الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ماهو الحكم السياسي الذي يناسب الطبيعة البشرية ؟

محمد الأمين يوسف
كاتب و باحث و ناشط في المجتمع المدني و الشؤون السياسية

(Mohamed Lemine Youssouf)

2024 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


كانت التنظيمات السياسية التي تنظم العلاقات بين الحكام و الشعوب علاقة سائدة منذ القدم و قد تباينت آراء الفلاسفة و المفكرين عن تنظيمات سياسية و اجتماعية لضمان حفظ الحقوق و الواجبات بين السلطان و الرعية و بين الدولة و الشعب بواسطتها تنتظم شؤون الحياة البشرية في إطار قانوني تحكمه المصلحة العامة للجميع.
و إذا كانت الطبيعة البشرية منذ البداية مبنية على الخير و الشر و الحق و الباطل و العدل و الظلم، و البطش و المكر و الخداع، فما رأي المفكرين السياسيين القدماء في طبيعة العلاقة القائمة بين الشعب و الدولة؟
و ما الحكم السياسي الذي يناسب الطبيعة البشرية؟ هل هو الحكم الملكي المطلق الذي يقوم على أساس قرارات ذاتية دون مراعاة مصلحة الشعب، أم فكرة الديمقراطية التي تراعي بعض الأحيان حرية الأفراد و الجماعات؟ أم نهج سياسة "الغاية تبرر الوسيلة"؟

إن الدولة تعاقد اختياري يقوم بين الشعب و الحكومة من أجل تشكيل نظام قانوني يقضي على كافة النزاعات و الصراعات و الحروب. و هذا التعاقد بموجبه يتخلى كل الأفراد عن حقوقهم و حرياتهم لصالح كائن اسمه الدولة.
و يرى توماس هوبز أن المهمة الأساسية للدولة هي توفير الأمن و الاستقرار و الخروج من حالة الطبيعة إلى حالة النظام أو المدنية، و يشير هوبز إلى "حالة الطبيعة" أنها حالة غير منظمة و تنبني على أشكال طبيعية كالصراع و الحروب فهي حالة شر و تعدٍ، حالة حرب دائمة بين الفرد و الفرد و بين الكل و الكل حيث يكون الإنسان فيها ذئب لأخيه الإنسان و من أجل الخروج من هذه الحالة فلا بد عقد اجتماعي يتم إبرامه بين الدولة و الشعب لكي يحصل الأمن و الاستقرار، و لكن هوبز استثنى الملك أو الرئيس من هذا العقد و قد بين أنه ليس طرفا فيه و بالتالي فهو لا يتحمل أي التزامات و أن على الناس أن تتنازل عن جميع حقوقهم للملك.
و انطلاقا من هذا فإن توماس هوبز أشاد بضرورة وضع السلطات الثلاث (السلطة التشريعية و السلطة التنفيذية والسلطة القضائية) في يد شخص واحد و هو الملك، ذلك أن النظام القائم على تمسك السلطان أو الملك بكل الأشياء تمسكا مطلقا هو أفضل النظم السياسية التي تقدر على تخليص البشر من حالة الطبيعة و الفوضى، حيث يتم من خلالها الخضوع التام لسلطة مطلقة تفرض إرادتها و سلطتها على الشعب. و من هنا نستنتج أن النظام الملكي _ حسب هوبز _ هو النظام الوحيد القادر على إنهاء الصراع بين أفراد المجتمع من خلال التخلي عن حريتهم وتفويض شؤونهم إلى شخص واحد و هو الملك.

أما جون لوك، عكس توماس هوبز، كان يؤمن بمبادئ الديمقراطية و الحرية الفردية و المساواة الاجتماعية و يرى أن للفرد الحق في الحياة و الحرية و الملكية الخاصة و أنه يتوجب على أي حكومة ألا تتعدى على هذه الحقوق و أنه يلزم معاقبة كل من صادر هذا الحق و الحقوق الطبيعية عند جون لوك هي ثلاثة:
- حق المساواة: ألا يتدخل أي شخص في حياة الآخر و ألا يهدده سواء في حياته أو ملكيته.
- حق الحرية: أن يفعل الإنسان ما يريد باستثناء ألا يؤذي نفسه أو غيره
- حق الملكية: أن الله سخر الأرض للناس ليعملوا و يزرعوا و لكل شخص حق الملكية.
و كان لوك دائما حريصا على أن الوظيفة الأساسية للدولة هي حماية الثروة و الحرية و أنه يجب على الشعب تغيير الحكومة أو تبديلها في حالة عدم حفظها ممتلكات و حرية و حقوق الشعب، و يرى أن لتنظيم المجتمع يجب أن يخضع لثلاثة محددات: سيادة الشعب حيث يتم اختيار ممثلين يقومون بتشريع القوانين، تأصيل الأغلبية باعتبارها العقل عند اختلاف المصالح فعند اختلاف الآراء يتم الاحتكام للأغلبية، و السلطة السياسية و هي سيادة الشعب وحده.

يرى جون لوك أن حالة الطبيعة كانت حالة طيبة فالناس فيها سواسية، أحرار و يتمتعون بحقوق طبيعية بيد أن الانتقال من هذه الحالة الطبيعية إلى الحالة المدنية من أجل حياة أفضل يتوجب إبرام عقد اجتماعي بين الشعب و الملك و التنازل عن بعض الممتلكات و الحقوق و الحرية الفردية للملك و بالمقابل يحمي الملك و يحافظ على ما تبقى من حقوق و حريات طبيعية و أنه طرف و يتحمل كافة الالتزامات و إلا حقا لهم الثورة و الإطاحة به.

و الحكم في وجهة نظر لوك يجب أن يكون ليبرالي ديمقراطي حيث تعتبر أفكار لوك الليبرالية أول نهضة حقيقية تطيح بالأنظمة المستبدة و كان له الفضل في المساهمة في تبني فكرة الديمقراطية التي ظهرت في بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية و يعتبر لوك أول من قام بالفصل بين السلطات الثلاث( السلطة التشريعية و السلطة القضائية و السلطة التنفيذية).

و لكن المفكر السياسي نيكولا ميكيافيللى كان له رأي آخر، حيث يرى أن الأمير (الرئيس) يجب عليه أن يستخدم قوته العسكرية ضد الشعب و قمعه وسجن من تتعارض أفكاره مع أفكار الرئيس و الخلاص منه مادامت هذه الأفعال الاستبدادية هي الوسيلة الوحيدة التي تضمن له البقاء في حكمه لأطول فترة لا يهم حجم الخسائر المادية و البشرية بل المهم هو البقاء في السلطة.
و قد و تبنى معظم الحكام و الملوك الديكتاتوريون هذه القاعدة: " الغاية تبرر الوسيلة" لتبرير بقائهم في الحكم، و من هنا أكد ميكيافيللى أن الأمير (الرئيس) عليه أن يستخدم كل أنواع السلطة و العنف و القوة لتحقيق أهدافه و السيطرة على الشعب، و هذا الحكم يتناسب مع النظام الملكي المستبد إلا أن ميكيافيللى أضاف وسيلة أخرى خبيثة و هي وسيلة المكر و الخداع و في هذا الصدد يقول: "الأمير مضطرا إلى أن يعلم جيدا كيف يتصرف كالحيوان، فهو يقلد الثعلب و الأسد، لكن الأسد لا يستطيع أن يحمي نفسه من الفخاخ و الثعلب غير قادر على مواجهة الذئاب. على المرء إذن أن يكون ثعلبا ليواجه الفخاخ و يكون أيضا أسدا ليخيف الذئاب. و من يريد أن يكون أسدا فقط لا يفهم الأمور جيدا."
و من زاوية أخرى في فن الخداع و المكر و إظهار الحقائق الزائفة يحث ميكيافيللى على ضرورة التحايل و انتحال شخصية دينية في بعض الأحيان حيث يقول: "لا شيء أشد ضرورة من أن يتظاهر الأمير بالتدين، فالناس عامة يحكمون بما يرون بأعينهم أكثر مما يحكمون بما يلمسون بأيديهم، لأن كل امرئ يستطيع أن يرى و لكن قلة قليلة تملك أن تلمس ما أنت عليه."
و انطلاقا من هذا يرى ميكيافيللى أنه يجب على السلطان أن يتظاهر بالقوة وليس بالخير - لأن ذلك يضعفه أمام الرعية - ويجب أن يكون محنكا سياسيا بحيث يعرف متى يستعمل الخير ومتى يستعمل الشر، وأن الرئيس أو السلطان يجب أن يمتاز بصفتي الذكاء والقوة: فالذكاء يجعله قادرا على التماشي مع الحيل و الدسائس و الفخاخ التي تحاك له، أما القوة فتكون ردعا لأصحاب الشوكة القوية الذين يريدون الإطاحة بحكمه.

و مما سبق نخلص إلى أن معظم المفكرين السياسيين الكبار أشادوا بفكرة حماية ممتلكات الشعب و القضاء على أصل النزاع و الصراع القائم بين أفراد الشعب و بوجوب خضوع الشعب للسلطة مقابل إدارة شؤونهم المدنية، إلا أن بعضهم كأمثال توماس هوبز و نيكولا ميكيافيللى مالوا ميلا شديدا إلى أحكام قاسية بحق الشعب و ممارسات ديكتاتورية استبدادية لا تناسب الحكم البشري و لا تخدم المصلحة العامة بين الشعب و الدولة، و من هنا يمكننا القول أن أفضل حكم يناسب الشعب هو الحكم الديمقراطي الذي يراعي في بعض الأحيان حرية الأفراد و الجماعات.و لكن إلى متى ستظل الديمقراطية عاجزة عن تحقيق الديمقراطية؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريك العنابي.. طبق شعبي من رموز مدينة عنَّابة الجزائرية |


.. بايدن يعلن عن خطة إسرائيلية في إطار المساعي الأميركية لوقف ا




.. ارتفاع حصيلة الضحايا الفلسطينيين إثر العمليات الإسرائيلية في


.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات بالمحافظة الوسطى بقطاع غزة




.. توسيع عمليات القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة برفح