الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ارث لينين في الذكرى المئوية لوفاته (1924 – 2024)

عبد السلام أديب

2024 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


1 – يخلد الثوريون في العالم هذه السنة مرور مئة سنة على وفاة فلاديمير اليتش أوليانوف لينين، ويعي هؤلاء الثوريون جيدا بأن دراسة شخصية لينين وحياته وأعماله ونضالاته لا يمكن الاستغناء عنها إذا ما أرادوا فعلا بناء نظرية ثورية وتطبيقاتها كما كان يجسدها لينين فعلا خلال حياته القصيرة نسبيا (54 سنة). ولعل مقولة لينين، لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية" تعكس الدور الذي جسده لينين بالفعل، حيث يظل لينين من أفضل تلامذة كارل ماركس وفردريك انجلز فهما واستيعابا، وكانت الإضافة النوعية للينين لكل من ماركس وانجلس هو تجسيده العملي لفكرهما الثوري، وهو ما حققه بامتياز خلال الثورتين لسنة 1905 و1917.

2 – وهناك عوامل عديدة شكلت شخصية لينين وأفكاره، فاليتش لينين المولود سنة 1870 درس مبكرا الادبيات الماركسية الى جانب دراساته القانونية. كما انخرط في التنظيمات السياسية الماركسية من أجل تغيير النظام القيصري الفاشي، وقد دفعته صدمة اعدام أخيه الأكبر من طرف جلادي القيصر الى أن يفكر بعمق في أسلوب التغيير الابعد عن الأسلوب البلانكي والاقتراب أكثر الى الاعتماد على التعبئة الجماهيرية للطبقة العاملة لانجاز تحررها الذاتي. وكانت فترة اعتقاله بمنفى في سيبيريا فرصة لدراسة النظام الرأسمالي الروسي وتحديد الطبقات المنتجة من عمال وفلاحين. كما ساهمت تاملاته في التجارب الحزبية الماركسية سواء داخل روسيا أو بالمانيا وانجلترا فرصة لتحديد نقاط الضعف ونقاط القوة في مثل هذه التنظيمات السياسية رابط بين نمط التفكير السياسي للفاعلين وموقعهم في مسلسل الإنتاج الرأسمالي فتمكن من تحديد السلوكيات السياسية المختلفة كالانتهازية البرجوازية الصغرى والنزعات التصفوية وعواقب التنظيمات السياسية المتراخية والامراض الطفولية للتيارات اليسارية، مؤكدا على ان اهداف الأحزاب تحدد شكل تنظيمها ومآل نضالاتها.

3 – ان نجاح لينين فبناء حزب من نوع جديد ووضعه على محك التجربة السياسية أكسبته العديد من الخلاصات النظرية الفاعلة خاصة تجربة الحزب البلشفي خلال ثورة 1905 وبناء عدد من المجالس العمالية (السوفياتات) ونجاحها في تشكيل فضاء سياسي ثوري ما فتئ يتعاظم رغم القمع والظروف الصعبة المحيطة محليا وعالميا وظروف الحرب العالمية الأولى ومواكبة لينين للعمل السياسي الروسي انطلاقا من منفاه الاختياري بخاصة بلندن وسويسرا.

4 – توفق لينين في تركيب العلاقة المعقدة بين الفلسفة الماركسية ومفهوم الإرادة الحرة، فإذا كانت الماركسية تعترف بالاتجاهات والقوانين التاريخية فإنها تؤكد أيضا على دور العمل الفردي وصنع القرار الواعي في تشكيل التاريخ. فإذا كان ماركس وانجلس ينظران الى التاريخ باعتباره عملية ديناميكية تحركها التناقضات وتطور القوى المنتجة، حيث اعتقدا بأن العلاقات الاجتماعية يجب أن تتكيف في النهاية مع هذه التغيرات، فإن مساهمة لينين جاءت لإحياء مفهوم الماركسية كفلسفة للماركسية من خلال المادية الديالكتيكية. متبينا أن الضرورة التاريخية لا تلغي الفاعلية الفردية وأن العمل الواعي أمر بالغ الأهمية لتحقيق الأهداف الاشتراكية.

5 – توفق لينين أيضا في مواكبة الحركات الجماهيرية العفوية خاصة مع ظهور المجالس العمالية (السوفييتات) بعمل منظم موازي يقوده حزب طليعي بقيادة المثقفين لدعم الطبقة العاملة في اكتساب الوعي الاشتراكي الثوري.

6 – وتؤكد مقولة لينين الشهيرة "أعطونا منظمة من الثوريين وسوف نقلب روسيا" على إمكانية التوفيق بين الأحلام وتطلعات الشعوب نحو دفع التغيير الاجتماعي وحتمية المادية التاريخية. وتبرز هنا تحديات تطبيق المبادئ الماركسية في دولة متخلفة مثل روسيا، حيث تتطلب الثورات في مثل هذه السياقات استراتيجيات وأساليب فريدة من نوعها. حيث يمكن للإرادة الحرة أن تقترن بالحتمية التاريخية في ظل الفكر الماركسي. ويتطلب كل ذلك ظرورة فهم الاتجاهات التاريخية ومحاولة تشكيل المستقبل بشكل فعال من خلال العمل الواعي والمنظم من خلال حزب من نوع جديد.

7 – إن أعمال لينين تثبت بأن طريق الانتقال من المجتمع الطبقي الرأسمالي المهيمن على العالم حاليا نحو المجتمع الاشتراكي الشيوعي الخالي من الطبقات ومن الاستغلال الرأسمالي ، يمر بالضرورة عبر ثورة الطبقات المنتجة المظلومة بوسائلها الذاتية والتي تقوم بالأساس على الحزب الطليعي للطبقة العاملة.

8 – فإذا كان التاريخ حسب كارل ماركس وفردريك انجلس عبارة عن عملية تطور تحركها التناقضات والإمكانات داخل العلاقات الاجتماعية، فإن علاقات الإنتاج المنبثقة عنها يجب أن تتوافق بالضرورة مع تطور قوى الإنتاج. لكن الاعتراف بقوانين التاريخ لم يمنع ماركس وانجلس من الاعتراف أيضا بأهمية الفاعلية البشرية في تشكيل مسار التاريخ، حيث رأوا بإمكانية الناس أن تعمل بوعي في نفس اتجاه هذه القوانين لتسريع التغيير الاجتماعي.

9 – لقد أخطأ العديد من الماركسيين في فهمهم لمبدأ حتمية الثورة الاشتراكية وأنها تتبع نفس نمط الانتقال من الاقطاع الى الرأسمالية. حيث تبث خطأ هذا التفسير القدري لأفكار ماركس. وهنا تتجلى أهمية مساهمة لينين الذي أعاد الحياة للفكرة الماركسية باعتبارها فلسفة الممارسة، مؤكدا على أهمية المعرفة وصنع القرار والأخلاق في العملية التاريخية. مؤكدا على أن التنمية الاجتماعية لا يمكن أن تكون ناجحة الا إذا ناضل عدد متزايد من الناس بنشاط من أجلها.

10 – لكن النضال وتحقيق النقلة النوعية مجتمع طبقي فاسد يقوم على الاستغلال ونهب فائض القيمة نحو مجتمع شيوعي بدون طبقات وبدون قيمة تبادلية، لا بد له من حزب ثوري منظم ومنضبط بشكل جيد لقيادة النضال من أجل الاشتراكية، فهذا الحزب ضروري للتغلب على تشردم وعفوية حركة الطبقة العاملة.

11 – ويفرد لينين مكانة مركزية للثوريين المحترفين، المؤمنين بالفلسفة الماركسية والمخلصين تماما للقضية ومدربين على فن النضال السري، منتقدا أن حزب الهواة والافتقار للتنظيم يشكلان عقبتين رئيسيتين أمام نجاح الثورة.

12 – إن الحزب بالنسبة للينين يجب أن يصبح طليعة الطبقة العاملة، التي تقود الطريق نحو الثورة الاشتراكية. على أن يتكون الحزب بالضرورة من العمال الأكثر وعيا ونشاطا، الذين يقودون الجماهير الواسعة.

13 – ولكي يتحقق الانضباط داخل الحزب دعا لينين الى مبدأ المركزية الديموقراطية من خلال بناء هيكل حزبي مركزي بقيادة قوية، مع السماح أيضا بالنقاش والمناقشة الداخلية. ورأى لينين بأن هذا المبدأ ضروري اضمان الوحدة والمرونة داخل الحزب.

14 – لقد شكل مبدأ المركزية الديموقراطية أحد أسباب الانفصال بين البلاشفة والمناشفة والتروتسكيين ولايخانوف، لأن هؤلاء كانوا يساندون وجود تيارات داخل الحزب العمل الاشتراكي الديموقراطي الروسي، لكن لينين الذي كان يؤمن بوحدة النظرية والممارسة رأى في ذلك اضعافا للحزب وبابا مفتوحا للعديد من الانحرافات.

15 – كان لينين يعتقد بإمكانية قيام الثورة الاشتراكية في وقت واحد في البلدان الرأسمالية المتقدمة، لكنه قام لاحقا بتعديل هذا النموذج، معتقدا أن الثورة الديموقراطية البورجوازية في روسيا بمكنها أن تثير ثورة اشتراكية في الغرب. لكن اندلاع الحرب العالمية الأولى ودراسات لينين حول الامبريالية بدأ لينين يطور نظريته.

16 – لقد اعتقد لينين بان ثورة برجوازية ديموقراطية من شأنها الإطاحة بالنام القيصري وتأسيس جمهورية ديموقراطية في روسيا. وأن ثورة بروليتارية ستتبع هذه الثورة البرجوازية وتقيم الدولة الاشتراكية. مؤمنا بأن تطور الرأسمالية غير المتكافئ بين البلدان سيخلق فرصا للثورة الاشتراكية في البلدان الفردية. مؤكدا على أن الامبريالية أصبحت أعلى مراحل الرأسمالية انطلاقا كم هور الاحتكارات ورأس المال المالي والصراع من أجل المستعمرات ومناطق النفوذ والسيطرة على العالم.

17 – تعتبر الدولة في الفكر اللينيني المشبع بالفكر الماركسي أداة للحكم الطبقي، تستخدمها الطبقة الحاكمة للحفاظ على سلطتها وقمع الطبقة العاملة. ويؤكد لينين على أن الطريقة الوحيدة لتحقيق التحرر الحقيقي للطبقة العاملة هي من خلال الثورة العنيفة وتدمير جهاز الدولة البرجوازية. وحيث سيتم استبدال ذلك بشكل جديد للدولة، ديكتاتورية البروليتاريا، والتي سوف تتلاشى في نهاية المطاف مع انشاء مجتمع شيوعي لا طبقي.

18 – فالدولة إذن في كل مكان أداة غير محايدة بل أداة قمع تستخدمها الطبقة الحاكمة. وأن الثورة العنيقة ضرورية للإطاحة بالدولة البرجوازية وإقامة مجتمع اشتراكي. ثم ان دكتاتورية البرولينتريا هي شكل من أشكال الدولة الانتقالية التي سوف تتلاشى في نهاية المطاف. وتقدم كمونة باريس كنموذج لدولة ما بعد الثورة.

19 – وتشكل ديكتاتورية البروليتاريا مرحلة ضرورية في الانتقال من الرأسمالية الى الاشتراكية، فهي تنطوي على حكم الطبقة العاملة على الطبقات المستغلة المهزومة سياسيا، مع توسيع الديموقراطية في الوقت نفسه للشعب العامل.

20 – وتمثل الدكتاتورية عملية السيطرة الصارمة على الطبقات المستغلة المهزومة. كما تعتمد الديموقراطية في زيادة المشاركة وسيطرة الطبقة العاملة، ومن خلال توسيع هذه الديموقراطية يمكن الادماج التدريجي لعدد أكبر من الناس في العملية السياسية. ويبقى الهدف النهائي هو خلق مجتمع لا طبقي وإلغاء الدولة تماما.

21 – لكن المقصود من ديكتاتورية البروليتاريا ليس هو مجرد استخدام القوة، بل يشير الى شكل جديد من التنظيك الاجتماعي يعتمد على مبادئ الطبقة العاملة. وتظل ديكتاتورية البروليتاريا ضرورية في المرحلة الانتقالية نحو المجتمع الشيوعي من أجل قمع مقاومة الطبقة المستغلة التي تم الإطاحة بها ومنع عودة الرأسمالية. ويؤكد لينين على أهمية اشراك الطبقة العاملة في إدارة الدولة وتوسيع الديموقراطية تدريجيا.

22 – هناك تلازم عضوي في الفكر اللينيني بين الديموقراطية والاشتراكية والثورة، حيث تشكل الديموقراطية العمالية أعلى أشكال الاشتراكية كما أن النضال من أجل ديموقراطية عمالية أكبر هو أيضا نضال من أجل الاشتراكية. وتطرح في هذا الصدد أهمية إيجاد طرق جديدة لتحقيق الثورة الاشتراكية والحاجة الى كسب أكبر عدد ممكن من الحلفاء في كل مرحلة من مراحل النضال.

23 – يدرك لينين أن الأساليب التقليدية للثورة ليست مناسبة دائما وأنه من الضروري إيجاد استراتيجيات جديدة لتحقيق الأهداف الاشتراكية. ويؤكد لينين على أن الحركة الاشتراكية لا يمكن أن تنجح الا إذا تمكنت من جمع مجموعة واسعة من الحلفاء من الطبقات المستغلة بما في ذلك الأشخاص الذين ليسوا بالضرورة اشتراكيين مخلصين بشرط عدم حملهم لإيديولوجيات معادية لتحرر الطبقة العاملة.

24 – اعتقد لينين أن نجاح الثورة الروسية يعتمد على الثورة العالمية أي انتشار الثورة نحو بلدان أخرى أكثر تقدما. ورأى بأن هذا أمر حاسم لتعزيز مكاسب الثورة في روسيا.

25 – كما أدرك لينين أهمية الفلاحين في ضمان نجاح الثورة. واعترف بالحاجة إلى تخفيف مخاوفهم وإيجاد طرق لدمجهم في النظام الاشتراكي.

26 – أكد لينين عند اعتماد السياسة الاقتصادية الجديدة (NEP) على أهمية التعلم من الخبراء البرجوازيين وتبني معارفهم ومهاراتهم لتحسين كفاءة الاقتصاد الاشتراكي. ويرى أن عملية التعلم هذه يجب أن تسترشد بالخبرة العملية وبهدف تجاوز إنجازات العالم البرجوازية. ومن أجل تحقيق التوازن بين الاشتراكية والرأسمالية شكلت السياسة الاقتصادية الجديدة حلا وسطا استراتيجيا بين المبادئ الاشتراكية والحاجة إلى الاستفادة من العناصر الرأسمالية لإعادة بناء الاقتصاد. وقد اعتقد لينين أن الحفاظ على السيطرة على الصناعات الرئيسية واستخدامها لدعم وتحديث الزراعة من شأنه أن يمهد الطريق في نهاية المطاف لمجتمع اشتراكي كامل.

27 – ركز لينين أيضا على أهمية تثقيف الجماهير وتدريبهم على الإدارة والحكم، كما رأى ضرورة ذلك لبناء دولة اشتراكية قوية ومستقرة. لقد حدثت الثورة الروسية سنة 1917 في سياق تاريخي محدد، اتسم بالحرب والفقر والاضطرابات الاجتماعية. لهذا يجب فهم هذا السياق لتقدير التحديات التي واجهها البلاشفة والخيارات التي اتخذوها.

28 – فيما يخص آراء لينين بخصوص الحرب والسلام ، فإنه كان يعتقد بحتمية الحرب في ظل الرأسمالية وأن الحروب لا مفر منها بسبب التناقضات المتأصلة فيها والتنمية غير المتكافئة. حيث تحدث صراعات بقعل التنافس على المارد والأسواق ومناطق النفوذ، مما يؤدي الى اشتباكات حتمية بين القوى الامبريالية.

29 – رأى لينين أن الحروب الوطنية ضد القوى الامبريالية ليست ممكنة فحسب، بل تعتبر أيضا تقدمية وثورية. وأن هذه الحروب استمرارا للنضال من أجل التحرر الوطني ونقطة انطلاق نحو الثورة الاشتراكية. وقد أدان لينين الحرب العالمية الأولى ووصفها بأنها امبريالية ودعا الى تحويلها الى حرب أهلية ضد الطبقات الحاكمة.

30 – دعا لينين إلى التوقيع على المعاهدة بريست ليتوفسك لإنهاء الحرب على الرغم من الشروط القاسية، بهدف إعطاء الأولوية لتوطيد الثورة داخل روسيا. كما ركز لينين على تأمين معاهدات السلام وفترة الراحة لإعادة بناء الأمة والاستعداد للثورات الاشتراكية المستقبلية.

31 – كان لينين حريص على تجنب الحروب غير الضرورية وإعطاء الأولوية للاتفاقيات السلمية. مع استغلال فترات السلام لتعزيز التنمية الداخلية للدولة السوفيتية. والعمل على تعزيز التعاون الدولي والتفاهم الاقتصادي مع الدول الأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حلقة نار من تحدي الثقة مع مريانا غريب ????


.. الجيش الروسي يستهدف تجمعات للقوات الأوكرانية داخل خنادقها #س




.. الطفل هيثم من غزة يتمنى رجوع ذراعه التي بترها الاحتلال


.. بالخريطة التفاعلية.. القسام تقصف مقر قيادة للجيش الإسرائيلي




.. القصف الإسرائيلي المتواصل يدمر ملامح حي الزيتون