الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التوسل إلى الأمام.. عبر التراجع

محمد مليطان

2006 / 12 / 8
مواضيع وابحاث سياسية


قناعات الإنسان ومعتقداته والفكر الذي يغذيها، هي التي ترسم خطوط حياته ومنعرجاتها، وعادة ما تكون هذه القناعات والمعتقدات والأيديولوجية المغذية لها خارج نطاق المفاوضات والمساومات، وخطّ أحمر لا يسمح بتجاوزه، ولا بالاقتراب منه، ولا بالمساس به، باعتباره يمثل القيم والمبادئ، التي يرمز المساس بها إلى المساس بالوجود، كإنسان كامل.
هذا يذكرني بالمقولة الليبية السائدة، التي يرددها كثير من ذكور مجتمعنا الشرقي حتى النخاع، باعتباره مجتمعا ذكوريا : (الراجل ما يوليش في كلمته).
استوقفتني هذه المقولة في مواقف متعددة، منها ما كان فيها الرجوع عن الكلمة هو طوق النجاة، والخيار الأنجع، والأسلم، ومنها ما كان فيها عدم التراجع عن هذه الكلمة لا يقدم شيئا، ولا يؤخر، ومنها ما كان الرجوع فيها عن الكلمة المقطوعة هو الأكثر فائدة، والأكثر ضمانا للنتائج، وكان التراجع فيها ليس خسارة بقدر ما يمثل إعلانا عن حسن النوايا، وتعبيرا عن الحلم، والتواضع، أكثر منه رمزا للجبن، وعدم (الرجولة).
في الخارج عن هذه المنظومة الاجتماعية نجد أن الرجوع عن كثير من القناعات، والمعتقدات، هو في الحقيقة انطلاق إلى الأمام، وليس شدا إلى الوراء؛ فعمر بن الخطاب - رضي الله عنه- لم يكن ليكون مسلما لولا تنازله، وتخليه عن الأفكار السائدة بين صانعي القرار في دار الندوة القرشية، ولولا تراجعه عن التمسك بتلك الأيديولوجية القرشية السائدة، لما سمح لنفسه بالجلوس إلى عبد الله بن مسعود، - وهو رويعي الغنم – ليقرأ عليه سورة (طه) ، ولتكون بعدئذ وسيلته إلى الحق، الذي طالما ضل عنه، واستضله عنه التعصب الشديد لأفكار بني قومه من القرشيين المحافظين.. وبالنظر إلى النتائج المترتبة عن التمسك بالمواقف، والأفكار، التي لا تتناسب مع المستجدات في الحياة، نجد أن الأيديولوجية المتخلفة التي قتلت جاليليو؛ لأنه أصر على عدم الرضا باستعبادها إياه، لم تلق من الأجيال اللاحقة غير الكفر بها، ولعنها؛ فالانسحاب من المعركة – إذن - لا يعني الهزيمة، والنصر قد يكون في الانسحاب، خاصة إذا كان من غير الممكن الانحناء أمام العاصفة، في الوقت الذي لا ينتج عن الوقوف في وجه العاصفة غير انكسار العود.
تغيير الأفكار والقناعات ظاهرة صحية؛ بل ومهمة، بالنسبة للحياة بصفة عامة، وبالنسبة لكل إنسان يفكر بصفة خاصة، ولا يعني تغيير أفكار الأمس تراجعا عن المثل العليا، أو انحطاطا في قيمة الأفكار الجديدة، ولا العقول التي تتبناها، بقدر ما تعبّر عن الثقة بالنفس، والشجاعة في مواجهة الواقع الملوث بالخطأ، وتغيير نمط التعامل مع المعطيات، متى ما تبين زيف وخطأ هذه المعطيات، التي كنا نتعاطاها؛ فالشجاع هو الذي يغير قناعاته بحسب المعطيات الواقعية، ولا يحولها إلى معبود ينزهه عن التغيير والتبديل.
وكثيرة هي الرؤى والعقائد التي كانت وتدا يشد إلى الوراء، وإلى التخلف، وبالتنازل عنها والانعتاق من أسرها، كان الوصول إلى التقدم، والرقي، هو الناتج الأكثر احتمالا.
هذا الإيمان – ربما – هو الذي دفع بالحكومات العربية الطامحة إلى العيش عمرا أطول إلى الالتفات بجد واجتهاد إلى كل شعاراتها لتبدأ في إزالتها واستبدالها ، فنحن شعوب طيبة وساذجة وتحب أن تعيش بسلام ، وتؤمن تمام الإيمان بأن : المرأة التي سيتزوجها والدُنا سنتخذها أمّنا .. والسلام.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ليبيا: ماذا وراء لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني


.. صفاقس التونسية: ما المسكوت عنه في أزمة الهجرة غير النظامية؟




.. تونس: ما رد فعل الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي بعد فتح تحقيق


.. تبون: -لاتنازل ولا مساومة- في ملف الذاكرة مع فرنسا




.. ما حقيقة فيديو لنزوح هائل من رفح؟ • فرانس 24 / FRANCE 24