الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراء غير جيدين أو تجار متنكرون: مجانين مكتبة الاسرة

نائل الطوخي

2006 / 12 / 8
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


لا يمكن تحديد قارئ مكتبة الأسرة من أول وهلة. هو قارئ غير متعين لا يسير بالضرورة في الشارع حاملا كتبه تحت ذراعه و لا يتحدث عن العولمة و صراع الحضارات، والأكثر من هذا، ربما يكون قارئا غير جيد بالأساس و إنما مجرد شخص يبحث عن الجديد و الرخيص في نفس الوقت. يؤكد جميع من التقيت بهم من موزعي الكتب مكتبة أن كثيرا من زبائن مكتبة الأسرة لا يقرأون الكتب التي يشترونها، وهم يشملون جميع قطاعات المجتمع، وذلك لمعادلة بسيطة، فالفقير لن يشتري الكتب الغالية، و لكن الغني يسعي أيضا وراء الكتاب الرخيص.
يسترجع سمير عبد الحميد البائع بفرع الهيئة المصرية العامة للكتاب بشارع ستة و عشرين يوليو أيام كان يصل فرع الهيئة فيجد الزبائن ينتظرونه أو عندما يغلق الفرع ليجد قارئا يتابعه فيضطر إلي إعادة فتحه و إعطائه الكتاب الذي يسأل عنه، وبرغم أن هذا لم يعد يحدث الآن إلا أنه مايزال لمكتبة الأسرة مجانينها، الذين ليسوا بالضرورة قراء جيدين. يقول أن نصف متابعي مكتبة الأسرة في الغالب لا يقرأون الكتب, يعرف هو هذا من متابعته للزبائن و سؤالهم عن تفاصيل كتاب معين اشتروه من عنده. في الغالب يسعي الناس لترصيع مكتبتهم فقط لا غير، أو يكونون رجالا كبارا في السن ينتظرون إحالتهم علي المعاش حتي يتفرغوا للقراءة، لأنهم يعرفون أنهم لن يجدوا الكتاب بعد ذلك بنفس السعر، أو حتي يريدون إهداء أبناءهم الكتب.
وبرغم أن الكتب ليست لهم أو أنها ليست للقراءة المباشرة فهم لا يكفون عن السؤال عن جديدها يوميا، و هو ما يسبب له الضيق أحيانا. عندما تعلن الهيئة عن بيع عنوان ما في الجرائد لا يشترط أن يصلهم هذا العنوان في نفس اليوم، بينما القراء يلاحقونه بالسؤال عنه طوال اليوم، و عندما يصل الكتاب بالطبع من الطبيعي أن ينفد فور وصوله، هذا علي الرغم من أن عدد النسخ التي تصل فرع الهيئة قد تصل إلي 300 نسخة، وهي تبدأ من عشرين نسخة.
للموسوعات مجانينها كذلك، يبحث الزبائن عن أجزائها المتلاحقة بنفاد صبر. أحيانا ما ينفد جزء ما عنده فيصف للزبون فرعا آخر في الهيئة في مكان ناء مثل طنطا مثلا ويفاجئ بأن القارئ سافر هناك فعلا ليحصل علي الجزء الناقص وعاد ليشكره علي مساعدته له!
يقول سمير إن زبائنه هم من جميع طبقات المجتمع، و لكنه يميز بوضوح بين الرجال و النساء. فالرجال هم في الغالب من يأتونه للشراء، أما النساء فلا تقبل إلا علي الروايات
كذلك لا يتمكن عم طه البائع بفرشة كتب بالعباسية من تحديد نمط معين لقارئ مكتبة الأسرة. يتذكر زبونا يأتيه من الحين والآخر راكبا سيارة شيروكي ليشتري كل ما عنده علي الفرشة من مكتبة الأسرة والذي قد يبلغ سعره مائتي أو ثلاثمائة جنيها. ويتذكر كذلك طالبا في كلية الحقوق يغيب كثيرا ثم يأتي ليشتري بحوالي المائة جنيه كل الموجود عنده.
يبدو الرجل و كأنه تخصص في مكتبة الأسرة، فالفرشة التي يبلغ اتساعها حوالي الثلاثة أمتار هي كلها عبارة عن كتب مكتبة الأسرة، مع ركن صغير للجرائد، لذا يستطيع أن يقارن لي بين العناوين المطروحة في عهد سمير سرحان و بين تلك في عهد ناصر الأنصاري، ويحلل أسباب ركود حركة البيع الآن مقارنة بالعهد السابق.
يتذكر طه أيام كتاب قصة الحضارة و موسوعة مصر القديمة لسليم حسن بانبهار. يقول لي أن الزبون كان يأتي للسؤال عن جزء ناقص لديه متوسلا له وعارضا أن يدفع كل ما يريده. ولكنه يأبي إلا أن يزيد في الكتاب جنيهين او ثلاثة جنيهات وهي الحسنة بتاعته كما يصفها أو أجرته لتعبه في توفير الكتاب. الجزء من قصة الحضارة الذي كان يباع بسبعة جنيهات كان يبيعه بعشرة و من مصر القديمة الذي كان يباع بخمسة كان يبيعه هو بسبعة. يقول لي مبتسما أن عدد النسخ التي باعها من قصة الحضارة تملأ نصف ميدان العباسية.
وبرغم وجود كل فروع الهيئة فإن قارئ مكتبة الأسرة لم يكن يتوقف عن اللجوء إليه، من كل الأماكن تقريبا، يصف لي زبائن يأتونه من بورسعيد و الأقصر ويسألون عنه بشكل خاص، بل وزبائن سودانيون يأتونه بشكل خاص للسؤال عن كتاب السودان و أهل السودان ، يقول لي أن القارئ السوداني يأخذ بالعشر نسخ من هذا الكتاب إما لإهدائها إلي أقربائه في السودان أو لبيعها هناك بأكثر من سعرها.
سيد مصطفي الموزع بفرع الهيئة بشارع شريف يقارن بين زبون كتب الهيئة العامة للكتاب الذي يبحث عن موضوع الكتاب بشكل أساسي و بين زبون مكتبة الأسرة الذي يسأل عن السعر قبل أي شيء.
أحيانا ما يتنافس الكتابان فيما بينهما، كتاب الهيئة و كتاب مكتبة الأسرة، عندما تقرر الهيئة طبع نفس كتابها الذي لم ينفد بعد في مكتبة الأسرة، و بالتالي يقل ثمنه كثيرا مما يؤثر علي الكتاب الأول الذي لا يشتريه أحد مطلقا. نفس المشكلة موجودة بشكل ملموس عند عم طه بالعباسية، الذي يعرض نسخة من كتاب أشواق بوذا صادرة عن الهيئة بستة جنيهات و نصف، بجوار نسخة أخري عن مكتبة الأسرة بجنيه و نصف. قال لي عم طه ساعتها أنه لا يتضرر من وضع الكتابين بجوار بعضهما: عندما ينفد كتاب الأسرة سأعرض الكتاب الآخر.
شيء آخر يتسم به قارئ مكتبة الأسرة: الكسل. وهذا ناتج عن رخص أسعار كتب المكتبة التي يسأل قارئها عن جديدها بغض النظر عن أهميتها بالنسبة له. ينبهني سيد مصطفي إلي أن الهيئة تقرر أحيانا طباعة الجزء الثاني من العمل بدون الجزء الأول، مثل كتاب تاريخ الشعوب العربية و تحول السلطة . يقول لي أنه كثيرا ما يجد قراء يشترون هذا العمل بدون التدقيق في الغلاف أو معرفة أي جزء هذا، ينبههم هو إلي هذا قبل أن يتورطوا في الشراء. علي العموم، لا يؤمن سيد كثيرا بجدية قراء مكتبة الأسرة. يقول لي أن كثيرا جدا منهم يسايرون زملاءهم فيشترون ما يتحدثون عنه و لو لو يكن مفيدا بالنسبة لهم.
ومثل الكثير جدا من منافذ البيع، يأتيه تجار متنكرون في شكل قراء. يعرف التجار أكثر العناوين أهمية فيطلبون نسخا كثيرة. لا يستطيع هو أن يرفض طلبهم إلا في حالة لو كانت عدد النسخ الموجودة لديه قليلة، حينها يقرر الا يبيع للزبون أكثر من نسخة واحدة. و في الغالب عندما يطرح في مكتبة الأسرة عنوان مهم فإن نصيب المكتبة يكون قليلا من النسخ حيث يوزع الكتاب في أماكن أكثر بكثير مما لو كان عنوانا عاديا، حدث هذا في كتاب مذكرات الجمصي وحياة محمد ومقدمة ابن خلدون و غيرها، وقصة الحضارة قبل أن يتم تجميع جميع أجزاءها في كراتين كبيرة يبلغ سعر الكرتونة الواحدة مئة و خمسين جنيها، ويتذكر أصحاب مكتبات عراقية كانوا يأتونه ليأخذوا أكثر من كرتونة لبيعها في العراق








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد يطالب عضو مجلس الحرب ب


.. عالم الزلزال الهولندي يثير الجدل بتصريحات جديدة عن بناء #أهر




.. واشنطن والرياض وتل أبيب.. أي فرص للصفقة الثلاثية؟


.. أكسيوس: إدارة بايدن تحمل السنوار مسؤولية توقف مفاوضات التهدئ




.. غانتس يضع خطة من 6 نقاط في غزة.. مهلة 20 يوما أو الاستقالة