الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مقامة العمر .

صباح حزمي الزهيري

2024 / 5 / 20
الادب والفن


كتب أحد ألأصدقاء على صفحته متذمراً من مصاعب الحياة في عمر الشيخوخة , فكتبتُ له تعليقاً وقلت : مهما كانت الحياة كئيبة فلن نتخلى عنها ,نعيشها لآخر لحظة, ولما عرضت الموضوع على صديقنا الآخر أجابني : كل يوم جديد هو عمرنا كله, فالامس قد مات واليوم يحتضر والغد لم يأت بعد.

يقول المتنبي :
((لا تلق دهرك إلا غير مكترث ....ما دام يصحب فيه روحك البدن
فما يديم سرور ما سررت به ......ولا يرد عليك الفائت الحزن )) .
لطالما كان العمرُ لأصحاب المباديء وحاملي الرسالات لا يساوي شيئاً لانهم وهبوا أرواحهم للوطن او للقضية التي يؤمنون بها ويتبنوها , ونحن على أقدامهم وسيرتهم فربما ننفق كل العمر كي نثقب ثغرة, ليمر النور للأجيال , وفي حُكم القاضي على عمر المختار بالإعدام شنقاً حتى الموت مثالاً , حيث قهقه عمر بكل شجاعة قائلا (( الحكم حكم الله لا حكمكم المزيف)) ,ماذا نفعل و الْوقْتُ عدَّادٌ وقِحٌ يأْكلُكِ لسانُهُ, وعقاربُ ساعاتِهِ تسْلخُ جِلْدةَ الْعُمْرِ؟ وهذا الْعُمْرُ زمنٌ مُمدَّدٌ علَى سيخٍ تسْقطُ أنْيابُهُ كلّمَا نبتَتْ لِلْميلادِ شجرةُ الْوهْمِ , شجرةٌ دونَ أغْصانٍ , تتفرَّعُ داخلَكِ ثمَّ بفعْلِ التّعْريّةِ تسْقطُ, ويقولون أحتفل بالسنة الجديدة , فكيْفَ نحْتفلُ والسّنةُ رقْمٌ ؟ مجرّدُ رقْمٍ لَا رأْسَ لهُ ولَا ذيْلَ؟

فلنعترف , وكما تقول احلام مستغانمي : (( لا تحزن على مرور عام من العمر فمع العمر نخسر حاسة البصر لصالح قوة البصيرة , مع العمر تتراجع نسبة قوّتنا الجسدية لصالح قدراتنا الفكرية, قد يختفي اللون الوردي من وجنتينا لتفوح رائحة الورود من كلماتنا, تتراجع أنانيتنا لصالح اكتساب محبة ذوينا , مع تقدم العمر نحن ﻻ نخسر, بل نستبدل الخسائر بأرباح)) , دمعة تسيل وشمعة تنطفئ والعمر بدون اهدافٍ يختفي وأقصر من أن نقامر به في روليت الانتظار, ويهرم الانسان حين يتوقف عن التطور والتقدم, فالزمان فم لعابه الأمل, ولسانه التاريخ, ولقمته العمر, ونابه الموت , وهكذا فان العمر الحقيقي للإنسان هو عمره بعد موته, فليرحل ربيع العمر عنا , ولا نبالي ما دامت بركة العمر في حسن العمل , إن الإنسان هذا المخلوق الغريب تسعده لحظة صفاء يجد فيها نفسه , ولا يرضيه عمر كامل إن شابته الأكاذيب .

يقول يوسف السباعي : ((إن ربح العمر ساعات السرور, وأحكم الناس فى هذه الدنيا رجل استطاع ألا يحزن , فجعل كل عمره ربحاً)), ترى كم لقاء عشناه وكان نسيمه الشوق وعبيره الإخلاص, ينبع من بساتين الحب في ربيع العمر, في أرض القلوب في لحظة اللقاء؟ مرة قرأت ان الوقت صناعة الهادئين , وعذاب العجولين , ومسألة التائهين, الوقت رفاهية المطمئنين , ورعب المنتظرين , وفلسفة الواصلين, الوقت أعذب أمنيات الوصال , وأصعب بوابات الفراق, الوقت أنت حينما تملك حالك , والوقت غيرُك حينما تنتظر أمرك من غيرِك , والوقت هو الوقت عداد العمر السائر نحونا قُدُما مهما استخفينا منه أو استبسلنا شُجعانا للقياه .

عندما تتراكم الأعوام في عمر الإنسان, يبدأ بإدراك أن الوقت يفلت من بين يديه ,يقول نجيب محفوظ : (( ما أضيق الوقت و أقصر العمر)) , وعليه مهما تقدمت بالعمر, لا تجعل ذكريات الماضي تتفوق على احلام المستقبل,ان من يمتلك خريطة لوقائع الزمان الآتي يعرف كيف يتفادي فخاخ العمر كما كتب احدهم , إنني أريد أن آخذ حقي من الحياة عنوة, أريد أن أعطي بسخاء, أريد أن يفيض الحب من قلبي فينبع ويثمر, ثمة آفاق كثيرة لابد أن تزار, ثمة ثمار يجب أن تقطف, كتب كثيرة تقرأ, وصفحات بيضاء في سجل العمر, نكتب فيها جملاً واضحة بخط جريء. والواقع انه لا يوجد ما يستحق الندم غير ما يضيع من العمر فى هذا الندم , ففي بلادنا فقط يموت الحاكم في التسعين من العمر ولم يبلغ سن الرشد , فلا تجلس أمام الأنهار التي تجري دائماً ,فيجري معها العمر, علينا أن نأخذ بما قاله صلاح الدين الأيوبي : (( لا يوجد ما يستحق الندم غير ما يضيع من العمر فى هذا الندم )), ففي الندم خسارة فادحة لأنك إن أعطيته قلبك كاملاً , ووقتك كاملاً , وحاضرك وغدك , فسوف تخسر الكلّ لا محالة , فإذهب بكلّك الى الأمل والى الحبّ وإن كان هذا لا يقلّ سذاجةً عن ذهابك إلى البحر على لوح خشبيّ للتزلّج على الأمواج العاتية , مُعتقداً أنّ شيئاً منك سيعود سالماً بعد العاصفة , لكن ذلك بكل الأحوال أفضل من تفكيرك بالماضي أو خشيتك من المستقبل.

بعد هذا العمر وتعب الطريق إن لم تساعدك عظامك على الوقوف مشرئباً فسيساعدك تاريخك أن تبقى مرفوع القامة كإبن العشرين.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس


.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام




.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس