الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


(كأس الأضاحي)(*) للروائي صلاح عيّال - ضحايا الاستبداد -

محمد عبد حسن

2024 / 5 / 11
الادب والفن


(1) : توطئة
إنْ استطاع الكاتب إقناع المتلقّي أنّه يجد نفسه، أو بعضًا منها، في العمل الإبداعي؛ يكون قد نجح في جرّ قدمه إلى صفحات عمله. فبقدر تفاعل العمل، دنوًّا وابتعادًا، عن الواقع المعاش: أسبابًا ونتائج، يكون تفاعل القارئ، قبولًا أو رفضًا، مع ما يقرأه. وتبقى مسألة الشكل الفني الذي يُقدم به العمل مختلف عليها بين متلقًّ اعتاد السرد التقليدي.. وآخر يرى ضرورة أن يستجيب السرد للمتغيرات التي تطرأ على واقع الشخصيات: عوالمها.. حيواتها، ولا يبقى متحصّنًا بشكله وأساليبه التقليدية. هذا ما نراه.
في روايته (كأس الأضاحي).. يستعير الروائي صلاح عيّال تقنية المخطوط لكتابة روايته، وهي تقنية قديمة ينسحب فيها السارد الرئيس تاركًا مكانه لسارد ضمني هو كاتب المخطوط الذي، غالبًا، ليس له علاقة بالكاتب الذي ينحصر دوره في تقديم المخطوط كما هو. إلا أنّنا في رواية (كأس الأضاحي) لا نرى انسحابًا تامًا للكاتب.. بل هو شاهد يستعيد بعضًا من ذاكرته محاولًا ربط خيوط الحدث ببعضها من خلال اطلاعه على النص الوارد إلى صندوق بريده عبر استعادة المكان والشخصيات والتواريخ. وبذلك ينجح الكاتب، وهو يوثّق كلّ ذلك، في الإمساك بقارئه على مدى (239) صفحة، هي عدد صفحات الرواية.. إضافة إلى انحيازه إلى عالم المهمّشين والضحايا.. وبتقديمه لحكايته، أو حكايتيه كما سنرى، بشكل فني أراده مختلفًا؛ يكون قد حقق كلا الشرطين اللذين نراهما ضروريين لنجاح أي عمل إبداعي.
(2): ضحايا.. أمْ أضاحِ ؟!
بالرجوع إلى معجم المعاني الجامع، وهو معجم عربي عربي إلكتروني، نرى أنّ كلمتي (أضحية) و(ضحيّة) قد تشتركان في معنى المفرد.. إلا أنهما تفترقان في الجمع. ففي حين تجمع الأولى على (أضحيات/ أضاح) وهو، اصطلاحًا، ما يتمّ ذبحه تقربًّا إلى الله تعالى.. تجمع الثانية على (ضحايا).. وهو ما يبذل أو يُضحّى به في سبيل غاية، أو مجنيّ عليه.. بريء يموت ظلمًا! أيّ أنّ الأول يشير إلى معنى مقدّسا، في حين يبقى الثاني مقيّدًا بمفهوم البراءة والظلم وفقًا لطبيعة الفكر السائد.
أمر كهذا لا يخفى على الكاتب وهو يجعله ثريًّا لنصه، على رأي الأستاذ الراحل محمود عبد الوهاب. والسؤال هنا هو: لمَنْ تقدّم هذه القرابين.. وأي كأس يريد لنا الروائي شربه بعد أنْ نجح في جعلنا نتذوّق مرارته؟!
(2) : الاستبداد.. قاسم مشترك
باستلال الوحدة السردية: (انفرطت المسبحة التي خمن السيطرة عليها)، الممتدة بين الصفحات 144-150 من الرواية.. إذ يمكن التعامل معها كنصٍ مستقل، نجد أنفسنا أمام حدثين رئيسين في الرواية. الحدث الأول هو مقتل الفتاة ورود بكلّ تشعّبه وامتداداته.. والثاني هو حكاية (سامي داود سلمان).. ضابط الاستخبارات في بغداد سابقا (قبل 2003)، وسامي الأعور، أو ذو العين الجاحظة، بعد هروبه إلى البصرة.
وإذا كان بالإمكان اعتبار (سامي) قاسمًا مشتركًا بين حدثي الرواية.. فإن القاسم المشترك الآخر هو (الاستبداد) الذي عانت منه كل شخصيات الرواية.. استبداد بكل أنواعه: سياسي، اجتماعي، اقتصادي.. كانت ضحاياه، أو أضحياته كما يسميها المؤلف، الكثير من شخصيات الرواية إنْ لم تكن كلها.
(3) : الاستبداد السياسي
ما يرصده الروائي صلاح عيّال، ويريد تأكيده، هو أنْ لا تغيير حقيقيًّا في الاستبداد وطرائقه قد حصل بعد سنة (2003) التي توصف بأنها سنة التغيير. فالاستبداد السياسي الذي عانت منه زهور لطيف، الطالبة في كلية العلوم التي تنتمي إلى عائلة ذات توجهات يسارية.. وقّع أبوها براءة من الحزب الشيوعي ولم يتنازل عن ماركسيته، وعانى منه سامي نفسه وأخوه طيف تحت ظلّ نظام شمولي ديكتاتوري.. هذا الاستبداد راح ضحيته بعد (2003)، تحت سطوة قوى وتنظيمات تتقاسم مراكز النفوذ، النقيب عباس الذي حقق في مقتل الفتاة ورود، ثم تلقّى أمرًا بغلق التحقيق في القضية قبل نقله إلى شرطة الحدود ومن ثم اغتياله في حادث سير مدبّر.
يتجلّى الاستبداد السياسي كذلك في سلطة الشيخ سعد الدين.. القاتل السابق المنتمي إلى أسرة متهمة بالخيانة، ثم الظهور كرجل دين بعد التغيير! والذي تمكّن، عبر نفوذه، من حرف مسار التحقيق في مقتل الفتاة ورود وإبعاد النقيب عباس عنه، وكذلك محاولته إلصاق التهمة برعد مناحي.. الجندي المفقود في قاعدة سبايكر.
(4) : الاستبداد الاجتماعي
يتجلّى الاستبداد الاجتماعي في العديد الشخصيات النسائية في الرواية:
** جوري: والدة نرجس التي تترك قريتها هربا من استبداد ابن عمها الشيخ الذي مارس نفوذه وسطوته على والدها، ثم عليها، مخالفا حتى العرف العشائري الذي يستمدّ سلطته منه حين أرادها عروسًا دون الأعراف المتبعة. ومن ثم تتبعها لقتلها انتقاما (لكرامته المجروحة) حين فضّلت عليه رجلا آخر.
** نرجس: جعلها قاتل والدتها بثدي واحد بعد أن ظنّ أنه قتلها. ثم عانت استلاب الاسم حين أصبحت (سوسن).. الراقصة الفتية التي تعرض جسدها أمام طالبي المتعة خصوصًا إن كانوا من الناس (الأكابر): التجار والحكومة.. "ابنتي العملة واحدة، ما يهمّنا غير جيوبهم" ص105.. دون أنْ يخرجها ذلك عن دائرة الاتهام بسرقة عقد في دار أحد التجار. بعدها هربت من الحي حين علمت أنّ (أباها) شيخ الغجر "ساوم على فضّ بكارتها، ولكنها لم ترض ولو بعقد نكاح منقطع"ص113.
** رحيق: حبيبة رعد مناحي التي ذهبت (فصلية) لأحد أخوة القتيل.
** ورود: محور الرواية الرئيس الذي تتفرع منه، وتدور حوله، كل الحكايات الأخرى.. ابنة نرجس. وقد تعرضت للاستبداد السياسي والاجتماعي معا تمثل في الشيخ سعد الدين قبل أن يصبح زوجها وبعد أن أصبح، ومن حارسه منذر الأعرج.
(كأس الأضاحي) رواية جريئة، يحسب لكتابها الأستاذ صلاح عيّال محاولة الاقتراب، دون حذر، من القضايا المسكوت عنها في الواقع العراقي. وهي، وإن نهلتْ من التاريخ المعاصر، إلا أنها نجت من فخّ التسجيلية الذي وقعت به بعض الروايات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*): كأس الأضاحي / رواية / صلاح عيّال / ط1 / 2024 / دار ألكا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. دنيا سمير غانم تجسد شخصية بودى جارد لمحمد ممدوح فى فيلم روكي


.. الفنانة السودانية مفاز بشرى تتحدث لصباح العربية عن تجربتها ف




.. الفنانة السودانية مفاز بشرى تتحدث عن جديدها في صباح العربية


.. هل تنحصر أعمالك في الأدوار الكوميدية فقط؟.. الفنانة السوداني




.. هل تحدث الرئيس الصيني عن -تحرير فلسطين-؟.. حقيقة فيديو بترجم