الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العواصم الثقافية ورهانات المستقبل

يوسف هريمة

2006 / 12 / 10
الادب والفن


إن المتتبع للثقافة العربية، وما آلت إليه من انحدار في سلم الحضارات والثقافات الإنسانية، ليجد نفسه أمام إشكالية حقيقية تفرض نفسها من جديد، كلما لاح في الأفق شعار حوار الثقافات، وكلما ارتأت الدول المنتمية لهذه الثقافة تنظيم الندوات، والموائد المستديرة في محاولة منها لوضع اليد على أماكن الجرح، لعلها توقف زحف هذا النزيف المستشري، في أوصال ثقافة باتت عاجزة عن التواصل مع نفسها، بله أن تطرح نفسها نموذجا إنسانيا، ومطلبا أساسيا في البناء والتعمير الحضاريين.
من أجل هذا أو ذاك، وشعورا بالأزمة التي تحيط بالإنسان العربي عموما، تأتي فكرة " العواصم الثقافية "، لترسخ الأزمة من جديد بدل أن تطرح بديلا حضاريا ينشد فيه الإنسان العربي ثقافته المفقودة وراء لقمة العيش، والقمع الفكري، والاستلاب الذاتي.
إن فكرة العواصم الثقافية" ما كانت في ذهن منشئيها، ومن قاموا بابتكارها إلا محاولة جادة لإبراز المؤهلات والإمكانيات الثقافية والحضارية لمجتمع معين، وذلك بإبراز كل هذه الجوانب الإنسانية عبر قنوات الفكر والإبداع والمشاركة الفعالة. لكن هذه الفكرة أخذت مسارا لم يكن مرسوما لها، ونحت بنفسها أو بغيرها نحو اتجاه آخر، فعبرت بقصور عن كل ما تحويه من جوانب إنسانية تفتح بآفاقها عوالم الزمان والمكان، وتزحزحت عن المسار لتجد نفسها على شفا حفرة من الاستعصاء الثقافي، الذي يعجز في الكثير من الأحيان عن تحقيق إنسانية الإنسان، والاستجابة لمطالبه الفكرية والسياسية والاجتماعية.
إن عمق الأزمة الثقافية في العالم العربي، مرجعه إلى الاختلاف في مفهوم الثقافة نفسه. فمنهم من يختزله في الجوانب الفنية، ومنهم من تغريه الجوانب الدينية أو التاريخية.غير أن هذا الاختزال الخطير لمفهوم الثقافة، هو ما يفشل كل المحاولات والأفكار الرامية إلى إبراز هذا الجانب أو ذاك. ونظرة تجزيئية اختزالية لهذا المفهوم الشامل لكل الجوانب الحياة من شأنها تعطيل تواصل الإنسان بشكل إيجابي مع محيطه الإنساني والكوني.
والجانب الثاني الذي يكرس عمق هذه الأزمة، هو دور المثقف العربي باعتباره منارة إشعاع، تسطع منها شمس التواصل واللقاء مع ثقافة أساسها الإنسان، بعيدا عن التحيزات الدينية والسياسية والفكرية. وتتقاسم المثقف العربي رؤيتين اثنتين:أولاهما: رؤية استلابية إلى الغرب أو الشرق، يحاول فيها هذا المثقف الانصهار في بوتقة هذا الاتجاه أو ذاك، غير آبه بالخصوصيات المميزة لأي هوية. وثانيهما: رؤية انغلاقية معتمدة في أصولها على مخلفات الماضي، وتعيش على أمل استرجاعه، من خلال منظومة مقدسة لا يجرؤ أحد على ملامستها أو الحديث عنها نقدا أو مراجعة.
وبين هذا و ذاك تضيع آمال الإنسان العربي في رسم معالم ثقافة إنسانية أساسها الإنسان ومآلها الإنسان، منفتحة على الآخر، محترمة لخصوصياته، متواصلة بشكل إيجابي مع محيطها القريب والبعيد، مشاركة في ربط أواصر المحبة والسلام في مجتمع إنساني منشود.
وللخروج من هذا المنزلق الثقافي الخطير، وجب اعتماد مقاربة شمولية تراعي الجوانب كلها، بعيدا عن المنهج التجزيئي الاختزالي الذي يعمق الأزمة بدل أن تلوح في الأفق بوادر تغيير حقيقية.
وهذا لن يتأتى إلا بنشر القيم الديمقراطية والتشاركية، لإدارة الشأن العام وتعزيز البناء الحقوقي من أجل خلق جو إنساني، ينعم فيه الإنسان بالحياة الكريمة على جميع المستويات. كما ينبغي إنشاء برنامج للعدالة الاجتماعية بين كافة مكونات المجتمع، مع اعتبار الحقوق الثقافية والتنوع الديني، واحترام التعددية بصفتها جزءا من المسيرة التنموية. إضافة إلى توسيع هامش حرية التعبير في المجالات المتعددة، وسيادة القانون بين مؤسسات الدولة.وهكذا فبمقاربة شمولية لواقع الثقافة العربية، التي عجزت عن لعب دور ريادي من المفروض أن تلعبه، يمكن الحديث عن دور لهذه العواصم الثقافية المبثوثة هنا أو هناك، سنة تلو الأخرى.
فلا حديث عن ثقافة في ظل استلاب حضاري غربي أو شرقي، ولا ثقافة في واقع يلهث الإنسان العربي فيه وراء لقمة عيش يسد بها رمقه، ولا ثقافة دون حرية مسؤولة يتحمل كل واحد منا مسؤوليته الحضارية والإنسانية في بناء الوطن. وبعيدا عن النظرة الشمولية التي يتداخل فيها السياسي بما هو اجتماعي واقتصادي وفكري، تفشل المسيرات التنموية للدول العربية، وتخلق أجواء من الاضطرابات والصراعات الاجتماعية، التي تحول دون بلوغ آمال الإنسان العربي سواء أقيمت مدن الثقافة أو لم تقم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لأي عملاق يحلم عبدالله رويشد بالغناء ؟


.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د




.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس