الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواء الجصاني : عن بعض لواعج الجواهـري، ومواجهاته / 2 / ياغريبَ الدارِ لم تكفلْ له الاوطانُ دارا

رواء الجصاني

2024 / 5 / 19
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


عن بعض لواعج الجواهـري، ومواجهاته / 2
ياغريبَ الدارِ لم تكفلْ له الاوطانُ دارا
--------------------------------------------------------
... وهذه هي عصماء أخرى من قصائد الجواهري الوجدانية، الثائرة على النفس والمجتمع، والمقاييس السائدة في البلاد... وقد ضمها، كاملة ولأول مرة، ديوان "بريد الغربة" الصادر في براغ، بدعم من اللجنة العليا للدفاع عن الشعب العراقي الذي ترأسها الشاعر العظيم فور تشكيلها بعد انقلاب شباط الدموي عام 1963... وقد جاء مطلعها جواهرياً كالعادة في ثورته الجامحة، مما جعل الكتاب يقرأ من عنوانه:
مَنْ لِهَمٍّ لا يُجارى ، ولآهاتٍ حَيارى
ولمطويٍّ على الجمرِ سِراراً وجِهارا...
مَنْ لناءٍ عاف أهلاً وصِحاباً ، وديارا
تَخِذَ الغربة دارا إذ رأى الذلَّ إسارا
إذ رأى العيشَ مداراةَ زنيمٍ لا يُدارى

*** وفي مختلف مقاطع القصيدة التي تجاوزت أبياتها المئة والعشرين، يفيض الجواهري متباهياً بمواقفه التنويرية، مبرزاً سمات وقيماً تبناها، ولم يخشَ ما يترتب عليها من أذى المعوزين والظلاميين، بل وراح يكررها في عديد كثير من شعره... إلا انه شدد هنا على الشموخ والاصرار، ولعله أراد بذلك مقدمة لما سيلي من مواقف وحقائق:
ياغريبَ الدار لم يُخْلِ من البهجةِ دارا...
تأخذ النشوةَ منه ثم تنساهُ السُكارى
يا أخا الفطرةِ مجبولا على الخيرِ انفطارا...
يا سَبوحاً عانق الموجةَ مَدّاً وآنحسارا
لم يُغازلْ ساحلاً منها ولا خافَ القرارا
يا دجيَّ العيشِ إن يَخْبُ دجى الناس ِ ، أنارا...

*** ثم يعود الشاعر ليكتب ما يظنهُ يروض النفس، لتجاوز "الهضيمة" التي أحسَّ بها وحتى من الأقربين، خاصة وهو صاحب المآثر والمنابر، محملاً الذات جزءاً مما يعاني منه، بعد أن اختار نهج الثورة والتجديد، معيباً المهادنة والمساومة:
يا غريبَ الدارِ وجهاً ولساناً ، واقتدارا...
لا تُشِعْ في النفسِ خُذلاناً وحَوِّلهُ انتصارا...
أنتَ شِئتَ البؤسَ نُعمى ورُبى الجنَّاتِ نارا
شئتَ كيما تمنحَ الثورةَ رُوحاً أنْ تثارا...
عبَّدوا دربَك نَهْجاً فتعمَّدْتَ العِثارا
وتصوَّرت الرجولاتِ على الضُرِّ اقتصارا...
يا غريبَ الدار مَنسياً وقد شعَّ ادِّكارا
ذنبهُ أنْ كان لا يُلقي على النفسِ سِتارا
إنَّه عاش ابتكارا ويعيشون اجترارا

*** ولكي يعزز بالوقائع ما يشكو ويتهضم منه، وما يعيبه على أصحاب القرار وغيرهم، يبدأ الجواهري المباشرة في التصريح، غير مبالغ... فبعد كل عطائه الوطني والابداعي على مدى عقود، ها هو يعيش المغترب بكل صعوباته وأرقه، صاباً غضبه - غضب المحبين- على بلاد لم يستطع أن يمتلك فيها حتى "حويشة" بينما يتنعم الرائبون، والمنحنون... ثم يعود لينوّه إلى حكم التاريخ اللاحق، وعلى الآتي من الأحداث، بل ومتنبئاً بها... نقول متنبئاً، وقد صدق بما قال وأوحى، وذلك هو أمامنا، العراق وما عاشه من ماسٍ حد التميّز:
يا غريبَ الدارِ لم تَكْفَلْ له الأوطانُ دارا
يا "لبغدادَ" من التاريخِ هُزءاً واحتقارا
عندما يرفع عن ضيمٍ أنالتهُ السِتارا
حلأَّتْهُ ومَرَت للوغدِ أخلافاً غِزارا
واصطفت بُوماً وأجْلَتْ عن ضِفافَيها كَنارا...
يا لأجنادِ السفالاتِ انحطاطاً وانحدارا
وجدت فرصتَها في ضَيْعةِ القَوم الغَيارى

*** وفي سعي لتهدئة شي من ذلك الغضب العارم، يروح الجواهري في الأبيات التاليات حانقاً، محملاً زعامات ثقافية وسياسية، مسؤولية ما أحاق به من ظلم واجحاف... وهو يمثل هنا بالتأكيد مــرأة للعشرات، بل المئات من المبدعين والمناضلين وغيرهم، ممن اضطروا للاغتراب، أو اختيار المنفى اضطراراً... ثم راح الشاعر الرمز بعد تلكم الابيات يتطوع ليوزع صفاتٍ يعتقدها بحق الذين تسببوا في تلك الأوضاع وما آلت إليه، بل وليبقي من ميسمه في جباههم وشماً "خالداً" يعيرون به جيلاً بعد جيل:
يا غريبَ الدارِ يا من ضَرَبَ البِيدَ قِمارا...
ليس عاراً أنْ تَوَلِّي من مسفّينَ فِرارا
دَعْ مَباءاتٍ وأجلافاً وبيئينَ تِجارا
جافِهِمْ كالنَسرِ إذ يأنَفُ دِيداناً صِغارا
خلقةٌ صُبَّتْ على الفَجرةِ دعها والفِجارا
ونفوس جُبلت طينتُها خِزياً وعارا
خَلِّها يستلُّ منها الحقدُ صُلْباً وفَقارا...
أنت لا تقدر أن تزرعَ في العُور احورارا...

*** وأخيراً، وإذ يحين "مسك" الختام والايجاز لكل ما سبق وأشير إليه من وقائع ورؤى، يكتب الجواهري "معاتباً" "أصدقاء" ظنهم، و"أدباء" و"مثقفين" أحبهم، ولكنهم تجافوا، خوفاً أو تنصلاً... أو لأنهم "حيارى" حتى في أمورهم ذاتها، مما جعله يسعى مختلقاً الأعذار لهم ، باقتناع او بافتعال، وربما كلا الحالين.. ويختم :
يا غريبَ الدارِ في قافلةٍ سارت وسارا
لمصيرٍ واحدٍ ثم تناست أين صارا
سامحِ القومَ انتصافاً واختلِق منك اعتذارا
علّهم مِثلَكَ في مُفتَرقِ الدربِ حَيارى
سِرْ واياهم على دربِ المشقاتِ سِفارا
فاذا ما عاصفُ الدهرِ بكم ألوَى وجارا
فكن الأوثقَ عهداً وكُن الأوفى ذِمارا
----------------------------------------------------- رواء الجصاني 2024.5.19








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. على حلبة فورمولا 1.. علماء يستبدلون السائقين بالذكاء الاصطنا


.. حرب غزة.. الكشف عن نقطة خلاف أساسية بين خطة بايدن والمقترح ا




.. اجتماع مصري أميركي إسرائيلي في القاهرة اليوم لبحث إعادة تشغي


.. زيلينسكي يتهم الصين بالضغط على الدول الأخرى لعدم حضور قمة ال




.. أضرار بمول تجاري في كريات شمونة بالجليل نتيجة سقوط صاروخ أطل