الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أنا ومدينتي الأولى: القدس4

محمود شقير

2024 / 5 / 16
الادب والفن


7
ولنعد إلى الوراء، إلى القدس في النصف الأول من القرن العشرين.
من يقرأ يوميات خليل السكاكيني عن تلك الفترة يجد صورة للقدس باعثة على الاهتمام مثيرة للتأمل، بالنظر إلى ما كانت تمور به من حراك اجتماعي وثقافي.
كانت المدينة قد بدأت التفتّح على الحياة العصرية منذ مطلع القرن العشرين. وكان خليل السكاكيني، المربي والأديب والمفكّر، واحداً من أبرز شخصيات نخبتها المثقفة. وهو لم يحصر نشاطه في مجال التربية- حيث كانت له اليد الطولى في تحديث مناهج تدريس اللغة العربية- بل إنه ثابر على تأليف الكتب ونشر المقالات الأدبية والفكرية في الصحف والمجلات، وعلى إلقاء المحاضرات في النوادي والمدارس، ولم ينقطع عن تدوين يومياته طوال نصف قرن إلى أن حضرته الوفاة، بحيث جاءت هذه اليوميات سجلاً وافياً لنشاطه العملي ولأحوال بيته وأسرته، وللأدباء الذين كانوا يتردّدون على البيت، ولاجتهاداته في شؤون المجتمع والسياسة والفكر والدين واللغة والأدب والتربية والأخلاق.
ولم يكن فضاء المدينة مقتصراً على تجمّع الأدباء ومساجلاتهم، بل إنه اتسع ليشمل الفعاليات السياسية التي أخذت في التبلور، رداً على سياسات الانتداب البريطاني وعلى مخططات الحركة الصهيونية الهادفة إلى الاستيلاء على فلسطين. وتشكّلت آنذاك الجمعيات الإسلامية المسيحية في القدس وغيرها، إلى جانب تشكّل الأحزاب السياسية. وتأسست تجمّعات للمرأة الفلسطينية إلى جانب تأسيس النوادي، وإصدار الصحف والمجلات. ونشطت النوادي في تقديم الحفلات الغنائية والعروض المسرحية، كما نشطت دور السينما في عرض الأفلام.

8
الآن، ورغم العزل والحصار والتضييق على القدس بمختلف الوسائل والأشكال، فثمة حضور للقدس في الأدب، في القصص القصيرة والروايات وفي الشعر. عدد غير قليل من الشعراء الفلسطينيين والعرب كتبوا وما زالوا يكتبون قصائد عن القدس، عن الوضع الاستثنائي القاسي الذي تعاني منه المدينة. كتبوا عنها باعتبارها رمزاً دينياً وثقافياً، وكتبوا عن فرادتها وما فيها من تعددية وقابلية لأن تكون حاضنة لأشواق البشر على اختلاف انتماءاتهم وثقافاتهم، ولم ينسوا أثناء ذلك وقبله وبعده أنها مدينة عربية فلسطينية لها امتدادها العريق في التاريخ.
وثمة حضور للقدس في النصوص القصصية والروائية والسير والمذكرات واليوميات التي كتبها كتّاب فلسطينيون وعرب. تحضر القدس بأحيائها القديمة، بشوارعها ومقاهيها ومساجدها وكنائسها، بناسها الذين لهم طبائع وعادات وأنماط معيشة وأساليب في تحصيل العيش، مشتقّة من طبيعة مدينتهم ومن انفتاحها على العالم؛ ما يؤكد على ضرورة إيلاء المدينة أهمية خاصة في مزيد من النصوص الأدبية والفكرية القادرة على الدفاع عن طابع المدينة الأصيل الذي يُراد تزويره؛ للتماهي مع المقولة الكاذبة التي تدعي أن القدس هي عاصمة إسرائيل إلى الأبد.
للقدس أيضاً حضور في الأفلام الروائية والوثائقية التي أخرجها سينمائيون فلسطينيون، وكذلك في الأعمال المسرحية، وفي الأغاني، وفي لوحات فنية لرسامين فلسطينيين في الوطن وفي الشتات.
وثمة أنشطة ثقافية دورية في القدس مثل ندوة اليوم السابع التي تعقد في مقر المسرح الوطني الفلسطيني كل أسبوع، علاوة على ما يضطلع به المسرح من أنشطة أخرى ثقافية وفنية، وهناك عروض مسرح "سنابل" في النوادي وفي المدارس، وكذلك مهرجان القدس للموسيقى الذي تنظمه كل عام "مؤسسة يبوس للإنتاج الفني"، وتدعو إليه مغنّين وفرقاً فنية فلسطينية وعربية وأجنبية، واضطلاع بعض دور النشر بإصدار كتب تُعنى بماضي القدس مثلما تعنى بحاضرها ومستقبلها.

9
أظن أن مقولة الفيلسوف الألماني ثيودور أدورنو تعبّر عن حالة الشعب الفلسطيني حين قال: "الكتابة هي وطن من فقدوا أوطانهم".
إذ حين يكون أكثر من نصف الشعب الفلسطيني مقيمًا بعيدًا من وطنه، ويعيش منذ سنوات طويلة في بلدان عربية شقيقة، وفي عدد من بلدان الشتات الأجنبية، وحين تكون الغالبية العظمى من هذا النصف المقيم في الشتات قد ولد بعيدًا من أرض فلسطين، فإن الكتابة هي التي تقوم بجَسْر الهوّة بين الواقع المعيش بكل نواقصه وبين الرغبة في الانتماء للوطن مثل بقية شعوب العالم التي لها أوطانها.
عند هذا الحدّ بالذات تستطيع الكتابة أن ترمّم الهوية الوطنية الممزقة، وتمنحها امتدادًا ملائمًا في الزمان والمكان، مثلما تستطيع أن تخلق معادلًا موضوعيًّا للفردوس المفقود إلى أن يعود الحق إلى أصحابه، ويعود اللاجئون والنازحون والمشردون الفلسطينيون إلى وطنهم.
كلّنا نعرف المقولة الصهيونية التي تقول: "الكبار يموتون والصغار ينسون" بأمل موهوم لعلَّ هذا الوطن الذي تمَّ الاستيلاء عليه بأبشع عمليّة استعمارية استيطانية إقصائية إحلاليّة مسنودة بالقمع والتنكيل والقتل ينتهي إلى أن يتخلى عن هويته الأصلية وعن تاريخه العصيّ على النسيان.
لقد أثبتت الحياة أنّ صغار الفلسطينيين لم ينسوا، وهم يومًا بعد يوم وسنة بعد سنة على أتمِّ صلة بالوطن، وأتمِّ انتماء إلى أن يعودوا إلى الوطن.
وللتدليل على أهميّة الذاكرة في صراعنا مع الاحتلال الإسرائيلي فإن الصهاينة يسعون بكلّ السبل لمحو ذاكرة الأجيال الصاعدة في فلسطين عبر تزوير المناهج المدرسية في القدس، وشطب كل ما له علاقة بالتاريخ العربي ومن ضمنه تاريخ فلسطين القديم والمعاصر، وتغيير أسماء المدن والشوارع والساحات واستبدالها بأسماء عبرية مستمدّة من التوراة، ومن ثم عبر اختلاق ذاكرة والترويج لها على أوسع نطاق للإيهام بأن فلسطين أرضٌ يهودية أبًا عن جد، والحقيقة غير ذلك بطبيعة الحال، فإنّ حضور العرب الفلسطينيين وتجذرهم في فلسطين وفي القدس منذ آلاف السنين يدحض دعاية الحركة الصهيونية التي تُعدُّ موجة من موجات الاستعمار الحديث، شجَّعتها ورعت خطواتها ومشاريعها الاستعمارية الاستيطانية الإحلاليّة دولٌ استعماريّة بدءًا من بريطانيا وانتهاء بالولايات المتحدة الأميركية .
وفي نهاية المطاف، ورغم القمع والقتل والمعاناة، فلا بد من انتصار الحق الفلسطيني على حكّام إسرائيل الصهاينة، تشهد على ذلك مظاهر التأييد والتضامن والمساندة التي تبديها شعوب العالم الرافضة لحرب الإبادة التي يتعرض لها الفلسطينيون الآن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أخرهم نيللي وهشام.. موجة انفصال أشهر ثنائيات تلاحق الوسط الف


.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس




.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في


.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب




.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_