الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


النعرة المذهبية الدينية في تشتيت الوحدة الشعبية

سعيد الوجاني
كاتب ، محلل سياسي ، شاعر

(Oujjani Said)

2024 / 5 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


في الحلقة الثالثة السابقة ، رأينا كيف ان الإسلام نفخ في النعرة القبلية ، وان هذه ، لم تكن مجهولة لدا معتنقي الإسلام ، بل انها كانت ملازمة له ، في كل اطوار الحكم الإسلامي ، من الخلافة الى الدولة الإسلامية . فالحاكم الإسلامي اعتمد النعرة القبلية ، لتشتيت الصفوف ، واضعاف الشعب ، وتحويل الصراع ، الى صراع يجري بين الحاكم الإسلامي الفاشي والشعب الذي تمثله القبائل ، الى صراع بين القبائل المتناحرة بعضها البعض ، على الغِلّة ، والامتيازات ، والثروة ، والجاه ، والمال ، فيما الحاكم الإسلامي الفاشي يستفرد بالجميع ، ويظهر انه فوق الصراعات القبائلية ، وانه محايد ، ولا يد ، ولا دخل له فيها ، في حين انه هو رأس الفتنة الضاربة .
هكذا سنجد ان النظام القبائلي ، وظفه الحاكم الإسلامي كأداة للقهر السياسي ، والسيطرة السياسية ، فهو بذلك نظام اوجده نظام الطغيان ، والاستبداد المطلق للقهر السياسي ، وكوسيلة لشق الصفوف ، والحيلولة دون اتحاد الشعب ، لان في الاتحاد قوة اقهار الحكام ، وقهر نُظم القهر والاستبداد .
لقد قسمنا هذا القسم الى محورين . المحور الأول وكان عنوانه ، الصراع بين المدينة والدولة ، في حين ان عنوان المحور الثاني عنوانه ، هو النعرة المّذهبية والدينية في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين .
ثانيا : النعرة المذهبية والدينية في تحديد العلاقة بين الحاكمين والمحكومين :
انعكس التناقض بين الدولة الإسلامية المركزية ، وبين الكيانات المدنية ( القروية ) ، وتقاليدها التي استمرت بعد الإسلام ، في صراع اجتماعي آخر ، سرعان ما اندمجا فيه ، ليُكوّنا تيارا سياسيا يعارض السلطة المركزية للخلافة .
اعتمد الإسلام في نظريته السياسية ، على وحدة السلطة السياسية ، والاقتصادية التي اتخذت شكلا محددا بعد تطور نظام الخراج ، وذلك في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب . فقد إعتُبرتْ الأراضي الزراعية للأقاليم المحتلة التي غزوها عُنوة ، ملكا للامة الإسلامية ، أي ملكا للدولة الإسلامية التي أوكلت بدورها زراعة تلك الأراضي للفلاحين ، لقاء ضريبة معينة تسمى الخراج .
ولمّا كان عائد الخراج ، يرجع من الناحية الشرعية على الأقل لمجموع الامة ، فقد قيّد هذا النظام من دور الحاكمين في التلاعب في الأراضي الخراجية ، لكنه دفعهم من جانب آخر ، نحو تجميع المِلْكيات الخاصة ، وإقامة المصانع والمؤسسات الإنتاجية .
لقد اقترن بنظام الخراج ، بتطور ديواوينية ( بيروقراطية ) واسعة النفوذ ، تتمتع بثقافة عالية ميّزتها عن العامة المسحوقة الجاهلة . فكان من المنطقي ان يسير المجتمع الإسلامي بعجلة تطورعرجاء، افضت الى انقسامه الى معسكرين كبيرين – الحاكمين والمحكومين – ، او يسمى في الادب القديم ، بالخاصة والعامة .
وهكذا نرى ان التركيبة السياسية – الاقتصادية للمجتمع الإسلامي ، قد حدّدت الطبقات الاجتماعية ، وكيّفت طبيعة الصراع الطبقي ، واوجدت الأسس الاجتماعية ، لظهور القبائل المكرسة للانقسام ، كما حصل في فترات لاحقة ، باعتبار ان القبائل تمثل شكلا معينا من اشكال التكوينات الطبقية .
ان هذه التشكيلة السياسية الاقتصادية المعقدة ، تجعل من المتعذر فهم المدارس المذهبية في الإسلام ، بالاقتصار على الاقاويل الفقهية والنظرية ، دون النظر الى الدلالات الاجتماعية التي تعبر عنها تلك المدارس ، والى الظروف التاريخية الخاصة ، التي أحاطت بظهور كل فئة من الفئات المذهبية ، ومدى علاقتها بالدولة من ناحية ، وبالفئات المحكومة من ناحية أخرى .
وفي اطار هذا المنظور ، برزت ظاهرة عامة في تاريخ بعض المقاطعات الإسلامية ، قلما نجد لها مثيلا اليوم في المجتمعات الأخرى ، وهي حقيقة تمايز دين الحاكمين عن دين المحكومين ، واختلاف المذاهب الرسمية عن المذاهب الشعبية ، كما يجري الامر اليوم في العراق والبحرين والسعودية ، حتى انعكست القاعدة القديمة القائلة : " الناس على دين ملوكها " الى نقيضها .
ان تقلب الأديان والمذاهب في المجتمعات الإسلامية ، كانت تجري تبعا لتقلب الأنظمة السياسية الحاكمة ، او الاسر المالكة ، وهذا بخلاف ما عرفته اوربة . فانتشار المسيحية مثلا ، كان نتيجة قرار سياسي اتخذه بعض ملوك الروم ، لاعتناق دين المسيح ، وكذلك الحال بالنسبة لحركات الإصلاح الديني الاوربية في العصر الوسيط .
ان انتشار الأديان المختلفة بالمنطقة العربية الإسلامية ، كان يتقرر في حالات كثيرة حسب ميل السلطة السياسية القائمة . وهذا نلاحظه مثلا في ايران منذ عهد زرادتش وماني ، وحتى عهد الاسرة الصفوية في القرن السادس عشر . كذلك نفس الحال نجده في مصر التي كانت أحد اهم مراكز الدعوة المسيحية قبل الإسلام ، لكنها قبلت الدين الإسلامي ، واللغة القرآنية دون مقاومة تذكر .
ففي الفترة الإسلامية ، قامت في مصر اكبر دولة شيعية في تاريخ الإسلام : الدولة الفاطمية التي لم تزل آثارها العمرانية شاخصة للعيان : القاهرة ، والجامع الازهر ، والاضرحة المقدسة ....لخ ، لكن المذهب الامامي ، سرعان ما اختفى من مصر ، مع تغلب صلاح الدين الايوبي ، وازالته للخلافة الفاطمية الشيعية .
اما في تاريخ وادي الرافدين ، فنرى ظاهرة معاكسة ، حيث ان اهل بابل ، قد عارضوا الاحتلال الإخميني – الفارسي ، قبل القرن السادس قبل الميلاد ، واتخذت المعارضة شكلا دينيا ، بانتشار مذهب وثني معين ( يتعلق بعبادة الاله سن ) ، حمل المحتلين الفرس على التظاهر بحماية المذهبي البابلي التقليدي ، إستمالةً لكهنة بابل المحافظين . وفي الفترات اللاحقة ، نجد اهل العراق يعتنقون المسيحية معارضة للمجوسية دين السّاسانيين .
وكذلك الحال في العهد الإسلامي ، كان مدى انتشار المذهب الشيعي ، يتناسب مع تزمت الحاكمين ، وتقريبهم للحنابلة واهل الحديث . وفي العهد العثماني ، نلاحظ ان كثيرا من العشائر والاسر السنية المرموقة في العراق ، انتقلت الى المذهب الشيعي ، استجارة بمراكز الشيعة الكاظمية ، والنجف ، وكربلاء من ظلم الحكم العثماني .
وقد شملت هذه الظاهرة اكثر نواحي العراق ، ولم تقتصر على المنطقة المحيطة بالمراقد الشيعية ، فمن المعروف ان اكثر المراثي الحسينية انتشارا في العصر الحديث ، هي من نظم بعض شعراء الموصل . وفي الوقت نفسه ، نرى بروز مظاهر التضامن ، بين اهل المذاهب والأديان المختلفة ، عند تعرض البلاد الى للاحتلال الأجنبي ، او عند قيام الثورات الشعبية الكبرى في القديم والحديث .
ان هذه الظواهر غير المعتادة التي برزت على مرّ القرون ، تدل لاشك ان الصراع القبائلي والصراع المذهبي ، كان دائما تعبيرا عن صراع اجتماعي ، وانعكاسا لمقاومة شعبية ضد تسلط اجنبي ، او استبداد محلي ، بأشكال دينية ، او مذهبية ، او قبائلية ، تنسجم مع الاحوال السائدة في المجتمع ، والتقاليد الجارية بين الناس .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما أهمية ووظيفة البرلمان الأوروبي؟ • فرانس 24 / FRANCE 24


.. في النصيرات بغزة.. داخل هذا المبنى شنت القوات الإسرائيلية عم




.. الانتقام الشامل.. العقيدة النووية الروسية ..وبوتين يتوعد بتج


.. الحرب في قطاع غزة تدخل شهرها التاسع مع تفاقم للوضع الإنساني




.. ما دلالات سرعة إعلان القسام مقتل 3 محتجزين بعد يوم واحد من ع