الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحاضرية الوجودية وتصديق الوهم

غالب المسعودي
(Galb Masudi)

2024 / 5 / 10
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


تحرير العقل من تصديق الوهم هو مفهوم تتناوله العديد من التيارات الفلسفية بالإضافة الى الحاضرية الوجودية،اذ يعتقد أن البشر يعيشون في حالة من الوهم والتضليل، حيث يصدقون مفاهيم وأفكاراً زائفة تحدد حياتهم وتحكم تصرفاتهم، وهذا يحرمهم من الحقيقة والسعادة الحقيقية. تحرير العقل من الوهم يتطلب التخلص من الاعتقادات السلبية التي تزيد من الوهم وتعيق النمو الشخصي. واحدة من الأساليب الشائعة لتحرير العقل هي ممارسة الانتباه الشامل والوعي الحاضر، حيث يتم توجيه الاهتمام بشكل واعٍ للتجارب والأفكار والعواطف التي تنشأ في اللحظة الحاضرة، دون الانغماس في التفكير المتكرر في الماضي أو المستقبل. هذا التمركز الحاضر يساعد على تبني وجهات نظر أكثر واقعية وإشراك العقل بطريقة أكثر فاعلية. بالإضافة إلى ذلك، فإن تحرير العقل يتطلب أيضًا التحقق الذاتي والتحليل النقدي للاعتقادات والقناعات السائدة. يتعين على الفرد أن يكون مستعدًا للتحقق من صحة معتقداته وتحديها بشكل منتظم، وهذا يعني الاستفسار والبحث عن الحقائق والمعرفة والتجربة الشخصية عملية تحرير العقل قد تكون تحدياٍ صعبًا ومستمرًا، فالوهم والاعتقادات الخاطئة قد تكون عميقة ومتجذرة في طبيعة الإنسان. ومع ذلك، فإن السعي لتحرير العقل يمكن أن يفتح الأبواب لفهم أعمق للحقيقة. هناك بعض الأمثلة على الوهم والاعتقادات السائدة التي يكون من الضروري تحرير العقل منها:
الاعتقاد في الكمال المطلق: يعتقد البعض أن الكمال المطلق هو هدف يمكن تحقيقه في جميع جوانب الحياة، سواء كانت تتعلق بالمظهر الخارجي أو القدرات والمواهب أو العلاقات الشخصية. ومع ذلك، فإن هذا الاعتقاد غالبًا ما يؤدي إلى شعور بالإحباط والقلق وعدم الرضا عن الذات. تحرير العقل من هذا الوهم يعني قبول النقاط الضعف والعيوب البشرية والسعي للتطور والتحسين بدلاً من السعي للكمال المطلق.
الاعتقاد في القدرة على التنبؤ بالمستقبل: هناك اعتقاد سائد بأننا قادرون على التنبؤ والتحكم الكامل في مستقبلنا. ومع ذلك، فإن الواقع يظهر أن الحياة غير قابلة للتنبؤ بشكل كامل وأن هناك العديد من العوامل الخارجة عن سيطرتنا. تحرير العقل من هذا الوهم يعني قبول عدم اليقين والتعامل مع المستقبل بروح من المرونة والتكيف.
الاعتقاد في الانتماء إلى مجموعة أو ثقافة معينة: يميل البعض إلى تصنيف أنفسهم وفقًا لمجموعة معينة أو ثقافة ويعتقدون أن هويتهم محددة بشكل كامل بواسطة هذه المجموعة. تحرير العقل من هذا الوهم يعني فتح الباب أمام تجربة وتبني وجهات نظر مختلفة وتعلم فهم واحترام الثقافات الأخرى.
الاعتقاد في النجاح الوحيد: يعتقد البعض أن النجاح يقتصر على مجال واحد معين، مثل الحصول على وظيفة مرموقة أو كسب الكثير من المال. تحرير العقل من هذا الوهم يعني توسيع تعريف النجاح ليشمل الرضا الشخصي والتوازن والسعادة في مختلف جوانب الحياة.
الاعتقاد في القيمة الشخصية المشروطة: يعتقد البعض أن قيمتهم كأشخاص مرتبطة بإنجازاتهم ومواقعهم الاجتماعية والمهنية. وهذا الاعتقاد يمكن أن يؤدي إلى الشعور بالقلق وعدم الرضا عن الذات عند عدم تحقيق النجاحات المرجوة. تحرير العقل من هذا الوهم يعني قبول قيمة الفرد بصفته إنسانًا مهمًا بغض النظر عن الإنجازات الخارجية.
الوهم الاجتماعي: يشير إلى الاعتقاد في القواعد والتوقعات الاجتماعية المفروضة والضغوط الاجتماعية للتصرف وفقًا للتوقعات الخارجية، بغض النظر عن القيم الشخصية والرغبات الداخلية. تحرير العقل من هذا الوهم يعني تحدي هذه القواعد والتوقعات والعيش وفقًا للقيم والرغبات الشخصية الحقيقية.
الاعتقاد في القدرات المحدودة: يمكن للبعض أن يصدقوا أن لديهم قدرات وإمكانيات محدودة وأنهم غير قادرين على تحقيق أهدافهم الكبيرة. تحرير العقل من هذا الوهم يعني التحرر من القيود الذاتية وتوسيع الإيمان بالقدرة على التطور وتحقيق النجاح.
الاعتقاد في العدالة المطلقة: يعتقد البعض أن العالم يجب أن يكون عادلاً بشكل مطلق، وأن الأشخاص الأبرياء يجب أن يعيشوا حياة خالية من المعاناة. ومع ذلك، فإن الواقع يظهر أن العدالة ليست دائمًا موجودة وأن الحياة قد تكون غير عادلة. تحرير العقل من هذا الوهم يعني قبول الواقع والتعامل معه بشكل مناسب والسعي للعدالة والتغيير في المجالات التي يمكننا التأثير فيها. يجب أن نلاحظ أن الوهم والاعتقادات السائدة قد تختلف من شخص لآخر ومن ثقافة إلى أخرى. لذا، فإن تحرير العقل يتطلب التحقق الذاتي وتحليل الاعتقادات الشخصية التي يمكن أن تكون مقيدة وتحديد الوهم الذي يحتاج إلى تحرير في كل حالة فردية. لفهم مفهوم العدالة المطلقة من وجهة الحاضرية الوجودية الشاملة ينبغي الاخذ بعين الاعتبار العوامل الاجتماعية والاقتصادية والتاريخية والدينية والسياسية تؤثر بشكل كبير على مفهوم العدالة في المجتمعات:
العوامل الاجتماعية: العوامل الاجتماعية مثل التفاوت في الثروة والطبقات الاجتماعية والجندر والعرق والدين والثقافة يمكن أن تؤثر على العدالة. قد يؤدي عدم المساواة الاجتماعية إلى تمييز وظلم في التعامل وفي توزيع الموارد والفرص. قد تنشأ حركات العدالة الاجتماعية لمحاولة تصحيح هذه الاختلالات وتحقيق المساواة.
العوامل التاريخية: التاريخ يلعب دورًا هامًا في تشكيل فهم المجتمع للعدالة. قد يكون هناك تأثير بقاء النظم القديمة والاستعمار والاستبداد والحروب والصراعات التاريخية على فهم العدالة وممارستها في المجتمعات. يمكن أن يكون للتاريخ تأثير عميق على التحيزات والحساسيات الموجودة في المجتمع بشأن العدالة.
العوامل الدينية: العوامل الدينية تلعب دورًا مهمًا في تحديد فهم العدالة في المجتمعات. الأديان قد تحتوي على قيم ومعتقدات وأعراف تؤثر في تصور الناس للعدالة وسلوكهم. قد يؤثر الدين في تحديد القوانين والأنظمة القانونية والمعايير الأخلاقية المرتبطة بالعدالة.
العوامل السياسية: العوامل السياسية مثل النظم السياسية والحكومات والسلطة والسياسات العامة تؤثر بشكل كبير على العدالة. يمكن أن تكون هناك تحيزات وفساد وتلاعب بالعدالة في النظم السياسية التي تفتقر إلى الشفافية والمساءلة. قد تنشأ الاضطرابات السياسية والثورات كنتيجة للظلم ونقص العدالة في البنية السياسية.
من وجهة نظر الحاضرية الوجودية، التي تعتبر فلسفة فكرية، ثقافة الوهم تُعَدُّ عائقًا أساسيًا أمام الوعي والتحرر الحقيقي. تعتقد الحاضرية الوجودية أن البشر يتأثرون بالقيود الاجتماعية والثقافية والأفكار المغلوطة التي تفرض عليهم، والتي قد تشمل ثقافة الوهم. وفي مواجهة ثقافة الوهم، تسعى الحاضرية الوجودية إلى تحقيق الوعي الذاتي والحرية الشخصية، وتشجع على فهم الحقيقة وممارسة الشفافية والمساءلة والعدالة في جميع جوانب الحياة. بالتالي، يمكن أن تنظر الحاضرية الوجودية إلى ثقافة الوهم برمتها على أنها عائق للتحرر الشخصي، وتعتبر الشفافية والمساءلة أدوات أساسية للقضاء على الوهم وتحقيق التحرر والانعتاق، لذا تركز الحاضرية الوجودية على الواقع الحاضر وتجربة الفرد الشخصية في العالم. تؤكد على أهمية التفاعل الفعلي والتعامل مع التحديات والصعاب في الواقع الملموس. ومن الممكن أن يعتبر مؤيدو الحاضرية الوجودية أن ثقافة الوهم تعرقل الواقعية والتصالح مع الحقائق الحاضرة. مع ذلك، يجب أن نلاحظ أن الواقع وثقافة الواقع ليست خالية من العيوب أو الانحيازات. قد تكون هناك ثقافات وأنظمة تعتمد على الواقع وتسعى لتشويهه أو تحجب بعض الحقائق. لذلك، من المهم أن نكون حذرين ونسعى لتحقيق التوازن بين الاعتماد على الواقع والتحقق والتحرر من ثقافة الوهم. هناك بعض الاضطرابات النفسية التي يمكن أن تؤدي إلى تصديق والقناعة في ثقافة الوهم وتجنب الاصطدام بالحقائق الواقعية:
اضطراب الهلوسة: يتميز هذا الاضطراب بوجود تصورات غير حقيقية ومغالطات حسية. قد يؤدي الشخص المصاب بهذا الاضطراب إلى التمسك بالهلوسات والاعتقاد بأنها حقائق حقيقية بدلاً من تحدي الوهم والبحث عن الحقائق الواقعية.
الاضطراب الوهمي: يتسم هذا الاضطراب بتشويه الاعتقادات الشخصية بحيث يصبح الشخص مقتنعًا بوجود مؤامرات وأفكار وهمية تتعارض مع الواقع الملموس. يمكن أن يؤدي هذا الاضطراب إلى تجنب الاصطدام بالحقائق والتمسك بالاعتقادات الوهمية.
اضطراب الشخصية النرجسية: يتميز الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الشخصية النرجسية بالاعتقاد بأنفسهم وقدراتهم بشكل مبالغ فيه، وغالبًا ما يرون أنفسهم فوق الحقائق الواقعية. يميلون إلى تحريف الواقع ليتناسب مع صورتهم المثالية عن أنفسهم. بالتالي ثقافة الوهم تشير إلى اعتقادات أو أفكار غير واقعية أو غير مستندة إلى أدلة ملموسة. قد يستخدم البعض الوهم كآلية للهروب من الواقع أو لتخفيف الضغوط النفسية المؤقتة. ومع ذلك، فإن الاعتماد المستمر على الوهم لتجنب النزاع الداخلي والتحديات الحقيقية يمكن أن يؤدي إلى تدهور الحالة النفسية والتعامل غير الصحيح مع الصعاب. عندما تتعامل مع الحقائق الواقعية وتفهم الواقع كما هو، فإن ذلك يعزز الثقة بالقدرة على التأقلم. وتكون أكثر قدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة والتصرف بطريقة تدعم صحتك النفسية. عندما تتقبل الواقع وتتعامل معه بشكل صحيح، فإن ذلك يساهم في زيادة الرضا عن الحياة. نصبح أكثر قدرة على التعامل مع التحديات والصعاب بشكل إيجابي، وتحقيق التوازن بين التوقعات والواقع، والعيش بشكل أكثر تناغم وسعادة.
