الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب العراق / ( فبركة عراق : اثنان في ثالث مختلق ) الجزء الثاني

فاطمة محمد تقي

2024 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


كتاب العراق / ( فبركة عراق : اثنان في ثالث مختلق ) / الجزء الثاني

في هذا القسم من الفصل الخامس يرصد الكاتب ويتحرى ويوثق مسارات ومحطات التشكل الرافديني الحديث بما يبرهن ويؤكد حقيقة ان العراق ، وكما تأكد وأثبت مراراً وتكرارا ، انه لم يتوفر مطلقاً على أسباب الدولة والحكم الاحادي ولا الكيانية المحلوية ، بالأخص من الأعلى وبالتحديد منذ انهيار بغداد امام هولاكو ، فالمسار التشكلي الثالث لم يعرف شكل الدولة او نوعها الذي يفترض ان يتمخض عن سيرورته ، ليتلائم مع بنيته الازدواجية . فلا حكم يقوم في بغداد من يومها إلا برانيا ومرتكزا لقوة من خارج النصاب والتشكل المجتمعي ، منذ ان نشأ تشكلا في دورة ثالثة ليمر بالطور العثماني الشكلي واعتماده على المماليك ، ليصبح العثمانيون تحت طائلة المتغيرات الناتجة عن تاثيرات الغرب والحداثة لإدارة البلاد بمحاولات تأسيسية لما يعرف بالإصلاح والحداثة ، وصولا للاحتلال الإنكليزي ، عندما انهارت السلطنة العثمانية تاركة فراغا على مستوى السلطة والحكم من موقع العاصمة ، قام الإنكليز بملئه بالفبركة وبإقامة " حكم من اهل البلاد " ، انتهى مسحوقا ومسحولا في الطرقات .
ولم تظهر اي علامات تدل على الذاتية بعد ان ترسخ مفهوم الفبركة البرانية وما تولد عنها من استلابية مفهومية ، ايديولوجية حزبية تحديدا ، بلا رؤى وتصورات ترصد حالة الفراغ في السلطة من اعلى التي كانت تتبلور وقتها وصولا إلى الصيغ الدولية القطبية وما غدت تفرضه من أشكال خيارات ونظم بمقابل خيار الليبرالية والدولة / الأمة البرجوازية التقليدي ، مع ان كل ذلك لم يؤدي فعليا لاي مخرج يفضي بالحالة العراقية إلى الدوام والاستقرار ، وهو ما ظل يحكم الوضع خلال عشرة سنوات ، استمرت على عمر ثورة 14 تموز / 1958 ، لم تلمح بها في الافق امكانية معالجته ، إلا بدخول عنصر طاريء من خارج التوازنات المجتمعية ، بحلول الريع النفطي ودخوله كشرط لاستمرارية الكيانية المفبركة ، في الوقت الذي كانت جماعات الفبركة السفلى تنتقل إلى الأعلى لتحتل مكان الجماعة الاولى التي كانت نواة الفبركة الكيانية وما يعرف ب " الدولة " عام 1921 ، فكانت ان انتقلت قوى الايديولوجية الحزبية ضمن اشتراطات ما بعد ثورة تموز ، ما قد استدعى تحورها وتغيير موقعها ، فاقتلع حزب البعث من الجنوب والفرات الاوسط إلى بغداد ، حتى عام 1963 ، وصار الحزب الشيوعي محالا إلى اشتراطات وقوة فعل الحركة الكردية ، فانتزعا من مجالهما الذي تأسسا ضمنه ليتحولا الى قوى هامشية محتضرة بلا فعالية كتلك التي وصلت في عز ثورة تموز في أيار 1959 ، لحد تسسيير مليون ونصف عراقي في بلد لا يتجاوز عدد سكانه السبعة ملايين ، ينادون " حزب شيوعي بالحكم مطلب عظيم " .

