الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جمهورية الجيش وحركة كفاية في يناير 25

عبد المجيد إسماعيل الشهاوي

2024 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


كان لأحداث 25 يناير 2011 في مصر تأثيراً مُزلزلاً على الجسم السياسي المصري المُوغل في القدم. جمهورية الجيش صُنعت من الورق. هذا ما عَرَّته تلك الأحداث الكاشفة. لقد تأسست الجمهورية منذ 1953 من وحول الجيش، الذي هو المؤسس الشرعي لها. حول هذه النواة الصلبة، نجح الجيش في تحشيد وتعبئة المجتمع المدني المصري في معظم تياراته الرئيسية. من نقابات العمال والفلاحين إلى النخب المهنية والبيروقراطية؛ من شيخ الأزهر وبطريرك الكنيسة القبطية إلى التيارات الدينية غير الرسمية مثل الإخوان المسلمين والسلفيين؛ من وسائل الإعلام المرئية والمسموعة إلى الصحف والمطبوعات ودور النشر. حتى التنظيمات النسوية والحقوقية تم تكييفها بالمقاس لتعمل ضمن دولاب الدولة الرسمي. كذلك الأحزاب السياسية، من الموالية إلى المعارضة للنظام مثل الشيوعيين والإخوان. بإيجاز، اعتقد الجيش أنه قد جَيَّش وسَيَّس القطر المصري كله في صفه، تحت عصاه وجزرته. لكن 25 يناير أبانت غير ذلك. لقد تساقطت مؤسسات الدولة المدنية الرسمية كأوراق التوت في عاصفة رياح 25 يناير العاتية. حينها وقف الجسد السياسي الرسمي عارياً بالكلية، لا يملك سوى صخرة الجيش لكي يحتمي بها.

كفاية ليست سوى حركة تنظيمية معارضة اختارت، عكس التنظيمات المدنية الأخرى، أن تعمل بعيداً عن ومن خارج الهيكل التنظيمي المدني للدولة. وانطوت تحت مظلتها نفس التيارات الرئيسية التي تدعي المؤسسات الرسمية المختلفة تمثيلهم في عضويتها: القوميون والإسلاميون واليساريون والعلمانيون والليبراليون. لكن عضوية كفاية كانت ذات طابع مختلف- جميعهم من خارج الشخصيات المتحالفة أو المتعاونة مع الدولة بصورة أو بأخرى. هناك قوميون وإسلاميون ويساريون وعلمانيون وليبراليون أعضاء ويعملون في المؤسسات الرسمية التي أنشأتها وترعاها الدولة. هؤلاء لم يكونوا أعضاء في كفاية. بل اقتصرت عضويتها على أشخاص موازين لهؤلاء، من غير الرسميين وغير المعترف بهم والملاحقين حتى من قبل الأجهزة الأمنية التابعة للدولة. في قول آخر، عضوية كفاية غَطَّت نفس التوجهات والانتماءات التي كان يُفترض أن تُغطيها المؤسسات الرسمية واستَوعبت أطياف المجتمع المدني المصري غير الرسمي، غير المُمثل ضمن منظمات المجتمع المدني الرسمية، من أقصاه إلى أقصاه في توازٍ كامل مع دور ووظيفة المؤسسات الرسمية. بذلك تكون حركة كفاية قد قَسَّمت المجتمع المدني المصري إلى فُسْطَاطَيْنِ، أحدهما فوقي بالأعلى يتبع الدولة ويخدم مصالحها والآخر تحتي بالأسفل من المواطنين العاديين ويُعبر عن همومهم. من هؤلاء الأخيرين تألفت عضوية حركة كفاية.

بمجرد توفير الإطار التنظيمي الجامع بين هذه التيارات المدنية المتناقضة جوهرياً في مذاهبها وتوجهاتها وأهدافها، اكتشفت كفاية في نفسها قوة غير مسبوقة في مواجهة كيانات رسمية قد شُيدت من الورق أخذت تتطاير الواحدة تلو الأخرى بسرعة أدهشت حتى كفاية نفسها. اختفت كل مؤسسات الدولة الرسمية كما لو كانت غير موجودة من الأصل، من النقابات الرسمية مروراً بالبرلمان بغرفتيه وصولاً إلى القوات الأمنية والشرطية التي ألقت السلاح وأَخلت مقراتها تفادياً لمواجهات دامية مع مواطنيها الذين يُفترض أن توفر لهم الحماية والأمن. في مثال دال واحد، يتبع الدولة مئات الآلاف من المساجد، وأضعاف هذا الرقم من الوعاظ والدعاة. ميزانيتها السنوية لهؤلاء تتخطى مليارات الجنيهات. هذا بجانب الأزهر الذي تغطي مؤسساته التعليمية الدينية كل ربوع مصر. مقابل الولاء للدولة وتحشيد وتعبئة قلوب الناس العاديين في صفها، تحظى هذه المؤسسات الرسمية بامتيازات ربما لا يفوقهم فيها سوى الجيش فقط. رغم ذلك، كما أبانت أحداث 25 يناير، كانت صرخة واحدة من ميكروفون تافه من شخص لا يحظى بأي امتياز من الدولة الرسمية ومُلاحق أو مُراقب من قبل أجهزتها الأمنية مثل أبو إسحاق الحويني أو حازم صلاح أبو إسماعيل كافية لكي تستنفر جحافل من المصريين العاديين لمحاصرة أعتى مؤسسات الدولة الرسمية، من المدينة الإعلامية والمحكمة الدستورية إلى أقسام الشرطة وأمن الدولة إلى ثكنات الجيش ذاته. من دون حماية الجيش، لا مؤسسة مدنية رسمية واحدة استطاعت أن تَحشد وتُعبئ لحمايتها المصريين العاديين الذين يُفترض أنهم أصحاب المصلحة فيها. كذلك، لم يستطيع حتى التنظيم السياسي الأكبر المدعوم من الدولة والمحتكر للسلطة منذ عقود طويلة، الحزب الوطني الديمقراطي، أن يمنع المواطنين الذين يفترض أنه يُمثلهم من حرق مقراته أمام عينيه. كما رأى الجميع بأعينهم، عقول وقلوب وأحلام المصريين كانت حرة وطليقة في مكان آخر، ولم تكن حبيسة جدران المؤسسات التي أنشأها الجيش. أمام أول امتحان جاد، تبخرت هذه المؤسسات والمليارات التي أُنفقت عليها في غمضة عين. لقد انهارت من مجرد صدى صرخات أطلقتها حناجر مُهَمَّشة وغاضبة لم تحتويها الدولة الرسمية وحرمتها من حقها الطبيعي في الوجود والحياة الحرة.

حين تهاوت جمهوريته من حوله وأمام عينه، وجد الجيش نفسه أمام أسوأ كوابيس أي جيش وطني على الإطلاق- إما أن يوجه سلاحه إلى صدور مواطنيه الذين يُفترض أن يحميهم أو يحاول احتوائهم بطريقة أو بأخرى. وبعد تجربة الأول في حدود ضيقة ولم يُسفر عن نتيجة، استقر الجيش على الخيار الثاني- الاحتواء. رغم ذلك، كشفت حركة كفاية وما فجرته من أحداث في 25 يناير ثلاثة دروس رئيسية يجب ألا تمر مرور الكرام على الجسم السياسي المصري، الرسمي وغير الرسمي.

1- المؤسسات المدنية التي أنشأتها جمهورية الجيش ورق بلا قيمة، لا تساوي إطلاقاً ما يُنفق عليها ويُستثمر فيها؛ لا هي قادرة على حشد المواطنين حول الدولة، ولا حتى حماية نفسها منهم. لأنها من خلق الدولة ومتماهية معها، لا يرى الناس العاديون أنها تخدم أو تُمثل مصالحهم. بل هي تخدم وتُمثل مصالح الدولة التي أنشأتها وتحتضنها وتنفق عليها وترعاها.

2- اتحاد الأخوة المصريين الأعداء معاً، ولو لبضعة أشهر، قادرٌ على أن ينسف جمهورية الجيش من الجذور. كان طبيعياً ومتوقعاً ألا يُعمر ائتلاف كفاية طويلاً، بالنظر إلى التناقضات المُهلكة فيما بين مكوناته الرئيسية. لكنهم حين اجتمعوا على هدف مشترك- اسقاط النظام- أسقطوه. بعد ذلك لم يفلحوا في شيء، لأن تناقضاتهم العقائدية العميقة جعلتهم أشبه بالأخوة الأعداء. ائتلافات الضرورة المُلحة من هذا النوع قد تتكرر، ويمكن تطويع التناقضات الحادة تحت سخونة الأحداث الجلل. المحن الكبرى قد تضطر حتى ألد الأعداء إلى الاتحاد والتكاتف معاً لحين تجاوز المحنة المحدقة بالجميع.

3- لا جمهورية من دون جماهير. الدرس الذي أعطته كفاية بوضوح تام هو أن النظام يفتقر إلى قاعدة جماهيرية واسعة وحقيقية من المصريين العاديين. هل يستطيع النظام فتح قنوات مع هذا النهر المدني الهادر ويسبق إليه حركة كفاية جديدة؟ هل يستطيع ترقية جمهورية الجيش ومؤسساتها المصطنعة بالأعلى إلى جمهورية شعبية من المواطنين الطبيعيين المُتشكلين بالأسفل من طين التربة المصرية؟ أم يُكابر ويواصل الاستثمار في مؤسسات باهظة الكُلفة وفاتنة البريق والأُبهة لكنها تطايرت في أحداث 25 يناير كأوراق التوت الذابلة؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جمهوريه الجيش ؟ ؟
احمد عبد السلام ( 2024 / 5 / 18 - 20:09 )
لاشك ان جمهوريه الجيش المصرى المنكوب الفاسد كانت اكبر كارثه ومصيبه وفاجعه تحدث لمصر فى تاريخها , على مدار اكثر من سبعين عام سوداء وهذه العصابه الساقطه الجاهله الغبيه من اللواءات والجينرالات والعقداء عديمه الخبره فى اى شئ ( كلهم جهله وراسبى ثانويه عامه ) وهى تحكم البلد بالحديد والنار والبلطجه والعربده والقمع والقهر والاكاذيب وجو الخوف والرهبه من تنكيلهم وساديتهم وهمجيتهم وقرفهم , الااشكاليه انهم فريق من اللصوص والقتله والعربجيه الجهله ولايفهموا اى شئ فى اداره الدوله وهم جميعا سيئ الاخلاق وعديمى التربيه منحطين لقطاء , هم اكيد فريق من القش لايصمد لاأى عاصفه من الرياح , نتيجه حكمهم الاغبر هو ضياع الشعب ومفهوم الدوله وكرامه المواطنيين ومنظومه الاجور المتدنيه حتى اصبحت مصر فقيره وجعانه وشحاته ومتسوله وذليله ؟ ماذا اقول فى هذه الكارثه التى عصفت ودمرت الدوله الفرعونيه فى غفله من الزمن

اخر الافلام

.. هل تحرك تصريحات بايدن جمود مفاوضات الهدنة في غزة؟| #غرفة_الأ


.. ممثلة كندية تتضامن مع غزة خلال تسلمها جائزة




.. كيف سترد حماس على بيان الوسطاء الذي يدعوها وإسرائيل لقبول ال


.. غزيون يستخدمون مخلفات جيش الاحتلال العسكرية بعد انقطاع الغاز




.. صحيفة الغارديان: خطاب بايدن كان مصمما للضغط على إسرائيل