الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اشراقات اللغة..وتجليات الصور الشعرية في قصيدة الومضة لدى الشاعرة التونسية أ-ألفة العباسي

محمد المحسن
كاتب

2024 / 5 / 19
الادب والفن


قصيدة الومضة هي تعبير عن لحظة انفعاليّة محددة أو وميض لإحساس شعريّ خاطف يمر في المخيلة، فيصطاده الشاعر ويصوغُهُ بصورة شعرية مكثفة محملة بدلالاتٍ كثيرة تثير إحساس القارئ فيتلهف لاصطياد مكنوناتها.
ولعلّ من أهم العوامل التي لعبت دوراً هاماً في نشأتها هو التحول الفكريّ والفنيّ ومتطلبات الحياة الجديدة والمؤثرات الأجنبية كل ذلك مهد الطريق في انتقال الشعر من المباشرة والخطابية إلى الإيحاء،أو الانتقال من الشعر الذي يُلقى أمام متلقين في مهرجانات شعرية لغاية التوعية،والتنوير،إلى الدعوة إلى قصيدة تقرأ في جو خاص.
الشاعرة التونسية المتميزة ألفة العباسي تحاول ابتكار زمنها الفكري بمفردات قليلة في نصوصها وهي تحمل ثقل الدلالات الفكرية المتوالدة من التكثيف دون اللجوء للتصريح بها لما لها من تأثير نفسي نابع من محاولة الشاعرة اكتناز الكثير من الدلالات الفكرية ضمن إطار ضيق وكلمات أقل تدفع بالمتلقي إلى التوقف عند صورها وهي تغويه الى عالم واسع في كنف جمالية تفاعله مع النصّ..
تهمس زليخة
في عشقك
بلغتُ من العمر العتياّ
..ذاب قلبي
.. تلاشت روحي
و إشتعل الرأس شيبا
لعلّ أهم ما يخرج به قارئ ومضات أ-ألفة العباسي أنها تركّز على ردة فعل القارئ ومدى استجابته مع النصّ الذي يشكّل جملة قراءات ناجمة عن قدرة تأويلية لديه وشد انتباه القارئ من خلال الاهتمام بالمقاربة،والتركيزعلى الجملة القصيرة المكثّفة كقولها :
كان يتقن صنع الفوانيس
من الحروف
و يسكب فيها المعنى ضوء
يرتبها و ينظم منها احلى و اعذب القصائد
كان ينصب لقلبي فخا
و انا طوعا وقعت به
إن الانسجام بين محوري الاختيار"المعنى..والضوء" يكشف شعرية خطاب الومضة لدى الشاعرة أ-ألفة العباسي-وهو خطاب يضجّ بالثنائيات أو أكثر فعناصر الصورة لديها تجمع بين أشياء بينها من التقارب والتشابه أكثر بكثير مما بينها من تنافر وتضاد عكس أكثرية شعراء الومضة،وهكذا في نصها الآخر:
أنت سمائي...
مثقلة أنا بغيمك..
فأين المفر..
أهرب منّي اليك. وأرمي بذاكرتي في قلب جورية كي تشفى من جراحها
وأركض نحوك كطفلة شقيّة كي أبتسم...
أحبّك و كفى..
هذه الجمل المحوّلة من الصور الذهنية إلى الصور الخطيّة توحي أن جدلية الحياة لا تكون إلا من خلال ثنائيات الممكن والمستحيل.
فالومضة شكل من أشكال الانزياح الذي تباغت بها الشاعرة المتلقي من خلال التركيبة الأسلوبية المتميزة القائمة على مصاحبة لغوية غير عادية.فالصورة تكشف عمقها بطريقة لا شعورية،إذ تجعل المرئيَّ روحاً خفية،وتجعل للروح الخفية طبيعةً مرئية..
ولأن قصيدة الومضة تختزل الموقف والمفردة والشعور كي تعطي للمعنى بعداً مغايراً،وتمنح الصورة روحاً تجعل القارئ يحلّق إلى حيث تشظياتها ليمسك بخيوطها لذا فهي قادرة على التوصيل للمتلقي كل دفقاته الشعرية والشعورية،ضمن تعبير متميّز يحمل الروح والفكرة والشاعرية بكل ألق وإبداع لكونها ترتكز على الشحنة الدافقة والتي من طبيعتها تدهش القارئ كقولها:
إن جئتني مكسورا
فضمّك واجب
أنا في هواك
أخالف الاعراب.
نلاحظ أن الشاعرة ترتكز في ومضاتها هذه على مصادر الجمال الفنّي الذي ينبع بالدرجة الأولى من جمال الصورة التي ترسمها الشاعرة والقدرة الإيحائية والصدمة المتولدة.
لذا نقول إن قيمة الصورة الشعرية في قصيدة الومضة لدى الشاعرة ألفة العباسي كغيرها من شعراء الومضة هي نوع من الاختزال الرائع والتوافق وهذا يدل على عمق التجربة الشعرية التي تتمتع بها الشاعرة وقدرتها في الجمع بين كثافة اللغة والصورة الإبداعية..
وفي الختام نقول: القصيدةُ الومضية هي التي تتعدّد فيها الأصوات الشعريّة وتحيل إلى بنية جديدة ونسيج وعلامات وإشارات متعدّدة تنطوي ثناياها على علاقات متنوّعة فيها من الإثارة والإدهاش ما يجعلها تثير المتلقّي وتجذبُ انتباهَه،وهذا ما قامت به الشاعرة الفذة أ-ألفة العباسي،لذا كانت للصورة أهمية استثنائية في نصوصها الومضية لأنها تُلتقط في لحظة انبهار ضوئيّ يكشف جزئيات،وحساسيات ذهنية في غاية الحدة.
لها مني باقة من التحايا..مفعمة بعطر الإبداع..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات


.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة




.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها


.. الممثلة ستورمي دانييلز تدعو إلى تحويل ترمب لـ-كيس ملاكمة-




.. عاجل.. تفاصيل إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق