الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية في توصيات بيكر هاملتون: فاقد الشيء كيف يعطيه؟

صبحي حديدي

2006 / 12 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


التوصية رقم 15 في تقرير جيمس بيكر ـ لي هاملتون حول العراق، والتي تحثّ إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش على فتح حوار مع سورية بصدد حلّ مشكلات العراق (أو بالأحرى: حلّ مشكلات التورّط العسكري الأمريكي في العراق)، تطالب النظام الحاكم في دمشق بتنفيذ ما يلي، ونقتبس حرفياً:
1 ـ التزام سورية التامّ بقرار مجلس الأمن الدولي 1701 لشهر آب (أغسطس) 2006، والذي يؤمّن الإطار لاستعادة لبنان سيطرته السيادية على كلّ أرضه.
2 ـ تعاون سورية التامّ في كلّ التحقيقات الخاصة بالاغتيالات السياسية في لبنان، خصوصاً اغتيال رفيق الحريري وبيير الجميل.
3 ـ الإيقاف الفعلي للمساعدة السورية لـ "حزب الله" واستخدام الأراضي السورية لنقل الأسلحة والمساعدات الإيرانية إلى "حزب الله" (وهذه الخطوة سوف تساعد كثيراً في حلّ مشكلة إسرائيل مع "حزب الله").
4 ـ استخدام سورية نفوذها لدى "حماس" و"حزب الله" من أجل إطلاق سراح جنود قوّات الدفاع الإسرائيلي المختطفين.
5 ـ الإيقاف الفعلي للجهود السورية الرامية إلى نسف حكومة لبنان المنتخَبة ديمقراطياً.
6 ـ الإيقاف الفعلي لشحنات الأسلحة من سورية، أو عبر حدودها، إلى "حماس" وسواها من المجموعات الفلسطينية الراديكالية.
7 ـ التزام سوري بالمساعدة في الحصول من "حماس" على اعتراف بحقّ إسرائيل في الوجود.
8 ـ بذل سورية جهوداً أكبر لإغلاق حدودها مع العراق.
حسناً... ما الذي يتبقى للنظام السوري من هوامش مناورة أو أوراق مساومة إقليمية، بعد كلّ هذه الاشتراطات؟ وإذا وافق النظام على تنفيذ نصف هذه الاشتراطات، وليس جميعها، فما الذي سيميّزه عن الأنظمة العربية التابعة علانية للولايات المتحدة، والتي لم يتوقف إعلام النظام عن هجائها، وأطلق بشار الأسدعلى زعاماتها صفة "أنصاف الرجال"؟ ثمّ، في نهاية المطاف، وبالنظر إلى أنّ النظام "ليس جمعية خيرية" كما ردّد رجالاته مراراً، ما الحوافز التي ستمنحها أمريكا في المقابل، خصوصاً وأنّ مجموعة بيكر ـ هاملتون اعتمدت مبدأ الترغيب والترهيب، في آن معاً؟
تقول التوصية 16، بالحرف: "في مقابل هذه الأفعال وفي سياق اتفاقية سلام تامة وآمنة، على الإسرائيليين إعادة الجولان، مع ضمان أمني أمريكي لإسرائيل يمكن أن يشمل نشر قوّة دولية على الحدود، بما فيها قوّات أمريكية إذا طالب بها الفريقان". وتنتهي التوصية هنا، دون أن تتضمن أيّ جديد ملموس ذي طبيعة تعهدية أو تعاقدية حول عزم الولايات المتحدة إجبار الدولة العبرية على تنفيذ الإنسحاب، وكأنّ الجيش الأمريكي هو الذي يحتلّ هضبة الجولان ولا يحتاج انسحابه إلا إلى توصية وجيزة يعقبها أمر عسكري من الرئيس الأمريكي! وليس هنا المقام المناسب للخوض، مجدداً، في سلسلة الاعتبارات الإستراتيجية العسكرية والجيو ـ سياسية والاقتصادية، لكي لا نضيف: الدينية التوراتية، التي تجعل أيّ انسحاب إسرائيلي من الجولان، أو حتى في الجولان، أمراً مختلفاً تماماً عن كلّ انسحاب إسرائيلي سابق من أراض عربية محتلة: مختلفاً بمعنى شديد التعقيد، عالي التطلّب، باهظ الثمن إسرائيلياً، إلى حدّ الاستحالة.
فإذا كانت مادّة الترغيب الوحيدة التي يعرضها تقرير بيكر ـ هاملتون على النظام السوري منتفاة أصلاً في ضوء ميزان القوى الراهن بين إسرائيل والنظام السوري، أو في معادلات التوازن العربية ـ الإسرائيلية إجمالاً، فما الذي يمكن أن تنتهي إليه التوصية؟ وإذا جاز الظنّ بأنّ الحكماء العشرة في مجموعة بيكر ـ هاملتون (خصوصاً السادة من أمثال لورانس إيغلبرغر، الذي لا تغيب عنه شاردة في الشطر الإسرائيلي ـ الفلسطيني ـ السوري من مشكلات الشرق الأوسط) يعرفون مسبقاً أنّ هذا المآل عالق بالضرورة عند امتناع الإسرائيليين عن الإنسحاب من الجولان، فهل صيغت التوصية من أجل رفع العتب فقط؟ أم من أجل ذرّ الرماد في العيون؟
أو، كما قد يرجّح المنطق الاستدلالي البسيط، لعلّ الحوار مع النظام السوري فقرة تمّت إضافتها على سبيل التكملة الزخرفية للحوار الآخر الضروري تماماً مع إيران، ولكي لا يُقال أنّ الهجوم الدبلوماسي الذي أوصت به المجموعة يطرق أبواب طهران وحدها. ذلك لأنّ الكثير من مفاتيح حلّ المشكلات العراقية، المذهبية والسياسية والأمنية والعسكرية، تمسك به إيران أوّلاً وثانياً وثالثاً وعاشراً، والجليّ حتى الساعة أنّ ضبط الحدود السورية ـ العراقية هو المفتاح الوحيد الذي يتوفّر في دمشق. الدليل على هذا أنّ تقرير بيكر ـ هاملتون لم يشترط على النظام السوري أيّ جهد عراقي مباشر ما خلا ضبط تلك الحدود (وجاء أصلاً في ذيل اللائحة!)، في حين أنّ اشتراطات سبعة من أصل ثمانية شدّدت على مسائل تخصّ لبنان و"حزب الله" و"حماس" وإسرائيل.
في صياغة أخرى، لكأنّ مجموعة بيكر ـ هاملتون تعترف بأنّ فاقد الشيء لا يعطيه، أو فاقد التأثير لا يمارسه، وما دام النظام السوري لا يمتلك مساحة تأثير ذات معنى على الساحة العراقية، سنّة أو شيعة أو كرداً أو مقاومة أو مجموعات إرهابية، فإنّ التعاون مع دمشق سوف يقتصر على القضايا التي لا تعني العراق إلا على نحو غير مباشر، أو هي لا تخدم على نحو مباشر إلا أمن إسرائيل: في موازاة استقرار لبنان السياسي، وضبط أو تحجيم أو إضعاف "حزب الله" و"حماس". وبهذا المعنى يبدو عجيباً، إذا لم يكن سذاجة مدروسة يُراد منها إرسال إشارات حسن النية، أن يسارع بعض الناطقين باسم النظام إلى الترحيب بالتوصية 15، والنظر إلى مطلب فتح الحوار الرسمي الأمريكي مع النظام بوصفه خطوة إيجابية، والتعامي التامّ في الآن ذاته عن محتوى ذلك الحوار كما حدّدته التوصية. فهل ينوي النظام تنفيذ بعض أو جميع تلك الاشتراطات؟ ولكن، كيف له أن يفعل دون إلحاق الأذى بـ "حزب الله" و"حماس"، ودون تنفيذ فصل جديد في الإنسحاب الأمني ـ السياسي من لبنان، فضلاً عن خيانة التحالف مع طهران؟
هذه محاججة تفضي إلى التفصيل الأكثر عجائبية في التوصية 15، أي افتراض حكماء مجموعة بيكر ـ هاملتون أنّ النظام السوري يمتلك، بالفعل، تأثيراً قوياً على "حزب الله" و"حماس"، يبلغ حدّ إقناع الحزب والحركة بإطلاق سراح الجنود الإسرائيليين الأسرى، والاعتراف بحقّ إسرائيل في الوجود، والانسحاب من الحراك السياسي الداخلي في لبنان أو فلسطين لصالح حكومة فؤاد السنيورة أو إدارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس... مَن تكفّل بإقناع أولئك الحكماء أنّ "حزب الله" و"حماس" أقرب إلى فرع حزبي أو شعبة أمنية، تابعين للنظام السوري تبعية تبلغ درجة الطاعة العمياء وتنفيذ الأوامر بحذافيرها؟ وسوى هذا اليقين الذي خامر الحكماء، أو لعلّهم زعموا الاقتناع به لأغراض خافية في النفوس، كيف أمكن الظنّ بأنّ دمشق تستطيع اقتياد "حزب الله" و"حماس" إلى حيث تريد واشنطن وتل أبيب، أي إلى نقيض نضالات الحزب والحركة، ونقيض تراث الشهداء والخسائر والحروب والتضحيات؟
صحيح أنّ دمشق تستطيع إغلاق حدودها أمام عمليات تسريب السلاح الإيراني إلى "حزب الله"، وقد سبق لوزير الخارجية الإسباني ميغيل أنخيل موراتينوس، ورئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي، أن سمعا من الرئاسة السورية استعداداً ملموساً للمقايضة في هذا الأمر. غير أنّ قيمة هذه الورقة آخذة في التناقص كلما ضاقت خيارات "حزب الله" العسكرية في استخدام السلاح لأغراض المقاومة ومواجهة العدوّ الإسرائيلي، وكلما صار السلاح عبئاً على الحزب في معادلات الداخل اللبناني السياسية التوافقية، بدل أن يكون امتيازاً في ربط تلك المعادلات بموازين إقليمية رابحة أو ضاغطة. ومن جانب ثان، لن يكون قرار إغلاق منافذ السلاح السورية إلى "حزب الله" أقلّ من فكّ ارتباط صريح مع طهران، وربما مع الأجنحة الأكثر تشدداً ـ والأشدّ قبضاً على مقاليد الحلّ والربط ـ في القيادة الإيرانية، هذا إذا لم يبلغ فكّ الارتباط مستوى من التدهور أدهى عاقبة وأشدّ أذى على النظام السوري، في لبنان كما في الداخل.
صحيح، كذلك، أنّ استضافة بعض قيادات "حماس" في دمشق منحت النظام السوري مرجعية من طراز خاصّ ـ لا تتجاوز تارة قيام وفود عربية أو دولية بزيارة العاصمة السورية لمجرّد ان خالد مشعل لا يستطيع مغادرتها، وقد تتجاوز هذا طوراً، فتبلغ مستوى مناشدة القيادة السورية أن تتوسط في هذه أو تلك من المسائل ذات الطابع الإجرائي... ـ ولم يكن في وسع "حماس" إلا ان تمنحها، من قبيل ردّ جميل الضيافة في الأقلّ. غير أنّ "حماس" برهنت أنّ عمقها الشعبي الإسلامي، أو الشعبوي أحياناً، وكذلك علاقاتها الخليجية (في سياقات ما تلعبه دولة قطر من أدوار عربية ـ عربية وعربية ـ إسرائيلية متعددة الوظائف بصفة خاصة) عناصر قوّة تخدم حركتها على نحو لا يقلّ حيوية عن إقامة بعض قياداتها في دمشق، على ما قد تكتنفها تلك الإقامة من مخاطر أمنية (كما حين نجحت إسرائيل، قبل سنتين، في اغتيال عز الدين شيخ خليل أحد قياديي "حماس"، في أحد أحياء العاصمة السورية).
ولكن الصحيح، في الآن ذاته، أنّ مستوى تاثير دمشق في القرارات السيادية، وذات البعد الإستراتيجي العميق والمصيري والكياني، لكلّ من "حزب الله" و"حماس"، لم يعد اليوم يتجاوز إغلاق منافذ تهريب السلاح إلى لبنان، أو ترحيل مشعل وصحبه من دمشق. ولقد بات واضحاً وثابتاً أنّ دور النظام السوري ظلّ هامشياً ومحدوداً وغير مشارك في معظم القرارات الحاسمة التي اتخذها "حزب الله" أو "حماس" في منعطفات سياسية وعسكرية حاسمة، خصوصاً حين ارتدى محتواها التكتيكي طابعاً إقليمياً ينذر بخلخلة المعطيات الإستراتيجية المقترنة بها (كما في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني وحصول "حماس" عل أغلبية ساحقة، أو النجاح في خطف الجندي الإسرائيلي، أو صمود مقاتلي "حزب الله" على نحو بطولي أسطوري في مواجهة العدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان).
ويبقى هزال التوصيات التي اعتمدتها مجموعة بيكر ـ هاملتون في كلّ ما يخصّ موجة التبشير الديمقراطي التي عصفت بالمحافظين الجدد وانتقلت على نحو آلي إلى رجال الإدارة ونسائها، إذ يبدو وكأنّ تقرير المجموعة لم يعد يرى العراق فردوساً للديمقراطية، أو مُصدِّر جرثومتها المعدية إلى الجوار والمنطقة بأسرها. العكس هو الذي يتقافز من بين السطور الكثيرة التي تتكيء على لغة خشبية، سيما تلك التي تتحدّث عن حوار مع سورية النظام وليس مع سورية الشعب أو المجتمع المدني (كما تعالت بهذا عقيرة وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس ذات يوم غير بعيد)؛ وعن حوار مع إيران الإمام الخامنئي ومبدأ ولاية الفقيه، وليس مع إيران الإصلاح وإيران التمدّن.
ولهذا، لن يكون مستغرباً أن تنخرط إدارة بوش في "حوار" من نوع ما مع النظام السوري، من قبيل ذرّ الرماد في العيون واستكمال تفاصيل الزخرف الذي يقترحه تقرير مجموعة بيكر ـ هاملتون. الثابت، لأنّ وقائع التاريخ القريبة مثل البعيدة تدلّ عليه، أنّ أيّ حوار من هذا النوع سيجري على حساب الشعوب، في سورية وإيران أوّلاً، ثمّ في لبنان وفلسطين والعراق تالياً، ولن يكون "حزب الله" و"حماس" خارج لائحة الخاسرين... إذا لم يتصدّراها، للأسف!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات رئاسية في تشاد بعد 3 سنوات من استيلاء الجيش على الس


.. الرئيس الصيني في زيارة دولة إلى فرنسا والملف الأوكراني والتج




.. بلحظات.. إعصار يمحو مبنى شركة في نبراسكا


.. هل بات اجتياح مدينة رفح قريبا؟




.. قوات الاحتلال تقتحم مخيم طولكرم بعدد من الآليات العسكرية