الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلسلة مقالات في الاسس الشرعية للجرائم الجنائية في ضوء الفكر القانوني المعاصر / جريمة الحرابة (ج1)

مروة حسن لعيبي
كاتبة وباحثة ، حاصلة على شهادة الدكتوراه في القانون الجنائي

(Marwa Hassan)

2024 / 5 / 13
دراسات وابحاث قانونية


إن المتمعن في نصوص القرآن الكريم وسنَّة النبي صلى الله عليه وسلم - وهما المصدرانِ الرئيسان للنظم الإسلامية - يُدرك بما لا يدع مجالًا للرَّيبِ شمولية منهج الإسلام ونظمه لكافة شؤون الحياة، وذلك من خلال النصوص التشريعية المتنوعة،التي تبرهن حقيقة الاعجاز القراني وصلاحيته للتطبيق في كل زمان ومكان وعلى كل جوانب الحياة. ويقودنا القول بذلك الى التساؤول حول تفسير قوله تعالى في سورة (المائدة الاية 33)﴿ إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
هل بالامكان تفسيرها وفق فكر قانوني معاصر ؟ ام يقتصر تفسيرها على ما اسماه الفقهاء بالسرقة الكبرى او الحرابة ؟ وللاجابة على ذلك لابد من عرض الاراء والتفسيرات الفقهية للاية الكريمة وان كان بصورة موجزة وذلك في اولا، ثم البحث عن مدى ملائمة هذه التفسيرات للمتغيرات العامة لكل نواحي الحياة ومدى تأثر الفكر القانوني المعاصر بها.
اولا: تعريف الحَرَابَة (السرقة الكبرى).
الحرابة لغة مأخوذ من حَرِبَ حَرَباً أي. أخذ جميع ماله، واصطلاحا هي خروج جماعة أو فرد ذي شوكة إلى الطريق العام بغية منع السفر فيه أو سرقة أموال المسافرين أو الاعتداء على أرواحهم.
وبناءً على ذلك فكل من قطع السبيل، وأخاف الناس ، وسعى في الأرض فسادًا، بأخذ المال واستباحة الدماء، وهتك ما حَرَّم الله بقوة السلاح(اي سلاح كان)، فهو محارب ،على وجه يغلب فيه القوة والمجاهرة ،ويدخل في مفهوم الحرابة العصابات المختلفة ، كعصابات القتل وخطف الأطفال وغيرهم وعصابة اللصوص للسطو على البيوت ، والبنوك ، وعصابات الاغتيال التي تبتغي الفتنة واضطراب الأمن …وغير ذلك.
وفي الفقه الإسلامي يطلق عليها مجازًا(السرقة الكبرى)؛ لأن السرقة تعني: أخذ المال خفية, وفي قطع الطريق يكون أخذ المال مجاهرة إلا أنّ فيه نوعًا من الإخفاء، وهو الإخفاء عن الإمام أو من عيّنه لحفظ الطريق، ولذا لا يطلق عليها سرقة إلا مقيدة بالكبرى، والتقييد من علامات المجاز، وسميت (كبرى) لعظم ضررها لكونه يضر عامة المسلمين، بينما السرقة الصغرى ضررها يقع فقط على أصحاب الأموال,وقيل لعظم جزائها ,والأغلب المشهور تسمى بجريمة:(قطع الطريق) يتمثل الركن المادي بفعل القطع,وفعل القطع يتحقق إذا قام المحارب بالقتل أو بأخذ المال أو بالأخذ والقتل معًا.و يشترط في قاطع الطريق شروطًا معينة حتى يعتبر محاربًا وعندها يتحمل مسؤولية إجرامه، وتحيق به العقوبة المناسبة. وهذه الشروط هي:
1- الإسلام: اختلف الفقهاء في اشتراط الإسلام لوجوب إقامة الحد على المحارب على قولين: الاول:عدم اشتراط الإسلام ،وبه قال جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والامامية .القول الثاني:أن الذمي الذي يقطع الطريق ليس محاربًا وإنما ناقض لعقد الذمة.وإذا نقض عهده يصير محاربا ويباح دمه وماله . وبه قال الحنابلة .
2- التكليف: لا خلاف بين أهل العلم في اشتراط البلوغ والعقل في عقوبة الحرابة، لأنهما شرط التكليف الذي هو شرط إقامة الحدود .
3- الذكورة: وفي ذلك قولين: الاول، يشترط الذكورة في الحرابة، فلا تحد المرأة عندهم، لأن المرأة لا يتحقق منها فعل ذلك، وبه قال الحنفية . القول الثاني: لا يشترط الذكورة في الحرابة، فلا فرق في العقاب بينهما، وبه قال جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية الحنابلة والامامية .
4-اشتراط المكان:وفي ذلك قولين: الاول ،لا يشترط المكان في الحرابة،إذ المحارب يسمى قاطع طريق متى ارتكب ما بدأ به، بمغالبة الآمنين على ارواحهم واعراضهم واموالهم في ظروف مشددة، تنعدم فيها قدرة المجني عليه على الغوث والاستغاثة . وبه قال المالكية والشافعية والراجح عند الامامية، القول الثاني: المكان شرط في الحرابة،إذ التي جعلت عقوبة قطع الطريق حدا ،هي اقتراف الجاني جريمته في ظروف مشددة اذا اقترفها خارج المدن(أي في الطرق العامة) التي ينعدم فيها الغوث والاستغاثة، بعكس المدينة وداخلها فإنها تكون بحماية السلطة، والاستغاثة ممكنة فيها خلافا للطرق العامة . وبه قال الحنفية وكذلك ذهب اليه بعض فقهاء الامامية والزيدية .
5-اشتراط القوة في المحاربين : وأساس هذه القوة هو العدد والسلاح و يرى جمهور الفقهاء: أن العدد ليس شرطًا في الحرابة، فقد يكون المحارب شخصًا واحدًا، وقد يكون جماعة، إذ يقدر الشخص الواحد على عظائم الأمور، خاصة إن امتلك سلاحًا . اما السلاح فقد اختلف الفقهاء في ذلك على قولين: الاول، يشترط أن يكون مع المحارب سلاح، أو ما يقوم مقامه، لأن السلاح هو المظهر المادي للقوة، فقد يكون الشخص قويًا، لكن لا يمكن للناس معرفة مكامن القوة إلا بحمل السلاح. فإن لم يكن معهم سلاح فليسوا بمحاربين ، واعتبروا العصا والحجر من السلاح وبه قال الحنفية والحنابلة والامامية ،و الرأي الثاني لا يشترط توافر السلاح مع المحارب، وإنما يكفي أن يكون لديه قوة ومنعة يغلب بها.ويكتفون بمجرد أخذ المال بالقهر ولو بالَلكْز فلو هجم شخص بيده بندقية على قافلة سيارات عزل من السلاح، فهو قاطع طريق، لان منعته أقوى من منعتهم ,أما لو هجم عليهم بغير سلاح ناري، فلا يعد محاربا،لان منعتهم أقوى من منعته .وقال به المالكية والشافعية .
6- المجاهرة والعلانية: إن ما يميز جريمة الحرابة عن غيرها من الجرائم أنها تقع مجاهرة، من غير حياء أو خوف أو تستر من الناس ولا من الله تعالى، فالحرابة مثلا قد تتضمن أخذ المال، وكذلك الحال في السرقة، فإن أخذ المال هو الركن الأساسي، إلا أن ما يميز أخذ المال محاربة عن أخذه سرقة، هو أنه يكون في الأولى قهرًا أو جهارًا، وأما في الأخرى فيكون سرًا وخفية بعيدًا عن أعين الناس .
اما بخصوص عقوبة جريمة الجرابة لقد اختلف الفقهاء في عقوبة قاطع الطريق وسبب اختلافهم هو: هل حرف(أو) التي في الآية السابقة للتخيير أم للترتيب والتفصيل على حسب جناياتهم ؟ :
أ- فذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة: إلى أن حرف(أو) للترتيب والتفصيل على حسب جناياتهم أي بحسب الجرم المقترف يكون الحكم عليه,وعقوبة قاطع الطريق كالآتي:
1- القتل: إذا قتلوا ولم يأخذوا المال.
2- القتل والصلب: إذا قتلوا وأخذوا المال.
3- تقطيع الأيدي والأرجل من خلاف :إذا أخذوا المال ولم يقتلوا.
4- النفي من الأرض: إذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا المال ولم يقتلوا، نفوا من الأرض.
ب-وذهب المالكية والامامية: إلى أن حرف(أو) يفيد التخيير, ولكن ليس على هوى الإمام وإنما على حسب اجتهاده في ذلك على ما يراه مناسبًا في تحقيق المصلحة المناسبة من العقوبة :
1- فإذا قتل : فلا بد من قتله، وليس للإمام التخيير في قطعه ولا نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه.
2- وإما إن اخذ المال ولم يقتل: فلا تخيير في نفيه، وإنما التخيير في قتله أو صلبه أو قطعه من خلاف.
3-وأما إذا أخاف السبيل فقط: فالإمام مخير في قتله أو صلبه أو قطعه أو نفيه,والتخيير هنا راجع لاجتهاد الإمام فلو كان المحارب من ذوي الرأي والتدبير فللإمام قتله أو صلبه لأن القطع لا يرفع ضرره، وان كان لا رأي له وهو من أصحاب القوة والبأس قطعه الإمام من خلاف، وان كان ليس فيه شيء من هاتين الصفتين أخذ بأيسر ذلك فيه وهو الضرب والنفي.
بعد هذا العرض الموجز لجريمة الحرابة يثار التساؤل حول مدى ملائمة هذه التفسيرات للمتغيرات العامة لكل نواحي الحياة ومدى تأثر الفكر القانوني المعاصر بها وهذا ما سنحاول الاجابة عنه من خلال تفسير النص القراني من حيث المصلحة المحمية ،اركان الجريمة،وعقوبة الجريمة في الفقرة الثانية :
ثانيا: جريمة الحرابة في الفكر الجنائي المعاصر .
في الفكر القانوني الجنائي تعد دقة ووضوح الانموذج التشريعي ضرورة من ضرورات الصياغة المجردة للقاعدة القانونية فهو مصدر الصفة غير المشروعة للفعل،ولما كانت النصوص الوضعية متناهية والوقائع غير متناهية ،فأن المشرع يصنع انموذجا مجردا للسلوك الذي يرسمه في قاعدة قانونية جنائية بشقين تجريم وجزاء.يضم شق التجريم صور السلوك المحظور او المجرم ،وبالتالي فأن اتيان الجاني لاي صورة من صور السلوك يحقق الجريمة .فقد يتضمن النص الجنائي اكثر من صورة للسلوك مثال ذلك ما نصت عليه المادة (163) من قانون العقوبات العراقي رقم (111) لسنة 1969 والتي نصت على ( يعاقب بالسجن المؤبد او المؤقت: 1 – كل من خرب او اتلف او عيب او عطل عمدا احد المواقع او القواعد والمنشات العسكرية او المصالح او البواخر او الطائرات او طرق المواصلات او وسائل النقل او انابيب النفط او منشاته او الاسلحة او العتاد او المؤن او الادوية والمواد الحربية وغير ذلك مما اعد لاستعمال القوات المسلحة او الدفاع عن العراق او مما يستعمل في ذلك. 2 – كل من اخفي شيئا من الاشياء المذكورة في الفقرة السابقة او اختلسها او مكن من وقوعها في يد العدو او اساء عمدا صنعها او اصلاحها او اتي عمدا عملا من شانه ان يجعلها غير صالحة ولو مؤقتا للانتفاع بها فيما اعدت له او ان ينشا عنها ضرر. 3 – كل من عرض التدابير العسكرية او تدابير الدفاع عن البلاد للخطر. وتكون العقوبة الاعدام اذا وقعت الجريمة في زمن الحرب)، هذا التعدد جاء في اطار سياسة جنائية لتحقيق معالجة فعالة وتوفير حماية شاملة لكل اعتداء ممكن يقع على هذه المصلحة، ومع ذلك قد تطرأ متغيرات او تستجد مصالح يرى المشرع جدارتها بالحماية ليتدخل بتعديل النص او تشريع او اضافة نصوص اخرى ،كل ذلك ناتج بسبب قصور العقل البشري عن الاحاطة بكافة المتغيرات الحالية والمستقبلية ،اما الشريعه الاسلامية فكما ذكرنا انها شريعه شاملة متكاملة صالحة للتطبيق في كل زمان ومكان ،فهل من المعقول ان الاية المذكورة تنحصر في جريمة قطع الطريق العام ،او السرقة الكبرى ،وهل يتحدد نطاقها بالشروط الفقهية المذكورة؟ ولماذا ركزت التفسيرات على فعل المحاربة دون فعل الافساد ،مع مراعاة اسباب النزول لكن لماذا ربط تفسير هذه الاية بالواقعة التي نزلت بشأنها؟ هل من المنطقي ان يخصص النص القراني في واقعة واحدة؟ وهل من المعقول القول بتناسب التفسير الفقهية السابقة من تعريف وشروط واركان بل حتى المصلحة المحمية والمقصود بحق الله للواقع المعاصر؟ هل يمكننا طرح تفسير متجدد في ضوء المتغيرات والحاجة والجرائم المستحدثة ؟ واذا لم يكن الامر كذلك ،فهل من المعقول ان النظام الجنائي الاسلامي وهو النظام العالمي صالح التطبيق قد خلا من معالجة لهذه الجرائم ؟
سيتم الاجابة عن هذه التساؤلات في سلسلة مقالات تبحث في الاسس الشرعية الشرعية للجرائم وتفسيرها في ضوء الفكر القانوني المعاصر.
يتبع....
د مروة حسن لعيبي -دكتوراه قانون جنائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. آلاف المجريين يتظاهرون في بودابست دعما لرئيس الوزراء أوربان


.. إسرائيل وافقت على قبول 33 محتجزا حيا أو ميتا في المرحلة الأو




.. مظاهرات لعدة أيام ضد المهاجرين الجزائريين في جزر مايوركا الإ


.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يتظاهرون في باريس بفرنسا




.. فوضى عارمة في شوارع تل أبيب بسبب احتجاجات أهالي الأسرى