الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ألكسندر دوغين – تنوير المجتمع بالتاريخ الروسي

زياد الزبيدي

2024 / 5 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


نافذة على الصحافة الروسية
نطل منها على أهم الأحداث في العالمين الروسي والعربي والعالم أجمع



*اعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف*

ألكسندر دوغين
فيلسوف روسي معاصر

14 مايو 2024

ربما تعلمون أن عملية جادة للغاية لمراجعة المحتوى الأساسي للمعرفة الإنسانية قد بدأت الآن في روسيا. هذه مبادرة واسعة للغاية، لأنه خلال المواجهة مع الحضارة الغربية، في السنة الثانية من الحرب في أوكرانيا، اكتشف خبراء من وزارة التعليم وعدد من الهياكل الجادة الأخرى أن مناهجنا في العلوم الإنسانية مليئة بالمواقف التي تتمحور حول الغرب. تقلل تلك النظريات بشكل منهجي من أهمية الحضارة الروسية، والهوية الروسية، وتعارض المسار الخاص الذي تسلكه روسيا. إننا نتعامل مع منهجيات مبنية على أساس العالمية غير المشروطة للمسار الغربي للتطور، والتي تقوض فكرة السيادة الحضارية لروسيا. وقد تم العثور على هذا الوضع في العديد من التخصصات الإنسانية تقريبًا.

شاركت مدرسة "إيفان إيلين" السياسية العليا بدور نشط في هذه الدراسة. لقد اكتشفنا في كافة التخصصات الإنسانية "حقول ألغام" للنماذج المتمحورة حول الغرب. لقد تم تنظيم علومنا الاجتماعية الإنسانية ومناهجنا بهذه الطريقة على مدى العقود الثلاثة الماضية، وربما حتى قبل ذلك. مما خلق مشكلة تنظيمية.

وعلى حد علمي، عندما وصلت نتائج الدراسة إلى الرئيس، كان رد فعله بطريقة معينة. ومن المثير للاهتمام أنه من بين جميع التخصصات الإنسانية، وفقا للرئيس، فإن التاريخ له أهمية قصوى. وهنا لا ينبغي لنا أن ننتظر، بل يجب علينا أن نتحرك على الفور. لأن هذا هو الشيء الأكثر أهمية: الهوية التاريخية، واستمرارية المراحل المختلفة في تكوين شعبنا ودور الشعب الروسي في تشكيل الدولة باعتباره جوهرًا - كل هذا له أهمية أساسية الآن.

لا يمكننا تأخير العمل في هذا المجال

رغم أن الرئيس لم يوضح ما يعنيه بالقرار السريع، إلا أننا بعد نشر المرسوم "حول أساسيات سياسة الدولة في قضايا تدريس التاريخ"، تلقينا إجابات واضحة عما كان يقصده. وبطبيعة الحال، لا بد من استعادة النظام في العلوم السياسية، وفي الفلسفة، وفي الدراسات الثقافية، وفي علم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلم النفس. كل شيء هنا يتمحور حول الغرب. نحن بحاجة إلى التعليم الروسي في جميع التخصصات.

بدأ كل شيء بالتاريخ، لأن الرئيس يعتقد بحق أنه في مجال التاريخ تكمن مفاتيح الوعي الذاتي، والنظرة العالمية لشعبنا، وهو أمر له أهمية كبيرة في الساعة الحاسمة للمواجهة الحضارية الصعبة مع الغرب. ويشكل المرسوم الذي وقعه الرئيس اليوم تحولا أساسيا. وهذا يعني أننا نعلن في الواقع نيابة عن الرئيس، نيابة عن أعلى سلطة في الدولة، أن شعبنا الروسي يجب أن يقع في مركز وعينا الذاتي التاريخي. يجب أن نبني طوبولوجيا جديدة تمامًا، حيث نعتبر الشعب الروسي، الشعب الذي يشكل الدولة، هو الموضوع الرئيسي للتاريخ، ومنه نحفظ كل المنظورات والآفاق التاريخية.

يعد هذا إنجازًا جذريًا في تاريخنا، وفي تدريس التاريخ، الذي كانت النزعة الغربية تهيمن عليه حتى وقت قريب. أما الآن فقد تم رفض النزعة الغربية، أي أن فكرة وجود مسار عالمي مرفوضة، والمجتمع الغربي هو أول من اتبع هذا المسار. سوف نتجاهل ذلك، ونترك لكل حضارة أن تكتب نماذجها التاريخية: العالم الإسلامي، العالم الصيني، الغرب نفسه، العالم الأفريقي، الهند، أمريكا اللاتينية. دع الجميع يضعون أنفسهم في مركز نظرياتهم المعرفية التاريخية ذات السيادة. ونحن مهتمون بحضارتنا الروسية.

في الحضارة الروسية ذات السيادة، يجب على الشعب الروسي والمجموعات العرقية الأخرى المرتبطة بمصائر تاريخية مع الشعب الروسي أن تشكل فكرة عامة واحدة عن شعبنا كصانع للتاريخ، يبدأ منه التنوير بالتاريخ الروسي. نحن نتحدث تحديدًا عن التنوير، فهو ليس مجرد تدريب أو تعليم أو مجموعة من المعرفة. هذا هو تنظيم المعرفة التاريخية الإنسانية ضمن نموذج معين، حيث يكون الروس في المركز، حيث تكون بلادنا وثقافتنا وتقاليدنا وقيمنا التقليدية في المركز.

القيم التقليدية هي رمز هويتنا. وقد جاء ذلك مباشرة في المرسوم عدة مرات. أي أننا ما نحميه وما نحيا به وما تركه لنا أجدادنا. وهنا من المهم للغاية الانتباه إلى الفترة السوفياتية، لأن الأفكار المادية الماركسية كانت مهيمنة في ذلك الوقت. لقد شاركت المادية التاريخية في عالمية الثقافة الغربية، ولكنها لم تقدم وجهة نظر رأسمالية، بل اشتراكية لتفسيرها. لقد سبق النموذج الاشتراكي النموذج الليبرالي – غربي الهوى في التسعينيات – في تعليم التاريخ، ولكنه بُني أيضًا على رفض القيم التقليدية التي سيطرت على المرحلة السابقة بأكملها من التاريخ الروسي. خلال الفترة السوفياتية، تم وضع الكثير من أسس الروسوفوبيا، وفقط خلال الحرب الوطنية العظمى، في عهد ستالين، تم إجراء بعض التعديلات. لكن المزاج العام للتاريخ كعلم في العهد السوفياتي كان عالميًا ولم يضع القيم التقليدية الروسية في المقدمة. تم حل العديد من القضايا في تاريخنا على أساس المواقف العالمية والمتمحورة حول الغرب، وفي الواقع، المعادية لروسيا. واليوم يتعين علينا أن نجد مكاناً لائقاً للفترة السوفياتية في تاريخنا، ولكن لا ينبغي لنا أن نكون عبيداً ومتلقين سلبيين، وأن نخضع للتنويم المغناطيسي الكامل بالتأريخ السوفياتي.

يجب فهم الفترة السوفياتية من وجهة نظر تاريخية جديدة. وفي واقع الأمر، فإن بوتين، في مرسومه بشأن تدريس التاريخ، يضع أسس هذا الموقف، حيث يجب علينا أن نرى، قبل كل شيء، الأسس الروسية التقليدية لهويتنا، والتي تشمل الاتحاد السوفياتي.

ومع ذلك، فإن الاتحاد السوفياتي ليس سوى حلقة من تاريخنا الممتد لألف عام، ويجب أن يحظى بالمكانة المحترمة والجليلة التي يستحقها، لكنه لا يستطيع على الإطلاق إلغاء جميع المراحل الأخرى. لا ينبغي أن تلغي الفترة السوفياتية كل حجم وثراء الثقافة الروسية الأصلية: الأرثوذكسية، والمرحلة الملكية، والسيادية، والإمبراطورية، وبيزنطة. لقد كانت هناك محاولة للقيام بذلك، لإبعاد سلطات ما قبل الثورة عن "باخرة الحداثة"، ولكن في الواقع لم يؤد ذلك إلى أي شيء جيد. والأمر الأكثر فظاعة هو هيمنة النهج الليبرالي الغربي على المجال التاريخي، والذي تأسس في العقود الثلاثة الماضية. بالمعنى الدقيق للكلمة، فإن المرسوم ليس موجهًا كثيرًا ضد السوفيات، وهو أيضًا ليس صحيحًا بشكل خاص، ولا سيما التأريخ الروسي، بل ضد النهج التغريبي (أي الموالي للغرب-المترجم) الصريح للتاريخ، والذي بدأ يسود في التسعينيات.

يضع مرسوم بوتين بشأن سياسة الدولة في تدريس التاريخ حدًا لهذه العمليات المدمرة ويبدأ عصرًا جديدًا، عصر تدريس التاريخ على مستوى البلاد. وتتمثل المهمة هنا في تأكيد الهوية الروسية والتعرف على القيم التقليدية. القيمة الرئيسية هي الأرثوذكسية الروسية، الدولة الروسية، الإمبراطورية الروسية، بيزنطة الروسية، التقاليد السياسية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية والأدبية الروسية. كل هذا يقع على عاتق الدولة. الآن مهمة تدريس التاريخ ليست فقط مهمة المعلمين من ما قبل المدرسة، حيث، كما أكد المرسوم، يجب أن يبدأ تدريس التاريخ، ولكن مهمة سلطات الدولة على جميع المستويات.

هذه مهمة المدارس والمعاهد والجامعات، هذه مهمة أكاديمية العلوم. ونحن نعلم أن أكاديمية العلوم هي الآن المنوط بها فحص الكتب المدرسية والبرامج التعليمية، ولكن هل أكاديمية العلوم نفسها مستنيرة بما فيه الكفاية على الطريقة الروسية؟ من المناسب تمامًا طرح هذا السؤال لأنه، لسوء الحظ، يوجد بين العلوم الإنسانية في أكاديمية العلوم حضور قوي إلى حد ما للأكاديميين الليبراليين الذين حصلوا على مناصبهم في العقد الماضي. في أكاديمية العلوم بالتحديد كان هناك نقص في تدريس التاريخ. وإلا فلن تكون هناك حاجة لإصدار مثل هذا المرسوم.

لم يكن لدينا تدريس للتاريخ وكنا نفتقر إليه طوال هذه السنوات. وكان ذلك أمراً حيوياً بالنسبة لنا من أجل تعزيز السيادة الحضارية لشعبنا والانتصار في هذا الصراع الرهيب والوحشي مع الغرب.
لذلك، نحن بحاجة إلى الأكاديميين الروس حقا، الأكاديمية الروسية للعلوم، والتي سوف تكون مستنيرة بمعرفة التاريخ الروسي بشكل كامل.

بالطبع، تدريس التاريخ ضروري للرعايا الجدد في الاتحاد، وهو ضروري للجنود، وهو ضروري لجميع أبناء شعبنا الآن. لأنه فقط من خلال إدراك هويتنا، ما هو جوهر حضارتنا، ما هو رمز ثقافتنا، فقط بفضل هذه المعرفة عن أنفسنا يمكننا أن نلعب دورنا حقًا في العالم الذي نبنيه، في نظام متعدد الأقطاب.

أعتقد أن هذا المرسوم له أهمية كبيرة. تبدأ مرحلة جديدة تمامًا من رحلتنا التاريخية. مباشرة بعد توليه منصبه، ينشر رئيسنا مرسوم البرنامج هذا. بعد ترتيب الأمور في مجال المعرفة التاريخية وبدء عملية تنوير مجتمعنا بتاريخه، سيأتي الدور إلى التخصصات الأخرى. وفي هذا الصدد، فإن مدرسة إيفان إيلين السياسية العليا، التي أترأسها، وغيرها من مجتمعات الخبراء الصديقة لنا، بدأت للتو في المشاركة في هذه العملية.

التاريخ شيء استثنائي بالنسبة لرئيسنا، وهو على حق تماما، لأن هذا هو الشيء الأكثر أهمية للمجتمع. سيكون لدينا تنوير بالتاريخ الروسي بقيمنا التقليدية، وستكون هناك فكرة أن الشعوب الروسية والدولة الروسية هم صانعي العملية التاريخية. وسنبني كافة التخصصات الإنسانية الأخرى على طول هذا المحور بشكل متسق.

إن مرسوم اليوم، بالاشتراك مع المرسوم 809 "بشأن القيم التقليدية" لعام 2022، يشكل في الواقع أيديولوجية جديدة، إذا صح التعبير، فكرة دولة جديدة، ونظرة روسية جديدة للعالم، والتي تدعمها الآن وثائق من أعلى سلطة.
وبالطبع، من الرمزي للغاية أن حكومة جديدة في طور التشكيل، والعديد من إدارات الدولة يعاد تعيين قادتها، ولكن هناك بالفعل مرسوم. وهذا هو أكثر أهمية. الأيديولوجيا أهم، والاستراتيجية أهم. بعد ذلك، سيتم اختيار الأشخاص وفقًا للمهام الإستراتيجية المرسومة.

إن المهمة الإستراتيجية الأكثر أهمية هي تثقيف مجتمعنا ودولتنا بتاريخنا وتعزيز الهوية الوطنية. وبطبيعة الحال، كل هذا يغير جذريا الموقف تجاه الشعب الروسي الذي يشكل الدولة. أخيرا، في تاريخنا، على مدى المائة عام الماضية، وربما أكثر من ذلك بكثير، تم منح الشعب الروسي حقه، وأعلن صانعا للتاريخ. وأي بيان أو موقف غير محترم تجاه الفكرة الروسية، تجاه الروح الروسية، تجاه الفلسفة الروسية، تجاه الهوية الروسية، على أساس الحاجة إلى التنوير بالتاريخ، يجب أن يؤدي إلى عواقب قانونية محددة.

لا أحد لديه الحق في إهانة الروس. الروسوفوبيا هي العنصرية. لا يحق لأحد في روسيا نفسها، ولا خارج حدودها، إهانة الروس لمجرد أنهم روس. وهذا هو السبب في أننا من الآن فصاعدا سوف نعاقب أي شخص بلا رحمة.

الأمر نفسه ينطبق على المسؤولين والحكومة، وهذا ينطبق أيضًا على الإدارة الرئاسية. وهذا يعني أن الأشخاص الذين ليسوا مستنيرين حول تاريخنا بما فيه الكفاية على الطريقة الروسية، والذين ليس لديهم فكرة واضحة عن القيم التقليدية لهويتنا، هم ببساطة غير مناسبين لهذه المهنة. وأصبحت غير مناسبة الآن بعد نشر هذا المرسوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل