الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حلم طويل .. قصة قصيرة

محمد سمير عبد السلام

2024 / 5 / 18
الادب والفن


أتجول في طرائق منحنية تتوسطها بعض الفجوات الهوائية أو المائية في فضاء ذلك الفندق الاسطواني الزجاجي الذي يرتفع نحو الأعلى، ويكشف جزءا من الظلمة ونور القمر، بينما تتحول بنيته الاسطوانية في المساحات المرتفعة إلى مجموعة من المثلثات، والمكعبات غير الحادة، والمتشابكة في نسيج ضوئي ذهبي؛ يستقبلني الآن بشيء من الترحاب دب بني ضخم، أكاد أعاين من خلفه لوحات مجزأة بها مقاطع مكانية من دوائر زحل، وبعض التكوينات على القمر، وجزءا من عاصفة المشترى الحمراء، يبتسم الدب، يحتضنني وأرى داخل مساحة قلبه جمجمة ساخرة، ومجموعة متشابكة من الثعابين الضوئية، يمنحني قطعة زجاج تتوسطها صورة لبجعة، تميل عينها إلى غلبة اللون الأسود.
-المفتاح.
أشكره، وأجدني طائرا في فضاء أسود واسع تتوسطه ماكينة هندسية كبيرة زرقاء داكنة، تشبه تشكيلات مايرهولد التجريبية في المسرح؛ أسبح بين الفراغات، والدوائر التي بدأت تمتلئ بمياه سوداء كثيفة، تتوسطها جماجم صغيرة ضاحكة؛ أجدني أضحك وأبكي معا وسط المياه، وحركة الجماجم الحلمية؛ وكأنني جزءا من عرض بعيد عن ذاكرتي، وحالتي التأملية النسبية التي صاحبتني أثناء حديثي مع الدب.
تتراقص أمامي وسط ماكينة المسرح التجريبي دائرة بيضاء غير منتظمة، تقبع فيها فتاة ترتدي زي الممرضة، تطير داخل دائرتها الخاصة وتبتسم، وتغمض عينيها وكأنها داخل تأمل عميق، أو يبدو أنها تستدعي شخصية مسرحية أخرى؛ أدخل الآن الدائرة البيضاء، وأسبح وسط الأحمر الداكن؛ فأجد الفتاة قد صارت ظلا داكنا؛ وأسألها إن كانت جزءا من مسرحية، أو تأمل، أو حلم فتجيبني بأن تدخلني إلى رقصتها الهوائية فوق شلالات الأحمر الداكن الساخن الذي يخرج أبخرة حارة جدا حولنا؛ تختفي الفتاة؛ وأستمع إلى بعض ضحكاتها؛ أميز بعض النغمات، والهمهمات غير المنتظمة النسائية المشروخة حولي في فضاء الدائرة النارية المتوهجة.
إيفيجينيا، كاسندرا تصرخ بداخلي وداخلك، فتاة ست شصيات تبحث عن مؤلف تنسحب إلى طبقات مظلمة عميقة أسفل المسرح وتضحك، أوفيليا تحيا في فضاء هوائي آخر مملوء بمقابر مهرج الملك، وصمت هملت، وضحك الشبح، أنت داخل أنتيجوني الهوائية التي تتأمل السيارات، والقبور، ودخان المطاعم، وأحاديثك على المقهى؛ وهي الآن تتأمل أطياف ألبيرتين لبروست معك فوق غرفة مظلمة مملوءة بالمياه الزرقاء وصور صغيرة لمقابر، وماكينات تشكيلية مسرحية أخرى صغيرة تتوسطها ظلال راقصة، وأصوات نسوة يضحكن بألم قوطي هادئ.
أعبر الدائرة وأطير فوق منطقة صحراوية بها سوق لبيع السجاد ومجموعة من الأعشاب وأشكال من الصبار تشبه الغربان والبجع، والتماسيح والثعابين، بعض بائعي السجاد يتحدثون بنغمات حلمية مبهمة، وهمهمات، وبعضهم بلا رؤوس، أو لهم رؤوس نارية شبحية شفيفة ضمن الفراغ الهوائي القوي، تطل بعيون تشبه السيكلوب، بينما أستمع لضحكاتهم العبثية الساخرة من خلف فراغات الرؤوس، أتجول في مساحة أخرى لبيع الزيوت، والأدوية، وأجد امرأة ضخمة ترتدي عباءة سوداء، أقترب منها لأسألها عن بعض زيوت الكتان، والزيتون، والحبة السوداء؛ أجد رأسها مجموعة من الأسنان الحادة والأنياب الطويلة التي تنغرس نحو الأسفل في الرمال، وتعيق حركتها تحاول أن تجذبني داخل العباءة الواسعة ببعض الكلمات الغامضة، والهمهمات؛ تبدو كمن يقوم بدور على مسرح الرمال الدينامية أسفلنا، وينبت لها جناحان أسودان كبيران تضمني بهما بشدة فأغيب داخل المساحة المظلمة، وأعبرها نحو عاصفة رملية شديدة، أبدو وحيدا داخل العاصفة التي بدأت تغطي مساحات الرؤية، وأستمع إلى أصوات تتفرع في تشكيلات منفرجة تنبثق من داخلي باتجاه دوامات العاصفة؛ يبدو أنني أستمع إلى نغمات القبطان الفزعة في عاصفة شكسبير، أو إلى مدام سوزوستريس في شوارع إليوت، أو إلى الخطيب العبثي في كراسي يونسكو، أو إلى صوت الجمجمة الساخر الذي توسط قلب الدب في فضاء استقبال الفندق؛ أو إلى صوت فتاتي التي كانت ترقص في الدائرة البيضاء منذ قليل؛ إنها تصرخ مثل إيفيجينيا، وتقول بعض جمل أنتيجوني الهادئة، أو همهماتها وسط المقابر، أو أستمع إلى بعض جملها الخاصة الآن:
أتحب نغمات العاصفة الرملية؛ إنها تشبه تحولاتي على الخشبة المائية؛ لقد سبحت مدة طويلة وسط الشلالات الحمراء بداخلي، وضحكت كثيرا، وصرخت مع الشخصيات الأخرى حتى صرت ظلا راقصا، متأملا ثم اختفيت، أنا جزء من نغمات الكمان الحمراء، وأصوات أوتار الهارب الزرقاء التي تحيطنها وسط بللورات الرمال الآن.
نسبح معا ولا نرى تكويناتنا مطلقا، ولكننا نعاين المياه السوداء الكثيفة تتعالى وسط فضاء الصحراء والعاصفة الرملية وتسبح حولنا قطع السجاد، والأدوية، والزيوت، والجماجم، وأصوات الشخصيات المسرحية، وأطياف عديدة من أنتيجوني، تجلت في صور فتيات يرتدين الأسود ضمن مرايا صغيرة في شلالات المياه.
أراقبني الآن من مساحة هوائية صافية بينما أصداء العاصفة الرملية وأصوات الباعة، وشخصيات المسرحيات الممكنة تتداخل بداخلي مثل المنحنيات، والأقواس التي تتراقص من أعلى إلى أسفل؛ وأجدني الآن وسط شارع واسع في المدينة وأشم روائح القهوة، والكباب، والزيوت العطرية، والمسك، والياسمين، وروائح حظائر للدجاج، أمر على المطعم ولكنني أفضل كوبا من القهوة على هذا المقهى الداكن، أعاين مجموعة من المواسير الضخمة الصدئة وسط المقهى فأتذكر ماكينة مايرهولد التجريبية، يرحب بي صاحب المقهى فأجده بشريا وله منقار كبير مقوس لونه بين البنفسجي الفاتح والأسود، وحوله مجموعة من الناس لهم نفس هيئته، ولكن مناقيرهم المقوسة أصغر قليلا ولونها يجمع بين البنفسجي الداكن، والأحمر، يحتضنني الرجل، ويشير إلى كرسي عتيق في حفرة هوائية ولكنها ممسكة بالكرسي، وأري تحت التيارات الهوائية صفحة فضاء مظلمة، فأجلس، وأطلب كوب قهوة كبير، وأثناء تذوقي للقهوة أجدني معلقا في الهواء وتمر التيارات المائية للقهوة داخل مساحة تجسدي في المشهد، وأراني أتحدث مع الرجال ذوى المناقير البنفسجية الحمراء عن الفن، وتمثيلات الموت، وتمثيلات الحيوات الاستعارية الممكنة، يضحكون ببهجة، أو بعبث أو بسخرية، ويلعبون الشطرنج قليلا معي، ثم أجدني ضمن الفضاء الواسع نفسه داخل مقهى إدوارد مونك التعبيري المظلم، وحولي وجه الصرخة متضاعفا، وحوله مجموعة من الفتيات يضعن مكياجا بالأسود ويذكرن أنهن يقمن ببعض العروض القوطية في مقهى مونك ولكن للسينما التجريبية، فأجدني مع إحداهن في مساحة مظلمة وسط قبور كانت تحيط بمقهى مونك، ويستيقظ الآن بداخلي صوت أنتيجوني، تصرخ صرخة داخلية بينما تتأمل بصمت عميق في الظاهر، وتحدثني بصوتها الداخلي بداخلي عن رغبتها في التعاون مع الفتاة في دور على المقهى أو في المقابر، وأعود للضحك مع الفتاة على المقهى وهي تستكمل المكياج وتخرج منها صرخة ممزوجة برائحة المقابر والمناقير البنفسجية، وعاصفة الصحراء، أو عاصفة المشترى الحمراء.
أعود إلى المدينة وفضاء الشارع الواسع، وأصوات السيارات، وأراها تسبح في منحنيات مائية بسرعة، ثم تختفي، وحولها تظهر من حين لآخر نيران بيضاء شفافة، أو لامرئية، وصرخات، وحرائق خفية فيما وراء المشهد، أتقدم في الشارع وأعاين اسطوانة من الضوء الأبيض تكشف جانبا في فضاء مدينة أخرى لمقهى بجوار هرم يشبه فضاء متحف اللوفر، فأعبر الفجوة وسط شلالات السيارات، وصوت الحريق الناري الهوائي القديم، وأجلس على مقهى آخر بجوار اللوفر وأجد شخصية السيدة ذات الرداء الأحمر والعينين الثاقبتين العميقتين في لوحة بورتريه لسيدة غير معروفة لدافنشي تخرج من أسفل الطبقة الأرضية المتموجة، تبدو أكثر شفافية من اللوحة وبها دائرة مظلمة بها بجعة فزعة في منطقة القلب، تتضخم السيدة وتحتل مشهد المقهى واللوفر بالكامل.
- أأنا داخل جرافيك هوائي، أم داخل لاوعي سيدة دافنشي؟
يأتيني صوتها الداخلي بداخلي؛ ألا ترغب في تجريب تلك الرحلة العميقة المظلمة؟
أوافق وأجدني داخل فضاءات لاوعي سيدة دافنشي، وسط مساحة مغلقة، مملوءة بلطخات حمراء بنية داكنة، ونستمع أنا وهي لأصوات أقدام رجال مسلسلة، ويظهر وجه يشبه دراكولا ويتجسد في صورة طائر في المبنى، ويتحدث عن اللعبة، ويكرر تلك الكلمة، وأميز في سرده كلمات تتوالى في ذهني وفي لاوعي سيدة دافنشي؛ السيدة تراني من الداخل، البحر أزرق داكن، اللعبة، الغرفة المظلمة، اللعبة، سوف أنظر من مساحة زمنية مكانية أخرى، أين ذهبوا، صوت فرجينيا بداخلي، الحلم، السفينة، العاصفة، الكوخ، الثعبان يلتف حول رقبتي، أنا هوائية، أين صديقتي وكوب الشاي، ما هذه البقع البنية على الحائط، صوت الغراب يزعجني ويسليني من وراء الحائط.
أعود إلى فضاء اللوفر وأسبح في اسطوانة أخرى وأجدني في مواجهة شلالات من السيارات الهوائية، ورأس طيفي لحيوان لوحة أيام الصيف لأوكاييف، أعبر الرأس وأجدني برفقة فتاة الدائرة البيضاء المسرحية، وقد تقاسمت بعض الانطباعات الجمالية مع أنتيجوني، وسيدة دافنشي، ونضحك بينما نختفي في عاصفة رملية أخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي


.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |




.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه


.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز




.. -أنا مع تعدد الزوجات... والقصة مش قصة شرع-... هذا ما قاله ال