناء شعبنا الفلسطيني بل الواجب على المسلمين جميعا نصرة الشعب الفلسطيني واغاثة أهلنا في غزة الصمود،لوجوب التضامن معهم، ودعمهم والوقوف معهم،ومساندتهم،وتوظيف العلاقات الدبلوماسية والمحافل الدولية لأجل ذلك،لعدالة قضيتهم وقيامهم بواجب الدفاع عن دينهم وأنفسهم وأرضهم وعرضهم، ولمشروعية مقاومتهم للمحتل وسعيهم لإخراجه من أرضهم، فينبغي نصرتهم بكل ما أمكن، وعدم خذلانهم، حتى ينالوا حقوقهم المشروعة كافة.


س4 - هناك من يحاول جاهدا إخراج المعركة مع اليهود الصهاينة من إطارها الديني ليأخذها بعيدا الى سياقات وأطر قومية أو قطرية أو فئوية أو حركية أو حزبية ليضيق واسعا ، فهل أن ما يفعله هؤلاء بمثابة تحجيم للقضية المركزية الأم وتسطيح لها ؟
ج: إن طبيعة المعركة مع اليهود الصهاينة ذات منطلقات دينية، فلا بد أن تبقى ضمن هذا الاطار، ولن ينتهي الوجود الصهيوني إلا تحت راية الإيمان والإسلام والعودة الى دين الله اعتقادا وسلوكا وعملا ورباطا، وهذا نداء الحجر والشجرالذي سينطقه الله، في آخر الزمان، عندما يُقَاتِلُ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَاعَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ"، ومما يملي علينا تعزيز البعد الديني للمعركة أن العدو الصهيوني يؤسس لوجوده ودولته وقتاله على النظرة الدينية اليهودية فدستوره هو التوراة والتلمود، واختار لدولته اسم نبي الله اسرائيل ، ولذا يصرح زعماء اليهود بذلك يقول "أدولف كريمر" اليهودي: (جنسيتنا هي دين آبائنا)، وحتى الدعم الأمريكي يأتي تحت المظلة الدينية، ولذلك صرح وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن ، مع بداية معركة طوفان الأقصى أنه لم يأتِ لإسرائيل كونه وزيرا لخارجية الولايات المتحدة فقط؛ ولكن بصفته "يهوديا فرّ جده من القتل"، وأي تغيير لطبيعة هذا الصراع عن طبيعته الدينية الى طبيعة قومية أو قطرية أو فئوية حركية أو حزبية، فهو تحريف لحقيقتها وصرفها عن أصل قوتها فضلا عن تقزيمها وتقديم تبريرات للتخلي عنها شرعا.



س5: لقد تناهى الى أسماعنا من خلال بعض الفضائيات المشبوهة تصريحات مستفزة وهي تُحمل أبطال المقاومة الفلسطينية جريرة ما يرتكبه العدو من جرائم بحق المدنيين العزل غير آبه بالمواثيق والمعاهدات الدولية ، فما هو ردكم على أمثال هؤلاء ممن يُحَمِلون المظلوم تبعات وعيه وثورته، فيما يغضون الطرف كليا عن الظالم الذي عاث في الأرض فسادا وإفسادا على مدار عقود طويلة ؟
ج: لقد عالجنا هذه الشبهة بتوسع في كتابنا، وبينا التأصيل الشرعي في رد هذه الشبهة، وأكدنا على أنه لا يؤاخذ المقاتل بما يرتكبه العدو من جرائم بحق المدنيين، وإن كان من لوم واستنكار ومؤاخذة فهي تكون بحق العدو المجرم الذي ينتهك الشرائع والقوانين الدولية، ويرتكب أبشع الجرائم بحق المدنيين العزل، وبحق المؤسسات المدنية، ولا يصح قلب الحقائق وتحريف صريح النصوص، فضلا عن حقيقة الوقائع لخداع الرأي العام، ولو افترضنا جدلا أن مباشرة العدو الصهيوني لما ارتكبه من مجازر وحشية وجرائم إبادة بحق المدنيين العزل في غزة كان سببه بدء المقاومين معركة طوفان الأقصى، فمن القواعد الفقهية المقررة: " إذا اجتمع المتسبب والمباشر، غلبت المباشرة، وقدم المباشر، أو أُضِيفَ الْحُكْمُ إلَى الْمُبَاشِرِ، وسقط حكم السبب" ، وهذا الحكم إذا اجتمعا حقيقة، فكيف إذا ثبت فعل المباشر، وكان التسبب مظنونا ومفترضا، وعليه فمن الظلم شرعا وعرفا الطعن في المقاومين لتبرير الفعل الإجرامي للمعتدين الظالمين، وهذا التصرف يعدّ صورة من صور التخذيل والإرجاف المذمومين شرعا، ومآله إلى خذلان قائله ومؤيديه.


س6: في تصريحه الأخير حذر المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) من أن المجاعة باتت تحكم قبضتها على قطاع غزة، من جراء عرقلة الكيان الصهيوني ومنعه إدخال المساعدات والسعي لتصفية أنشطة الوكالة في القطاع، فيما كشفت التقارير الدولية الأخيرة عن معاناة سكان القطاع وإنعدام الأمن الغذائي، والسؤال هاهنا هل تتحقق في أهل غزة وفي ظل الحصار والقصف والتدمير مصارف الزكاة الثمانية وهل يجوز نقل الزكاة ومافي معناها الى أهل غزة لرباطهم ولوقوع المجاعة عندهم ؟
ج: المتأمل في مصارف الزكاة الثمانية الواردة في قوله تعالى: (إنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللهِ وَابْنِ السَّبِيلِ) يجد أن الزكاة تصرف إلى أحد شخصين: محتاج إليها من المسلمين، كالفقراء والمساكين وفي الرّقاب وابن السبيل والغارمين لقضاء ديونهم التي تحملوها عن غيرهم،أو لمَن يحتاج إليه المسلمون كالعاملين عليها والغزاة في سبيل الله والمؤلَّفة قلوبهم، ومن يتابع المشهد القتالي وما يرتكبه العدو ويسكت عنه العالم أجمع من جرائم وابادة جماعية وتجويع لشعب غزة ، يتجلى له أن أهل غزة في ظل الحصار والقصف والتدمير والتجويع تتحقق فيهم أغلب مصارف الزكاة الثمانية، وينبغي تقديمهم في أي صنف على غيرهم في إخراج الزكاة إليهم في هذه الأيام لقيام الحاجة بل الضرورة إليها فيهم، كما أن المقاومة الإسلامية في فلسطين ولاسيما في غزة هم في سبيل الله، ويجب دفع مصرف في سبيل الله إليهم وهذا واجب الوقت في حقهم على المسلمين فضلا عن وجوب نصرة أهل غزة والتضامن معهم ودعمهم، ولاسيما بعد طلب قادة المقاومة والنخب في غزة نصرتهم بالمال واغاثتهم.

س7- قبل أيام أعلنت المفوضية الأوروبية بأن المجاعة تهدد 70 % من سكان شمال غزة،و50% من سكان وسط القطاع والوضع في تدهور مستمر، فيما تستمر بعض الشركات العالمية المعروفة بدعم الكيان اللقيط نحو شركات ماكدونالدز، و برغر كينغ ، وبيتزا هات، و كوكاكولا، وبيبسي وأشباهها ونظائرها، فهل تناولتم في كتابكم حكم التعامل مع الشركات الداعمة للكيان ،مع الدعوة الى مقاطعتها، وما حكم ذلك شرعا ؟
ج: المقاطعة الاقتصادية مشروعة في الكتاب والسنة، قال الله تعالى (فَإِنْ لَمْ تَأْتُونِي بِهِ فَلَا كَيْلَ لَكُمْ عِنْدِي وَلَا تَقْرَبُونِ)،وفي الصحيحين، خبر مقاطعة ثُمَامَةَ بْنَ أُثَالٍ رضي الله عنه عند إسلامه لقريش فقال: والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله ﷺ، ففي هذين النصين دلالة على مشروعية أن يقوم مسؤول أوشخص ذو نفوذ وتأثير اقتصادي أو من عموم الناس، بفرض مقاطعة اقتصادية على جهة معتدية أو مسيئة لردعها أو لدفع وتخفيف المعاناة عن المضطهدين، ولذا اتفق الفقهاء على ترك التعامل التجاري مع كل ما يتقوى به العدو أو من يدعمه على المسلمين ، كما يجب فعل كل ما يضعف المعتدين على المسلمين ومنها إضعاف قدراتهم الاقتصادية بمقاطعة منتجاتهم وسلعهم، وهو من باب المجاهدة بالمال.
ومع استمرار جرائم العدو الصهيوني المدعوم دوليا على أهلنا في غزة، وأداء لواجب نصرتهم والتضامن معهم والتعاون على ما يخفف عنهم وطأة العدوان وجرائمه وهذا من متطلبات الإخوة لذا ينبغي على المؤسسات الحكومية والمدنية والتجار والمسلمين كافة مقاطعة البضائع والسلع المنتجة من الدول والمؤسسات المعادية والمساندة التي تؤذي المسلمين أو تساند اعداءهم.

