الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غطسة العدم

يحيى نوح مجذاب

2024 / 5 / 16
الادب والفن


الطريق ينحدر بانسيابية خفيفة ويلتف باستدارات رائقة إلى حيث تقبع بهدوء بيوتات منتظمة على الطراز الحديث مشيدة بالقرميد الأحمر ومحاطة بأفاريز مُتَّسقة ذات نوافذ واسعة بدرفات متحركة مُزَيَّتة منزلقة على بعضها لسهولة الخروج إلى الشرفات والتمتع بمنظر الطبيعة، وشمّ دفقات الهواء المنحدر من الجبال.
تضاريس الأرض المحيطة بالمباني تبدو متعرجة صخرية بطبقات مائلة من صخور الرمل المتصلبة والحجر الجيري الأبيض الصَّلِد.
المركبات المنطلقة في الطريق العام المحاذي للمنطقة تجري بسرعات عالية جداً؛ شاحنات حمل طويلة، باصات نقل متفاوتة الأحجام، مركبات صغيرة خاصة، وأخرى للنقل البسيط، فالطريق يتجه إلى الحدود الشمالية حيث يمتد البلد الجار ويبسط نفوذه على الجبال الشاهقة بكل قممها المكسوة دوماً بالثلوج البيضاء القطنية.
ما أشبه الليلة بالبارحة لكن الذي مضى وغاب في المجهول لم يكن (البارحة) بل هو شيء آخر، إنه حدث أو على الأصح سلسلة من الأحداث البسيطة اليومية وهي في عُرف الزمن وتسجيلاته الممحية تقارب النصف قرن، فكل شيء بات في طور النسيان، أو أنه ذاب في هباء العدم.
إنهم محدودو القدرة غارقون بالسفاسف شغلتهم أحداث العالم الجسام. حروب مصطنعة للتخفيف من أعباء الأرض. اختراعات غريبة، صناعات هائلة، استكشافات مرعبة، ورغائب لا تنطفئ لمتع مبتورة لا تعرف الشبع.
كيف يستنطق الحقائق وقد احاطته شراك ملبكة من اضداد وكيانات متعاقبة تبحث عن ذراتها الغاطسة في دياجير الظلمة.
هي محطات يومية لا تنتهي ان كانت مُجَدْوَلة في قائمة أعماله المثبتة في قُصاصات الورق التي يدسّها غالباً في جيبه، او أنها محفوظة عن ظهر قلب في مخزوناته المليئة بالنقائض، وأخرى تصنعها الأحداث فتنبثق هكذا دون سابق إنذار حتى لو كان محاطاً ببركة أفكاره يستلهم منها رشقات الطريق الممتد من نقطة الشروع الصفرية حتى أبعاد اللانهاية.
أخرج هندامه القديم من خزانة ملابسه وارتداه على عجل دون أن يستخدم المكواة، فهو لم يعد يهتم بمظهره بعد، وهل سَيتسنى له أن يفتح مصاريع قلبه لتكتكات العشق بعد أن ذبلت عناقيد العنب.
كانت الشمس ساطعة والنجيل اليانع الأخضر قد اصفرت بعض وريقاته فبرد الأيام الماضية الذي لم يألفه منذ عقود نال منها بعض الشيء. نباتات السنبق المحيطة بالأفاريز المنتظمة المرصوصة في أصص متقابلة تُضفي في انعكاساتها الجلنارية بعض العذوبة الخفية.
أصوات الباعة المتجولين يصدع الرؤوس، انهم يبحثون عن رزق ضائع في أرض ضائعة لم يَحمها العالم المتمدن من الوقوع في شِراك المتصيدين.
المفاهيم الهاربة من العقول لن تجد لها صدى في الأدمغة التي ورثت انطباعات الرعاع وقبولها بالمألوفات التي توقظها التساؤلات الذكية التي ألفها المتشككون.
حرارة الشمس اشتدت واخذت تلسع أرجله من مفاصل الركب حتى كعوب الأقدام. البنطال الصوفي الثخين لم يكن حائلاً دون المساس بالجلد الناعم الذي تساقط شعره منذ أن تقدم به العمر، مولياً ظهره لشباب لم يُبقِ منه الاّ الفكر الديكارتي والمشاعر الغاطسة في العدم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم #رفعت_عيني_للسما مش الهدف منه فيلم هو تحقيق لحلم? إحساس


.. الفيلم ده وصل أهم رسالة في الدنيا? رأي منى الشاذلي لأبطال في




.. في عيدها الـ 90 .. قصة أول يوم في تاريخ الإذاعة المصرية ب


.. أم ماجدة زغروطتها رنت في الاستوديو?? أهالي أبطال فيلم #رفعت_




.. هي دي ناس الصعيد ???? تحية كبيرة خاصة من منى الشاذلي لصناع ف