الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الإصلاح السياسي في العالم العربي

صالح سليمان عبدالعظيم

2006 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


تحاول العديد من الدول العربية البدء في ما أصبح معروفا باسم الإصلاح السياسي، بغض النظر عن مدى قناعتها وجديتها بما تقوم به، وبغض النظر عن حجم التدخل الخارجي في اجبار العديد من هذه الدول على البدء في مسيرة الإصلاح. لقد خلق الحديث عن الإصلاحات السياسية ومدى أهميتها وضرورتها بالنسبة للعالم العربي أجواء من التوتر والمواجهات والاستعداءات بين الكثير من النظم الحاكمة وبين جموع النشطاء السياسيين على مختلف مشاربهم وتوجهاتهم. ويمكن الإشارة هنا إلى ما يحدث الآن في العديد من الدول العربية مثل مصر وسوريا وتونس والمغرب والجزائر ولبنان والكويت والبحرين والسعودية، حيث شهدت هذه الدول أشكالا متفاوتة من المواجهات بين النظم الحاكمة وبين النشطاء السياسيين في هذه الدول، واضعين في الاعتبار الفروق الكمية والكيفية بين هذه الدول، ودرجة أهميتها في المنطقة، وطبيعة الخبرات السياسية والحركية التي مرت ومازالت تمر بها.

تثير مسألة الإصلاح جملة من المشكلات يجب وضعها في الاعتبار حتى لا ينساق البعض وراء المسمى دون الوقوف عند متطلبات هذا الإصلاح وآلياته. تأتي الدعوة إلى الإصلاح في ظروف الضغوط التي تتعرض لها المنطقة العربية الآن، من احتلال للعراق، وسيادة أمريكية إسرائيلية على كافة أرجاء المنطقة من المحيط إلى الخليج. من هنا يمكن القول بأن أجواء الإصلاح أجواء متوترة من البداية، فلا النظم العربية تهدف فعلاً إلى إصلاحات سياسية حقيقية، ولا النشطاء السياسيون يدركون طبيعة البنيات الاجتماعية التي يتعاملون معها، وحجم التحديات المفروضة عليهم. اللافت للنظر هنا أن طرفي المعادلة، النظم الحاكمة من ناحية والنشطاء السياسيون من ناحية أخرى، قد ركبوا موجة الإصلاح ودعوا إليه.

فالنظم الحاكمة تحاول أن تبرز نفسها بأنها ليست ضد الإصلاح، بل إنها تدعو إليه، وتعمل من أجله. حيث تجند في سبيل ذلك العديد من مفكريها الذين بدءوا في التنظير لنوع محدد من الإصلاح يمكن أن نطلق عليه إصلاح السلطة. أهم ما يلفت النظر في هذا النوع من الإصلاح أنه إصلاح تفصيل؛ فلأن السلطة تعلم مقاس شعوبها، ومقاس مجتمعاتها أكثر من أى حركة سياسية أخرى، فهى الأدرى بما يتناسب ومصالحهم، وما تمليه متطلبات هذه المرحلة من جوانب إصلاحية!! من وجهة نظر السلطة ومنظريها، لابد أن يأتي هذا الإصلاح متدرجاً وعقلانيا ورشيداً، حيث تلوح السلطة الحاكمة هنا بفزّاعة الإسلاميين وامكانية وصولهم إلى الحكم، مع ما يمكن أن يجلبه ذلك من كوراث خاصة بمسألة الحريات السياسية والمصالح الأمريكية الإسرائيلية في المنطقة.

بالطبع تخشى النظم الحاكمة في العالم العربي أن تجرها مسألة الإصلاح هذه إلى ما لا يحمد عقباه، حيث تفقد سلطتها كلية لتجد نفسها في موقع المساءلة والحساب مثلما تقوم بذلك مع خصومها السياسيين. من هنا يمكن للمرء أن يتفهم تلك الشراسة الأمنية التي واجهت بها بعض النظم العربية المظاهرات والتجمعات التي اندلعت دفاعاً عن بعض النشطاء السياسيين الذين تم إلقاء القبض عليهم. فالسلطة السياسية في العالم العربي متوترة الآن أكثر من أي وقت مضى، فهى تحاول أن ترضي الخارج من ناحية، وتحاول أن تقنع الداخل من ناحية ثانية، وتحاول أن تحمي نفسها وتهيمن على قبضة كرسيها من ناحية ثالثة. والخوف هنا، أن تزيد هذه السلطة جرعة الاستبداد، مع ما يستتبع ذلك من ممارسات لقمع النشطاء السياسيين وتعذيبهم. وربما تصب الاتهامات المتبادلة هذه الأيام بخصوص القمع والتعذيب بين حركة كفاية والنظام المصري في هذا السياق.

والنشطاء السياسيون في العالم العربي، يجدونها فرصة ذهبية للضغط المتواصل على السلطات الحاكمة في العالم العربي من أجل التغيير. وفي هذا السياق يتفاوت هؤلاء النشطاء فيما بينهم، فالبعض منهم موتور أصلاً في علاقاته بالسلطة الحاكمة، يصفي حساباته الشخصية معها، لا يهمه أى شيئ سوى نقد هذه السلطات وفضحها في كل مكان وفي أي مناسبة. والبعض الآخر موتور أيضاً في علاقاته بالمجتمع والبشر والثقافة والعادات والتقاليد.

وتمنحنا العديد من الكتابات التي يطلقها البعض من أبناء الأقليات وأشباه الليبراليين أمثلة كثيرة على هذا النوع من النشطاء الجدد. إضافة إلى ذلك وجد البعض ضالته في اطلاق المواقع والكتابات المتواصلة التي تفضح ممارسات السلطات الحاكمة، وبشكل خاص ما يتعلق منها بمسألة التوريث في بعض الدول العربية، وما يتعلق بقضايا حقوق الإنسان والتعذيب. ويتفاوت هؤلاء النشطاء السياسيون فيما بينهم أيضاً في اعتمادهم على الخارج، فالبعض منهم يذهب في ذلك مذهباً صريحاً حول ضرورة التدخل الأمريكي لتسريع التغيير مثلما حدث في العراق، والبعض الآخر يرفض هذه المسألة ويحمل شرعيته على أكتافه في مواجهة السلطة، ولعل ما قام به قضاة مصر في الآونة الأخيرة يمنحنا مثالاً ناصعاً على هذا التوجه.

ومثلما تبدأ السلطة السياسية الإصلاح الخاص بها وهى متوترة، فإن النشطاء السياسيين يحملون هذا التوتر أيضاً. فهم يواجهون سلطة متمرسة على القمع والمصادرة لعقود طويلة، وفي هذا السياق تأتي المقارنة المشروعة واللازمة بين نشطاء الخارج الذي يدعون إلى الإصلاح وهم في حماية البيت الأبيض وجنسياتهم المزدوجة، وبين نشطاء الداخل الذين يدعون إلى الإصلاح ولا توجههم سوى ضمائرهم، ورغباتهم الحقيقية في التغيير المجتمعي الشامل. كما أن حركة هؤلاء النشطاء الجدد مازالت حركة نخبوية لا تستند إلى فضاء مجتمعي حقيقي يوفر لها الحماية والسند وقت المواجهات مع السلطات الحاكمة.

فمن أسف أن حركة هؤلاء النشطاء الداعين إلى الإصلاح تبدأ من حيث انتهى إليه الآخرون؛ فهى تطلق شعاراتها ودعواتها وأفكارها السابقة التجهيز بدون أن تشكلها في رحم الشارع القادر على الفرز وتكوين الكتل الاجتماعية الحقيقية القادرة على تحقيق الإصلاح وصيانته. من هنا تنتفي غرابة أن ما يقوم به هؤلاء النشطاء السياسيون على أهميته يسير في واد والشارع العربي يسير في واد آخر. واللافت للنظر هنا أن هؤلاء النشطاء الجدد يتواصلون فيما بينهم بسهولة ويسر أكثر من تواصلهم مع القاعدة الشعبية العريضة؛ من هنا ينبع هذا التجاهل المتبلد والمتواصل من قبل الشارع العربي لما يقوم به هؤلاء النشطاء الجدد، وهو الأمر الذي يزيد من حدة توتر هؤلاء النشطاء، ويعمق من نخبويتهم الحركية.

ما بين الصراع الدائر الآن في العالم العربي بين السلطة الحاكمة من جانب، وبين النشطاء الجدد من جانب آخر تتواصل الدعوات المتوترة للإصلاح. ومن أسف أن المشاريع النهضوية في العالم العربي منذ نهايات القرن التاسع عشر وحتى الآن لم تتم بشكل عقلاني مستنير، قدر ما تم دفعنا نحوها وانخراطنا فيها، بدون أن تعبر عن قوى اجتماعية حقيقية، وهو الأمر الذي يجعل من هذه المشاريع مجرد هبات وقتية، ليس لها جذور حقيقية في الواقع العربي المهترئ. نتمنى من الله أن تجد هذه الدعوات الإصلاحية الجديدة جذوراً حقيقية لها، وألا تتحول إلى مجرد حركة نخبوية جديدة، تذوي وتندثر بمرور الوقت!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لحظة إسقاط مسيرة إسرائيلية بعد استهدافها في أجواء جنوبي لبنا


.. كيف ستتعامل أمريكا مع إسرائيل حال رفضها مقترح وقف إطلاق النا




.. الشرطة تجر داعمات فلسطين من شعرهن وملابسهن باحتجاجات في ا?مر


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. مظاهرات في أكثر من 20 مدينة بريطانية تطالب بوقف الحرب الإسرا