الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الحوار بديلا عن ثقافات العنف والتطرف والانتحار

آزاد علي

2006 / 12 / 9
ثقافة الحوار والاختلاف - ملف 9-12- 2006 بمناسبة الذكرى الخامسة لانطلاق الحوار المتمدن


في هذه الظروف العصيبة التي تعصف بمنطقتنا والعالم، في هذه الأجواء السياسية والاجتماعية والفكرية المريبة، حيث طغيان التوتر وسيادة التناحر، حيث بروز أكثر الجوانب وحشية في المجتمع البشري المأزوم. في هذه الأجواء القاسية، حيث تخلوا الأديان من رحمتها السماوية، هذه الأديان "السماوية" التي وحدت نظريا الإله في السماء العالية، وفرقت عمليا البشر على الأرض، في هذه الأجواء التي تبيح فيها الأديان "السماوية" القتل وتؤدلج للإجرام، لتساهم في إعادة إحياء إنسان ما قبل التاريخ وترتد بالمجتمعات عصوراً إلى الحضيض، إلى ظلام القرون الوسطى، وإلى جليد ما قبل العصور الحجرية، إلى حيث مجتمعات القنص والغزو والتقاتل البدائي والاستباحة الوحشية.
في هذه المرحلة التي يتسارع فيها التطور التقني والعلمي ويتراجع كل ما فكري وثقافي وتضمحل القيم الإنسانية النبيلة.
في زمن التراجع العام لمنظومة القيم التي أنتجتها وراكمتها الإنسانية جمعاء، في مناخ انكماش هذه القيم وانحسارها أمام مد كل ما هو استهلاكي وما هو رجعي وما هو ميتافيزقي وما هو ظلامي وما هو لا إنساني، في هذه الأجواء الاستثنائية، كم نحن بحاجة إلى جرعات متزايدة من الحوار البشري؟ كم تزاد الحاجة إلى فيض من الكلمات، والى الحوار كأهم أداة تخص الإنسان العاقل وحده، وتميز نضج المجتمعات ورغبتها في السمو والتطور والرقي...
في هذه الأجواء التي عنوانها الإلغاء: حيث كل دين يلغي الآخر، وحيث كل مذهب يحلم بالقضاء على المذهب الآخر، وحيث كل أمة تنتظر ذوبان الأمة المجاورة وابتلاعها، أو انخفاس الأرض بها. في هذه الأجواء الموحشة، كم يتزيد حاجتنا إلى الحوار كمبدأ وقناعة، الحوار كخيار وثقافة...
في هذه المناخات المريبة: حيث غاية "الجماعات" شرعنة قتل الأفراد، وغاية "الأفراد" تدمير بنى الجماعات. في هذه الأجواء الأكثر قسوة وظلامية في تاريخ البشرية ـ إذا ما قسناها على مجمل ما تحقق من التطور العلمي والرفاه الاقتصادي ـ كم تراجعت لغة الحوار ومنطق الفكر، وانحسرت القيم؟! وكم تراجعت فعالية ثقافات التعايش والتوافق، كم تلاشى فلسفتا الحب والجمال، أمام مد القبح والطغيان، كم ... وكم انكمش روح التسامح في الإنسان؟
في أجواء العنف والإلغاء هذه، وحيث تفشي ثقافة الموت والانتحار. لم يعد يكفي أن يلغي أحدنا الآخر، الآخر المختلف المتباين، وربما الآخر الأكثر تميزاً وإنسانية منا، في هذا المناخ الموبوء برائحة الموت بات الهدف هو ليس مجرد إلغاء الآخر وإنما إلغاء الذات تلذذاً بإلغاء الآخر، ففي سبيل زوال الخصم ترفع رايات العنف المقدس، ترفع رايات الموت والدم عالياً في الجهات الأربعة...
في أجواء عشق الانتحار وتدمير المساجد وتفجير رياض الأطفال، وتفخيخ السيارات وخطف الطائرات وقصف المشافي...
في هذه الأجواء تحديداً، كم تتضاعف الحاجة إلى الحوار، إلى التأني في سماع الآخر، بل إلى مساجلته ومجادلته بهدف السير نحو أفق مشترك، ليس للبحث عن الحقيقة، وإنما فقط بحثاَ عن قناعات مشتركة تفضي إلى الحياة وليس إلى الموت:
الحوار بحثا عن ثوابت قد تجعل الحياة في مجتمعاتنا البشرية أكثر قيمة وقابلية للاستمرار، الحوار في سبيل حياة مشرعة على الحياة والسلم والتنمية والتوافق،
الحوار من أجل كبح نزعات العنف والجشع والسيطرة والاستغلال...
في هذه الأجواء المدمرة، القاتلة، الوحشية، الاستهلاكية، الغريزية اللوبيدية المأزومة ما زلنا نفتقر أكثر من أي وقت مضى إلى ثقافة الحوار والتعايش والإلفة، ومازلنا بحاجة للتأسيس لمجتمع أكثر تسامحاً وأكثر رغبة في التشارك والتعاون، وأكثر نبلاَ وأكثر فروسية وأكثر ليبرالية، مجتمع مشبع علماً وثقافة، و في المحصلة أكثر أخلاقا...
نستذكر كل ما سبق ونفتح جردة حساب صغيرة لهذه المساحة الصغيرة، لمجلة الحوار...
نظرة سريعة لسنوات مرت، وذلك بمناسبة صدور العدد الخمسون من المجلة/ الحوار، نستذكر مصاعب العمل... مصاعب جعل الحوار لغة ونصا ومجلة!
اليوم ونحن ما زلنا نستمر في الكتابة، بل ما زلنا مستمرين في الزحف لمواصلة إصدار مجلة متواضعة لجمهور متعطش للحرية...ما زلنا نأمل في نجاح مشروع مجلة "الإنسان ـ المشروع"
اليوم ما زلنا نقلم أظافرنا المدماة من الألم والصبر والانتظار... بعد مسافات المنع مرورا إلى النشر إلى التوزيع في القرى النائية...
ما زلنا يشد بعضنا أزر بعض لنستمر في قول كلمة، وطباعة فقرة وصياغة حوار...
لقد قام المشروع على قدميه ومازال متنامياً بفضل جهود الجميع...
كل الأصدقاء المؤازرين
وما زلنا نكرر ما قلناه في العدد الأول: "في مساحتنا المحدودة هذه، وعلى صفحاتنا القليلة متسع من الحب، متسع من الرغبة في الاستماع، وكثير من الأمل في القدرة على تقبل الرأي الآخر، الرأي المخالف..."
ومازلنا نسعى لجعل مجلة الحوار مطبوعة تعمل في سبيل الإنسان وقضاياه النبيلة، في سبيل التعايش والحب والحرية والتسامح والجمال، في سبيل الإنسان وحقوقه المشروعة، في سبيل الإنسان كغاية نهائية للإنسان.
في العدد الخمسون وفي العام الثالث عشر من صدور المجلة لا يسعنا إلا أن نشكر كل من ساهم معنا وكل من قدم لنا الدعم المعنوي وخاصة أصدقاءنا وأخوتنا من المثقفين العرب الأعزاء والسوريين منهم على وجه التخصيص.
تحية محبة للجميع ولنستمر بوقود الأمل وطاقة المحبة.
تحية أخيرة لموقع الحوار المتمدن الذي نعتبره دعما معنويا لنا وتوأما كبيرا لمشروعنا
فلنرفع معا ولنطور لغة الحوار وثقافتها التي تخص الإنسان الجديد وتهمه.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
*ملاحظة هذه المادة هي افتتاحية مجلة الحوار الكوردي ـ العربي العدد 50/ 2006
التي تصدر في قامشلي ـ سورية









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قيادي بحماس: لن نقبل بهدنة لا تحقق هذا المطلب


.. انتهاء جولة المفاوضات في القاهرة السبت من دون تقدم




.. مظاهرة في جامعة تورنتو الكندية تطالب بوقف حرب غزة ودعما للطل


.. فيضانات مدمرة اجتاحت جنوبي البرازيل وخلفت عشرات القتلى




.. إدارة بايدن وإيران.. استمرار التساهل وتقديم التنازلات | #غرف