الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رهانات الإصلاح الدستوري في المغرب

نورالدين الشريف الحراق

2006 / 12 / 11
حقوق الانسان


بعد تأسيس هيئة الإنصاف والمصالحة ومباشرة جلسات الاستماع العمومية لضحايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، عبر مختلف وسائل الإعلام الوطنية والدولية ، طرحت العديد من الجمعيات والهيئات والمنظمات الفاعلة ضمن نسيج المجتمع المدني المتابع لملف تلك الخروقات مجموعة من التصورات بخصوص الإصلاح الدستوري المرتقب في المغرب ، مساهمة منها في معالجة الخلل البنيوي العميق الذي تعاني منه البلاد في هذا المجال .
وقد اندرج ذلك المسار الذي وضع العديد من الاقتراحات ، على مستوى الأفكار والآليات ، بشأن الضمانات القانونية والمؤسساتية الكفيلة بعدم تكرار تلك الفظائع التي عانت من ويلاتها مختلف مكونات وشرائح المجتمع المغربي ، خلال أربعة عقود ، ضمن متابعة دقيقة لمختلف المقاربات المعتمدة في معالجة ذلك الملف ، على خلفية الوتيرة المتسارعة حاليا في طي صفحته ، على المستوى الرسمي بوجه خاص ، من دون تعميق البحث في أسبابه وتداعياته ، ومن دون الاعتماد على مرجعية ديموقراطية تروم تفعيل مفاهيم الحق والقانون في المشهد السياسي .
والواقع أن تلك الرؤى والمقاربات التي باشرتها فعاليات المجتمع المدني والتي أفضت إلى سقف مرتفع نوعيا من مطالب الإصلاح الدستوري لم تنطلق من فراغ ، لكونها تدخل في صميم ما راكمته المذكرات السابقة المعنية بنفس الموضوع والمقدمة إلى المؤسسة المخزنية ، في أكتوبر 1991 ، من طرف حزبي الاستقلال والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ، ضمن مبادرة مشتركة .
ذلك أن النسيج المدني الذي يضم هيئات وجمعيات ومنظمات تنضوي ضمن حركة المطالبة بدستور ديموقراطي ، بادر بالتنسيق بين الأفكار الكبرى التي تشكل قاسما مشتركا بين كافة الفعاليات والحساسيات السياسية والحزبية والحقوقية وأفرز تركيبة عملية لتلك التصورات بشكل متكامل ، في إطار عمل جماعي ، انطلاقا من مقاربة موضوعية للمعطيات تراهن على المستقبل ، على اعتبار أن الإصلاحات المؤسساتية هي وحدها الكفيلة بتفادي جميع التجاوزات واستبعادها بشكل نهائي .
وبالاستناد إلى ذلك الوعي الجماعي الساعي إلى الانفتاح على آفاق إيجابية تجنب البلاد مخاطر الاصطدام والعنف ، على المدى المتوسط والبعيد ، وبعد العديد من المداولات والمشاورات بين الباحثين والخبراء والمختصين في تلك الجمعيات والهيئات والمنظمات ، من منظور الإعداد لمنظومة ديموقراطية تعتمد على توافق حقيقي بين كافة مكونات المشهد السياسي ، تم التوصل إلى أربعة محاور أساسية عُمِّق حولها النقاش ، على اعتبار إمكانية تحيينها ضمن أدبيات « العهد الجديد » المروج له بكثير من التهافت ، بهدف التصدي لأحد الأسباب الرئيسية وراء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ، ألا وهو غياب التراضي على دستور ديموقراطي حقيقي .
وعلى ضوء المقترحات الأولية التي تم التوصل إليها بخصوص تلك المحاور انكبت الجمعيات والهيئات والمنظمات الفاعلة ضمن منظومة المجتمع المدني المتابعة لملف انتهاكات حقوق الإنسان على صياغة رزنامة من الخلاصات عمدت إلى تشخيص الخطوط العريضة لتصور إعادة انتشار السلط والهندسة المؤسسية في المغرب ، من أجل تقديمها على شكل مذكرة أمام هيئة الإنصاف والمصالحة لمساعدتها في إعداد التقرير النهائي ، وأمام الديوان الملكي والوزارة الأولى والفرق البرلمانية لتوفير إمكانية مناقشتها من طرف الأحزاب السياسية .
ويعنى الاتجاه العام لتلك المحاور الأربعة في الإصلاحات الدستورية بالنقاط التالية. أولا ، بالجانب المؤسساتي والسياسي بهدف توضيح الصفات والصلاحيات الملكية بشكل لا يسمح بتأويلات تهمش دور الحكومة والبرلمان ، لا سيما وأن الدستور المغربي تجري قراءته وتأويله من طرف المؤسسة المخزنية في اتجاه لا يعزز الثقافة الديموقراطية وربط الحكم بالمسؤولية . ثانيا ، بإصلاح القوانين والمراسيم المتضمنة للعديد من الثغرات ( حرية التعبير والعقيدة وغيرهما ) ، من خلال تقوية الضمانات الدستورية للحقوق وللحريات العامة ( حرية الصحافة والتجمعات وتأسيس الجمعيات ) ، بما في ذلك تعزيز استقلال القضاء . ثالثا ، تقوية دور الحكومة في صيانة السياسة العامة للدولة والتوفر على جميع وسائل تنفيذها وتقوية دور الوزير الأول على الجهاز التنفيذي ، في سبيل وضع حد لتعدد مراكز القرار الخارجة عن سيطرة الحكومة المسؤولة أمام البرلمان والمواطنين في الانتخابات . رابعا ، تقوية البرلمان بتعزيز دوره التشريعي وارتباطه بالحكومة في تنصيبها ومراقبتها .