س8: منذ بدء العدوان الغاشم والكيان الصهيوني لايدخر وسعا ، ولا يألوا جهدا في توظيف كل طاقاته اللوجستية ،وتحريك جميع أذرعه الإعلامية الاخطبوطية حول العالم بالتزامن مع توسيع دائرة القتل والاعتقال التعسفي المبرمج والممنهج ضد الصحفيين والمراسلين لتعمية الحقائق ، فما هو واجب العصر المناط بالعاملين فضلا على القائمين على الإعلام المرئي والمسموع والمقروء في العالمين العربي والإسلامي لنشر الحقيقة وبيانها للناس قبل طمسها صهيونيا كما هو ديدنهم على الدوام ؟
ج: الجانب الإعلامي يعد من أهم أدوات الصراع، ولذلك جاءت النصوص الشرعية بتكاملية القوة في مواجهة العدو ومقاومته ومنها القوة الاعلامية ، قال رسول ﷺ : قاتلوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم، واللسان مظنة الاعلام، وتتضاعف المسؤولية الاعلامية حينما نجد العدو يوظف قدراته الاعلامية في خداع الرأي العام المحلي والدولي بتحريف الوقائع وتزييف الحقائق و شيطنة المقاومة الفلسطينية، فالحقيقة أولى ضحايا الحروب ، والاعلاميون المهنيون أهدافا لنيران العدو، لذا ينبغي على المؤسسات الإعلامية في الدول العربية والاسلامية أن تكون على قدر المسؤولية الشرعية والمهنية والانسانية في إظهار الحقيقة المجردة، والتغطية الموضوعية فقط التي حاول العدو المحتل اغتيالها في غزة، لذا فمعركة الحق ضد الباطل مثلما تحتاج الى أسلحة ميدانية تحتاج الى الكاميرا المقاتلة والقلم المحارب وقاذفة الكلمات التي تظهر جرائم العدو وباطله وزيف ادعاءاته، وهنا نسجل تقديرنا العالي لقناة الجزيرة بمراسليها ومقدميها ومحلليها الذين أظهر الحقيقة وقدموا الدماء من أجل ذلك .



س9 - لقد دمر الكيان الصهيوني ومنذ بدء العدوان أكثر من(227) مسجدا في غزة فهل تصح الدعوة الى إقامة جمعات موحدة في عامة القطاع تلافيا لمخاطر الاستهداف الصهيوني المتكرر في حال تعددها ، بالمقابل هناك دعوات لإقامة جمعات موحدة في العديد من الدول العربية والإسلامية بين الفينة والاخرى لنصرة أهلنا المحاصرين في غزة فما حكمها شرعا ؟
ج: الأصل في تشريع صلاة الجمعة في البلد أن تكون واحدة يجتمع فيها المسلمون، ورسول الله ﷺ لم يكن يقيم في المدينة مدة حياته عليه الصلاة والسلام، سوى جمعة واحدة، وهكذا في عهد الخلفاء الراشدين المهديين رضي الله عنهم أجمعين، وفي سائر الأمصار الإسلامية في صدر الإسلام، ولما في اجتماع المسلمين في مكان واحد لأداء الجمعة من إقامة شعائرالإسلام، ولما فيه من إغاظة لأعداء الإسلام من المنافقين وغيرهم باتحاد الكلمة وعدم الفرقة، وقد نصّ بعض الفقهاء على أن الواجب هو اجتماع أهل البلدة أو القرية على جمعة واحدة ما أمكن ذلك من دون مشقة تحقيقا للمصلحة الكبرى في الاجتماع ولاسيما في الطوارئ التي تستدعي الاجتماع في مسجد واحد؛ لأنه أعلى للكلمة، وأوقع للهيبة، وأدعى لتحشيد الرأي العام المحلي والدولي، وعليه فالأصل أن صلاة الجمعة كانت واحدة في البلدة، ثم دعت الحاجة والمصلحة إلى تعددها لتوسع العمران في البلدة الواحدة، وبناء على ما سبق فإن دعوة المرجعيات الشرعية المعتبرة والجهات المعنية بإدارة المساجد إلى إقامة جمعة موحدة،وتحشيد جماهير المصلين لنصرة أهل غزة والتنديد بجرائم الكيان الصهيوني،والقوى المساندة له في جرائمه، والضغط على الحكومات العربية والإسلامية وحتى المنظمات الدولية لحثها على إيقاف المجازر التي ترتكب بحق أهل غزة، فهذا الأمر مشروع، والحاجة اليه قائمة.


