الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


محددات التراشق الخشن والناعم بين مصر وإسرائيل.. مقاربة صعود المكانة

حاتم الجوهرى
(Hatem Elgoharey)

2024 / 5 / 13
السياسة والعلاقات الدولية


بالأمس الأحد 12 مايو 2024م تناقلت وكالات الأنباء ما أعلنته وزارة الخارجية المصرية في بيان لها، عن نية مصر الانضمام لدعوى جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية ضد "إسرائيل"، في الادعاء القانوني بممارسات جرائم الإبادة ضد الشعب الفلسطيني والمدنيين في قطاع غزة.
ذلك بعد عدة أيام من اجتياح قوات الاحتلال معبر رفح من الجانب الفلسطيني والسيطرة على ممر صلاح الدين/ فيلادلفيا الفاصل بين مصر وقطاع غزة، ضاربة عرض الحائط بالمفاوضات التي كانت تجري في القاهرة وبوساطة مصرية، رغم ما أعلنته حماس من موافقتها على الاتفاقية.
وفي واقع الأمر فإن المسألة الآن يجب النظر لها في خطوط عريضة وليس في تفاصيل بعينها، فيما يخص احتمالات التدافع الخشن أو الناعم دبلوماسيا أو غير ذلك بين مصر و"إسرائيل"، لوضع هدف استرتيجي جديد يكون عنوانا لسياسات مصر في الفترة القادمة، وهذا الهدف يجب أن يكون تحت عنوان: "مقاربة صعود المكانة"، وبسط الحضور في "فضاء الجغرافيا الثقافية" المصرية العامة، وليس في حدودها السياسية فقط.
بمعى أنه أيا كانت أشكال التراشق أو التدافع بين مصر ودولة الاحتلال "إسرائيل"؛ فيجب أن يكون هناك وضوح في الاسترتيجية العامة التي يتم العمل من خلالها والمحددات الضابطة لها، فالهدف العام هو صعود المكانة وتغيير قواعد إشغال "الفضاء الجيوثقافي" لمصر وليس فقط حدودها السياسية المرسمة، وذلك في المسار الدبلوماسي بشقيه الخشن والناعم، المستوى الدبلوماسي الناعم مثل المفاوضات التي كانت ترعاها مصر وما شابهها، والمستوى الدبلوماسي الخشن مثل التوجه ضد دولة الاحتلال في المحكمة الجنائية وما يشابهها. لكي تنضبط كافة التصرفات والسياسات الدبلوماسية الخارجية الناعمة أو الخشنة وفق هذا الهدف العام.
وكذلك الأمر في سياق التدافع الممكن والمحتمل على المستوى العسكري والحشود القائمة، فأي عمليات أو تراشقات عسكرية محتملة بين مصر و"إسرائيل" تأتي في سياق كسر جيش الاحتلال لبنود اتفاقية السلام، يجب أن تكون بهدف التأكيد على مكانة مصر وأن معاهدة السلام ليس قيدا على مصر وشيكا على بياض لدولة الاحتلال "إسرائيل".
لتتغير الأولوية الاستراتيجية والجيوثقافية لمصر ويصبح الهدف منها هو فرض وجود مصر في "فضاء الجغرافيا الثقافية" الخاص بها، وأن مصر سوف تنظر للشرق الأوسط الكبير (بمعناه الذي يضم تركيا وإيران وباكستان وإسرائيل ومعهم نطاق الجوار الإفريقي) وفق أولوية مستودع هويتها ومحدداته وثوابته المتناغمة، وستعمل لصعود هذا الفضاء ككل بصفته كتلة جيوثقافية جديدة في العالم، وليس بوصفه فناء خلفيا للتدافع وتقاسم النفوذ بين الأطالسة وأمريكا ووكيلتهم إسرائيل، وبين الروس "الأوراس الجدد" والصينين "الحزام والطريق".
حيث ستؤكد مصر على استراتيجة الصعود الحضاري وأن معاهدة السلام مع "إسرائيل" هي مكون مدمج في مشروع الصعود المصري في فضائها الجيوثقافي، وليست فيتو احتجاجي على هوية مصر، وأن مصر ستضبط كافة سياساتها الخارجية والداخلية وفق مفهوم الصعود في الفضاء الجيوثقافي لمستودع هويتها العربي/ الإسلامي/ الأفريقي، وستُفَعِّل حضورها في هذا الفضاء بمستوياته المتعددة والمتناغمة، وفق حزمة سياسات جديدة متمايزة.
وهذا هو المختصر المفيد والمطلوب منا جميعا الآن كجماعة مصرية -وكموسسات للدولة- تمر بلحظات تاريخية حاسمة العمل من أجله، لنتجاوز كافة الاستقطابات الداخلية والإقليمية والدولية كل بما يتفق مع مشاكله وطبيعته، فعلى مستوى الاستقطابات الداخلية ستسعى المقاربة الجديدة إلى بناء "مشترك مجتمعي/ ثقافي" داخلي يشكل كتلة جامعة مصرية جديدة، وعلى مستوى الاستقطاب الإقليمي ستسعى مصر بمشروعها الجديد إلى بناء "مشترك ثقافي" يتجاوزالتناقضات التي تفجرت وتضارب المشاريع الجيوبولتيكية الإقليمية لصالح القوى الدولية، وعلى مستوى التناقضات الدولية سيسعى المشروع الجديد إلى تجاوز التهميش الجيواستراتيجي الدولي من الشرق والغرب، عبر طرح كتلة جيوثقافية جديدة لها حضور فارق وفضاء خاص متمايز بين الأوراس الجدد" و"الحزام والطريق" من جهة، وبين الأطالسة والأمريكان دعاة "الصدام الحضاري" من جهة أخرى، ومن خلال "مشترك جيوثقافي" جامع يفكك التناقضات التي زرعها الأمريكان ويستفيد منه جميع المنتمين للفضاء الجيوثقافي المصري العربي/ الإسلامي/ الأفريقي بتناغمه ومكوناته المشتركة والمتجاورة والمتعايشة.
وهذه هي الرسالة التي يجب أن تصل العالم كله و"إسرائيل" قبلهم، مصر ليست داعية للحرب ولكنها ليست محلا لفرض النفوذ للتصورات الجيوثقافية الجديدة بين الشرق والغرب في القرن الـ21، مصر صاحبة مشروع ودور تاريخي يحدده مستودع الهوية الخاص بها بطبقاته المتراكمة ومكوناته المتناغمة المتعايشة بطبيعتها وطريقتها الخاصة، وعلى "إسرائيل" أن تقبل بهوية الفضاء الجيوثقافي المصري بطبيعته العربية/ الإسلامية/ الإفريقية، ذلك الذي تعيش فيه وأن تتخلى عن وهم فرض هويتها التي تنتمي للجغرافيا الثقافية الخاصة بالغرب، وإلا فإنها تضع نفسها في موقف الخصومة بسياساتها العنصرية والتوسعية الساعية للهيمنة الجيوثقافية، انتصارا لحضور الجغرافيا الثقافية الغربية الأمريكية في الشرق، وبصفتها وكيلا لها وممثلا لمشروع الصدام الحضاري الغربي.
هذا هو البيان المختصر العام لمقاربة صعود مصر في فضائها الجيوثقافي العام ومحدداتها وفق احتمالات التراشق الممكنة، وهي المقاربة التي ستكون كفيلة بإعادة صف الموارد وضبطها في هذا الفضاء العام، فالشرطية الجيوثقافية وتحققها تتطلب أولا تفعيل المستوى الثقافي ووضوح مكانته الاستراتيجية المركزية، ثم يبدأ مستودع الهوية في العمل وضبط موارده ومكوناته الاقتصادية، لتتقارب بطبيعتها وتتخارج من الهياكل الأخرى وتصبح الأولوية لها، ثم يقوم الثقافي والاقتصادي بضبط السياسي والتلاحم في مكونات الفضاء الجيوثقافي العام. وفق آلية لربط وضبط الثقافي والاقتصادي والسياسي.
فمصر في حاجة إلى تأسيس جديد لمشروعها الجيوثقافي وفضائه العام ومحدداته وأولوياته، في لحظة تاريخية حاسمة بما يتجاوز كافة التناقضات والمشاريع التي تكسرت عربيا إرث القرن الماضي (الخلافة الإسلامية والقومية العربية) ويتجاوز انعكاسات المسألة الأوربية القديمة (التيارات الماركسية والليبرالية)، فكل ذلك هو إرث القرن العشرين الذي تكسر وتفكك...
وما علينا سوى البناء عبر مشروع جديد، بخطاب جديد، ومحددات جديدة، وكتلة جامعة جديدة، لتعبر مصر للأمام مدافعة عما لها، راسخة تتحرك بخطى ثابتة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انشقاق في صفوف اليمين التقليدي بفرنسا.. لمن سيصوت أنصاره في


.. كأس أمم أوروبا: إنكلترا تفوز بصعوبة على صربيا بهدف وحيد سجله




.. رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو يحل حكومة الحرب


.. الحوثيون يعلنون استهداف سفينتين ومدمرة أمريكية في عملية جديد




.. حجاج بيت الله الحرام يستقبلون اليوم أول أيام التشريق وثاني أ