الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سلسلة مقالات في الاسس الشرعية للجرائم الجنائية في ضوء الفكر القانوني المعاصر

مروة حسن لعيبي
كاتبة وباحثة ، حاصلة على شهادة الدكتوراه في القانون الجنائي

(Marwa Hassan)

2024 / 5 / 13
دراسات وابحاث قانونية


مقدمة
بنظرةٍ تأملية في النصوص القرانية بإعجازها ،شموليتها ،تكاملها ،صلاحها وصلاحيتها،يثار تساؤول حول الاسس الشرعية للجرائم الجنائية المعاصرة(الطبيعية والتنظيمية والمستحدثة ) في ضوء النصوص الجنائية الوضعية بِعجزها ،قصورها ، نقصها ونسبيتها في حماية المصالح الجوهرية والجديرة بالاعتبار، لينتج عنها مجموعه مقالات تقوم على قراءة النصوص القرانية بفكر جنائي تَكّون وفق الفلسفة الجنائية الوضعية الحديثة، وتمعن بالاشكاليات الناشئة عن تطبيقها محاولا تطوير المناهج التي تولدت عنها واستحداث بدائل ومعالجات واساليب مستمدة من النص القرآني، وعلى نحو يمكن أن يواجه به الخلل الذي تعاني منه التشريعات التي نتجت عن فكر هذه المدارس والمشاكل التي تولدت عنها من زيادة عدد الجرائم ونوعها وقصور الحماية الجنائية ونقصها لتكون حماية معيبة ،خجولة ،ضعيفة،هشة لا تحقق الغاية منها ولا العلة ولا المصلحة.
ومن المهم في البداية التنويه إلى أن الأمر لا يتعلق بتفسير فقهي تقليدي للنص القرآني الكريم، ولا باستنباط أحكام الحرام والحلال منه، وإنما بمعرفة ما يمكن أن يستطيع الفكر الجنائي الحديث أن يتوصل له- استقلالا عن تراكمية الفقه الإسلامي الضخمة -من استنتاجات توظف لإعادة بناء التجريم والعقاب في الدولة الحديثة أيا كانت الديانة، أو الثقافة، أو الفلسفة السياسية القائمة عليها، أو على الأقل المساهمة في التوجيه إلى إصلاحه على نحو معتبر. فمنهجنا هو أنه بدل العودة إلى الفقه الإسلامي، والنظر في مذاهبه المتنوعة، أو الارتكاز على المناهج الفلسفية المقارنة السائدة اليوم، يمكن أن نقوم بقراءة النص القرآني بنظرة متجددة مستعينين بالتراكمية الفكرية والفلسفية التي تتلمذ وتكّون عليها فقهاء القانون الجنائي، بحيث لا يتمثل الأمر في العودة إلى مناهج فقهية قرأت النص القرآني بفكر ومعطيات مختلفة، وكانت سائدة في الماضي (وان تم عرضها عند الحاجة الى البيان )، ولا في البحث في الفلسفة الغربية على نحو مستقل، وعلى إصلاحها باستنتاجات من داخلها، بل أن الأمر قائم على الجمع بين النص القرآني والفكر الجنائي الحديث في ضوء المتغيرات العامة ، وعلى إعادة النظر في هذه التجربة الإنسانية بواسطة النص القرآني بهدف البحث عن مقاربة و موازنة جديدة بين مصالح المجتمع والدولة والجاني والضحية وبين المقاربة الوجودية والأمنية والإنسانية، ودون أن يمنع ذلك التوافق في بعض المواطن أو الاختلاف في أخرى بين استنتاجات هذا الدراسة وآراء بعض مدارس الفقه الإسلامي أو مدارس القانون الجنائي الحديثة، وإنه متى كان ذلك، فإن الأمر لا يتعدى أن يكون نوعا من التوافق الفكري التلقائي غير مقصود منه التوجيه نحو رأي معين، أو إلى نتيجة مثبتة مسبقا، أو نحو تبنى مدرسة فقهية معينة. وينبع ذلك من إننا ننطلق من النص القرآني محاولين استنتاج أفكار،وليس محرمات، أو واجبات أو مندوبات أو غير ذلك من الأحكام الفقهية، كما أنه لا يعنينا في نطاق هذا البحث وصف الفعل بالسيئة، أو بالإثم، أو بالرجس، أو بالذنب، أو بالمحرم، لا يعنينا أيضا وصف فاعله بالفاسق، أو الكافر، أو المجرم، فذلك كله شأن فقهي يخرج عن نطاق بحثنا ولأن الأمر لا يتعلق باستنتاج أحكام، وإنما بتحديد معالم منهج بديل او مطور للمنهج الجنائي السائد . أن ربط النظر في النص القرآني بما يسمى ب:(أزمة العدالة الجنائية الحالية) ، والتي هي نتاج فلسفة إنسانية وعدم الوقوف عند آراء الفقه الإسلامي، والتمييز بين النص المقدس والحكم، والذي هو في الغالب استنتاج من بين عدة استنتاجات فقهية من الممكن أن يكون تأكيدا على أنه لا يمكن أن ينحصر فهم النص القرآني بواقع محدد، ولا بزمن معين، ولا أن ينغلق النظر فيه بالتراكمية الضخمة التي انتجتها المدارس الفقهية المختلفة، ففي ذلك إهدار لعظمة النص القرآني وصلاحيته لكل زمان ومكان، وأنه كما يمكن مع كل واقع جديد قراءة النص القرآني لتفكيك الواقع يمكن أيضا- قراءة الواقع لتفكيك النص والغوص فيه وفهمه على نحو مختلف. فالثبات فقط للنص القرآني، لا للدساتير ولا للقوانين والسياسات ولا التفسيرات التي تتخذه موجها مرشدا، أو مصدرا ماديا ومنجما للأحكام.
ولابد من بيان ان من اهم خصائص الشريعة الإسلامية بمصادرها (القران والسنة ) هي الشموليةوتعني أن الشريعة جاءت مضامينها وتعاليمها شاملةً لكل مناحي الحياة، وجميعِ شؤون الخَلْق الدنيوية والأخروية، فهي ليست تشريعات مُنزويةً في ركن ضيق ومقصورةً عليه، تتولى علاجه دون غيره، كلا، بل إنها تملِك منظومة متكاملة لكل ما يتعلق بالإنسان والكون والحياة، وكما أنها نظمت علاقة الناس بربهم كذلك نظمت علائقهم ببعضهم البعض؛ من اقتصاد، وسياسة، واجتماع، وقضاء، وجنايات، وتعليم، وحرب، وسلام، وعلاقتَهم بالبيئة وما خلَق الله فيها من كائنات..وغير هذا من الجوانب الكثيرة التي لها صلة بانتظام الحياة في هذا الكون.
و تتجلى مظاهر هذه الشمولية في أن المنهج الإسلامي يتجاوز حصر الإسلام في دين سماوي إلى أنه نمط حياة على الأرض. وهو لا يفصل بين الحياة الدنيا والحياة الأخرى، بل يربط بينهما باعتبار أن الحياة الدنيا هي معبر للحياة الأخرى. وتشكل الأخلاق مظهرا من مظاهر الشمولية ، فليس هناك خلق حسن مما دعا له المجتمع العالمي المتحضر لم ينص عليه الإسلام. كما تتجلى شمولية المنهج الإسلامي في استيعابه للأجوبة على الأسئلة المطروحة لحل المشاكل المتصلة بحياة الإنسان السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدولية ونظام الحكم. مما تقدم ، فأن المنهج الإسلامي ذو نظرة شمولية متكاملة في مجالات الأصول والقواعد الثابتة.
ان هذه المقدمة هي بداية لسلسة مقالات عن الاسس الشرعية للجرائم الجنائية في ضوء الفكر القانوني المعاصر،وسنكمل في مقالات اخرى الاسس الشرعية لمجموعة من الجرائم المعاصرة مفسرين اياها بنظرة تجددية في محاولة حقيقية لتقديم معالجة فعالة في ضوء المتغيرات العالمية والاجتماعية .
يتبع ....
د مروة حسن لعيبي -دكتوراه قانون جنائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الأمم المتحدة: 120 مليون لاجئ ونازح قسراً حول العالم بسبب ال


.. المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين: سوريا ما زالت




.. People in Argentina are protesting President Milei’s economi


.. Stonewall Pioneer Talks to LGBTI Activists About Pride




.. اتهمه بعرقلة جهوده في الحد من الهجرة عبر الحدود..بايدن يتطلع