الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


واقع الصراع الراهن في العراق ومساعي التغيير من أجل العيش بأمن وأمان وتفعيل أرضية صلبة للعيش (معاً) بسلام

تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)

2024 / 5 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


كم حجم الخراب الذي سيصل إليه من يختار الإنجرار للخلافات المفتعلة كي يتخذ قرار التوقف واختيار البديل بالعيش مع الآخر بسلام!!؟

يعاني العراق من كثرة تغليب ظواهر الخلاف بما يؤدي لإثارة التوترات والاحتقانات حد إشعال حرائق الاحتراب والصراعات الوحشية الدامية.. ولقد اختلق هذا طابع الشخصية الموتورة المستفزة مثلما العدوانية الباحثة عن ذرائع للانتهاك والاعتداء على الآخر أو استعدائه وابتزازه فيما قد يقع به هو الآخر.. وبديلا عن تلك الحال لعل اغتنام اليوم الدولي للتعايش معا بسلام بمعنى احترام الآخر وحقوقه وحرياته والبحث عن قواسم مشتركة للتعايش بدل التنافس العدواني لعل ذلك سيكون السبيل للاستقرار والطمأنينة وإزالة التوتر من حيواتنا والأروع أن يحيا المجامع بجميع مكوناته وأطيافه بتعايش بسرم ومنهجه الوحيد لكي تمضي الحياة بخيراتها وبمنطق الأنسنة والتنمية.. فهل سنجد وسائلتعزيز العيش معا بسلام في عراق جديد مختلف أم سيبقى مشعلو الحرائق ومثيرو الفتن والخلافات يسيطرون على فضاء ليس بحاجة لنهجهم بعد كل ما فرضه من خراب!؟ الإجابة لكل اختيار للأفراد والجماعات والفئات التي تحيا في عراق اليوم ودول المنطقة جميعا

***

منذ التغيير الراديكالي في العراق العام 2003 والمسيرة تكتنفها تعقيدات واضطرابات أودت بحيوات أبرياء فيما أقلقت الأغلبية ووضعتهم بحال من الاستنفار والتوتر من جهة وحال من احتدام الصراع بين أطياف المجتمع من جهة أخرى..

ولقد شهد العراق مجازر الاغتيالات بحق علمائه وجموع من الأساتذة والمتخصصين بميادين الطب والهندسة وآخرين في مجال الصحافة والإعلام حتى كان العراق نتيجة ذلك من بين أسوأ أماكن العيش وسط بلدان العالم لتلك الفئات..

لكنه أوسع من ذلك كان ساحة للاقتتال المستتر خلف منطق القوى المتمردة على القانون من الميليشيات وهي تصول وتجول بسبب من ظواهر الإفلات من العقاب وهزال دور الدولة مقابل سطوة البلطجة المافيو ميليشياوية دع عنكم التدخلات الخارجية من دول جوار معروفة..

الأمر المريب، كان في ظواهر تراجع نسب وجود أطياف مكوّنة لبنية الشعب العراقي وهي من المكونات الأساس الأصيلة في مسيرة العراق التاريخية منذ سومر الحضارة حتى يومنا.. وأمام تهجير قسري وتهديد وابتزاز غادر عشرات آلاف المسيحيين ومثلهم من المندائيين الصابئة بجانب حجم كبير من الإيزيدية والأمثلة مستمرة مع أطياف عديدة أخرى. إذ أن جرائم القتل والاختطاف والاغتصاب واستفحال ظاهرة السجون السرية وأدوار المخبر السري والقضايا الكيدية واستغلال النفوذ كلها اختلقت ظرفا غير مؤات أو غير طبيعي لمشكلات من بينها ظواهر التغيير الديموغرافي الكارثية..

إن أغلب ما يُرصد هنا أو بغيرها من المعالجات ليس القصد منه استهداف امرئ في شخصه ووجوده حتى منهم من يُخطئ المسار والفعل؛ لأن تلك المعالجات وما تتناوله جوهريا بنيويا تستهدف النهج ومنطقه وما ينجم عنه من أفعال تصل حد الإجرام وكونها تتطلع للبديل فإنها لا تتجنب استهداف المرء في وجوده بل تؤكد احترام إنسانيته وحقوقه متطلعة إلى تغيير نهده وجعله يستق مع الوجود الإنساني بما يكفل العيش بأمن وأمان ويمنح التعايش (مع الآخر) بسلام..

ومن هنا نجد أن الفرق نوعي جوهري بين استهداف المناهج المؤدية لإيذاء الآخر وبين استهداف الأشخاص بوجودهم في تنافس غير محمود العواقب والنتائج لأن استهداف النهج يتبنى إقرار نهج التعايش بين الجميع بسلام وكل برؤية تحترم الآخر فيما استهداف الشخص هو نهج يقوم على انتهاك حق الآخر ما يؤدي لإيذائه أو حرمانه من حقه أو انتهاك حقه بالعيش كما يعيش الجميع بمنطق المساواة والاستجابة للحقوق والحريات..