وتأتي هذه المبادرة الجديدة المتضمنة للعديد من المقترحات الملموسة ومن التفاصيل بخصوص الإصلاح الدستوري في سياق سجال نظري بين تيارين ضمن المشهد السياسي المغربي ، إذ يقترح العديد من الفاعلين المنتمين للأحزاب المشاركة في الحكومة الحالية الاكتفاء بطرح مطالب تهم المرحلة الانتقالية وتُعنى بدستور معدل بشكل طفيف وجزئي من شأنه الإفضاء إلى نظام الملكية البرلمانية ، بينما تطالب القوى الديموقراطية الفاعلة خارج العمل الحكومي بضرورة طرح مطالب تشخيص التوجه نحو الملكية البرلمانية ، على اعتبار أن المرحلة الانتقالية قد انطلقت منذ الإصلاح الدستوري لسنة 1992 .
وفي هذا الإطار ، يكمن الطابع النوعي للمبادرة الحالية التي اضطلعت بها جمعيات وهيئات ومنظمات المجتمع المدني ، من خلال المذكرة الخاصة بالإصلاح الدستوري مؤخرا ، في إطار متابعتها لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب ، في كونها تشكل تحولا جديدا في هذا المجال ، على اعتبار أن الأحزاب السياسية هي التي كانت تتصدى تقليديا لهذا الموضوع ، عبر الملتمسات المقدمة إلى المؤسسة المخزنية ، منذ الاستقلال .
إلا أن الأحزاب السياسية المغربية المنخرطة في لعبة ما اصطلح عليه « بالتناوب التوافقي » لم يكن لها بشكل عام سوى مواقف سياسية عامة من الدستور ، من زاوية عدم ملاءمة بعض فصوله التنظيمية لبعض الآليات المرتبطة ببعض التدابير التنفيذية الفرعية ، ولم تبادر بتقديم أية اقتراحات أو مطالب مباشرة وملموسة تهم كيفية الإصلاح الدستوري بشكل جذري .
ذلك أن مطالب الإصلاح الدستوري في المغرب كانت تقدم من طرف نخب حزبية معزولة عن المواطنين ولا تعبأ الرأي العام بالشكل الذي يصير بموجبه بمثابة قوة ضاغطة ولم تفسر للمواطنين الترابط الوثيق الموجود ، على سبيل المثال ، بين تفشي المحسوبية والزبونية وانتشار التعسفات وغياب المكاشفة والمحاسبة واستمرار ظاهرة الإفلات من العقاب وبين أسلوب الحكم والمسألة الدستورية .
وإذا كان النسيج المدني المكون من مختلف تعبيرات المجتمع لا يسعى إلى لعب الأدوار المنوطة إجرائيا بالفاعلين السياسيين ، إلا أنه حاول التنسيق بين كافة مكونات المشهد السياسي وحثها على النقاش واقتراح المداخل للإصلاح الدستوري ، بموازاة مع الإصلاح القضائي والتشريعي ، بهدف حماية المجتمع المغربي من انتهاكات الأفراد والهيئات المنتمية للسلطات العمومية .
وبما أن المسألة الدستورية تهم جميع المواطنين ، فإن الإصلاح الدستوري يعد ضروريا للوقاية من الخروقات التي طالت حقوق الإنسان في المغرب ، على اعتبار أن الدستور هو عبارة عن مجموعة من القواعد التي يجب أن يرتضيها كل الفاعلين السياسيين ، وبالخصوص في غضون الفترة الحالية التي تمر منها البلاد بعدما وضعت هيأة الإنصاف والمصالحة تقريرها النهائي الذي يتضمن العديد من التوصيات لمنع تكرار الانتهاكات الجسيمة التي تعرض لها المغاربة طوال سنوات الجمر والرصاص .
ومما لا شك فيه أن تلك التوصيات تعتبر أساسية بالنظر إلى مستقبل البلاد لكون الهندسة الدستورية الحالية تؤبد الحيف والامتيازات وتكرس اختلالا كبيرا في توازن السلط وتتميز في بنيتها العميقة بغياب أية ضمانات حقيقية للحقوق والحريات واستقلال القضاء ، ولا تترجم المنطق الديموقراطي الذي يربط السلطة بالمحاسبة .
ومن هذا المنطلق ، فإن التوافق الوطني حول الاقتراحات المقدمة من طرف جمعيات وهيئات ومنظمات النسيج المدني المتابع لملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في المغرب بخصوص الإصلاح الدستوري هو في مصلحة الجميع ، على كافة المستويات ، ومن المفترض أن يسعى كل الأفراد والمؤسسات إلى تحقيقه ، باعتباره المدخل الرئيسي لتأسيس دولة الحق والقانون .









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسؤولون فلسطينيون: التصعيد الإسرائيلي في جنين رد على طلب الم


.. جدل بالدول الغربية حول مطالبة مدعي -الجنائية الدولية- باعتقا




.. بعد مذكرة الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت.. مدعي الجنائية الدول


.. شبكات | ماذا بعد طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إ




.. تباين ردود الأفعال الدولية حول مطالبة -الجنائية الدولية- باع