في الحاضرية الوجودية، التصالح مع الواقع يعتبر أساسًا للمعرفة والنمو الشخصي. تعتبر الحاضرية الوجودية توجهًا فلسفيًا يؤكد أهمية قبول الواقع والتعامل معه بصدق ووعي. واحدة من المفاهيم الأساسية في الحاضرية الوجودية هي "التصالح مع الواقع"، وذلك يعني أننا يجب علينا أن نقبل الحقائق والوقائع كما هي، دون التمسك بالوهم أو الأفكار غير الواقعية. يعتقد الحاضرون الوجوديون أنه من خلال التصالح مع الواقع، يمكن للفرد تحقيق النضج الشخصي والتطور الروحي. ومع ذلك، يمكن أن يواجه التصديق الاجتماعي تحديات في بعض الأحيان. قد تكون هناك توقعات وضغوط اجتماعية تدفع الفرد للتمسك بالوهم أو الأفكار غير الواقعية لتلبية تلك التوقعات. قد يكون من الصعب التصالح مع الواقع عندما يتعارض مع معتقدات مجتمع معين أو عندما يواجه الفرد انتقادات ورفضًا من الآخرين. مشكلات التصديق الاجتماعي يمكن أن تتضمن الشعور بالعزلة أو الضغط النفسي أو فقدان الهوية الشخصية. قد يشعر الفرد بالضغط لتقديم صورة مثالية عن نفسه في وسائل التواصل الاجتماعي أو في العلاقات الاجتماعية. يمكن أن يؤدي ذلك إلى التلاعب بالحقائق وتجاهل الجوانب السلبية أو الضعيفة من الحياة الشخصية، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية ويخلق شعورًا بعدم الارتياح والعدم التوافق مع الواقع يمكن أن يواجه الفرد ضغوطًا قوية للتصرف وفقًا لتوقعات المجتمع أو الثقافة المحيطة به. قد يشعر بالضغط لممارسة مهنة معينة أو الالتزام بنمط حياة محدد أو اتباع قواعد اجتماعية معينة. إذا كانت هذه التوقعات تتعارض مع رغباته وقيمه الشخصية، فقد يكون من الصعب عليه التصالح مع الواقع واتخاذ قرارات تتماشى مع ذاته. مكن أن يشعر الفرد بالضغط للتكيف مع مجموعات اجتماعية معينة أو الانتماء إلى مجموعات معينة. قد يعتقد أنه يجب أن يتبع آراء الآخرين ويتكيف مع طرق التفكير والسلوك المعتمدة في تلك المجموعات، حتى وإن كانت تتعارض مع معتقداته الشخصية. هذا يمكن أن يؤدي إلى عدم الصدق مع النفس والتصالح غير الصحي مع الواقع. قد يواجه الفرد ضغوطًا للتصديق بالتمييز والتحيز الاجتماعي الموجود في المجتمع. قد يضطر لتجاهل حقائق وتجارب الآخرين أو للتصرف بطرق تفرق بين الأشخاص بناءً على خصائصهم الشخصية مثل الجنس، العرق، الدين، الجنسية وغيرها. هذا الموقف قد يتعارض مع قيم المساواة والعدل ويؤدي إلى شعور بالتوتر والتشوش النفسي. هناك العديد من المشاكل الأخرى التي يممكن أن يوجهها الأفراد في التصديق الاجتماعي، وتختلف تلك المشاكل من شخص لآخر وحسب الثقافة والبيئة التي يعيش فيها الفرد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيران :ماذا بعد مقتل الرئيس ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. إيران تعيد ترتيب أوراقها بعد مصرع رئيسها | #التاسعة




.. إسرائيل تستقبل سوليفان بقصف مكثف لغزة وتصر على اجتياح رفح


.. تداعيات مقتل رئيسي على الداخل الإيراني |#غرفة_الأخبار




.. مدير مكتب الجزيرة يروي تفاصيل مراسم تشييع الرئيس الإيراني وم