الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجه الخير وصلاة العائب على الغرقى

كمال جمال بك
شاعر وإعلامي

(Kamal Gamal Beg)

2024 / 5 / 16
الادب والفن


تحسَّس رقبته، وزمَّ شفتيه، وتنفَّخت عيناه، ثم شهق ملء النَّهر، حين تورَّمت رئتاه بصور المهجَّرين، وعجاج الهاربين من الموت والباحثين عن كهف آمن، وبينهم من تبقَّى من أهله، ومن عائلات تدمَّرت أساساتها وأركانها، ولم يبق لها في المحبة سوى سقف مخلوع لأمل بالوصل إلى رمال جزيرة، وإن مال المركب فقارب، وإن تحطَّم فسترة نجاة، فإن فُقدت فرأفة من يد لطف في قطعة خشبية أو بلاستيكية عائمة، أو ظهور معجزة كسلحفاة عملاقة للنقل والسفر!

********** **********

أمال الغريب ربْعَ ذقنه محاولاً أن يبتسم ساخراً، طفرت الدموع منه مقابل السيدة التي ناولته علبة المحارم الصغيرة المرميَّة على الطربيزة أمامها، واسترسل هذاءً في الذكريات الصادمة، في جلسة ساعة، طولها خمسون عاماً من االقهر، وعمقها ما لا يحصى من دهور الاستبداد على القفص الصدري. وفي هذه الدوَّامة قذفته موجات الكلام على هواها، والسيّدة مهمهمة بكلمة أوسؤال قصير أحياناً، وغارقة بالصَّمت غالبا، غرقاً في لججه علَّها تمسك بخيوط أشرعة مراكبه المتقطّعة والمتناثرة. السيدة الحكيمة رمت عليه شباكها خمس سنوات، حين غرق في عتمة الكهف، ولمّا أوصلته إلى ضفَّتها، وجد الغريب أمه مازالت لكعات التنور على عروق يديها، واحتملت على طيب خاطر مرارة خبز الغربة معه.
وبين الغرقين قرفصت أمٌّ مفجوعة لتودّع ابنها الغريق في النّهر، وطشَّت فُتات الخبز للسمك الحاضر والغائب، مخاطبة إياه بأدعية متوسلة أن يحفظه لها، وأن لا يأكل منه، حتى يطفو.
وعلى شواطئ البحار وصلت بقايا المهجَّرين الغرقى، ومن لم يصل ما كان له متَّسع من الوقت في قوارب الموت من دعاء للأهالي ولا نصيب من خبز للأسماك.

********** **********

غرقى من دون صلاة غائب تناثروا في المنافي أفراداً وعائلات، بعضها حطت في مطار شارل ديغول Charles Diego وتدبَّرت خبزها الصباحي في اليوم الأول في باريس Paris عائلة مغربية تملك الفندق الذي نزلوا فيه، ثم انتقلوا ليلاً إلى ضاحية ليلي روز Lily Rose.
مبكّراً خرج الغريب إلى جغرافية مجهولة، ولغة لا يعرف منها سوى كلمة جوتّيم Jetaime (أحبك). مصادفة اهتدى إلى مخبز، وهناك تعلَّم من الأشخاص المشترين قبله كلمة باغيت Baguette الخبز الطويل. وفي مواجهة البائعة استبقها قائلا: باغيت. ورفع راحتيه بأصابعه العشرة مفتوحة بكل ثقة. بدت ملامح الاستغراب مع ابتسامة مبهمة على وجه البائعة، وبعد مشاورات مع زميليها، دخل أحدهم إلى غرفة، وخرج حاملاً كيساً فارغاً من الطحين. جهَّز الغريب اليورويات بحفنتي يديه، فانتقوا منها الثمن.
حمل الكيس في طريق العودة كبابا نويل، وبخطى حثيثة، مرددا: باغيت.. باغيت... وغصَّ الحُب!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. غير محظوظ لو شاهدت واحدا من هذه الأفلام #الصباح_مع_مها


.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف




.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب