الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قمّة المنامة مع ذكرى النكبة واستمرار مسلسل العجز العربي

عبد الحميد فجر سلوم
كاتب ووزير مفوض دبلوماسي سابق/ نُشِرَ لي سابقا ما يقرب من ألف مقال في صحف عديدة

(Abdul-hamid Fajr Salloum)

2024 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


في عام 1980 ، وفي الذكرى 35 لتأسيس الجامعة العربية، ألقى الشاعر الكبير نزار قباني في الجامعة العربية بتونس قصيدتهُ الشهيرة (أنا يا صديقةُ مُتعبٌ بعروبتي) وكانت من أروع ما أبدعهُ نزار من الشِعر أوّلا، ومن توصيفٍ دقيقٍ للواقع العربي ثانيا.
وربما اعتقد نزار قباني أن تلك القصيدة ستحرِّكُ بعضا من شجون العرب، ولكنه بعد خمسة عشر عاما من إلقائها، وفي عام 1995، ولشدّة ما شعر بالإحباط من العرب، قال:(لا يزالُ العرب هم العرب ولا تزالُ القصيدةُ هي القصيدة).
نعم، القصيدةُ ما تزال هي القصيدة بكل معانيها، وتصلحُ لزمان العرب بالأمس واليوم.. وأما العرب فلم يبقوا هُم ذات العرب، وإنما انحدروا من القاع إلى القاع، وماتت كل المروءات وعاد الوراءُ إلى الوراء.. وبقايا العروبة، والكرامة، التي كانت في ذاك الزمن تبخّرت كلها، وما تبقّى منها من شَفّةٍ صغيرة ارتشفها دريد لحام في مسرحية "كاسك ياوطن" منذ عام 1979 ، أي قبل عام من قصيدة (أنا يا صديقةُ متعب بعروبتي).
وسأُجري هذه المقارنة بين العرب في زمن قصيدة نزار وزمن مؤتمر القمة العربية التاسع، وبين عرب اليوم في زمن مؤتمر القمة 33 ..
**
فمعلومٌ أن العراق دعا لعقد مؤتمر القمة العربي التاسع في بغداد بين 2 و 5 تشرين ثاني/ نوفمبر 1978 ، وتدارَسَ الأخطار والتحديات التي تواجهُ الأمة العربية إثر توقيع مصر على اتفاقيتي كامب دافيد، وأثرهما على النضال العربي لمواجهة العدوان الصهيوني ضد الأمة العربية. واستنادا إلى وحدة المصير العربي فقد أكد المؤتمر على المبادئ الأساسية التالية:
أولا- إن قضية فلسطين قضية عربية مصيرية، وهي جوهر الصراع مع العدو الصهيوني، وأن أبناء الأمة العربية وأقطارها جميعا معنيون بها ومُلزمون بالنضال من أجلها وتقديم كل التضحيات المادية والمعنوية المطلوبة في سبيلها. وأن النضال من أجل استعادة الحقوق العربية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة مسؤولية قومية عامة، وعلى جميع العرب المشاركة فيها كلٍّ من موقعه وبما يمتلك من قدرات عسكرية واقتصادية وسياسية وغيرها. وأن الصراع مع العدو الصهيوني يتعدى إطار الصراع ضدهُ من قبل الأقطار التي احتُلت أراضيها عام 1967 ، إلى الأمة العربية كلها، لما يشكله العدو الصهيوني من خطر عسكري وسياسي واقتصادي وحضاري على الأمة العربية كلها وعلى مصالحها القومية والجوهرية وعلى حضارتها ومصيرها، الأمر الذي يحمِّل كل أقطار الأمة العربية مسؤولية المشاركة في هذا الصراع بما تملكه من إمكانات.
ثانيا- على كل الأقطار العربية تقديم كافة أشكال المساندة والدعم والتسهيلات لنضال المقاومة الفلسطينية بشتى أساليبه من خلال منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة وخارجها، من أجل التحرير واستعادة الحقوق الوطنية للشعب، بما فيها حقه في العودة وتقرير المصير وإقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني. وتلتزم الدول العربية بالحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للعمل الفلسطيني.
وأكّد المؤتمر على عدم جواز انفراد أي طرف من الأطراف العربية بأي حل للقضية الفلسطينية بوجه خاص، وللصراع العربي الصهيوني بوجه عام. وقرر المؤتمر عدم الموافقة على اتفاقيتي كامب دافيد ورفضهِ لكل ما يترتّب عليهما من أثار سياسية واقتصادية وقانونية وغيرها من آثار. ودعا الحكومة المصرية للعودة عن هاتين الاتفاقيتين، وعدم توقيع أي معاهدة صلح مع العدو. كما أكد المؤتمر التزام الأمة العربية بالسلام العادل الذي يقوم على أساس الانسحاب الإسرائيلي الشامل من جميع الأراضي العربية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس العربية، وضمان الحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني، وإقامة دولته المستقلة فوق ترابه الوطني.
كما عبّر المؤتمر عن تقديره للجمهورية العربية السورية وصمود جيشها الباسل، وعن اعتزازه بنضال الشعب الفلسطيني وصموده في الأراضي المحتلة وخارجها تحت قيادة منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
فأين نحن اليوم من الأمس؟. أين عربُ اليوم من عربِ الأمس؟. أين قرارات اليوم من قرارات الأمس؟.
**
طبعا الحكومة المصرية لم تستجب لنداء مؤتمر القمة، ومضت في نهجِ كامب دافيد، فما كان من العرب إلا أن اجتمعوا ثانية في بغداد في نهاية آذار 1979 ، بعد خمسة أيام من التصديق على معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، وقرروا تعليق عضوية مصر بالجامعة العربية ونقل مقر الأمانة العامة من القاهرة إلى تونس. وقطعوا العلاقات مع مصر باستثناء عُمان والسودان والصومال. ولكنهم بلعوا ألسنتهم لاحقا وأعادوا مصر للجامعة عام 1989 في قمّة الدار البيضاء، بعد عشر سنوات من الغياب، وأعادوا الجامعة إلى القاهرة عام 1990 دون أن يتغيّر شيئا في مواقف مصر، أو تتراجع عن شيء.. يعني بوضوح، انتصرت كامب دافيد.. وبدأ تسارُع زمن الانهيار العربي.
**
فلنُقارن بين الزخم العربي في مؤتمر القمة العربي التاسع عام 1978 ، وبين العجز العربي الكامل في مؤتمر القمة العربي الـ 33 في المنامة 2024، والذي تَصادَفَ مع الذكرى 74 لاغتصاب فلسطين، أو ذكرى النكبة.. وبين قرارات مؤتمر القمة التاسع وقرارات مؤتمر القمة 33.. انحدارٌ غير معقول.. ويُشيرُ للأسف إلى المُنحنى الهبوطي للعرب منذ قرار التقسيم عام 1947 وحتى اليوم، فكلُّ عامٍ تراجُعٍ أكثر، وتمدُّد لإسرائيل أكثر، واستهانةٌ بالعرب أكثر.. والعربُ يزدادون ليونة، بينما يزدادُ الإسرائيليون صلافة وتعنُّتا وتشدُّدا وتطرُّفا..
الأحوال ساءت كثيرا منذ قصيدة نزار.. وياليتهم حافظوا على روح ونهجِ وعقليةِ ومواقف 1980 ولكن تدحرجت الأمور بسرعة نحو الهاوية.
نعم القصيدة ما تزال هي القصيدة ولكن العرب ليسوا هُم العرب.
**
لماذا حصل كل ذلك؟. ما هي الأسباب والمُسبِّبات؟. لماذا تشرذمَ وتفتّتَ العرب؟. إلى أين العرب ماضون في ظل هذه الأمواج العاتية التي تضربُ منطقتهم، وفي ظل الأطماع الإقليمية والخارجية الخطيرة، وفي ظل غياب أي مشروع عربي جامع، أمام المشاريع الأخرى، لاسيما الإسرائيلي.. ولا يخفى وجود مشروع إيراني ومشروع تركي..
وطبعا حينما نتحدث عن المشروع الإسرائيلي، فنحن نتحدث عن المشروع الأمريكي والغربي فإسرائيل هي رأس حربة لهُم في المنطقة، وهُم خلقوها لهذه المهمّة.
**
ولا بأسا أن تُعيدني الذكريات إلى ذاك الزمن حينما قامت مجموعة كبيرة من الناشطين في جامعة دمشق، وفي ظل ذاك الغضب العربي الهادر من سياسات الحكومة المصرية حينها، قاموا بهاجمة السفارة المصرية في دمشق، في آخر شارع أبو رمّانة، وكنتُ من بينهم، وكُدنا نتكهرب ونحن نقطع أسلاك الكهرباء للسفارة.. نعم كانت مراهقة سياسية.. قال أردنا أن نُسقِط كامب دافيد.. هكذا كُنّا نعتقد قبل أن تجرف كامب دافيد الجميع تقريبا.
**
الرئيس التركي رجب أردوغان يقول يوم الأربعاء 15 أيار /مايو 2024:
(لا تظنُّوا أن إسرائيل ستقف عند غزة. فإذا لم يتمّ إيقاف إسرائيل ستطمع عاجلا أم آجلا بأراضي الأناضول مُستنِدةً إلى أوهام الأرض الموعودة. وإن حركة حماس هي خط الدفاع الأول ). وأضاف: (أن حماس التي تقاتل من أجلِ استقلال أرضها تدافعُ عن الأناضول أيضا).
مع خلافاتنا الكثيرة مع أردوغان، التاجر السياسي، وأحد تجّار القضية الفلسطينية، وما أكثرهم، ويحتلُّ أجزاء كبيرة من الأراضي السورية، ويقوم بتتريكها كاملا، نفهم من تصريحه أن حماس هي خط الدفاع الأول عن الأناضول. وهناك من يقول أنها خط دفاع أول عن إيران أيضا. ومن هذا المنطلَق هُم يدعمون حماس.
لا بأسا، ولكن أين هي مصالح العرب في خضمِّ هذا البحر الهائج المتلاطم من الأمواج؟. هذا هو سؤال كل الشعوب العربية. أين هي مصالحنا كعرب؟.
للأسف مصالحنا ليست سوى ورقة في مهبِّ هذه الرياح العاتية. لماذا؟. لأننا نحنُ من اخترنا ذلك. النظام العربي الحاكم هو من اختار ذلك. بعد نكسات طويلة، وخيبات أمل كبيرة، وحروب فوق الأراضي العربية، مدعومة من قِوى إقليمية ودولية مُتصارِعة فوق التراب العربي، وضعفٍ وتشرذمٍ، وتسابُقٍ للتطبيع مع إسرائيل، وانصرفَ كلٍّ من العرب إلى شأنه. وكلٍّ رفع شعار: بلادي أوّلا، ومن بعدها ليكُن الطوفان.
ولكن الحقيقة الطوفان لن يستثني بلدا عربيا واحدا، وبدرجات متفاوتة، لاسيما بُلدان المشرق العربي. ولن تحميهم القوى الأجنبية، بل هذه تستغلهم وتستثمر بهم لخدمة مصالحها. ولن يحميهم مساعي إحياء فكرة (الناتو العربي) فهذا يخدم مصالح إسرائيل وأمريكا. لن يفيدهم سوى أن يشبكوا أياديهم ببعض، ويستقووا بشعوبهم، وينفتحوا عليها، وخلقِ هيبةٍ لهم في وجه القوى الطامعة الإقليمية والدولية، ويتمسكون بمشروع عربي واحد يُقرِّبُ بينهم، ويجمع شملهم، ويجعلهم نِدّا للآخرين، ويتعاملون معهم على أساس الاحترام والسيادة والمصالح المتبادلة، وليس التبعية.
**
فإن كان أردوغان يخشى على الأناضول من أطماع إسرائيل، فإسرائيل لن تصل للأناضول إلا بعد أن تجرُف في طريقها كل دول المشرق العربي. أليسَ كذلك؟.
كان الجِرحُ العربيُ النازفُ هو فلسطين. اليوم في كل دولة عربية تقريبا، هناك جِرحٌ نازفٌ. وإن ما استثنينا دول مجلس التعاون الخليجي التي ارتقت بِبُلدانها وشعوبها للأعالي، فالجروح تنزف بين المغرب والجزائر، وداخلهما أيضا. وتنزف في ليبيا وتونس ومصر والسودان والصومال واليمن والعراق وسورية ولبنان، فضلا عن غزّة وعن فلسطين.
وبيان قمة المنامة لم يأتي بجديد، سوى المطالبة بقوات حفظ سلام دولية في فلسطين، والمطالبة بعقد مؤتمر دولي بهذا الشأن، واستجداء دول العالم.. فقد تحدّد لكل رئيس وفد ثلاثة دقائق، دقيقة منها تهاني وتبريكات، ودقيقتين، تكرارا لذات الكلمات المعهودة: نؤكد، نشدد، نناشد، ندعو، نطالب، نأمل، لا بُدّ من كذا وكذا..الخ.. كلها تمنيات..
ليس هذا ما تنشدهُ الشعوب العربية.. إنها تتطلع إلى مشروع عربي شامل.. إلى إحياء معاهدة الدفاع العربي المشترك.. إلى سوق عربية مشتركة فعّالة.. إلى إلغاء تأشيرات الدخول بين البُلدان العربية.. إلى اتحاد كونفدرالي عربي، إلى اتحاد شبيه بالاتحاد الأوروبي.. إلى تنسيق سياسي عربي على غرار التنسيق الأوروبي.. إلى أي خطوات تجمع العرب وتلمُّ شملهم وتخلق منهم معادلة بموازاة إسرائيل أو تركيا أو إيران، هذه الدول الثلاث التي يعرف الجميع أن لكلٍّ منها مشروعه الخاص الذي يخدم مصالحهُ وليس مصالح العرب.. والكلٌّ طامع بالعرب، ومُدركٌ لضعفهم وتشتتهم..
تأبى الرِّماحُ إذا اجتمعنَّ تكسُّراً ... وإذا افتــــرقَنّ تكــسّرتْ آحادا ..
وللأسف العرب متفرقون، ولذا كسرهم سهلا..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه