الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانهيار السكاني القادم في شرق آسيا

ماجد علاوي

2024 / 5 / 13
العولمة وتطورات العالم المعاصر


دراسة تحتفل بتوجهات التقلص في أعداد سكان شرق آسيا وتهلل مسبقا (من الناحية الجيوسياسية، سيفيد هذا التراجع واشنطن من خلال إضعاف منافستها الرئيسية)، وتمني نفسها أن (قوة الديموغرافيا تعني أن "القرن الآسيوي" الذي بشر به منذ فترة طويلة، قد لا يصل أبدا).
في أدناه أحصاءات الأمم المتحدة لمعدلات الخصوبة في مختلف دول العالم.
في جدول للأمم المتحدة حول مستويات الخصوبة في مختلف أنحاء العالم يظهر ان المعدل العالمي الآن هو 2,3 وهو أعلى بقليل من حد مستوى الاستبدال [تساوي الولادات والوفيات]، والذي تبلغ الخصوبة فيه 2.1 ولادة لكل امرأة. كما يظهر أن 94 دولة من مجموع 204 دول نسبة الخصوبة فيها أقل من 2,1. وأعلى نسبة خصوبة في النيجر وتبلغ 6,6 وتليها تشاد وتبلغ 6، وأقل نسبة خصوبة في هونغ كونغ وتبلغ 0,8 وتليها كوريا الجنوبية وتبلغ 0,9.
أما الصين فتبلغ 1,2، فيما تبلغ الهند 2. أما الولايات المتحدة فتبلغ نمسبة الخصوبة فيها 1,7. وفي العراق كانت نسبة الخصوبة في تقرير نشر في 2024 تبلغ 3,3 وهو من المعدلات العالية في العالم، في حين كانت 3,5 في تقرير 2021.

بقلم نيكولاس إيبرستادت/ فورن أفيرز
ترجمة ماجد علاوي
8 أيار 2024

ربما تشهد منطقة شرق آسيا في العقود المقبلة مباشرة، التحول الديموغرافي الأكثر دراماتيكية في العالم الحديث. إن جميع الدول الرئيسية في المنطقة الصين واليابان وكوريا الجنوبية وتايوان على وشك الدخول في عصر من انخفاض عدد السكان، حيث سوف تتقدم في العمر بشكل كبير وتفقد الملايين من الناس. ومن المتوقع أن ينخفض عدد سكان الصين واليابان وفقا لتوقعات شعبة السكان التابعة لإدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية التابعة للأمم المتحدة، بنسبة 8 في المائة للصين و18 في المائة لليابان بين عامي 2020 و2050. ومن المتوقع أن يتقلص عدد سكان كوريا الجنوبية بنسبة 12 في المائة. وستنخفض تايوان بنسبة تقدر بثمانية بالمائة. وعلى النقيض من ذلك ، فإن عدد سكان الولايات المتحدة في طريقه للزيادة بنسبة 12 في المائة.
إن أعداد البشر والإمكانات التي يجسدونها - ضرورية لسلطة الدولة. وإذا تساوت كل العوامل الأخرى، فإن البلدان التي تضم عددا أكبر من الناس لديها عدد أكبر من العمال، واقتصادات أكبر، ومجموعة أكبر من الجنود المحتملين. ونتيجة لهذا فإن البلدان النامية تجد أنه من الأسهل كثيرا زيادة قوتها وبسط نفوذها في الخارج. وعلى النقيض من ذلك، تكافح البلدان المتقلصة للحفاظ على نفوذها.

ولن تكون دول شرق آسيا استثناء من ذلك: فعالم الممكن بالنسبة لدولها سوف يتقلص بشكل جذري بسبب الانخفاض السكاني القادم. وسوف يجدون صعوبة أكبر في توليد النمو الاقتصادي، وتكديس الاستثمارات، وبناء الثروة لتمويل شبكات الأمان الاجتماعي الخاصة بهم؛ وتعبئة قواتهم المسلحة. وسيواجهون ضغوطا متزايدة للتعامل مع التحديات المحلية أو الداخلية. وبناء على ذلك، سوف تكون اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان عرضة لأن تنكفئ إلى مشاكلها في الداخل. وفي الوقت نفسه، ستواجه الصين فجوة متنامية بين طموحاتها وقدراتها - ومن المحتمل أن تكون غير قابلة للسد.
وبسبب التأثيرات على الصين، فإن خسارة شرق آسيا ستعدّ بأن تكون مكسبا جيوسياسيا لواشنطن. لكن العبء على الديمقراطيات في شرق آسيا سيخلق مشاكل لواشنطن. وستصبح هذه الدول شركاء أقل جاذبية للولايات المتحدة، كما ستنمو حاجتها إلى الشراكة مع الولايات المتحدة. وقد تتعرض الحكومة الأمريكية بعد ذلك للضغوط لتقليل الاستثمار في أمن هذه البلدان، مما يولد احتكاكا سيتعين على المسؤولين الأمريكيين إدارته بعناية لحماية تحالفات واشنطن.
وهناك، بالطبع ما هو أكثر أهمية للسلطة الوطنية من تعداد الرؤوس. إذ أن انخفاض عدد السكان من شأنه أن يضر بدول شرق آسيا على نحو سوف يصبح التغلب عليه أمرا بالغ الصعوبة على نحو متزايد. الديموغرافيا ليست قدرا، لكن قوة الديموغرافيا تعني أن "القرن الآسيوي" الذي بشر به منذ فترة طويلة، قد لا يصل أبدا.

نقطة الانهيار
في العقود التي أعقبت الحرب العالمية الثانية، ازدهر عدد سكان شرق آسيا. فبين عامي 1950 و 1980 ، ازاد بنسبة 80 في المائة تقريبا. وبحلول عام 2020، كان عدد سكان المنطقة 2.5 ضعف عدد سكانها في عام 1950، حيث ارتفع من أقل من 700 مليون نسمة إلى ما يقرب من 1.7 مليار نسمة. وتجاوزت هذه القفزة السكانية بكثير النمو الإجمالي للولايات المتحدة على مدى تلك الأجيال الثلاثة ، وحدثت بشكل أسرع وكانت جزءا لا يتجزأ من التحليق الاقتصادي غير العادي في شرق آسيا.
ولكن حتى مع ارتفاع عدد سكان شرق آسيا، فإن خطوط الاتجاه الأساسية تنذر بانخفاض قادم. ففي اليابان وفي أوائل سبعينيات القرن العشرين ، انخفضت الخصوبة إلى ما دون مستوى الاستبدال [تساوي الولادات والوفيات]، والذي يعرف عموما بأنه 2.1 ولادة لكل امرأة. وفي ثمانينيات القرن العشرين ، حدث نفس الشيء في كوريا الجنوبية وتايوان. وفي أوائل تسعينيات القرن العشرين حذت حذوها الصين - العملاق الذي يمثل خمسة أسداس إجمالي سكان شرق آسيا . ومنذ ذلك الحين، انخفضت الخصوبة في المنطقة إلى ما دون مستوى الاستبدال. واعتبارا من عام 2023 ، تعد اليابان أكثر دول شرق آسيا خصوبة ، على الرغم من أن مستويات الإنجاب لديها أقل بأكثر من 40 في المائة من معدل الاستبدال. ومستويات الإنجاب في الصين أقل بنسبة 50 في المائة تقريبا من معدل الاستبدال. وإذا استمر هذا الاتجاه، فإن كل جيل صيني صاعد سيكون بالكاد نصف حجم الجيل الذي سبقه. وينطبق الشيء نفسه على تايوان. وكان مستوى المواليد في كوريا الجنوبية لعام 2023 أقل بنسبة مذهلة بلغت 65 في المائة من معدل الاستبدال - وهو أدنى مستوى على الإطلاق بالنسبة لسكان وطنيين في وقت السلم. وإذا لم يتغير الوضع في غضون جيلين ، سيكون لدى كوريا الجنوبية 12 امرأة فقط في سن الإنجاب لكل 100 في البلاد اليوم.

بعبارة أخرى، فإن شرق آسيا على مسار الانحدار الذي يمتد إلى أبعد ما يمكن أن تراه عين الديموغرافيين. ومن المتوقع أن تنكمش المنطقة بنسبة اثنين في المئة بين عامي 2020 و2035. وسوف تنكمش بين عامي 2035 و2050، بنسبة ستة في المائة أخرى - وبعد ذلك بنسبة سبعة في المائة أخرى لكل عقد متتالي (إذا استمرت الاتجاهات الحالية). ويمتد انخفاض عدد السكان إلى ما وراء البلدان الأربعة الرئيسية في شرق آسيا إلى جارتها الشمالية - روسيا - حيث من المتوقع أن ينخفض عدد السكان بنحو تسعة في المائة من الآن وحتى عام 2050. (سوف يتغير عدد السكان بشكل جزئي في منغوليا وكوريا الشمالية أيضا، ولكن هذين البلدين يمثلان اليوم أقل من اثنين في المئة من سكان شرق آسيا).
ليست هذه هي المرة الأولى التي تفقد فيها شرق آسيا سكانا. فوفقا للسجلات التاريخية ، خضعت الصين لما لا يقل عن أربعة عمليات هجرة طويلة الأجل على مدى الألفي عام الماضية. واستمرت بعض هذه النوبات لعدة قرون. فبعد عام 1200 بعد الميلاد، على سبيل المثال، تقلص عدد سكان الصين بأكثر من النصف. استغرق الأمر من البلاد ما يقرب من 350 عاما للتعافي. كما عانت اليابان وكوريا من انخفاض عدد السكان على المدى الطويل قبل أن تبدأ في التحديث.
لكن الانخفاض الوشيك في عدد السكان يختلف عن كل ما سبقه. في الماضي، كانت تقلص النفوس المطول في شرق آسيا (وكل منطقة) نتيجة لكارثة مروعة - مثل الحرب أو المجاعة أو الأوبئة أو الاضطرابات. واليوم، يحدث الانحدار في ظل ظروف من التقدم المنظم، وتحسن الظروف الصحية، ونشر الرخاء. وبعبارة أخرى ، فإن الانخفاض القادم في عدد السكان طوعي. إنه لا يحدث لأن الناس يموتون بشكل جماعي ولكن لأنهم يختارون إنجاب عدد أقل من الأطفال. وربما تقدم الصين أوضح مثال على هذه الحقيقة. فقد تخلت البلاد في عام 2015عن سياسة الطفل الواحد القسرية ، ولكن في السنوات التي تلت ذلك، انخفضت الولادات السنوية بأكثر من النصف.
ويمكن أن تتغير أنماط الخصوبة الحالية في شرق آسيا؛ فعلماء الديموغرافيا ليس لديهم أدوات موثوقة للتنبؤ باتجاهات الخصوبة على المدى الطويل. ولكن لا يوجد حتى الآن مثال لبلد انخفضت فيه معدلات المواليد بنسبة 25 في المائة إلى ما دون الاستبدال ثم انتعشت إلى مستويات الاستبدال، ولو مؤقتا. وبالتالي فإن الأمر لا يشابه انخفاضات عدد السكان السابقة ، حيث استعيدت معدلات المواليد المرتفعة بمجرد هدوء المجاعة أو الحرب أو الكوارث الأخرى. وبعد عقود من الخصوبة دون الاستبدال، أصبح مسار فقدان السكان في شرق آسيا محسوم سلفا لعقود قادمة.
تتناقض الأنماط الديموغرافية في شرق آسيا بشكل حاد مع تلك الموجودة في الولايات المتحدة. وعلى عكس سكان شرق آسيا، لا يزال عدد سكان الولايات المتحدة يتمتع بنمو في كل من العدد الإجمالي وعدد الفئات من سن 15-64. ولا يزال تدوين عدد المواليد أكثر من الوفيات، على الرغم من ارتفاع معدلات المرض مقارنة بالمجتمعات الغربية الغنية الأخرى. وإن إجمالي الوفيات في الولايات المتحدة ارتفع بشكل مطرد خلال فترة ما بعد الحرب ، ولكن من غير المتوقع أن تتجاوز معدلات الوفيات معدلات المواليد حتى أوائل إلى منتصف أربعينات هذا القرن. إن معدلات المواليد في البلاد أقل من مستويات الاستبدال ، لكن الخصوبة في الولايات المتحدة أعلى بأكثر من 40 في المائة من شرق آسيا. كما تجتذب الولايات المتحدة أعدادا كبيرة من المهاجرين، مما يعزز عدد سكانها، في حين أن الهجرة لا تذكر في شرق آسيا. ومن المستحيل التنبؤ بما إذا كانت الهجرة الدولية واسعة النطاق إلى الولايات المتحدة ستستمر ، ولكن إذا حدث ذلك ، فستستمر البلاد في النمو لعقود.

الذهاب إلى اللون الرمادي
إن علماء الديموغرافيا قادرون على التحدث عن التوقعات بالنسبة لبلدان المنطقة بدرجة عالية من الثقة لأن نسبة كبيرة جدا من سكان شرق آسيا سيكونون على قيد الحياة في عام 2050 بالفعل. وما يجب أن يقولوه لا يبدو إيجابيا بشكل خاص. فبحلول عام 2050، سيكون السكان في كل بلد من بلدان المنطقة أقل عددا وأكبر سنا مما هو عليه الآن. ففي الصين على سبيل المثال، في عام 2050 سوف يكون عدد الأشخاص الذين تقل أعمارهم عن 60 عاما أقل بكثير من عدد هم في صين اليوم. ولكن سيكون عدد السبعينيين والثمانينيين والتسعينيين أكبر بمرتين ونصف المرة عما هو عليه الحال اليوم - 180 مليون إضافيين - على الرغم من أن إجمالي عدد سكان البلاد سينخفض. وفي بلدان أخرى ، ستكون التغييرات أكثر جذرية. ففي عام 2050، من المحتمل أن يكون عدد الأشخاص في اليابان أقل مما هو عليه اليوم في كل فئة عمرية تقل عن 70 عاما. وسيكون لدى تايوان عدد أكبر من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 75 عاما مقارنة بالذين تقل أعمارهم عن 25 عاما. وفي كوريا الجنوبية ، سيكون هناك عدد أكبر من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاما مقارنة بالذين تحت الـ 20 عاما.

وهذا التحول الديموغرافي سيكلف هذه البلدان أكثر من مجرد فقدان شبابها. إذ أنه يهدد باستنزاف حيويتهم الاقتصادية. وكقاعدة عامة، تميل المجتمعات التي يقل عدد سكانها إلى أن يكون لديها اقتصادات أصغر، كما هو الحال في المجتمعات التي يشكل فيها كبار السن عددا غير متناسب من السكان. إن انتاجية عمل كبار السن أقل من عمل الشباب ومتوسطي العمر: وهناك سبب يجعل الديموغرافيين يشيرون تقليديا إلى الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و 64 عاما على أنهم السكان "في سن العمل". وعلى الرغم من نمو فئة الأشخاص في سن العمل في شرق آسيا حتى عام 2015، فإن مجموعة العمالة في المنطقة تتقلص الآن. وإذا استمرت التوقعات، فإن عدد السكان في سن العمل في الصين سيكون أقل بأكثر من 20٪ في عام 2050 مقارنة بعام 2020. وسيكون ععد العاملين في اليابان وتايوان أصغر بنحو 30 في المائة، وسيكون في كوريا الجنوبية أصغر بأكثر من 35 في المائة.
ومن الناحية النظرية، تستطيع منطقة شرق آسيا أن تتغلب على هذا العيب الديموغرافي من خلال تحفيز إنتاجية العمل. ولكن لا توجد آلية سياسية سهلة تستطيع هذه الدول من خلالها التعجيل بكفاءة العمال، وسوف يؤدي انخفاض عدد السكان في شرق آسيا إلى صعوبة تمكن العمال من زيادة نصيب الفرد في الناتج الوطني. ومن المتوقع أن تنخفض "نسبة الدعم المحتملة" في المنطقة - أي عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و64 عاما مقارنة بأولئك الذين يبلغون من العمر 65 عاما أو أكثر - في السنوات المقبلة. وكانت هذه النسبة في عام 2020 ، 5.1 إلى 1 في الصين ، و 4.4 إلى 1 لتايوان ، و 4.2 إلى 1 لكوريا الجنوبية ، و 1.8 إلى 1 لليابان. وفي عام 2050 ، ستكون 1.8 إلى 1 للصين ، و 1.4 إلى 1 لتايوان ، وإلى نسبة قد لا يمكن إدراك عواقبها تبلغ 1.2 إلى 1 تقريبا في اليابان وكوريا الجنوبية - مما يعني أنه في اليابان وكوريا الجنوبية ، سيكون هناك عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما مساويا تقريبا لعددهم بين سن 20 و 64 عاما. ومن المرجح أن يؤدي هذا التحول إلى خفض الإنتاجية الفردية والمدخرات والاستثمارات، حيث يكرس العمال وآباؤهم المزيد من الوقت والمال لرعاية المسنين. كما سيكلف ذلك الحكومات، التي سيتعين عليها معرفة كيفية زيادة الإنفاق على الرعاية الاجتماعية - وعلى وجه الخصوص، على المعاشات التقاعدية والرعاية الصحية - حتى مع توقف النمو الاقتصادي.
ويمكن تخفيف الأزمة الاقتصادية الناجمة عن تزايد المسنين والانكماش من خلال الشيخوخة الصحية ، والتدريب والتعليم الأكثر والأفضل ، والمشاركة الأعلى في القوى العاملة ، والمهن الأطول. لكن الدول عليها أن تستخلص أكثر ما تستطيع مما يتوفر لديها من خيارات متناقصة. وسواء شئنا أم أبينا ، فمن المرجح أن تكون الفئة العمرية الأسرع نموا في هذه البلدان هي الأقل قدرة على العمل، أي الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاما. وفي الصين، ستزيد هذه الفئة الطارئة من "الشيوخ الأكثر شيخوخة" بأكثر من أربعة أضعاف بين عامي 2020 و2050. وبحلول منتصف القرن ، سيكون واحد من كل عشرة من سكان البلاد في الثمانينات من العمر أو أعلى. وفي اليابان وكوريا الجنوبية ، سيكون عمر واحد من كل ستة أشخاص تقريبا أكثر من 80 عاما. وبحلول عام 2050، سيكون عدد الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 80 عاما في شرق آسيا أكبر من عدد الأطفال دون سن 15 عاما. (ويمكن أن يكون هناك ضعف هذا العدد في كوريا الجنوبية). وسوف تتقدم الولايات المتحدة في السن أيضا، ولكن سيكون لديها حصة أقل من كبار السن في عام 2050 مقارنة بأي دولة في شرق آسيا. وهذا يتناقض مع عام 1990، عام نهاية الحرب الباردة، عندما كان للولايات المتحدة حصة أعلى من أي منها.
وسيكون لدى العديد من هؤلاء الشيوخ الطاعنين في السن عدد قليل من الأقارب لرعايتهم - أو لا أحد على الإطلاق. إن شرق آسيا لديها أعلى مستويات عدم الإنجاب من أي منطقة على هذا الكوكب اليوم. ويقدر علماء الديموغرافيا اليابانيون أن المرأة اليابانية المولودة في عام 1990 لديها احتمال بنسبة 40 في المائة تقريبا بعدم إنجاب أطفال – وهو احتمال أفضل قليلا من احتمالات أن يكون لهن أحفاد بيولوجيين. وبحلول عام 2050، سيكون أكثر من سدس الرجال الصينيين في الستينيات من العمر - الذين كانوا سيدعون بالأولاد الفائضين من أيام سياسة الطفل الواحد - من الذين لم يتزوجوا أو ينجبوا أطفالا.

إن الكيفية التي سيعمل بها على دعم الشيخوخة بالضبط في المجتمعات المحرومة من الأحفاد هي مسألة عادة ما يتم إحالتها إلى أطروحات المجتمعات الشريرة في روايات الخيال العلمي. لكن هذه القصص تبدو الآن أقل خيالية. ففي الفيلم الياباني "الخطة 75" لعام 2022 ، بدأت طوكيو في سيناريو دفع كبار السن لقتل أنفسهم قتلا رحيما، كوسيلة لتقليل أعباءهم الاقتصادية على المجتمع. وعندما كانت المخرجة، تشي هاياكاوا، تصنع شخصيتها الرئيسية، أجرت مقابلات مع 15 امرأة مسنة، قلن جميعا إنهن سيرحبن بمثل هذه الخطة في الحياة الواقعية. "إنه أكثر واقعية جدا من أن يكون خيالا علميا" ، هكذا قالت هاياكاوا عن الفيلم. "لقد صنعت هذا الفيلم على وجه التحديد لتجنب أن يصبح مثل هذا البرنامج حقيقة واقعة."

الأرض الحرام
يشكل الانهيار السكاني في شرق آسيا في المقام الأول تحديا اجتماعيا واقتصاديا محليا. ولكنه يفرض أيضا قيودا لا مفر منها على النفوذ الدولي للمنطقة. ساعد الانفجار السكاني في شرق آسيا على إنتاج اقتصادات كبيرة وجيوش قوية. في الواقع ، ظهر أثره في الرجال في سن الخدمة العسكرية قبل أن يصل إلى بقية السكان البالغين. ويصدق نفس القول على انهيار الخصوبة في المنطقة. في كل بلد من بلدان شرق آسيا، وسيضرب انخفاض عدد الفئة العمرية الصالحة للتجنيد بشكل أسرع - وحتى أصعب - من عامة الآخرين في سن العمل.
ومن الناحية الجيوسياسية، سيفيد هذا التراجع واشنطن من خلال إضعاف منافستها الرئيسية. فبين عامي 1950 و 1990 ، ارتفعت فئة الرجال في سن الخدمة العسكرية في الصين - أي الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 23 عاما - من 30 مليون إلى 80 مليون. ومنذ ذلك الحين، انخفضت إلى حوالي 50 مليونا، ومن المتوقع أن تعود إلى ما يقرب من 30 مليونا بحلول عام 2050. وعندما تحتفل الصين بمرور 100 عام على انتصار الحزب الشيوعي الصيني في الحرب الأهلية في عام 2049 ، فلن يكون لديها عدد أكبر من المجندين المحتملين مما كانت عليه خلال عام انتصارها. وعلى النقيض من ذلك، من المتوقع أن يكون لدى الولايات المتحدة عدد أكبر من الرجال في سن الخدمة العسكرية في عام 2050 مقارنة بما كانت عليه في نهاية الحرب الباردة. ففي عام 1990، كان لدى الصين ما يقرب من سبعة أضعاف حجم مجموعة التجنيد التي تمتلكها الولايات المتحدة. وبحلول عام 2050، من المتوقع أن يكون حجمها أكبر مرتين ونصف فقط.
ومن شأن هذا التحول الاستثنائي أن يحد من الخيارات المتاحة للصين، التي سيتعين عليها إجراء مقايضات استراتيجية صعبة فيما يتعلق بقوتها البشرية الثمينة التي تتراوح أعمارها بين 18 و23 عاما. إن إمداد البلاد من الشباب الحاصلين على أعلى مستوى من التحصيل العلمي ، وأفضل المهارات التقنية ، وربما أكثر الإمكانات البشرية الواعدة ، سيواجه صعوبة أكبر في تحسين الموقف العالمي العام للبلاد. فهم سوف يمثلون في نهاية المطاف نسبة أصغر وأصغر من عدد السكان الوطنيين مما هي عليه اليوم. وسيواجهون الخيار: هل يوجهونهم نحو الجيش ، ويزيلوهم من الاقتصاد الوطني الضعيف؟ وإذا ظلوا مدنيين، فهل يجب أن يحاولوا الذهاب فورا إلى العمل على حساب التدريب طويل الأجل؟ هذه ليست نوع الحسابات التي تريد قوة صاعدة مواجهتها.
والأكثر من ذلك، أن الميزة العددية المتبقية للصين على الولايات المتحدة في القوى العاملة في سن الخدمة العسكرية قد تكون أكثر تأهيلا من خلال الضغوطات الديموغرافية الأخرى. سيكون لدى بكين أموال أقل لإنفاقها على القوات المسلحة إذا أنفقت المزيد على رعاية المسنين. وعلى نحو مماثل، إذا كان لدى الصين عدد قليل من الشباب نسبة إلى سكانها من كبار السن، فقد يصبح المجتمع والدولة أكثر حساسية للخسائر وبالتالي أكثر عزوفا عن المجازفة عسكريا. ويزداد هذا الاحتمال حدة، بارتفاع عدد الأطفال فقط في الفئة الخاضعة للتجنيد العسكري.
من المؤكد أن الصين سوف تظل دولة هائلة تتمتع باقتصاد ضخم وقوة عسكرية. ولا يسعها إلا أن تظل قوة هائلة - وفي الواقع ، سيكون من الصعب على الصين أن تتراجع عن المركز الثاني. قد تكون الحكومة الصينية قادرة أيضا على تعويض بعض الديموغرافيا العسكرية غير المواتية بالتكنولوجيا ، مثل الذكاء الاصطناعي والأسلحة المستقلة. ولكن في أزمة عسكرية حقيقية، لا يوجد عادة بديل حقيقي للقوى البشرية. إن نشر وتمويل قوة عسكرية تنافسية على وشك أن يصبح أكثر صعوبة بالنسبة لبكين مقارنة بواشنطن، بغض النظر تقريبا عما تقرره الحكومة الصينية.
ومع ذلك، فإن الانهيار السكاني في شرق آسيا لن يعتبر انتصارا شاملا لواشنطن. فالدول الأخرى في المنطقة، بعد كل شيء، تتقلص أيضا، بما في ذلك الدول التي تقدم تقليديا مساعدة كبيرة لواشنطن. ومع خسارة اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان للبشر، فقد لا تكون قادرة (أو راغبة) في تقديم نفس المساهمات للأمن الإقليمي. مرة أخرى في أواخر خمسينيات القرن العشرين. على سبيل المثال ، كان لدى اليابان ما يقرب العدد الذي لدى الولايات المتحدة من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 23 عاما ، وهو ما جعل طوكيو حليفا قيما للولايات المتحدة في المحيط الهادئ. لكن هذا هو تاريخ قديم الآن. فبحلول عام 2020 ، كان لدى اليابان أقل من ثلث عدد الرجال في سن الخدمة العسكرية مقارنة بالولايات المتحدة. وبحلول عام 2050 ، يمكن أن يكون بالكاد الخمس. ولم يكن عدد سكان كوريا الجنوبية في سن الخدمة العسكرية كبيرا مثل عدد سكان اليابان ، لكن فئة الخاضعين للتجنيد - التي كانت ذات يوم كبيرة بنسبة 25 في المائة من تلك التي لدى الولايات المتحدة - وكانت كبيرة بما يكفي لمساعدة الولايات المتحدة في شبه الجزيرة الكورية وفي التخطيط الأوسع للدفاع عن شمال شرق آسيا. ولكن بحلول عام 2050، سيكون حجم الفئة في سن الخدمة العسكرية في كوريا الجنوبية أقل من 10 في المائة من حجم الولايات المتحدة. كما أن التوازن المقابل لتايوان فيما يتعلق بالولايات المتحدة ينخفض بشكل حاد ، من عشرة في المائة في عام 1990 إلى خمسة في المائة متوقعة في عام 2050.
