الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماذا تعلّمنا من الهولوكوست؟ – لا شيء!

ب. ميخائيل

2024 / 5 / 13
مواضيع وابحاث سياسية


ماذا تعلّمنا؟ لم نتعلّم أيّ شيء. لا شيء. ولا حتى قيمة إنسانية واحدة، ولا حتى مبدأ أخلاقيًا واحدًا، ولا حتى تبصُّرًا دستوريًا واحدًا. لا شيء.

من بين كل الدول التي تعتبر نفسها ديمقراطية متنوّرة، إسرائيل هي الدولة الوحيدة التي لم تستخلص من النازية ونتائجها أي درسٍ أو عِبرة. باستثناء، بالتأكيد، الفهم العميق لأهمية لعب دور الضحية، المَسكَنَة، العجرفة، التباكي والتظاهر بالاستقامة والطهارة. ثمة دول أخرى تعلمت، قبل الهولوكوست لكن بعده بقوة أكبر، ماذا ينبغي على الدولة الجديرة أن تفعل: صيانة حقوق الإنسان وتكريسها، حظر العنصرية، فرض المساواة، تشريع قوانين لحماية الديمقراطية، إنشاء جدار فولاذيّ فاصل ما بين الدين والدولة (وهذه قائمة جزئية فقط).

كذلك، تعلّم مشرِّعو قوانين الحرب دروسًا من أهوال الحرب والنازية: تم التشديد على واجبات المُحتلّ تجاه الخاضع لاحتلاله. تم تشريع قوانين لحماية السكان غير الضالعين. تم إنشاء محاكم للنظر في جرائم الحرب. وتم تعريف جرائم جديدة أيضًا. على سبيل المثال، بعد أن أقام النازيون "مستوطنات" في بولندا المحتلّة، بهدف نهب وسلب الأراضي، ثم في نهاية الأمر ضمّها إلى "الرايخ" (الإمبراطورية الألمانية)، تقرر في النهاية أن الاستيطان في منطقة مُحتلّة هي جريمة حرب. كذلك أصبح الأبرتهايد (الفصل العنصري) جريمة ضد الإنسانية (وهذه أيضًا قائمة جزئية).


فقط في إسرائيل ـ لا شيء. لا شيء. لا شيء. جميع المبدئ والقِيَم المذكورة أعلاه، والتي في ظل غيابها فقط كان بإمكان الوحش النازي أن يولد وأن يحكم، هي ـ في نظرها ـ مجرد هراء لا لزوم له. مساواة؟ حاشا لله. حظر صريح على العنصرية؟ لا لزوم له. يكفي حظر "التحريض" على العنصرية، لكننا لن نحظر العنصرية ذاتها. فهي عزيزة على قلوبنا. حقوق الإنسان للجميع، بغض النظر عن الدين، الجنس أو الأصل؟ ما الخَطْب؟ الحق في الزواج للجميع؟ لا سمح الله! حتى قوانين نورنبرغ مائعة قليلًا في نظرنا. حتى جيل لا نهائي سنواصل النبش والبحث في جينات أولئك الراغبين في تكوين أسرة، أو في الدخول إلينا. قوانين لحماية الديمقراطية؟ فصل الدين عن الدولة؟ دستور ديمقراطي مستنير؟ لا، شكرًا. من شأن هذا أن يعيق الائتلاف فقط.

هكذا، متحررةً من أي درس كان يمكن أن تتعلمه من كارثتها، قامت دولة المطرودين، ثم انطلقت على الفور في حملة طرد وتهجير لمئات الآلاف من بني البشر من أراضيهم وممتلكاتهم. في يوم ولاتها بالضبط أصبحت دولة المنهوبين والمسلوبين دولة نهب وسلب. المُطارَدون أصبحوا مُطارِدين. الذين عانوا من التمييز أصبحوا يمارسون التمييز، ضحايا المذابح المُدبَّرة أصبحوا منفّذين للمذابح المُدبَّرة. من تعرض للدوس لأنه ليس من "العِرق الأعلى" أصبح يدوس من لا ينتمي إلى "الشعب المُختار". ومن تعرض للملاحقة بسبب دينه، أصبح مُلاحِقًا باسْمِ دينه.

وفي هذه الأيام، بينما يثور غضب العالم كله إزاء نحو 40 ألف إنسان سُفِكت دماؤهم كالماء، تملأ دولة الناجين فمها ماء. تحدّق في الغاضبين بعينين مذهولتين ولا تفهم سبب الضجّة. "ما الذي فعلناه؟"، تسأل باستهجان ممزوج بالإهانة.


وكأنما بمناسبة ذكرى الهولوكوست بشكل خاص يطالب وزير حقير بـ "الإبادة التامّة" لمدينتين ومخيم لاجئين فيهما أكثر من مليون إنسان. كأنما أراد أن يذكّرنا بأننا لم نتعلّم أي شيء من الهولوكوست.

بالأمس أحيينا ذكرى الضحايا، ذرفنا الدموع الساخنة واشتكينا بمرارة من اللاسامية، معاداة السامية، التي تشكل حليفًا لنا، تعود الآن وترفع رأسها المُفيد مرة أخرى، مستعدة وجاهزة لتبرر من أجلنا أي رجس ولتخفي أي وغد. وفور انتهاء العيد، عُدنا لننهب ونسرق، لنمارس العنصرية والتمييز، لننفّذ الجرائم والاستيلاء على الأراضي. وهكذا سيستمر الحال حتى ذكرى الهولوكوست القادمة.

لا، لا. لم نخرج من "الشتايتل اليهودي" بعد (القصد هنا: البلدات التي يسكن فيها اليهود في أوروبا الشرقية حتى الحرب العالمية الأولى، ويمثل استخدامها رمزًا للمجتمعات اليهودية في أوروبا الشرقية، والتي زالت وتلاشت ـ المترجم). لكننا بدّلنا الأدوار فقط. هذه المرة، نحن لسنا اليهود. هذه المرة، نحن النبيل (صفة كان يطلقها اليهود في أوروبا الشرقية قبل الحرب العالمية الأولى على صاحب العزبة الذي كان اليهود يعيشون تحت حمايته ويدفعون له الضرائب ـ المترجم).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فرانس كافكا: عبقري يتملكه الشك الذاتي


.. الرئيس الإسرائيلي يؤكد دعمه لحكومة نتنياهو للتوصل إلى اتفاق




.. مراسلتنا: رشقة صواريخ من جنوب لبنان باتجاه كريات شمونة | #را


.. منظمة أوبك بلس تعقد اجتماعا مقررا في العاصمة السعودية الرياض




.. هيئة البث الإسرائيلية: توقعات بمناقشة مجلس الحرب إيجاد بديل