لقد تسبب النموذج الغربي بعد فشله جانبياً وخارج الوعي والتخطيط ببزوغ وسيلة وسبب ، ما قد أفضى في الحصيلة الى اعطاء الديناميات الإقليمية دفعة ، تمثلت فى النفط المستخدم خارج الاقتصاد تصارعيا مجتمعيا مناظرا للآلة في الغرب ، ما كان من شأنه قلب المرتكزات المعتمدة نفطيا على مستوى المنطقة ، بناء على النموذج السعودي وما يسمى بدول الخليج باعتبارها جهات متداخلة وجودا وفعلا مع مقتضيات الحاجة والمصلحة الاقتصادية الغربية ، كان يمكن ان ينقلب في العراق إلى نمط ونوع ينطوي على تكريس الذاتية الرافدينية ،
فانقلبت بسرعة استثنائية الاليات الاصطراعية الازدواجية عما كانت عليه ابان فترة الفبركة الكيانية الغربية ما بين 1921 / 1958 ، فتغيرت اللوحة ، حيث انتقلت بموجبه القوى الحزبية الايديولوجية لتتحول إلى قوة حاكمة خارج التفاعلية المباشرة دوراً ومكاناً ، فهاجروا إلى بغداد ليتحوروا سلطويا ، وهاجر العراقيون من الريف بما عرف بالهجرة الضخمة من الريف ، وبهذا فقد المجال الاسفل اللاارضوي التبلور القيادي الفعال للفترتين التشكليتين القبلية والانتظارية ، حيث القبلية المتبقية من فترة التشكل الاولى لم تعد ذات فعل حاسم كما كانت ، بينما تراجعت إلى حد بعيد قدرة المركز القيادي الثاني الانتظاري النجفي ، بسبب فقدانه المجال القبلي ، ولم يعد فعالاً بعد نوع الظروف التي فرضتها الفبركة الإفناءية ، كما بفعل دعاوي الإصلاح والمدنية الكاذبة المجسدة في الدولة المفبركة ، ما قد حفز بعض الاوساط الانتظارية للخروج هي الأخرى على المركز المرجعي ، باختيارها أشكال التنظيم الحزبي الحديث ، شعورا منها بوطأة حضور الحزبية الايديولوجية
" العلمانية " ووطأة دولة الريع النفطي العقائدي .

يتناول الكاتب الجوانب والأمور والظواهر التي توافرت عليها دلالات واحداث وتفاعلات مهمة رافقت سيرورة التشكل العراقي الحديث ، كالتفاعلية العراقية الايرانية العثمانية منذ مطلع القرن السادس عشر ومابعده ، وهو مالم يسبق ان تمت ملاحظته والتوقف عنده او عند ظواهره ومدلولات تعبيريته مع ظهور الحركة الصفوية الشيعية عند بداية القرن السادس عشر بالضبط مع بدء التشكل العراقي الحديث الراهن ، فكانت بالاحرى وفي المدى اللاحق ومن حيث المحركات ، تفاعلية اصطراعية تبادلية وتناوبية على عاصمة الدورة الثانية المنهارة .
فهو يتناول هذه الناحية التي ظل من يتناولونها كصراع العثمانيين والصفويين على العراق ، ما يظهر مدى القصورية المفهومية المجتمعية النوعية ، المنحاز كينونة للنمطية الارضوية الاحادية .
مع ان العثمانيين وكذلك الصفويين لم يتمكنوا من احتلال العراق الاسفل ، وان المنتفك هزمت الصفويين وحررت البصرة منهم ، كما انتزعتها مرات من يد العثمانيين ، لا بل كادت تنتزع بغداد نفسها ، فالذين ينظرون إلى الصفوية باعتبارها حالة تشيع يتجاوزون على الحقيقة التعبيرية الشيعية ، بما هي ظاهرة لاارضوية عراقية جنوبية ، سواء ابتداء وتأسيسا في الدورة العباسية ، او مع القرن الثامن عشر ، على وجه التعيين ، وما كان قد ميزها كينونة وبنية عن الشكل والتعبيرية الصفوية المعاكسة فعلا بحكم اتفاقها مع الكينونة والضرورة الايرانية الاحادية التاريخية ، والحال فان التشيع العراقي مختلف كليا عن التشيع الايراني من حيث المحركات والاسباب والدواعي ، ففي العراق التشيع الحالي الحديث هو تشيع انتظاري ، يحرم الدولة في زمن الغيبة " ، بؤرته " دولة الدولة مدينية " قامت في العصر الحديث في النجف ، متشبها بمبدأ الديمقراطية المساواتية لارض مابين النهرين ، والتشيع أصلا جزء من منظومة التفكرات اللاارضوية التي عرفتها الدورة الثانية العباسية مع الاسماعيلية والقرمطية والحلاجية ، وإخوان الصفا والمعتزلة ،،، الخ ، وهي تعبيرات مجتمعية نوعية ، والتشيع العباسي هو الذي ختم الدورة العباسية ، كما اعلن نهاية الابراهيمية النبوية ب " الانتظارية المهدوية " التي أحالت التحققية التاريخية إلى طور آخر ودورة آتية ، بعد الاختبارية التاريخية ، وما ثبت من عدم توافر اشتراطات التحقق الاني ، تكرارا لما حصل في الدورة الاولى السومرية البابلية الإبراهيمية ، وما حدا بها مضطرة للتجسد السماوي النبوي الموقت خارج ارضها ، بينما التشيع الذي دخل في التشكل الكياني الايراني كان قد ظهر ضمن سياقات الاستعادة في غير أوانها للامبراطورية الفارسية
، ووجود فئة او قومية غالبة ، تسود ضمن الجغرافيا الايرانية على مجموعة من القوميات ، الأمر المخالف كليا لسياقات التشيع اللاارضوي الانتظاري ، ولابد هنا من ملاحظة مسألة التحول الايراني الابراهيمي ، فايران لم تنته او تنهار ابان الفتح الإسلامي في القرن السابع وحسب ، بل انهارت بصفتها امبراطورية احادية ، وتحولت مجتمعياً عقيديا ، متخلية عن منظومة عقائدها السابقة ، بينما حل الاسلام الابراهيمي متحولا لإطار تعبيرها المجتمعي والكياني ، حتى القرن السادس عشر ، مع ظهور الصفوية وعباس شاه في ظاهرة
معاكسة كليا لحقيقة التشيع ، لاعادة الامبراطورية المفترض انها زالت ، ارتكازا لمذهب لايقبل الحكم ، ولا اي شكل من السلطة في ظل " الغيبة " ، بالمقابل تبت السلطة العثمانية الحنفية مذهبا لها ، في حين ظلت ايران فعليا وعموما سوى بعض الحالات العابرة تحت النفوذ العباس العراقي على مدى خمسة قرون ، كرست مع الاصطراعية عميقا ، وثبتت الإسلام كعقيدة اساس هناك ، كما بين الشعوب الممتدة الى الصين والهند ، وهي مناطق حضور الاحادية في تكونها ، أضعف من ذلك الأوروبي الذي ابقى على الاحادية كعامل تكويني رئيسي هناك .
ومع عدم توافر الاسباب الضرورية للصفوية لاعادة الامبراطورية الفارسية ولا حتى العثمانية المنافسة لها ، إلا ان تفاعلات من ذات المصدر والنوع لم تتوقف كليا في ايران وصولا الى الظاهرة الخمينية ، و " ولاية الفقيه " التي هي خروج كلي على القاعدة الانتظارية المهدوية النجفية الراهنة ، إلا ان المحفزات والدوافع التي حضرت هذه المرة ، لم تكن ايرانية بحته ، والجانب المذهبي الصرف ضمنها حاضر اكثر من الجانب والمحرك الإمبراطوري الاحادي التقليدي ، مع انه يحتفظ بمكانه المخيالي الجمعي ، والإيحايي التاريخي المتلاقي مع الفارسي والخاصيات الاقوامية ،
ولا ننس ان الخميني كان منفياً في النجف ، وفيها بلور نظريته بخصوص
" الدولة الاسلامية " متجراً على قاعدة ثابتة في التشيع ، وحيث هو مقيم ،
فهل كان مكان الاقامة بالذات المحفز والمحرك الملح ،كما كان اصبح في اللحظة التي قام فيها نظام الريعية العقيدية ، حيث وصلت الأخطار والتهديد الدرجة التي صارت عليها اليوم ؟
تبين مجمل هذه التحورات التتابعية المستجدة في المشهد انها ستتخذ وجهه احتدامية قصوى غير مسبوقة ، بحيث يمكن القول بان لحظة صعود النظام الريعي العقيدي ، هي لحظة الانقلابية العظمى العراقية رافدينياً ، باتجاه " فك الازدواج " ونهاية الكيانوية والدولة ، المنتظر تاريخيا ، وهو ماكان مرشحا لان يبدا بعد ثورة تموز 1958 لولا بروز ظاهرة الريع النفطي وحلولها مكان البرانيّة في دعم وجود الدولة من اعلى ، مع ما يفرضه من احتدامية خارقة ، تصل مستوى " العيش على حافة الفناء " الثانية ، بعد تللك البنيوية الاولى التي نشا المجتمع اللاارضوي في كنفها ابتداء ، وظل كذلك الى الستينات من القرن العشرين ، لتبدأ بعدها ، حالة عيش قريب منّ الفنائية باشتراطات إقليمية وعالمية ، بدايتها مع الحرب العراقية الإيرانية 1980 / 1988 التي أفضت إلى هدر وإسقاط مفعول الريعية الاستثنائي .
وهكذا تتوزع الاحتدامية التشكلية الحديثة خلال قرابة اربعة قرون ، من 150 تمردا ومعركة عسكرية ايام العثمانيين ، الى سلسلة الانتفاضات والإضرابات التي لا تتوقف ، حيث عرف العراق مابين 1921 / 1958 بالتعاقب 59 وزارة ، اي ما يقرب من وزارة كل ستة الى ثمانية اشهر ، بعضها لم يتعد عمرها الايام ، كما عرف 16 مجلساً نيابيا ، لم يكمل دورته من بينها سوى مجلس واحد فقط ، اعلنت الأحكام العرفية في البلاد خلال 38 سنه 16 مرة ، وفي العراق قام عام 1936 اول انقلاب عسكري في العالم الثالث ، الذي دشن الانقلابات العسكرية في هذا الجزء من العالم ، حتى لم تعد وسيلة الانقلابات العسكرية مجدية لاحقاً ، وثبت ان الحركة المجتمعية المضادة تفوق طاقة العسكريين على السيطرة ، ما جعل قضية الحزب العقائدي ، ومعسكر " العمالة المفهومية " الحزبية الايديولوجية ، يتحول إلى خيار دولي لايمكن التفكير بغيره ، بالاخص بعد تجارب العسكريين وانقلاباتهم منذ ثورة تموز 1958 " والعارفين " ، ما قرر خيار الحزب العقائدي / الريعي النفطي ، والنواة العائلية القرابية ، ليغدو قدرا لا يمكن من دونه تدارك الاسوأ ، في بلاد تقف على حافة حوض النفط العالمي ، وفي بلد قالت عنه الإيكونوميست البريطانية " ينبغي اعادة الحصان الجامح إلى حظيرته " قبل ان يعود كيسنجر ليصرح اثناء الغزو الأمريكي قائلا : " ان مشكلتنا نحن الغربيين ليست مع صدام ، بل مع العراق ، هذا البلد القوي ، فربما ياتي احد بعد صدام ويقوده باتجاه مضاد لمصالحنا في الشرق الاوسط ، وعليه يجب تحطيم العراق ""
فهل هذا كله غير كافي للدلالة على درجة عنفوان الاليات المحركة للصراع ، اي " الوطن كونية الرافدينية " والياتها المحركة غير الناطقة ، بناء لقاعدة الازدواج البنيوي الكياني ، وكونها دالة على ان ابرز الظواهر الطاغية على غيرها هي مسألة استحالة المجتمعية الارضوية الاحادية في العراق ، سواء أخذنا الحاضر القريب بعد الاحتلال الانكليزي او ما يعرف بالعهد الملكي ،
او ذهبنا لما هو اسبق ايام العثمانيين ، فان شيئا لن يتغير ، بالأخص في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، ويكفي لتقريب صورة اللاستقرار في الجانب الطبيعي عدا السياسي ، وضع الجدول التالي الذي يورده حنا بطاطو للاحداث بين 1621 و 1895 على التوالي ( 1621 مجاعة - 1623 الفرس يذبحون مئات الألوف من السنة ويبيعون الافا منهم عبيدا - 1633 فيضان - 1635 وباء - 1638 مجزره عامة نفذها الأتراك راح ضحيتها 30 الف شخص معظهم من الفرس - 1656 فيضان - 1689 مجاعة - 1733 حصار فارسي ، مجاعة ، طاعون
ووباء - 1777 - 1778 حرب اهلية في بغداد - 1786 فيضان ، مجاعة ، اضطرابات مدنية - 1831 وباء ، فيضان ، حصار ، مجاعة ، هبط عدد سكان بغداد من 80 الف نسمة إلى 27 الف نسمة - 1877 ، 1878 وباء ، مجاعة - 1892 ، 1895 فيضان ، فيضان ) /
وفي الفترة من 1704 حتى 1831 وهي فترة حكم المماليك ، حكم منهم بالتعاقب ثلاثة عشر باشا واليا لبغداد ، اثنان منهم فقط ماتا ميتة طبيعية ، بينما طرد او أغتيل او طرد وقتل احد عشر منهم .
فهل يمكن مقاربة أطوار الانقطاع الثاني هذه من منظور عراقي يتجاوز القصور العقلي ، ويخرج من نطاق " العمالة المفهومية " للغرب المقامة فوق حالة خاصة واستثنائية على مستوى المعمورة ، التي تضع على عاتق العراقيين بالذات مسؤلية فوق عادية ، لا تقل في اي طور من أطوار تاريخ وحياة هذه البلاد ، عن تلك التي تصدى لها انسايوان هذه الارض ، عند بدايات الخطى البشرية ، ليقيم صرحا من المعرفة والاستقصاء والعقلنة الكونية ، في قلب المجهول .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الغوطة السورية .. قصة بحث عن العدالة لم تنته بعد ! • فرانس 2


.. ترشح 14 شخصية للانتخابات الرئاسية المرتقبة في إيران نهاية ال




.. الكويت.. أمر أميري بتزكية الشيخ صباح خالد الحمد المبارك الصب


.. حماس ترحب بمقترح بايدن لإنهاء الحرب.. وحكومة نتنياهو تشترط|




.. الجبهة اللبنانية الإسرائيلية.. مزيد من التصعيد أو اتفاق دبلو