س10: طرقت أسماعنا في الآونة الأخيرة فتاوى عديدة تؤكد على ضرورة الانفاق على أهلنا الجياع والعراة في فلسطين ، مبينة بأنها أولى من إنفاق المال في نافلة الحج والعمرة أو حتى ادخاره، ليستعينوا بها على قضاء حوائجهم الضرورية، ما رأيكم في ذلك ؟
ج: التزاحم في أداء النوافل تحكمه قاعدة: "إن فعل القربات المندوبة ينبغي فيه مراعاة ما يحبه المعبود لا ما يشتهيه العبد"، كما جاء في الحديث القدسي: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) رواه البخاري، وفي ظل الظروف العصيبة التي يمر بها أهلنا في غزة العزة جراء العدوان الصهيوني وما يرتكبه جيش الاحتلال من جرائم وحشية وابادات جماعية، وتهجير قسري، وحصار إجرامي،بحق أهل غزة الصابرين، وقيام الحاجة الشديدة الى إمدادهم بالغذاء والدواء والوقود وبقية مستلزمات الحياة الانسانية الكريمة، نرى أن الإنفاق على أهل غزة من أفضل القربات وأعظم الطاعات، وهو أولى من حج النافلة وعمرة التطوع، مع ما فيهما من الخير والفضل، وهذا ينسجم مع مقاصد الشريعة وأسرار التشريع والقواعد الكلية ومنها: إنّ أفضل العبادات ما كانت في وقتها، والقُربة المتعدية أفضل من القُربة القاصرة، وضرورة حفظ نفس المسلم تقدم على حاجيات حفظ الدين على أهميتها.
والناظر في أحوال أهل غزة اليوم (ولا يخفى حالهم على أحد) يرى أن أغلبهم إن لم نقل كلّهم من المضطرين إلى النفقة والمحتاجين إلى الصدقة، ليستعينوا بها على قضاء حوائجهم الضرورية، فهم لا يجدون المأكل والمشرب والمأوى والعلاج والوقود، فيكون الإنفاق والتصدق عليهم أولى من إنفاق المال في نافلة الحج والعمرة أو ادخاره، فهذا خير وقت للإنفاق وإخراج الصدقات.

س11: هناك من يحاول جاهدا أن يفت في عضد المقاومة الفلسطينية المشروعة، مشفوعا بمحاولة التقليل من شأنها على الدوام بزعم عدم تكافؤ ميزان القوى بين المحتل المدعوم أمريكيا وأوربيا وعلى مختلف الصعد ، وبين المقاوم الفلسطيني المعتمد بعد الله تعالى، على ما تيسر له من مساعدات وإعانات وصناعات محلية وإمكانات محدودة ...ما قولكم في ذلك ؟
ج: من المعلوم لدى فقهاء السياسة الشرعية أن عدم التكافؤ بين المحتل والمقاوم ليس مانعا من القتال شرعا وعرفا، وقد حدث لبس أو إلقاء شبهة، في معركة (طوفان الأقصى)، مفادها أن عدد مقاتلي المقاومة الإسلامية الذين هجموا على مستوطنات غلاف غزة أقل بكثير من عدد الجيش الصهيوني وعدته، وهذا يتعارض مع التخفيف الذي نص عليه القرآن الكريم، مما يؤدي الى التهلكة بحق المقاتلين ومن ثم التدمير لأهل غزة.
وهذا التوصيف الفقهي قاصر، ولم يراع التفصيل في الحكم بالوجوب والجواز، ولا التفريق بين جهاد الدفع وجهاد الطلب،وأول القتال وفي أثنائه، فأمر التكافؤ يراعى في الطلب،وعند شدة المعركة وتستدعي انسحابا، لذا قرر الفقهاء أنه عندما يزيد عدد الكفار على ضعف المسلمين، فيجوز الفرار حينئذ، وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة، فلا يجوز لمائة أن يفروا من مائتين ولا الألف من ألفين، فإن زاد الكفار عن الضعف جاز الفرار، وهذا تخفيف من الله تعالى، وهو نسخ لوجوب مصابرة العشرين للمائتين،والمائة للألف، فهنالك فرق بين: جواز الفرار، ووجوبه أو حرمة القتال، فلو أن المسلمين ثبتوا مع أضعافهم جاز ذلك، وهذا ما كان عليه حال المسلمين في أكثر معاركهم، ولا سيما المعارك الكبيرة بعد عصر التنزيل كاليرموك والقادسية وحروب الردة، أما لو هجم العدو على بلاد المسلمين واحتلها،وجب دفعه، ولو كان عدده أضعاف عدد المسلمين، ولا يجوز الفرار حينئذ إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة، وعليه فإن خيف أن يهجم العدو على مدن المسلمين فيستبح دماءهم وأعراضهم، فيجب صده ومقاومته، ومما سبق يتبين لنا جوازالقتال مع القلّة، بل ومع غلبة الظن بحصول الهلاك، ولاسيما للنكاية بالعدو المحتل الغاصب، ولاسيما عند دفعه، وهذا هو حقيقة ما يحصل في غزة نسأل الله تعالى أن يثبتهم وينصرهم على عدوهم، (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ).

س12: لقد حاز كتابكم مناط البحث والحوار "الفتاوى المؤصلة للقضية الفلسطينية..مسائل (طوفان الأقصى) في ضوء السياسة الشرعية "، على المرتبة الأولى في "مدونة عالم" ،حدثنا عن ذلك قليلا.
ج: اعتدت على نشر الفتاوى التي أحررها بشأن المستجدات في "مدونة عالم " من على "منصة أريد" الدولية للعلماء والباحثين والخبراء الناطقين باللغة العربية، وقد اعتاد القائمون على هذه المدونات على إعلان المراتب الثلاثة الاولى للمدونات التي تنشر فيها خلال شهر بحسب معايير محددة، وبعد نشري لسلسلة من الفتاوى المتعلقة بطوفان الأقصى حازت هذه المدونات على المرتبة الأولى لما حظيت به من اهتمام المتابعين وسعة انتشارها في مواقع التواصل، وقد طلبت مني "هيئة علماء فلسطين" تحرير بعض المسائل المتعلقة بمعركة طوفان الاقصى واستجبت لهم ورأيت فيها صورة من النصرة العلمية للقضية الفلسطينية وهذا أقل الواجب ، ثم قررت جمع هذه الفتاوى في كتاب لتعم به الفائدة وقد وجدت اقبالا عليه وانتشر على مواقع التواصل الاجتماعي ،وحظي بثناء العلماء ، نسأل الله تعالى القبول والنفع.


*كلمة أخيرة تودون قولها قبل الختام .

يا رب نصرك الذي وعدت في الأرض التي باركت، فإننا نخوض معركة شرسة بشأن صراع الهويات ، فهويتنا مهددة ومستهدفة، وهنالك مشروع لتسطيح ثقافتنا وتمييع قضيتنا، وواجبنا جميعا يتجلى في نشر الوعي بين فئات المجتمع كافة في بيان حقيقة الصراع ومقومات هويتنا وطبيعة قضيتنا، علينا أن نربي أبناءنا والأجيال القادمة على ترشيد اهتماماتهم وتوجيه بوصلة تفكيرهم، كيف نحافظ على هويتنا الاسلامية؟ وكيف ننتصر لقضيتنا الفلسطينية؟ فإذا ادركنا ذلك جاءنا التأييد الإلهي والفتح الرباني .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي