الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجوم وهجوم مضاد .

فريد العليبي

2024 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


تونس :
يحتد التناقض الرئيسي في تونس بين قوتين ، الشعب من جهة وأعداؤه من جهة ثانية ، متخذا مظهرين في نفس الوقت ، الأول الدفاع عن الحريات الأساسية بمضمونها الليبرالي والثاني الدفاع عن الوطن بمضمونه الثوري . وتنخرط فيه قوى محلية ، وأخرى خارجية هدفها العودة بالبلاد الى الوراء من خلال تصفية المكاسب السياسية والاجتماعية التي حققها الشعب بانتصاره الجزئي على سلطتي بن علي والعشرية السوداء ، ومن هناك القضاء نهائيا على جبهة 17 ديسمبر 25 جويلية. وفي مواجهتها هناك قوى شعبية وهي التي تلتقي حول مهام التحرر الوطني والديمقراطية الشعبية بشعاراتها المختلفة مثل السيادة الوطنية والتعويل على الذات واستعادة الثروة المنهوبة وحسن توزيع الخيرات وتحرير فلسطين من النهر الى البحر الخ ...
والمفارقة أن هؤلاء وأولئك الذين يمثلون طرفي التناقض الرئيسي يوجد بعضهم خارج السلطة والآخر داخلها وبالأخص في المؤسستين التنفيذية والتشريعية لذلك فإن الصراع يشق السلطة نفسها وينعكس صلب المؤسسات الإدارية في طول البلاد وعرضها .
وفي خضم الصراع كان تحريك ملفات مثل المهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء و الجمعيات و الصحفيين والمحامين الخ .. لتفجير الأوضاع بما يسمح بفتح الباب أمام التدخل الامبريالي وخاصة الأمريكي والاوربي والصهيوني وذلك في علاقة بالانتخابات الرئاسية القادمة حيث تعتقد تلك القوى انها ستحقق الفوز بها عبر مثل هذه التكتيكات.
وسرعان ما عبر أصحاب ذلك الهجوم عن أنفسهم ، ممثلين في تحالف ثلاثي الأضلاع مكون من الدستوريين والاخوان و اليسار الليبرالي في نسخة معدلة لتحالف 18 أكتوبر أيام بن علي ، معتقدين ان الفرصة مواتية لتحقيق تلك العودة وأن الامبريالية الامريكية والاوربية فضلا عن الصهيونية ستهب الى النجدة .
. واذا كانت تلك الآمال لم تخب من حيث تعبير الامبرياليين الأمريكيين والاوربيين والكيان الصهيوني عبر السفارات ووزارات الخارجية ووسائل الاعلام عن التضامن والتنديد وارسال التهديد والوعيد فإن الهجوم المضاد لم يتأخر بدوره فكانت يقظة الشعب التي عبرت عن نفسها من خلال رفض الوصاية الأجنبية وعدم الانخداع بدعاية " حقوق الانسان " التي تروجها دول تدوس يوميا تلك الحقوق بالأقدام في بلدانها فضلا عن انتهاكها الدائم لحقوق الشعوب والاوطان ومن ثمة التأكيد على السيادة الوطنية والمضي قدما في حرب التحرير الوطنية واستمرار الثورة حتي النصر وهو ما عبر عنه الرئيس التونسي .
وهنا وجد ذلك التحالف نفسه مجبرا على التراجع فالقوى الخارجية لم تقدم غير الدعم الإعلامي لانشغالها بملفات أخرى في أوكرانيا و فلسطين واليمن ولبنان والعراق وانتفاضة الطلاب المناهضة لحرب الإبادة الجماعية في غزة الخ ...فتحول ذلك الهجوم الى مسخرة عندما ادركت هيئة المحامين التي أرادوا لها ان تكون حصان طروادة حقيقته متبرئة منه ، أما بعض اعلام الفساد والافساد فقد وجد نفسه وراء القضبان ليواجه حكم القانون تلاحقه سخرية ضحاياه وشماتتهم.
واليوم فان ذلك الهجوم يواجه بهجوم شعبي مضاد كما قلنا ويطفو مرة أخرى على السطح التناقض الرئيسي بين الوطنية التونسية المستيقظة من جهة والعمالة للمستعمرين القدامى والجدد واذا كانت الرجعية قد تلقت ضربة موجعة مع الانتفاضة والهبة فانه لم يتم القضاء عليها نهائيا حتى الآن ولكنها توجد في وضع حرج رغم مبادرتها بالهجوم هذه المرة ففضلا عن التغيرات في موازين القوى محليا فإن موازين القوى خارجيا لا تساعدها أيضا بعد بروز استقطاب دولي جديد يعلن جهارا نهاية عهد الثورات الملونة ، يضاف الى ذلك التأثير الذي احدثته حرب الإبادة الجماعية في فلسطين وانكشاف المتاجرة الامبريالية بالحقوق والحريات لاستعباد الشعوب وانتهاك حرمة الأوطان .
واذا نظرنا الى المسألة من زاوية التقييم نلاحظ ان جبهة 24 جويلية أخطأت التقدير مرة أخرى معتقدة انها نجحت في جر هيئة المحامين إلى صفها وان اتحاد الشغل قاب قوسين او ادني من ذلك أيضا ونسيت انهما من دعما علنا ومنذ الأيام الأولى هبة 25 جويلية وإجراءات الرئيس قيس سعيد المتطابقة معها .
ذلك الاعتقاد المتسرع تبدد تحت وقع كلمات عميد المحامين. الهادئة والرصينة فخيمة المحامين للوطنية التونسية دون سواها ومن يلاعب القوى الخارجية الطامعة لا يمكنه دخولها ولو من شبابيكها.وفي الاثناء تستمر حملة تطهير الإعلام وقص أجنحة البيروقراطية المسيطرة على الإدارة .
ان جبهة 24 جويلية المكونة من تلك الاضلاع الثلاثة لا تحسن القراءة والكتابة فهي تكرر اخفاقاتها وتحارب بسلاح الحريات الذي فات تأثيره وتحلم بثورة ملونة بعد موتها حتى انه في بلد مثل جورجيا التي كانت مهدها تحول السحر على ساحرها عندما اقر برلمانها " قانون العملاء الأجانب" وسط حيرة أمريكا والاتحاد الأوربي مجتمعين ، اما في أوكرانيا المجاورة فإن ابطال ثورة " ميدان " الملونة تحولوا الى نازيين جدد يواجهون غضب الدببة الروسية التي هبت لصيدهم من كل حدب وصوب مستلهمة تراث الاجداد بما في ذلك السوفيات ، دون نسيان " الغزاويين " الذين مهروا شهادة الوفاة تلك بالدم وهي اليوم معلقة على جدران الجامعات في أمريكا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا وأستراليا الخ...
وغني عن البيان أن تونس ليست جزيرة معزولة ولا حديقة أوربية أمريكية ففيها تنعكس تناقضات العالم كله ، ومن يعرف قراءة وكتابة التاريخ يدرك انها حاليا مختلفة عما كانت عليه خلال العشرية الماضية فهى الآن مرفوعة الراس والهامة لذلك تكتب تاريخها كما ترغب هي ولا احد آخر غيرها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحرك عاجل من ترامب في 3 ولايات بعد توجه هاريس إلى ميشيغن


.. حزب الله: استهداف تجمع لجنود الجيش الإسرائيلي جنوب لبنان




.. كاميرا الجزيرة ترصد المشهد من بلدة رياق في البقاع


.. لقاءات الجزيرة الجماهيرية.. مسؤولون وقيادات في حوار من ولاية




.. عمر مرموش يواصل عروضه القوية برفقة ناديه أينتراخت فرانكفورت