الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


معركة وادي زقار 11 ماي 1957 بين رهانات الذاكرة والتاريخ والقانون الدولي الإنساني

عزالدين معزة
كاتب

(Maza Azzeddine)

2024 / 5 / 11
مواضيع وابحاث سياسية


تحيي اليوم ولاية سكيكدة الذكرى السابعة والستين لمعركة وادي زقار الذي يوافق يوم 11 ماي 1957 وهي المعركة التي لقن فيها جيش التحرير الوطني، جيش الاستدمار الفرنسي درسا في البطولة والتضحية من أجل استرجاع السيادة الوطنية، وأترحم على أرواح أولئك المجاهدين الأبطال الذين نالوا شرف الشهادة ونذروا حياتهم على درب التمسك بالمبادئ الوطنية والقيم النبيلة.
ونقف هنا على هذه الأرض الطيبة المجاهدة وقفة إجلال وإكبار على أرواح من صنعوا مجدنا وحريتنا واستقلالنا، لقد دون التاريخ أسماء شهداءنا الأبرار بأحرف من نور.
إحياء هذه الذكرى يدخل في إطار صون الذاكرة الوطنية التي يؤكد عليها رئيس الجمهورية السيد "عبد المجيد تبون" الذي أعطى لملف الذاكرة أهمية كبرى.
حيث يقول: " أن ملف الذاكرة بين الجزائر والمحتل السابق فرنسا "لا يقبل التنازل والمساومة"، ويجب معالجته بجرأة لاستعادة الثقة بين البلدين.
ومن المعلوم أن ملف الذاكرة يعبرعن كل الجزائريات والجزائريين تجاه تاريخنا ونضال شعبنا الأبي ضد أعتى قوة استعمارية وذلك لصون ذاكرتنا الوطنية صونا يليق بسيادة الدولة الجزائرية وشهدائنا الأبرار.
هذه الذكرى يجب أن يشملها الكثير من العمل الجاد العلمي الأكاديمي والذي يليق بالتضحيات الجسام التي قدمها الشهداء والمجاهدون من أجل استرجاع سيادتنا وكرامتنا.
من الواجب علينا جميعا أن نستذكر هذه المعركة البطولية التي لقنت جنودِ الاستدمار الفرنسي وجنوده درسا قاسيا لَنْ يَنْسَوْهُ أبدا.
تأخذ معركة الذاكرة والتاريخ، بين الجزائر وفرنسا، أبعاداً مختلفة ومتعددة الاتجاهات والوسائل، خاصة في المرحلة الأخيرة التي أصبح فيها ملف الذاكرة أكثر حضوراً في متن العلاقات بين الجزائر وفرنسا ، وفي السجال السياسي والإعلامي، بسبب توجّه جزائري لافت نحو التركيز على استعادة الحقوق التاريخية.
ما زالت آثار الاستعمار والثورة التحريرية تطارد ذاكرة الدولتين؟ ما هي المكانة التي ينبغي إعطاؤها لذكريات كل منهما؟ ما هو التفسير الذي يجب أن يتم تقديمه لصمت الدولة الفرنسية عن جرائمها في الجزائر؟ وهل من الضروري البوح بكل شيء، والكشف عن كل أسرار الحرب؟ إن مسألة أمانة الذاكرة وتمثيل الماضي ليست مسألة سهلة خاصة بالنسبة لفرنسا الاستدمارية.
بعد مرور أكثر من ستين عاما على استرجاع السيادة الوطنية، لا تزال العلاقات بين فرنسا والجزائر صعبة ومعقدة ومضطربة. ولم يكن من المتصور إنتاج كتاب مدرسي مشترك، على غرار النموذج الفرنسي الألماني. كما أن "معاهدة الصداقة" التي أعقبت زيارة جاك شيراك إلى الجزائر في عام 2003، ليست على جدول الأعمال. فالجدل حول الماضي، من الغزو الاستدماري الفرنسي في القرن التاسع عشر إلى ثورة التحرير الجزائرية، لا يتوقف عن الظهور على السطح. وفي هذه المشاحنات المتواصلة يمكن أن نرى في هذه الخلافات المتواصلة فشل المشاريع المستقبلية بين البلدين.
واليوم، لا تزال الثورة الجزائرية صفحة مؤلمة في التاريخ الحديث. ولا تزال العلاقات بين الدولة الجزائرية والدولة الفرنسية معقدة ومضطربة بعد أكثر من ستين سنة من الاستقلال. ومع ذلك، أظهرت الجزائر وفرنسا في السنوات والأشهر الأخيرة رغبة مشتركة في مصالحة الماضي.
من الصعوبة بمكان التوفيق بين الجزائر وفرنسا فيما يخص ملف الذاكرة. فبينما لا يزال البعض يكافح من أجل التصالح مع خسارة الجزائر، لا توجد شخصية تاريخية واحدة أو حدث واحد يمكن أن يجمع الجميع. وفي فبراير 2005، لم يؤدّ تصويت الجمعية الوطنية الفرنسية على قانون يذكّر بـ"الدور الإيجابي للاستعمار"، تحت تأثير أولئك الذين يحنّون إلى الجزائر الفرنسية، إلا إلى زيادة تشدّد المواقف.
تاريخ المعركة وادي زقار
ظروف المعركة " الكمين "
الظروف التاريخية:
هذه المنطقة احتلتها فرنسا يوم 11 افريل 1843، بعد مقاومة عنيفة قادها الشيخ ابن منصور والشيخ ابن عبد الله وبوبغريش المسمى ب " سلطان الجبل "
في سنة 1848 هاجمت اعراش القل وعين قشرة المستوطنين في مدينة القل فاضطروا للهروب إلى سكيكدة عن طريق البحر، ولمدة أربع سنوات ظلت محررة ولم تستعدها السلطات الاستعمارية إلا سنة 1852.
ولا ننسى مشاركة هذه الاعراش "عرش بني توفوت وعرش أولاد عطية وعرش لعشاش بني سعيد. وعرش بني إسحاق، وعرش بني مهنة وغيرهم
في ثورة المقراني 1871، وهجومات 20 اوث 1955.
الظروف الطبيعية: جبال وعرة شديدة الانحدار تغطيها غابات كثيفة وكان يوم السبت 11 ممطرا والغيوم تغطي المنطقة كلها مما سمح لجيش التحرير الوطني بالاحتماء بالطبيعة والوديان الكثيرة، مكن ذلك قوات جيش التحرير الوطني من العمل والتحرك بسهولة في كل الأوقات وفي كل الحالات العملياتية.
الظروف البشرية: انتقال عدة كتائب من الطاهير والميلية والقل وقسنطينة مدججة بأسلحة متعددة، وكل كتيبة مكونة من 150 فردا من جيش التحرير الوطني. بالإضافة إلى انعدام وجود العملاء والحركي في عرش بني توفوت وعرش أولاد عطية وعرش لعشاش بني سعيد. وعرش بني إسحاق وعرش بني مهنة.
معركة وادي زقار
معركة واد زقار الكبرى، حسب المصادر التاريخية، من بين أهم المعارك الكبرى التي وقعت بالولاية التاريخية الثانية، والتي أعطت للعدو درسا في البطولة والفداء، ونظرا لنجاحها التام وتأثيرها على الجيش الفرنسي، مقابل الأثر النفسي الذي تركته على المجاهدين برفع معنوياتهم.
وبحسب شهادات عدد من مجاهدي المنطقة التاريخية الثانية، أن معركة وادي زقار الكبرى، حتى وإن تميزت بطابعها الفجائي، إلا أنها تعد امتدادا لمعركة أخرى تاريخية شهدتها المنطقة.
نصب فيلق جيش التحرير الوطني المكون من حوالي 600 مجاهدا، في المنطقة الثالثة الناحية الأولى الولاية الثانية ..تحت قيادة علي كافي
وقائدو هذا الفيلق هم : بوعلي مسعود، دخلي مختار، رابح بلوصيف، وعيسى عبد الوهاب، وبو الكرشة لخضر نصبوا كمينا لقافلة عسكرية فرنسية مكونة من 26 شاحنة للتموين كانت تنقل الذخيرة، إضافة إلى سبع دبابات، وسبع سيارات عسكرية وفقا لشهادات مجاهدين ممن عاشوا فصول تلك المعركة التي خلدها التاريخ.
المعركة أسفرت بعد 20 دقيقة من الاشتباكات، عن تدمير قافلة التموين العسكرية، عن آخرها كانت مدججة بالعتاد والسلاح، واسترجاع عديد الأسلحة والرشاشات الثقيلة، وقتل 100 جنديا فرنسيا وحسب بعض المجاهدين 230، وأسر جنديا، ولم تلحق المعركة خسائر بشرية بصفوف المجاهدين.
وأوضحت شهادات المجاهدين الذين شاركوا في تلك المعركة، أنهم دمروا قافلة تموين" الفرقة 15 من RTS " عسكرية عن آخرها كانت مدججة بالعتاد والسلاح، وأخذ المجاهدون أماكنهم على طول الطريق الوطني من قنطرة زقار، إلى زيتونة بوغابة، بمحاذاة منعرجات الوادي على طول 1 كلم، بمنطقة عين قشرة، وذلك ابتداء من الساعة الثانية صباحا إلى غاية الرابعة زوالا
وكان الرد قاسيا، في اليوم الموالي، من قبل جيش المحتل الفرنسي، بتدمير قرى ومداشر وإحراق المنازل، وقتل المئات من المدنيين العزل، ومواشيهم، وإعلان منطقة عين قشرة منطقة محرمة، حسب شهادات مجاهدي المنطقة.
وقد تحدث أحد الناجين من الكمين، وهو برنار روبن، أحد المجندين، عن هذه العملية. وفي رواية جمعها منذ بضع سنوات، قال إنه في 11 ماي 1957، كانت كتيبته تتقدم على طول الطريق من عين قشرة إلى القل، بالقرب من قسنطينة. "كنا في طريقنا للتزود بالمؤن، وكان قطيع من الأغنام قد وضع على الطريق لتأخيرنا. وعندها وقعت العربات العشرين أو نحوها في كمين نصبه عدة مئات من الرجال. وكان هجوماً مميتاً أسفر عن مقتل خمسة وثلاثين جندياً وجرح عشرين آخرين.
وتجدر الإشارة إلى أن برنارد روبن أصيب بجروح خطيرة في تبادل إطلاق النار. حيث يتذكر قائلاً: "لقد أُصبت في ظهري واخترقت رئتي وخرجت من رقبتي". اعتقد رفاقه في الفوج أنه هالك لا محالة، لدرجة أنه تم إعداد تابوت له. وهو الاعتراف الذي كشفه له منذ بضع سنوات فقط رفيقه السابق في الفوج، أندريه أورتا.
وقد قدّر المجند الرقم بـ 35 قتيلا و25 جريحا، بينما قدّره السيد مخابة، وهو مجاهد من مكتب ولاية سكيكدة، من الجانب الجزائري بـ 93 قتيلا و12 جريحا من الجنود الفرنسيين. وهو رقم أثار الجدل.
وقدّر أفراد سابقون من الفوج الخامس عشر من الجنود السنغاليين الذين تعرضوا للهجوم خلال العملية على موقعهم على شبكة الإنترنت الرقم بـ 35 قتيلاً و27 جريحاً ومفقود واحد، وأضافوا أن الكمين كان الأكثر دموية في حرب الجزائر. لكن هذه العملية لم تثر اهتمام الرأي العام الفرنسي أكثر من مقتل 19 جنديا في كمين بالسترو.... وتساءل الموقع: هل هو لغز إعلامي؟
كانت الأعمال الانتقامية التي قام بها الجيش الاستعماري بلا رحمة ضد السكان المدنيين في عين قشرة، حيث تم تدمير العديد من القرى وحرق المنازل وإعدام المئات من المدنيين. تم إعلان منطقة عين قشرة "منطقة محظورة".
وقد استولت قوات جيش التحرير الوطني في هذه العملية على ما يلي: 4 مدافع ثقيلة، ورشاشان ثقيلان، ومدفع هاون 12/7، و30 رشاش طومسون، و70 بندقية آلية، و450 مخزن رصاص، و7 صناديق من القنابل اليدوية، وجهاز لاسلكي، و19 قنطارا من البن وقنطارا من التبغ.
جرائم فرنسا في ميزان القانون الدولي الجنائي
تعتبر الجرائم ضد الإنسانية من أخطر جرائم القانون الدولي على الإطلاق، لهذا عرف المجتمع الدولي عدة محاولات لتعريفها، وذلك من خلال محاكم جنائية سواء العسكرية (طوكيو ونورمبرغ)، أو المحاكم المؤقتة (يوغسلافيا ورواندا). وبعد إنشاء المحكمة الجنائية الدولية سنة 2002 كأول محكمة قادرة على محاكمة الأفراد المتهمين بجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الاعتداء ، وبموجب نظام روما الأساسي تم وضع تعريف دقيق للجرائم ضد الإنسانية ،وذلك في المادة السابعة منه. ونظرا لخطورتها وبشاعتها قام المشرع الدولي ببذل جهود متعددة في سبيل قمعها للحد من هذه الانتهاكات الجسيمة، أول محكمتين أنشأتا للحد من هذه الجريمة هما محكمة نورمبرغ العسكرية ومحكمة طوكيو وذلك بعد الحرب العالمية الثانية، بعدها تم إنشاء محاكم جنائية مؤقتة (المحكمة الجنائية ليوغسلافيا السابقة والمحكمة الجنائية الدولية لرواندا)، لتصبح العدالة الجنائية بعد ذلك من مؤقتة إلى دائمة.
إذا كان من الأهمية تحديد الطبيعة القانونية لجرائم الاستدمار الفرنسي في الجزائر وفقا لأحكام القانون الدولي الإنساني، والتي تشمل وصفين مختلفين: جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية، مما يجعلها بحق جرائم دولية بأرقى المقاييس، فإن ربطها بحلقة البحث في إمكانية تقرير المسؤولية الدولية لفرنسا
ولعل ما اقترفته فرنسا الاستدمارية في الجزائر طيلة 132 سنة من أيام النزول في سيدي فرج إلى يوم الرحيل شاهدا على ذلك، فقد مارست فرنسا الاستعمارية جرائم لا تعكس بتاتا الوجه الحضاري لبلاد حقوق الإنسان والحريات الأساسية، بل إنها تشوه حتى تلك الثورة الفرنسية لعام 1789 التي نادت بمبادئ لم تجد لها تجسيدا في أرض الجزائر المستعمرة.
إنّ القانون يرمي إلى إدانة الاستدمار الفرنسي بكل الأعمال الإجرامية التي ارتكبها في الجزائر، وإلى إعادة الحقوق المسلوبة المعنوية والمادية على حد سواء، جراء العدوان المسلح على الشعب الجزائري منذ 14 جوان 1830 حتى استرجاع السيادة الوطنية على كامل التراب الوطني.
وتتحمل الدولة الفرنسية المسؤولية الكاملة عن "كل الجرائم التي ارتكبتها جيوشها وعملاؤها ومرتزقتها بحق الشعب الجزائري إبان احتلالها الجزائر".
جرائم الاستدمار الفرنسي بالجزائر تتمثل في 5 أصناف هي:
1 ـ جريمة العدوان.
2 ـ جرائم الحرب.
3 ـ جرائم ضد الإنسانية.
4 ـ جريمة الإبادة الجماعية.
5 ـ جرائم ضد الهوية الوطنية.
وهي جرائم دولية غير قابلة للتقادم.
ومن حق الدولة الجزائرية المتابعة القضائية لكل الأشخاص الذين مارسوا الجرائم ضد الإنسانية، من المعمرين السابقين والأقدام السوداء و"الحركى" (الخونة)، وهي الجرائم التي لا يشملها التقادم ولا المعاهدات المختلفة.
وتعمل الدولة الجزائرية، على إلزام السلطات الفرنسية بالاعتراف بماضيها الاستعماري في الجزائر، وبكل الحقائق التاريخية السلبية المدوّنة في الذاكرة الجماعية، والاعترافات التي أدلت بها الشخصيات المدنية والعسكرية الفرنسية، وشهود العيان، وضحايا المجازر الفرنسية في الجزائر.
وأنّ الاعتراف بكل الحقائق التاريخية أمام المجتمع الدولي حق من حقوق الشعب الجزائري غير قابل للتنازل.
ويحق للدولة الجزائرية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان، وضحايا التجارب والتفجيرات النووية الفرنسية وضحايا الإشعاعات النووية في الصحراء الجزائرية رفع دعاوى التعويض أمام الجهات القضائية.
كما يحق لضحايا الألغام الموروثة من الاستعمار الفرنسي رفع دعاوى تعويض.
وتُلزم السلطات الفرنسية بتقديم خرائط الألغام المزروعة عبر خطي شال وموريس، تحت طائلة المساءلة والمتابعة الجنائية الدولية.
من جهة أخرى، يحق لأبناء وأحفاد جميع الجزائريين المبعدين والمهجرين إبان الاستعمار الفرنسي رفع دعاوى تعويض عن جرائم التهجير والترحيل القسري، حسب القانون الدولي.
ويحق لأي شخص ولكل ذي مصلحة تعرض لقبه العائلي للتشويه والتحريف من قبل الإدارة الاستدمارية الفرنسية رفع دعوى تعويض عن الأضرار أمام الجهات القضائية المختصة.
العزة والمجد للجزائر
الخلود لشهدائنا الابرار
تحيا الجزائر
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وول ستريت جورنال: الحوثيون استحدثوا طرقا جديدة لتهريب السلاح


.. استهداف محيط بلدة شقرا جنوبي لبنان




.. في أول أيام العيد.. فلسطينيون يزورون قبور شهدائهم في دير الب


.. المتحدث العسكري الإسرائيلي: حزب الله أطلق أكثر من 5 آلاف صار




.. شاهد: الشرطة الألمانية تطلق النار على رجل هدد عناصرها بفأس و