الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
حوارية بين فوز حمزة والشاعر عبد السادة البصري
فوز حمزة
2024 / 5 / 16الادب والفن
حين يلتقي السرد مع الشعر يصنعان عالماً إبداعياً آخر، وحين تتلبّس السرد تلك الصور الشعرية المبهرة، تجد القارئ يحلّق في فضاءات من الجمال الكوني ؛ لأجل أن نعيش لحظات هذه الأجواء، طرقنا باب الشعر والسرد في حوار لنسبر ما ستسفر عنه تلك الكلمات ، فوز حمزة قاصّة عراقية مغتربة تقيم في بلغاريا وعبد السادة البصري يقيم في البصرة جنوب الوجع العراقي أجلسناهما معاً ليتحاورا فيما بينهما :
البصري يسأل فوز: قياساً إلى عمركِ الآن، أجدكِ متأخرة بنشر قصصكِ ودخولكِ الفضاء الأدبي، بماذا تبرّرين ذلك؟
ج ـ فوز: فعلًا .. الأمر كما تقول .. لقد دخلت المجال الأدبي في وقت متأخر بسبب زواجي المبكر وانشغالي بالبيت والأسرة والأولاد .. وأنا بطبيعتي أحب أن أعطي أي عمل يوكل إليّ كل اهتمامي كي أنجزه على أكمل ما يكون .. لهذا لم أقرر دخول عالم الأدب إلا بعد أن كبر الأولاد ولم يعودوا بحاجة إليّ كما السابق .. لكن بعد أن بدأت في الكتابة وجدت أن النضوج والوصول إلى درجة عالية من الوعي قد يمنح التجربة الأدبية بعدًا آخر يكون مختلفًا وأكثر عمقًا مما لو بدأ الكاتب العمل الأدبي في وقت مبكر. أستطيع أن أقول أن الأحلام قد تغفو .. لكنها أبدًا لن تموت ..وهذا ما حدث معي!
فوز تسأل البصري: هل مازالتْ تسكنك الأحلام، أم أنها بقيت تدور في مروحة الصف؟!
ج ـ البصري: منذ اللحظة الأولى التي أبصرتُ فيها النور راودتني أحلام وأمنيات كثيرة ، سايرتها وسايرتني فانعجّنا معاً، بعضها تلاشى بسبب الظروف الحياتية القاهرة وارتكن في زاوية الضياع والحسرة وبعضها ظلَّ عالقاً في الذاكرة أعود اليه كلّما خالجني الحنين، لكنها تسكنني حتما لحد هذه اللحظة، رغم تعطّل مروحة الصف وذهاب الصبية ، الطلبة ، الشباب، المعلّين الى الحروب والتشرّد والاعتقالات والمنافي والموت المجّاني، لهذا سأظلّ أحلم ما حييتُ ومن أحلامي هذه أصوغ قصائدي وحكاياتي وكلّ ما أدوّنه على الورق .
البصري: ما بين الوشاح الأحمر مجموعتكِ الأولى وصباح كهرماني مجموعتكِ الرابعة، خيطٌ مشترك يبتدئ من العنوان ومروراً بما طرحته فيهما من قصص، هل هذا مقصود أم جاء بشكل عفوي؟
فوز: شكرًا لهذا السؤال الجميل .. أحب أن أقول أن الأمر جاء بشكل عفوي وغير مخطط له بالمرة خاصة إذا عرفت أن مجموعتي الأولى قد طبعت في العام 2015 والأخيرة عام 2023 .. أما عن مواضيع القصص .. بالتأكيد سيجد القارئ أن ثمة خيطاً مشتركاً حتى لو كان رفيعًا يربط بين القصص وهذا شيء طبيعي جدًا فهذا الخيط بمثابة الجين الوراثي الذي يربط جميع القصص بعضهم مع بعض إن صح التعبير لأنها من رحم واحد على الرغم من أن المجموعات تحتوي على موضوعات شتى تناولت فيها أموراً كثيرة في الحياة.
س ـ فوز: هل ما يزال قمر الشاعر عبدالسادة البصري يلالي، أم أنه بمرور السنين فقد ذلك البريق؟!
ج ـ البصري: مَنْ قال أن قمر الشاعر مهما ادلهمّت عليه الغيوم ودارت به الدوائر وداهمته الأعاصير والأمطار يفقد بريقه ؟! .. أبداً سيظلّ متلألئاً ما دامت هناك تجارب حياتية ترسم شكلها قصائد وصوراً شعرية عذبة ترددها الشفاه!
مرور السنين يمنح الشاعر لمعاناً وبريقاً أقوى وأكثر إشعاعاً لأن كل يوم يمرُّ عليه يصقله أكثر ويجعل منه متأملاً في دروب الحياة ولكلّ ما حوله بمنظار العمر وما مرّ حتماً، لهذا سيظلّ الفتى الأسمر الجنوبيُّ راكضاً بين بساتين الكروم والسواقي تحت أفياء النخيل باحثاً عن عشبة الخلود .
س ـ البصري: بين مذكّرات زوجة ميتة، ومذكّرات امرأة في سلّة المهملات ،امتداد روحي يوحي بأنك أردتِ الخوض بهذا المضمار لتؤكدي حقّ المرأة والدفاع عنها، ألا تشاركينني الرأي، أم عندك تفسير واشتغال آخر؟
جـ ـ فوز: قد تستغرب لو قلت لك أنني لم أفكر ولو لمرة واحدة في الدفاع عن المرأة أو عن حقوقها، بل كانت غايتي هو تسليط الضوء على ظواهر سلبية وعادات موروثة لم يفكر أحد في نبذها بل حتى الدستور العراقي لم يفكر في وضع حد لها أومحاصرتها من خلال القانون .. كقتل الشرف أو حجب الميراث أو ممارسة العنف ضد النساء بصورة عامة والزوجات بصورة خاصة وغيرها من القضايا ..لكن هذا لا يمنع من أن قضية المرأة هي من القضايا التي تثير شهيتي للكتابة وقد تناولت من خلال كتاباتي نساء تعرضن لشتى أنواع العذاب من دون أن يحاول المسؤولون إحداث أدنى تغيير. في النهاية أنا لا أحب التصنيفات كأن يقال كاتب المرأة أو شاعر المرأة لأنها – أي التصنيفات – تقيد الكاتب وتحدد من إبداعه.
س ـ فوز: ماذا يعني الأب لعبد السادة الإنسان والشاعر، وماذا تعني العائلة له؟
ج ـ البصري: هناك نصٌّ لي عنوانه ( الرجل الذي يسكنني ) أتحدّث فيه عن أبي، ذلك العامل المينائي الذي علّمني كل معاني المحبّة وعمل الخير للناس، والتي ما تزال كل وصاياه وتوجيهاته هي المفكّرة والقاموس الحياتي الذي أسير على هديهما في حياتي وتعاملي مع الناس، كذلك مع عائلتي لأن الأب مدرسة علينا أن نحتفظ بكل درس نتعلّمه في حياتنا منه .
أمّا العائلة، فأنا على يقين تام أن أي إنسان بلا عائلة كريشة في مهبِّ الريح، تتقاذفه الأهواء وتأخذه التيّارات يميناً وشمالاً لينتهي على رصيفٍ مهمل بلا أي كلمة حنونة أو يدٍ حانية تطبطب عليه، العائلة بالنسبة لي ورغم كل ما عانيته وأعانيه من تعب وجهد مضنٍ في توفير معيشتهم وسكنهم وكل أسباب السعادة والراحة لهم هي فرحتي الدائمة وراحتي التي أشعر بها كلّما دخلت إلى بيتي وجلست معهم وصاروا كالعصافير يتطايرون إلى جانبي فرحين .
س ـ البصري: برغم عدم قناعتي بالمسابقات ونتائجها المحسومة سلفاً في بعض الأحيان ،لكنّني أجدكِ قد حصدت المركز الأول لسنوات متلاحقة في مسابقات محليّة ودولية، بمعنى أن لقصصكِ وقعاً كبيراً عند اللجان التحكيمية والمتلقين فيها، هل تدركين ذلك وتخطّطين له قبل الدخول في المسابقة، أم تشاركين بلا تخطيط مسبق للفوز المحتوم ؟
جـ ـ فوز: لم أفهم معنى كلامك من أنني أخطط للفوز ولا أعرف كيف يتم ذلك سوى أنني حينما أقرر الدخول في مسابقة أختار أحد النصوص والتي أعتقد أنها ستنال رضا اللجنة التحكيمية لأنني ملمّة بأدوات القصة القصيرة وأعرف عن ماذا يبحث المختصون في النص وكيف يضعونه في المراكز الأولى.
س ـ فوز: ما هي الضفة التي لم يصل إليها لحد الآن زورقك، وهل ما يزال الأمل يراودك لبلوغها؟!
ج ـ البصري: الطموح والأمنيات ليس لها حدّ أبدًا ، وزورقي الذي ركبته منذ أكثر من ستين عاماً ما يزال يمخر عباب البحار والأنهارعابراً بين ضفافٍ توقفتُ عندها قليلاً، لأعبرها إلى أخرى وهكذا ، الشاعريبقى في زورقه الورقي يسبح حتى وإن كان التيّار ضدّه ليصل إلى مبتغاه طال الزمان أم قصر، لهذا لن ينقطع الأمل أبداً ما دام هناك طموح وأمنيات لم تتحقق بعد .
س ـ البصري: جرأتك في طرح أفكاركِ عند اشتغالكِ في أي قصة ،وبأسلوب رمزي ذو مغزى فلسفي مبطّن،كيف تفسّرين ذلك؟
ج ـ فوز: لا يحقّ للكاتب أن يطلق على نفسه لقب كاتب أوأديب ما لم يمتلك الجرأة في التعبير عن أية فكرة تطرأ على باله من خلال كتاباته ويقدّمها للقارئ عارية وهذه هي مهمة الكاتب .. الكاتب متى ما وضع الحواجز والموانع داخل رأسه وقيّد قلمه .. فتأكد أنه بعد فترة طالت أم قصرت تلك الفترة سينتهي لأن الحرية تعني الإبداع تعني الاستمرار .. أما عن الرمزية، فهي أسلوب راق في الكتابة يمنح الأديب جناحين كبيرين ليحلق بهما صوب سماء الإبداع، وبالمناسبة هذا النوع من الكتابة ليس بالهين بل يحتاج الكاتب إلى خيال واسع وثقافة عالية واطلاع متنوع ليتمكن من ربط كل ذلك في نص واحد.
س ـ فوز: لمحتُ في كتاباتك وجعاً انسانياً، هل يخفُّ عندك هذا الوجع حينما تفرغه فوق السطور؟!
ج ـ البصري: أنا مهووس بالإنسان ومؤمن بالإنسانية إلى ما لا نهاية، لهذا أتألم وأشعر بالوجع والأسى حين أسمع أو أقرأ عن معاناةٍ ، وظلم ، واضطهاد ، وجوع ، وتشرد وضياع وموت ، لن أرتاح حتى أضع ما أعانيه من ألم وصراخ يعلو في داخلي على الورق وبأي شكل ( قصيدة ، مقالة ، عمود صحفي .. الخ ) ولكن صراخي سيظلّ عالياً لأن وجع الإنسانية لن يخفًّ ما بقي الظلم وأشكاله على وجه الأرض .
س ـ البصري: هل هناك انعكاس لاختصاصك المسرحي على اشتغالكِ في مضمار القص، وهل لديك كتابات مسرحية؟
جـ ـ فوز: لا أبالغ إن أخبرتك أن كتاباتي انقسمت قبل دراستي للإخراج المسرحي إلى ما قبل وما بعد، أي أن أسلوبي وأفكاري وصياغتي للقصص وطرحها قد أختلف كليًا بعد دراستي للمسرح .. لأن دراسة المسرح تعتمد على القراءات المسرحية ودراسة الشخصيات وتحليلها ومعرفة ما هوالبناء الدرامي للنص وأنواع الحبكات وغيرها مما يتعلق بالسرد.. في النهاية يصب ذلك في مصلحة الكاتب. وأما عن سؤالك عن هل لدي كتابات مسرحية، فأجيبك بنعم .. لقد كتبت مسرحية واحدة فقط وأنا الآن بصدد إجراء بعض التعديلات عليها وربما أقوم بطباعتها لاحقًا.
س ـ فوز: هل تتذكّر اسم أول قصيدة كتبتها، ومتى كان ذلك؟
ج ـ البصري: بدأت الكتابة في أوائل السبعينيات من القرن المنصرم، وكانت أول قصيدة أنشرها عام 1979 بعنوان ( هناك عند الساقية ) أذيعت عبر برنامج في إذاعة دولة الكويت .
س ـ البصري: الغربة مالها وما عليها، وما تأثيراتها في تجربتكِ القصصية؟
ج ـ فوز: الغربة بالرغم من قساوتها في بعض الأحيان إلا إنها تجربة عظيمة وغنية بكل المقاسات في حال لو عرف الكاتب المغترب كيف يوظفها بالشكل الصحيح .. اختلاف البيئات واللغات والعادات تمنح الكاتب إحساسًا متفردًا يمكّنه من رسم عوالم جديدة تضفي على النص مزيدًا من الجمال والإبداع والتنوع. تخيل نفسك واقفًا قرب نافذة غرفتك تحمل فنجان الشاي تنظر إلى الأشجار العارية من كل شيء إلا من الثلج الذي يغطيها وانعكاس مصابيح الشارع على اللون الأبيض .. إنها لوحة لشكل آخر من الحياة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى.
س - فوز: هل تعاني من القيود؟!
ج ـ البصري: ومَنْ لا يعاني من القيود في هذا الشرق العربي المسكون بكل أشكال التابوهات وأنواعها؟!
س ـ فوز: وأخيرًا ماذا تقول حينما أخبرك أن إحدى قصائدك قد ألهمتني لكتابة قصة؟
ج ـ البصري: النص الذي لايلهم الآخرين بشيء ما لم يكن نصاً إبداعياً . ومن قصصك سأخرج بقصائد حتماً .
شكراً لك يا فوز على هذه الرحلة الجميلة لقد أسعدتني كثيراً .
فوز: الشكر لك أيها الشاعر الجميل ، وأنا أكثر سعادة!
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مخرجة الفيلم الفلسطيني -شكرا لأنك تحلم معنا- بحلق المسافة صف
.. كامل الباشا: أحضر لـ فيلم جديد عن الأسرى الفلسطينيين
.. مش هتصدق كمية الأفلام اللي عملتها لبلبة.. مش كلام على النت ص
.. مكنتش عايزة أمثل الفيلم ده.. اعرف من لبلبة
.. صُناع الفيلم الفلسطيني «شكرًا لأنك تحلم معانا» يكشفون كواليس