ستظل هذه الدول بحاجة إلى واشنطن. في الواقع، ستكون الإمكانات الاقتصادية والعسكرية للولايات المتحدة أكثر أهمية من أي وقت مضى لسلامة هذه البلدان المتقلصة. ولكن بسبب من انخفاض عدد السكان، سيكون من الصعب على اليابان وكوريا الجنوبية المساهمة في شراكاتهما الأمنية الرسمية مع واشنطن (وعلى تايوان أن تسحب ثقلها في أي ترتيب غير رسمي). ستغير التركيبة السكانية باستمرار شروط التجارة في هذه الشراكات الودية ، مما يحول المزيد من العبء إلى الولايات المتحدة.
ليس من الصعب تخيل كيف يمكن لمثل هذه الضغوط أن تدفع واشنطن إلى تقليص المساعدات. ويشكو المسؤولون الأمريكيون بالفعل بشكل روتيني من أن الدول الحليفة تنفق القليل جدا على الدفاع و لم تعاني أي منها بعد من الانهيار الحقيقي لتعداد سكانها. لكن يجب على الولايات المتحدة ألا تقع فريسة لهذا الإغراء. وإذا كان الاستياء والفضاضة يقوضان الأمن الجماعي في شرق آسيا، فإن الديمقراطيات على جانبي المحيط الهادئ ستخسر بينما تكسب بكين (حتى مع تناقص سكانها). لذلك يجب على المسؤولين الأمريكيين الانتباه إلى الاتجاهات الديموغرافية التي تواجه شرق آسيا على مدى العقود العديدة المقبلة والعمل بشكل استباقي مع الشركاء الإقليميين لمعالجة الأعباء الدفاعية التي تنتظرهم.
وإذا نجحت مثل هذه المحادثات، فإن هذه الاتجاهات الديموغرافية يجب أن تعطي الأميركيين بعض الأمل، وليس فقط لأنها ستضعف الصين. قد تكون الولايات المتحدة تعاني من مشاكل وانقسامات داخلية، ولكن بقدر ما تكون التركيبة السكانية مهمة، فإن مستقبلها الاستراتيجي يبدو مشرقا بشكل مدهش. ومن المتوقع أن يكون عدد السكان الذين تقل أعمارهم عن 30 عاما في البلاد أقل قليلا في عام 2050 مما هو عليه اليوم، وسيكون إجمالي عدد السكان في سن العمل أكبر. ومن المقرر أن تتحول البلاد إلى اللون الرمادي ، ولكن بشكل أكثر اعتدالا من أي بلد في شرق آسيا. وبحلول عام 2050 ، سيكون لدى الولايات المتحدة نسبة دعم محتملة أعلى من أي اقتصاد غربي رئيسي ، مع توقع 2.3 أمريكي في سن العمل لكل مواطن مسن.
إن قوة الديموغرافيا تمنح الولايات المتحدة هدية استراتيجية عظيمة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. سيكون من الحكمة أن يدرك صانعو السياسة والاستراتيجيون الأمريكيون الفرصة ويغتنمونها. إنهم بحاجة إلى التفكير في الطرق التي يجب أن يغير بها هذا الميل الديموغرافي الكبير نهجهم تجاه الصين والمنطقة بشكل عام - بما في ذلك تجاه أصدقائهم. إن القيام بذلك سيساعد واشنطن على الاستفادة بشكل أفضل مما يمكن للمرء أن يسميه الاستثنائية الديموغرافية الأمريكية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما ثمن الاتفاق الدفاعي بين السعودية وأمريكا وهل ستصبح الرياض


.. تحدي الثقة بين مريانا غريب وجلال عمارة ?? | Trust Me




.. السعودية.. الأندية الأكثر حاجة لإيدريسون وكاسيميرو بحال رحيل


.. سوناك يعلن تنظيم الانتخابات العامة في 4 يوليو المقبل | #رادا




.. اختتام تدريبات الأسد المتأهب في الأردن بمشاركة 33 دولة | #مر