إن استهداف المناهج يؤدي للحوار لأنه يلتزم احترام الآخر في شخصه وفي حقه في تبني ما يكفل عيشه مع الآخرين بسلام.. من هنا كان منطق الحوار والاستماع للآخر وفتح جسور المناقشة المتمسكة باحترام الوجود الإنساني والأنسنة ورفض التجريح والامتناع عن استهداف المرء بالشخصنة و-أو توجه الإهانة والازدراء ؛ إن تلك التوجهات الإيجابية البناءة في فتح الحوارات هي ما ينبغي أن تحيا وتتوطد بين الأفراد تطمينا للعلاقات الاجتماعية السامية وبين الجماعات والفئات تطمينا للاستقرار المجتمعي بالمستويات الوطنية وبين الأمم والدول تطمينا للسلام والأمن الدوليين بمستوى عالمي شامل..

لقد أكدت الأمم المتحدة أنَّ “العيش معًا بسلام هو أن نتقبل اختلافاتنا وأن نتمتع بالقدرة على الاستماع إلى الآخرين والتعرف عليهم واحترامهم، والعيش معًا متحدين في سلام”. وتحقيقا لتلك الغاية النبيلة السامية أعلنت الجمعية العامة يوم السادس عشر من أيار مايو يوماً دوليا للعيش معاً بسلام وذلك بموجب قرارها 72/130…

إن المجتمع الدولي ومجموع الحكومات بمستوياتها الوطنية وبمساهمة جدية فاعلة من المجتمع المدني باتا وبالتجربة الإنسانية وذخيرتها الثرة باتت تسعى لتعزيز قيم (السلام والتسامح والتضامن والتفاهم و التكافل)، ويأتي ذلك بتفعيل نهج الإعراب عن رغبة أفراد المجتمع الإنساني في العيش والعمل معاً تطمينا للسلام والوئام بين الجميع، مدريكن بوعي بنّاء إيجابي أهمية العيش في بوتقة الحياة البشرية، متحدين معا مع إقرار بواقع اختلافاتهم واحترام حقوق الجميع في هوياتهم الإنسانية ومناهج عيشهم بقصد بناء عالم بديل جديد ينعم بالسلام وبالتضامن وبالوئام.

وفي ضوء ذلك كان اختيار مناسبة اليوم الدولي للعيش معا بسلام دعوة لجميع الشعوب والبلدان لزيادة فعاليات المصالحة والمساعدة في تحقيق السلام وتعزيز التنمية المستدامة، بما في ذلك الدفع باتجاه تفعيل المجتمعات المحلية والزعماء والقادة والجهات الفاعلة المختلفة، باتجاه اتخاذ تدابير التوفيق والتصالح وتشجيع سيادة قيم التسامح والإخاء والوداد بين الأفراد والفئات والجماعات..

إننا محليا في العراق وفي دول منطقة الشرق الأوسط مازلنا نجابه مجتمعات غير مستقرة مضطربة كثيرة التناحرات وحالات من الصراعات المختلقة بين المجموعات القومية والإثنية والدينية أو لأية أسباب أخرى من حالات الاضطراب والتناحرما أثَّر على الأفراد أيضا وأوجد الاضطراب الاجتماعي بينهم بسبب طابع الشخصية المتوترة المحتقنة المعدة لمزيد محاذير والتفات إلى لتحسب تجاه افتراضات متوهمة من احتمال أن يستبقها الآخر في الاعتداء فيسود بين الأفراد التنافس القائم على تغدا بالآخر قبل أن يتعشى بك وهكذا تتداعى الأمور بحلقات متسلسلة من الانتهاكات والاحتكاكات وربما العدوانية والإجرام..

من هنا باتت قضية البحث عن بناء العقلين الفردي والجمعي بمضامين العيش مع الآخر بسلام هي البديل الأنجع عن إذكاء الاحتقانات والتوترات والتحسبات المتوهمة مسبقا باتجاه مخالف للطبيعة البشرية المسالمة… ومن هنا احتجنا اليوم أن نطلق حملات التثقيف بالعيش معا بين المختلفين على أساس من الاحترام المتبادل والاعتراف بالآخر وبحقوقه وعلى أساس من نزع فتيل الصراعات وذرائعها تلك التي لا ترى مصالح طرف إلا بانتهاكها مصالح الآخر وهو أمر جد غريب يتطلب مزيد مساعٍ كي نمحو العدوانية وأسبابها ونؤكد نزعات السلام وروائع منطقها وأساليب مناهجها..

نحتاج للاهتمام بالأنشطة المجتمعية المدنية التي تعنى عبر التربية والتعليم بنهج العيش معا بسلام وعبر الثقافة التنويرية التي ترعى العيش بسلام وعبر بناء العقل العلمي الذي يكشف الزلل والخلل فينتهج خيار العيش بسلام..

إن العراق والمنطق لن يصلا لإطلاق التنمية المستدامة وخدمة مصالح الشعوب هنا بمجمل أطياف مكوناتها إلا عبر تطمين خيار العيش ((معاً)) بسلام أي القبول بالآخر واحترام وجوده والامتناع عن فكرة إبادته لأننا نراه مختلفا أو نراه انتهك أمرا أو اعتدى على طرف فينا أو يخصنا فالبديل ليس بممارسة النهج العدواني نهج الاحتراب وكل ما يشعل حرائق الخلافات بل البديل يقوم على توكيد أن نزع أسباب الخلاف يقوم على تغيير النهج لا إيذاء من يحمله أو حتى عند بعض المتشنجين إفناءه!

فلنتذكر أن العراق ودول المنطقة وشعوبها وكل أطياف مكوناتها باختلاف وجودها القومي والديني والمذهبي وغيره من اختلاف اللغات والعقائد وغيرهما يبقون جميعا للبحث في وسائل إقرار الاختلاف الوجودي الهوياتي الفرعي للوجود الإنساني وتطمين آليات العيش بسلام بين الجميع معا وسويا يبنون الحياة ويتقدمون نحو آفاق الأنسنة وتفعيل منطق العقل العلمي وما يقره من حلول وبدائل..

إن العراق والمنطقة ليسوا بحاجة للميليشيات ولمنطق الجماعات المقاتلة ولترهيب البشرية والآخر لأن ذلك هو مجرد ردود انفعالية متوترة لاستيلاد حلقات الصراع الدموي الوحشي بين الجميع بينما سيكون خيار السلام طريقا للانتصار في نهاية الطريق للإنسان وحياته وكرامته وصحيح ظروف العيش بطريق البناء والتنمية والتقدم..

الاستراتيجية إذن تقوم على مهام الأمم المتحدة وما تعلنه في فعالياتها ووثائقها المتأتية من التجربة البشرية الإنسانية المشتركة وليست من منطلقات أنا قوي عندما أمتلك أسلحة نارية عدوانية بل أنا ضعيف هش لأنني أعتمد على تغوّل تلك الأسلحة وبلطجتها ودخولها في معارك تستنزف الإنسان الفرد والجماعة بينما أنا قوى لأنني أعتمد العقل ومنطقه وخياره السلام في التعايش بين المختلفين..

تذكر معي أن يوما للاحتفال بالتعايش مع الآخر يفرض أن تشرع بالحوار وما يتضمن من ضرورة استماع بل إصغاء للآخر واحترام وجوده وإلا فإن الاحتفال مفرغ من قيمته وسيبقى شكليا عابرا بلا أثر بينما الشروع بالحوار إنما يعني أن أبدأ القطيعة مع ظاهرة الانتماء لجهات من قبيل: مشعلو الحرائق ومثيرو الفتن والخلافات والمتسببون بالتوترات والاحتقانات والصراعات الوحشية أن أبدأ بالعودة إلى مجتمعي الإنساني من أطياف ترفع مبادئ السلام والتعايش والإخاء والبحث عن أسباب التسامح والإخاء واحترام المختلف وحقه في فتح الحوار المؤدي للعيش المشترك بسلام في قواسم الحياة من وطن وكل ما يدر على الجميع بالتساوي من خيرات تكفي الجميع عندما يتعايشون بسلام ولا تكفي أو لا يهنأ بأي شيء منها أي طرف إذا ما احتربوا ولم يتعايشوا..

الحروب دمار وقلق واضطراب دائم والتعايش بسلام هي الفضاء الوحيد لأنسنة الحياة

فأيهما يختار المرء منا؟

أليس مهما أن نفعِّل جهودنا في الفردي والجمعي على حد سواء كي ندفع باتجاه الشروع بحوار للعيش معا بسلام؟ تحية لهذه المناسبة وأهدافها السامية ولنبحث معا وسويا في وسائل تفعيلها بلا انتظار أو تلكؤ وكلنا يستحق النجاح في مساعيه للسلام وما يخدمه من بناء وتقدم وتنمية مستدامة في وجودنا وبيئاتنا المشتركة








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تعرف على تفاصيل كمين جباليا الذي أعلنت القسام فيه عن قتل وأس


.. قراءة عسكرية.. منظمة إسرائيلية تكشف عن أن عدد جرحى الاحتلال




.. المتحدث العسكري باسم أنصار الله: العمليات حققت أهدافها وكانت


.. ماذا تعرف عن طائرة -هرميس 900- التي أعلن حزب الله إسقاطها




.. استهداف قوات الاحتلال بعبوة ناسفة محلية الصنع في مخيم بلاطة