الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصعيد المصري في رواية -شامة (21 متر مربع)- رضوى جاويش

رائد الحواري

2024 / 5 / 20
الادب والفن


الصعيد المصري في رواية
"شامة (21 متر مربع)"
رضوى جاويش
تناول شخصية ريفية مهمشة/فقيرة/مظلومة، يمثل تمردا على المجتمع الطبقي والاجتماعي، وهذا ما يؤكد دور الأدب في خدمة الشعب/العامة، وليس خدمة أولئك المتنفذين الذين يسيطرون على كل شيء، وبما أن الرواية تتحدث عن فتاتين "شامة ويمامة" فهذا يعطيها حسنة أخرى، لأنها تتحدث ليس عن المجتمع الريفي فحسب، بل عن النساء فيه ـ الأكثر ظلما وقهرا ـ وما يعانين من ظلم وقهر.
الفاتحة السوداء
تفتتح الساردة الرواية بهذا الشكل: "أخذت الذئاب تعوي بشراسة تقشعر لها أدان أشجع الرجال وحاصة مع انتشار صدى العواء في كل جنبات ذاك النجع الهائج في تلك الليلة قارصة البرودة.
ازداد العواء حدة جعلت قمر هذه الليلة يختبئ خلف الغيوم التي انتشرت بعرض السماء القاتمة ليتحول ظلام الليل إلى عتمة أكثر رهبة من ظلمة قبر" ص7، بهذه الفاتحة القاتمة يستطيع المتلقي أن يصل إلى مضمون الرواية، ومثل هذه القتامة تأخذنا إلى حجم القسوة التي أرادت الساردة تقديمها، وإلى (حقيقة) الحدث وحالة البؤس التي تعيشها النساء في الريف المصري، بمعنى أن هناك دافع اجتماعي/موضوعي دفع الساردة لتتحدث عن حدث/حالة إنسانية، فجاءت رواية "شامة" لتمثل قرع نساء الصعيد المصري لجدار الخزان.
سلطة العائلة
بما أن هناك صعيد/ريف فهذا يعني أن العائلة هي من تتحكم في الفرد وتفرض سلطتها عليه، "عسران" ابن العمدة" يحب "شامة" الفتاة الفقيرة/المهمشة، لكن "جليلة" أمه ترفض أن يقترن بها، واضعا شرطا: "نختارهالك أحنا حسب ونسب وعيلة.. نتشرفوا بيها جصاد الخلج.. واللي رايدها همجوزها برضك.. بس فالسر.. بعد جوازك من العروسة اللي نختارها.. إيه جولك؟ هو ده شرطنا .. يا كده يا بلاش" ص29، نلاحظ أن السادرة تستخدم اللغة المحكية في الصعيد المصري، وهذا يوصل للمتلقي فكرة عن طبيعة المكان الذي تجري فيه أحداث الرواية وطبيعة شخصياتها القاسية.
لم تقتصر سلطة العائلة على اختيار الزوجة فحسب، بل طالت الزوجة نفسها أيضا، فبعد أن يدخل "عسران" على زوجته ويراها، يتراجع إلى الخلف صارخا/مرتعبا: "جحظت عيناه في صدمة وابتعد متقهقرا للخلف عدة خطوات دفعتها لتهتف في اضطراب:
ـ أيه في يا سي عسرا؟ إيه اللي جرى؟" ص32، وهكذا يتركها دون أن يقوم بواجبه كزوج، وهنا تتدخل "أمه "الجليلة" لتمارس سطوتها على الزوجة: "، بجولك إيه يا بت.. عارفة اللي حصل اليلة دي يخرج بره.. هجطع فرطك.. أني اللي جبتك هنا وجوزتك ولدي وأني اللي أجدر أخرجك بكره بفضيحة تعيشي أنت وناسك بعارها ليوم الدين.. فاكتمي نفسك.. ولا حتى تبكي.. عايزة أهلك لما ياجوك بالصباحية بلاجوا بدر التمام جصادهم مش بومة شوم.. فهماني؟!"ص34، بهذا المشهد تكتمل صورة العائلة وسطوتها على الأفراد، فهي تسحقهم/تذوبهم/تلغيهم.
نلاحظ أن سطوة العائلة لا تطال الذكور فحسب، بل النساء أيضا، كما أن سطوة العائلة لا تمارس من قبل الذكرة فقط، بل من السناء أيضا، بمعنى أن السلطة ـ أي سلطة ـ تنفذ ما تراه مناسبا مع فكرها/قناعتها.
المجتمع الذكوري
الريف/الصعيد يمثل العقلية الذكورية بكل تجلياها، حيث ينظر إلى المرأة على أنها أقل من الرجل، وأنها حمل/عبء عليه، بعد أن تضع أم "شامة ويمامة بنتيها، يخاطبها زوجها بهذه العقلية: "ـ جبتي بنتين؟!.. كنت عايز واد يوجف بضهري تجبيلي بنتين أجعد أربي فيهم للغايب لحد ما ياجي ياخذ ع الجاهز" ص91، وهذا ما يجعل الاضطهاد/القهر/الظلم مضاعف على المرأة، فهي تعاني من أكثر من سلطة، سطلة الأب/العائلة، سلطة المجتمع/ سلطة الزوج، السلطة الحاكمة.
الطرح الطبقي
الظواهر السلبية متعددة في المجتمع الذكوري، من هذا السلبيات التفاوت الطبقي وانعكاسه على سلوك الأفراد وطريقة تعاملهم، فالفقراء يتعرضون لأقسى أنواع الظلم، فقط لأنهم فقراء، وليس لأي سبب آخر، تتحاور "يمامة وشامة" حول العلاقة مع "عسران" ابن العمدة:
"ـ بجولك إيه يا بت؟.. بلاها السكة اللي أنت سلكاها دي.. آخرتها واعرة يا بت أبوي.
...يا خيتي الطريج ده واعر.. ما في بت فالتاحية كلها سلمت من راجل غني جعد يضحك على عجلها لجل ما ينول غرضه ويروح.. وإحنا فلابة وملناش راجل.. لمي روحك محناش كده.. الناس دي يجتلونا ولا لينا عندهم دية" ص97، نلاحظ عقم عقلية المجتمع الذكوري في عدة أوجه، منها العقلية المتخلفة التي تتعامل مع المرأة على أنها متاع، وله الحق في الاستمتاع بها متى أراد وكيفما شاء، وأيضا الطرح الطبقي والنظرة الاستعلائية التي تجعل الفقراء أقرب إلى العبيد منهم إلى بشر لهم حقوق تلزم الغني/المتنفذ بالتعامل معهم باحترام وضمن حدود القانون.
بعد أن يأخذ "عسران" حاجته من "شامة" تكون بهذه الصورة: " سال دمها الذي كافحت كثيرا متشبثا بالمقل وهي ترى بعين خيالها شجارها مع عسران.
ـ متفضحنيش يا عسران.. هو أني عشان بحبك تعمل فيا كده؟!.. ده أني محدش هيحبك كدي..
هتف بها ساخرا:
ـ والله بنات النجع كلهم بيمنوا ينولوا الرضا وواد العمدة بس يجول رايد وأحسنها واحدة هتجول آمين.. أنت مين من أساسه!؟.. زيك زي غيرك.. رخصية ملهاش تمن ولا ليها بدنة تجيب حجها.. لهو أنت كنت فاكرة إني عاشجك صح!؟
ـ طيب هعمل إيه أني دلوجت.. واللي فيبطني يا عسران!؟ ..حرام عليك ولدك..
ـ بكفاياك.. لعبتك مفضوحة ...غوري شوفيلك حد غيري أرمي عليه بلاك.. جال ولدي جال" ص106و107، نلاحظ أن طريقة تعامل "عسران" مع "شامة" فيه أكثر من وجه للظلم، ظلمها كحبيب حين غادرها وتخلى عنها بعد أن فض بكارتها وأخذ حاجته منها، ظلمها حين وعدها بأنه سيخرجها من وضعها الاقتصادي والاجتماعي بزواجه منها، لكنه أبقاها في ال (21) متر مربع لتعيش كما كانت، مع فضيحة اجتماعية/أخلاقية ستلاحقها إلى آخر يوم في حياتي.
الجريمة والعقاب
ضمن هذا الظلم كان لا بد من حدوث فعل ينهي مأساة "شامة" فتم قتلها، بواسطة السم الذي وضعه "عسران" لها في الحلوى، ثم اشعل النيران في جثتها، وهنا تأتي توأمتها "يمامة" لتنتقم من "عسران" حيث يتم استدراجه إلى مكان مناسب وهناك يتم تصفيته، ثم يموت العمدة حسرة على "عسران" وتفقد زوجته "جليلة" القدرة على الحركة.
شعبية اللغة والطرح
فمثل هذه النهاية تخدم الفكرة الشعبية التي تجعل الخير ينتصر، والقدر يأخذ حقه من الظّلام والظالمين وينصف المظلومين، فالنهاية تتماثل مع ما يحمله الموروث الشعبي من انتصار الخير على الشر، كما أن وجود مجموعة كبيرة من الأغاني الشعبية:
" لما جالولي ده غلام ... أنشد ظهري واستجام..
وكلوني البيض مجشر... وعليه السمن عام..
ولما جالوا دي بنية .. الحيطان مالت عليا..
وكلوني البيض بجشره .. وبدال السمن ميا.." ص121.
أكدا شعبية الرواية التي كتبت عن المجتمع العصيدي وجهت له، من هنا وجدنا الحضور القوي للغة المحكية الصعيدية، وللأغاني الشعبية، والنهاية التي تنسجم مع الثقافة الريفية/الصعيدية التي تؤمن بانتصار الخير على الشر.
طريقة السرد والحداثة
اللافت في الرواية طريقة السرد التي اعتمدت على الاسلوب البوليسي، حيث تبدأ بتناول جريمة قتل "شامة" وتنتهي بقتل "عسران"، وما الطريقة الذكية التي اعتمدنها الساردة في تقديم الأحداث وتناسقها ـ رغم عدم تسلسها ـ إلا من باب جذب القارئ للرواية وأحداثها.
كما أن وجود صور أدبية في الرواية: "وقف أمام مدفنها في ذلك الغيط المهجور وما أن تطلعت نحو موضع دفن أختها حتى توقف المطر بلا سابق إنذار وكأنه لا يريد أن يصبح شاهدا على مثل هذا اللقاء البغيض" ص 123، أسهم في التخفيف من قسوة الأحداث والشخصيات، وهذا ما جعل القارئ يتناول الرواية في جلسة واحدة.
الرواية من منشورات تدوين، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى 2021.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس


.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام




.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس