الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاتحاد العربي، واقع ممكن ام استحالة؟

باسم عبدالله
كاتب، صحفي ومترجم

(Basim Abdulla)

2024 / 5 / 17
العولمة وتطورات العالم المعاصر


هل يمكن لواقع الاتحاد العربي ان يرى النور وقد سيطرت عليه الكثير من الانتماءات والولاءات السياسية المختلفة والميول، حتى باتت الدول العربية مهشمة، مبعثرة الخطى، فاقدة للولاء الوطني في الكثير من جوانبها، حتى ان الهاجس الوطني اختفى تقريبا من الإحساس القومي لجغرافية الموقع التاريخي بعد ان داهمت العولمة الديار العربية بالكثير من فنونها وانظمتها العلمية والاجتماعية والتأثير الغربي على واقع التراث العربي والإسلامي. حاولت روسيا في العصر الراهن اعادة تاريخها القومي باستعادة مجدها في منظومة الاتحاد السوفيتي، ويحاول الاتحاد الاوربي رغم اختلاف لغاته وقومياته رأب الصدع المتمثل في بعض دول المنظومة ودفعهم في اتجاه التماثل والانسجام في التاريخ المدني وجعله يتلائم بأي شكل كان مقابل ان لا يسود الخلاف، بل عمد هذا الإتحاد توسيع رقعته الجغرافية محاولا جلب اكبر عدد ممكن من تلك الدول لتدل في المنظومة الاتحادية، لهذا نرى ان وتائر تتصاعد وتقل في المقابل عوامل الخلاف والتناقض حتى تمكن هذا الإتحاد السير بمنهاجه الإقليمي الى اعمق مدى، في الزراعة والطبابة والخدمات والإقتصاد من استيراد وتصدير واتحاد موانئ والغاء تأشيرات الدخول بل وامتلاك العقارات والعمل والوحدة الأمنية وازالة الحدود وتوحيد جوازات السفر، حتى باتت تلك الدول الاوربية رغم ماضي تنافرها ان تنسجم جغرافيا ومصيريا الى حد بعيد لا يمكن تصوره في الحسابات العقلية للدول العربية والإسلامية.
لم يقدم الفكر العربي موقفا فكرياً موحدا حتى في اطار خارج امل الاتحاد المشترك فيما اعلنه العرب عدم قدرة القادة العرب ايجاد موقف موحد في النزاع الاوكراني الروسي تماما كما هو انقسامهم في الشأن الداخلي لكل دولة. فغياب الموقف العربي من خلال فقدان الرأي الموحد الراسخ امام علاقاتهم الدولية افتقدوا فيه الهوية السياسية امام المجتمع الدولي، فلم نسمع إلا تكتلات ومواقف متذبذبة، متناقضة تنم عن رؤى غير واقعية وغياب فهم عقلاني واع، افتقدوا فيه حتى صلاحياتهم كدول لها ثقل اقتصادي، كما هو الحال في البترول الذي يشكل اكبر مخزون دولي ومورد عالمي ميز العرب لم يكن في مقدورهم اثبات وجودهم كقوة اقتصادية كبرى في المحافل الدولية.
وكما انهار الفكر العربي في ايجاد قاسم مشترك للفكر السياسي واحتدام الصراع، بين مختلف الاحزاب التي مزقت الشعوب العربية، بات هذا الصراع في الاتجاه السياسي ضيق الأفق في فهم وتفسير الشخصية العربية الإسلامية بحيث حكم عليهم بالبقاء مشتتين ضعفاء لا يشملهم ولاء المصالح المشتركة ولا التاريخ الواحد، ان المشكلة ابتدأت في عصر صدر الإسلام، الذي اتبع ايديولوجية عدوانية في رسم طريق تعامل العنف من خلال حروب الجهاد الإسلامي في فرض قناعاتها الدينية بحد السيف اي الدخول للإيمان الغيبي قسراً الأمر الذي ايدته النصوص الدينية مما جعل العنف وسيلة من وسائل العرف الإجتماعي تميزت فيه منطقة الشرق الاوسط. ان الهاجس الديني ودوافعه الطائفية قد اسهم بشكل فعال في تمزيق الوحدة الفكرية والقومية والسياسية للشعوب العربية والإسلامية، فتلك الشعوب قد تعددت فيها الولاءات الدينية المعتقدات زخرت بطوائف واديان جعلت الفوارق الدينية في خط التماس بين شعوب الشرق المسيحي في عداء مع اليهودي وهذا في حقد وكراهية مع المسلم هو في عدم راحة وانسجام مع المسيحي واليهودي، لقد اظهرت الحروب الدينية على مدى تاريخ14 قرناً ما يستدل به هذا الواقع المرير لتلك الشعوب.
من معوقات الاتحاد العربي غياب التنمية السياسية والاقتصادية، وعدم فاعلية خطط الإصلاح الاجتماعي بسبب فقدان الجدية والشفافية في بلورة التعاون الوطني، هذا وقد افتقد الفكر العربي الاقتصاد العربي الشمولي والمصالح المشتركة، مما جعل واقع الاتحاد امرا خيالياً فشلت ازائه كل التجارب العربية الوحدوية في القرن الماضي خاصة وقد ادى قيام الثورة المصرية عام 52 بزعامة محمد نجيب وجمال عبدالناصر، الى محاولة احياء الوحدة العربية، وقد تبلورت فعلا مبادرة الاتحاد الوحدوي بين مصر وسوريا، والاتحاد الهامشي بين السعودية، الاردن والعراق، لكنها جميعا تهاوت امام تناقض الميول والمصالح الدولية وطموح النخب السياسية البقاء في الحكم وقد هيمنت على الواقع العربي تجارب الانظمة العسكرية مما جعل امر الأتحاد العربي مستحيلا في ظروف عسكرة المجتمعات المدنية وتوجه قاداتها وطموحاتهم الى التوسع والهيمنة وليس الى ادارة مدنية شاملة. ان العالم العربي يمتلك الكثير من مقومات بناء الشخصية الاندماجية لعمل اتحادي عربي فاعل على طراز الاتحاد الاوربي، مما يجعل امر خروجه من حال التجزئة والانقسام والتشظي امرا يقارب المستحيل، نعم هناك الكثير من المؤسسات الفاعلة في المجتمع المدني كاتحاد المحامين العرب والكتاب العرب، والمهندسين والصحفيين العرب، وقد حلت شبكات التواصل مثل اتحاد المدونين العرب الى اتحادهم الشمولي عبر الانترنت، لكن الانظمة العسكرية الديكتاتورية كانت ومازالت من الد اعداء الوحدة العربية. كما يبدو ان عدم قيام اتحاد عربي قد شجع الاكراد في العراق التمسك بهدف الانفصال عن العراق لكن عدم انفصالهم بسبب مصالحهم مع العالم العربي.
اظهر تاريخ الجمهوريات العربية فشله في اتفاق بيان الوحدة بين سوريا، مصر،وليبيا في عهد حافظ الاسد، انور السادات، ومعمر القذافي اختلاف رؤساء الدول على اتفاقية كامب ديفيد اذ بموجب تلك الاتفاقية اعترفت مصر بإسرائيل مقابل استعادة شبه جزيرة سيناء، فهذا جعل المصالح الوطنية للدولة المصرية تتغلب على المصالح القومية في تشكيل اتحاد عربي فاعل. شهد التراث القومي العربي تطورا في منتصف الخمسينات من القرن الماضي بعد ان اخذت العديد من الدول العربية استقلالاً في بداية القرن العشرين لكن فكرة القومية لم تتقدم في اتحاد تعميق مبدأ الاتحاد العربي اذ حلت محلها العلمانية والتدين، فلقد انشغل العرب بصراعاتهم الدينية في مختلف اتجاهات الأطياف الدينية من جهة واحتدم الصراع العلماني ضد التيارات الدينية من جهة اخرى. مما اضعف الميول في اتحاد عربي.
لقد اسهم الحكم العثماني في تنمية الطموح العربي وصراعه بهدف التحرر فصارت القومية العربية حركة سياسية بعد تاسيس الجمعية العربية الفتاة في باريس عام 1891 . لقد واجه الوعي القومي للعرب الذي ضم مجموعة من المفكرين والقوميين الى مقاومة النفوذ التركي العثماني للدول العربية حتى انطلقت الشرارة الاولى في مقاومة الحكم العثماني منطلقين من الحجاز عام 1916 .
لم يكن الفكر العربي جاهزاً الى الايمان والفهم الحقيقي لحقيقة الوحدة العربية والانتماء للقومية العربية وبالتالي تطور هذا المفهوم في اتجاه قيام اتحاد عربي من المحيط الى الخليج. فالوحدة العربية اندرجت في اطار ضيق في بلاد الشام بين سوريا ولبنان ومصر، والاتحاد الهاشمي بين السعودية، الاردن، العراق. فلم تكن تلك التكتلات الدولية ناضجة وواعية الى قيام اتحاد متماسك كذلك لم تتوفر في الذهنية العربية معرفة حدود الامة وهويتها، فلم يكن نضوجاً واعياً بالقدر الكافي لقيام اتحاد عربي. رغم مفهوم البعد القومي الذي تبلور خلال فترة حكم الزعيم جمال عبدالناصر في مصر، إلا ان وعيه بقي مشدودا في اطار النظام العسكري الذي استهلك طاقته وابعده عن الوحدة الواعية، اذ دخل عبدالناصر في اهدار طاقات الدولة المصرية في انفاق قدرات الدولة مع حرب اليمن وتسببت قتل آلاف الجنود، كذلك ادى تسرعه غير الواعي الى فشل الوحدة مع سوريا رغم وجود البعد القومي في مصر عام 1956. لقد حل التراث العسكرية في جميع القيادات القومية في الانقلابات، في مصر، العراق، سوريا، ليبيا، فصارت السلطة العسكرية الهدف في بقاء انظمة الحكم فلا يكون لإيمان الوحدة القومية هاجساً وحافزا لبناء كيان الأمة. حملت القومية العربية بداخلها العديد من الصراعات الداخلية، لقد اتسع امر تشتيت الأمة الواحدة في تطوير القومية باتجاه العلمانية والماركسية، مما اضعف الحس القومي في الانتماء الوحدوي للتاريخ العربي، اذ ان التجربة الماركسية وصراع الاحزاب الدينية، ودخول العديد من الروافد الدينية على شكل احزاب متصارعة، جعل التناقض يزداد فالأممية الماركسية جعلت الحس القومي يتضائل ويتحول الى صراع سياسي يجب تطبيقه في المجتمعات الإسلامية، مقابل هذا انحدر الصراع الديني في مواجهة المد الشيوعي، ومن جانب آخر هناك الصراع الطائفي نفسه الذي نجح في العديد من الدول كالعراق وسوريا، في تمزيق التراث القومي، انتجت الطائفية بين السنة والشيعة، القاعدة، داعش، وغيرها من عناصر واحزاب جعلت الشعوب العربية تلغي الايمان بالوحدة العربية وتتجه بعقولها للغرب. لقد عبر الجهل والعنف السياسي في آن واحد، ان اتى الرئيس صدام حسين عام 1991 ان كتب على العلم العراقي ” الله اكبر ” مستغلا العاطفة الدينية من جهة، وضاربا بقيم الوحدة القومية للعرب عندما احتل الكويت مما جعل الغرب يقترب اكثر في الهيمنة على موارد الشرق ويبعد الآمال اكثر في عدم احتمالية قيام وحدة لكيان عربي، فلقد اضعف القدرات العربية وتسبب في اهدار القدرات العسكرية ومليارات الدولات وقتل الملايين في حروب دامية منها حربه مع ايران التي ابعدت العراق عن الصف العربي ووضعته في اتجاه الصراع الاقليمي بدول الوحدة العربية الشاملة.
اظهرت الاحزاب القومية تطوراً ملحوظاً باتجاه العلمانية والماركسية فكلها ولدت وتطورت في رحم القومية العربية، مما جعل مفهوم الاتحاد العربي امراً صعبا لا يستقيم مع تطلعات وحدة فكرية منسجمة فالصراع القومي لم يستند على مرجعية عقائدية في اتحاد وحدة جغرافية ذات تكتل مشترك لمصالح تاريخية يمثلها الوحدة الدينية واللغوية، بل انتقل الى اتجاه معاد ودفع الفكر القومي في صراع سياسي اقتبس الفكرة الاشتراكية من المفهوم الغربي واعتمد اساس تنفيذها بقتال وتفكك قومي شديد، فلا كيان لهوية عربية حقيقية إلا في كتابات الصحفيين، خاصة بعد فشل القومية العربية عندما انطلقت العولمة لتصنع عوالم جديدة من التشرذم القومي وانهيار محتواه الاقليمي، فلم تمكن تلك العولمة اخراج الناس من هوياتهم الفرعية الى الهوية الجامعة في جعل التاريخ العربي متحدا في اطار موحد.
ان انبثاق دول عربية في اتحاد مشترك يظل مجرد حلم او فكرة خيالية لا مجال لتحقيقها فلو كتب لهذا الحلم ان يكون واقعاً ستكون لها سواحل بحرية بما يعادل 19 الف كيلومتر مربع، وستشرف على بحار ومحيطات وممرات مائية كالبحر المتوسط وبحر العرب والبحر الاحمر كذلك المحيط الاطلسي والهندي، ومضيق جبل طارق وغيرها من الممرات البحرية التي تسيطر على التجارة العالمية فيكون هذا الاتحاد وسيطرته على مضيق هرمز والسويس الجسر الدولي بين الشرق والغرب، اضافة الى هذا التنويع بين الأديان واللهجات، وفي داخل القومية العربية تعيش اقليات قومية كالأكراد والامازيغ، ويكون بهذا الاتحاد الهيمنة على تصدير النفط يوميا بما لا يقل 25 مليون برميل يوميا يشكل ثروة هائلة للاتحاد العربي، فهذا القدر من انتاج النفط يوميا يجعل بيدها القرار الدولي في تحديد الاسعار والتحكم بالبورصة الدولية للطاقة؟ على ان الاتحاد العربي كحقل زراعي يضعها في المركز السادس عالميا بعد الولايات المتحدة الهند. ان اجمالي الدخل القومي للدول العربية يعادل 6 ترليون دولار مما يجعلها في المركز الرابع عالمياً حتى ان دخل الفرد سيصل الى 7000 دولار مما يجعل فرصة الرفاه والقضاء على عامل الفقر والحرمان وتشتت الاسر بسبب هبوط الدخل امرا واقعا وهذا يولد فرص الابداع في التطور العلمي عند الابتعاد عن شبح الفقر والحرمان. عسكرياً سيكون هذا الاتحاد محتوياً اقوى جيش عالمي على الاطلاق فسيكون عدد مقاتليه يتجاوز الملايين، اضافة الى الاعداد الهائلة من الطائرات المقاتلة ومنصات وانظمة الصواريخ وهذا يشجع على تشكيل اساطيل بحرية ضخمة توازي او تفوق تلك التي تمتلكها الولايات المتحدة. ان هيمنة العرب في انضمامهم داخل اتحاد عربي فاعل وان افتقدوا الى القوة النووية سيكون لهم وجود عالمي لا يستهان به يختلف جوهريا عن واقعه الحالي الممزق.
ان نيل هذا الواقع يكون ضرب خيال فمن جملة العوائق التي تحول عدم قيام هذا الاتحاد على رأس تلك المعوقات قيام اسرائيل في قلب هذه الدول وكذلك الصراع المذهبي والطائفي كما هو الحال الصراع السني الشيعي، اضافة الى ذلك صراع القوميات، فالقومية الكردية لها حلم الاستقلال في بناء كيان مستقل لها داخل جغرافيات بعض هذه الدول، كما هو الصراع بين الامازيغ والغرب، رغم عدم بروزه كصراع عسكري، كذلك انقسام بعض الدول العربية على ذاتها كانقسام السودان. يعيش اليمن صراع المذاهب والولائات المختلفة فهذه المعوقات لا تجعل لهم سبيلاً لقيام دولة عربية واحدة. فهناك كذلك تركيا وايران واطماعهم في ثروات ومناطق من تلك الدول. لقد كان للتاريخ الاسلامي فكرة الاتحاد تحت راية العقيدة الروحانية خلال الخلافة الاموية والعباسية، وفي تجارب الشعوب الاخرى كالهند التي تضم قوميات وديانات مختلفة قد اجتمعت على دولة موحدة، لكن امر العرب وحلم الاتحاد يبقى فكرة تعيش في الاذهان، فالواقع الجغرافي وانهيار الوحدة والولاء للتاريخ والدين واللغة، امرا لم يعد يغري ويثير طموح العديد من اصحاب النخب السياسية، لاننا نواجه انهيار الحافز الديني والاخلاقي في بعض الدول العربية مما يجعل الاتحاد العربي لا يخرج حدود الاحلام التي تراود العقول التي عاشت على بطولات ماض لن يعود.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -غادرنا القطاع بالدموع-.. طبيب أمريكي يروي لشبكتنا تجربته في


.. مكتب نتنياهو: الحرب لن تنتهي إلا بعد القضاء على قدرات حماس ع




.. وزير الخارجية السعودي يتلقى اتصالًا هاتفيًا من نظيره الأميرك


.. حرب غزة: بنود الخطة الإسرائيلية




.. الجيش الأميركي: الحوثيون أطلقوا صاروخين ومسيّرات من اليمن |