الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


غزة: كيف السبيل إلى خروج إسرائيل منها؟

أحمد رباص
كاتب

(Ahmed Rabass)

2024 / 5 / 22
القضية الفلسطينية


بقلم: برينو كارسنتي


كيف يمكن أن نتحدث عن غزة دون أن نبتعد عن قضية إسرائيل التي يعتبرها الغرب "عادلة"؟ وفي مواجهة هجمات السابع من أكتوبر، كان لا بد من شن الحرب لتحقيق هدف مزدوج: إطلاق سراح الرهائن واستعادة أمن إسرائيل بشكل دائم، أي استئصال حماس. يحدث ذلك في ظروف القتال المعقدة حيث يبدو للبعض أن حماس ترغب في استشهاد شعبها، وحيث يجب على إسرائيل، الدولة اليهودية والديمقراطية، أن تضمن عدم تحقيق أي غاية من غاياتها، بما فيها تلك المشار إليها أعلاه. لكن ذلك ما لا يحدث ويجب أن نعيد توصيف الوضع على أساس هذه الوقائع.
إن الفخ الذي نصبته حماس في السابع من أكتوبر على وشك أن يشد تماماً بخناق إسرائيل. وهذا ما يتجلى في هذه اللحظة من الحرب: عجز إسرائيل المؤكد عن تحرير الرهائن وقيادة معركة لا تؤدي إلى تدمير غير مقبول للسكان المدنيين وظروف الحياة في غزة. وهل هذا السباق القاتل، كما نعلم، كان مطلوبا منذ البداية من قبل حماس؟ قد تقود الإجابة بالإيجاب إلى أن أعمال الإبادة الجماعية التي قامت بها في السابع من أكتوبر دشنت مسلسلا موجها في هذا الاتجاه. قد يتعلل أصحاب هذا الرأي بأنها أثبتت ذلك مرة أخرى برفض اتفاق التهدئة في شهر رمضان، ورفض طلب إسرائيل تقديم لائحة بأسماء الرهائن الذين ما زالوا على قيد الحياة. وقد يذهبون إلى أن هدفها تمثل دائما في أن تتسبب الحرب في وقوع أكبر عدد ممكن من الضحايا، سواء من جانبها أو من جانب الخصم. وذلك حتى ينتشر الصراع، وتشتعل الضفة الغربية والحدود اللبنانية، وتجف منابع دعم إسرائيل إلى أن تنبذها الدول، وتتركها لتواجه مصيرها بمفردها. والخلاصة التي يخرج بها مروجو وجهةالنظر هاته هي أنه يجب أن يكون الفلسطينيون شعباً شهيداً، مؤكدين أن تلك هي العقيدة المعلنة، دون أدنى غموض، والتي تنص على وجوب نفي اليهود جسديا ومعنويا، والحكم عليهم بالموت أو بوضعهم المنبوذ الذي يليق بهم.
لم تتمكن إسرائيل من كسر هذه الحلقة الجهنمية لمدة ثمانية أشهر تقريبا. ولم يكن استبعاد أعضاء الحكومة اليمينيين المتطرفين من حكومة الحرب كافياً لحرمانهم من أي حرية في العمل. وما زال الصهاينة المتدينون في مناصبهم في الحكومة - الذين تبلغ رغبتهم في إخضاع الفلسطينيين حدا يجعلهم قادرين على التخطيط لطردهم من جميع المناطق، ونهج بالتالي سياسة التطهير العرقي - يواصلون الحفاظ على الكراهية ووضع العقبات، في آن واحد، أمام سياسة إنسانية أساسية كان من المفترض أن تصاحب الاستجابة لإعادة ضمان الأمن، وتهدئة الوضع على الجبهات الأخرى حيث يكون هذا الأمن محفوفا بالمخاطر. إذا كانت إسرائيل تواجه حاليا تهديدا أنطولوجيا، فإن جزء كبيرا من المسؤولية يقع على عاتق الدولة. المسؤولية الأولى تقع على عاتق نتنياهو، العازم على تأجيج الجمر كلما سنحت الفرصة، وغير القادر على إعطاء الانخراط في النزاع محوراً صهيونياً أصيلاً: الحفاظ على حياة كل يهودي، بما في ذلك حياة الأسرى، واستشراف ما بعد الحرب، حيث تتم إعادة تشكيل الوحدة الوطنية في دولة قانون ديمقراطية (وحدة تشمل بوضوح الأقلية الفلسطينية في البلاد)، وحيث، من ناحية أخرى، تتوفر ظروف السلام الدائم في بيئة يمكن أن تحتضن لدولة الفلسطينية.
ولم يكن نتنياهو قط سياسياً قادراً على أن يكون في مستوى هذا الرهان المزدوج. وكانت الحركة الديمقراطية في الأشهر التسعة التي سبقت 7 أكتوبر تعلن ذلك كل أسبوع، وترفع الوعي بالقضية الأساسية: إدراج القضية الفلسطينية بهدف نفخ الروح، لصالح الذات وفي أعين العالم، في دولة ديمقراطية. أو مرة أخرى: تضمين القضية الفلسطينية في الجواب الذي تمكنت الصهيونية من تقديمه للمسألة اليهودية التقليدية في التاريخ المعاصر.
هذه المعاينة لا يمكن تجنبها من الآن فصاعدا: تحت تأثير واحدة من أكثر الهجمات دموية منذ قيامها، ردت إسرائيل بشجاعة انحرفت عن الوسط الذهبي حتى أصبحت تهورا. لكنها لم تعرف كيف تقوم بذلك في ظل استمرارية حركة الانتفاضة والنقد الذاتي التي كانت على قدم وساق عندما ضربتها الهجمة. ومهما كانت الأسباب، فإن سياسة غير السياسة الرجعية البحتة لم تتمكن من أن تخترق، أي تترك بصمتها على طريقة إدارة الحرب، المفترضة في ضرورتها الحقيقية، ولكن أيضا على الأفق الذي كان يجب عليها استشرافه. وإذا لم يعط الرأي العام أي إشارة إلى أن اليمين المتطرف قد تعزز خلال هذه الفترة، فالحقيقة هي أن استبعاده من المناصب القيادية وانهيار الائتلاف الذي تقوم عليه الحكومة الحالية لم يحدثا. كانت العواقب كارثية. كارثة حلت بحياة المدنيين الفلسطينيين ولا يمكن لأي سياسة أمنية أن تبررها.
ومن ثم فإن الحل ينطوي على تنفيذ وساطات دبلوماسية جديدة. نتوقعها بشكل خاص من مفاوضات تجري قدر المستطاع بين عدد وافر من الجهات الفاعلة الإقليمية والغربية، وفي الظروف التي تم خلقها، إلى جانب العوائق التي يفرضها المتطرفون من كلا المعسكرين، لأجل ظهور صوت فلسطيني ذي مصداقية ومسؤول، وفي تزامن معه صوت إسرائيلي يحمل رؤية للمستقبل.
ومع ذلك، فإن إقامة مثل هذا الحوار لا تقتصر على الجهود المبذولة في السجل الدبلوماسي. لا يتعلق الأمر فقط بمقاربة تسوية يتم فيها تعديل كل موقف بقدر المستطاع، تحت ضغط أكثر أو أقل خيرية من دول ثالثة ومؤسسات دولية، للوصول إلى منطقة اتفاق حيث يتم إفراغ الإرادات مما يحركها حقا، والتي لا يمكن التخلص منها دون أن تتشوه. وعلى مستوى آخر غير المستوى الدبلوماسي، الذي قد نصفه ببساطة بكونه سياسيا، يجب علينا أن نواجه ما ظل على الدوام بمثابة غياب كبير في وسط النزاع الإسرائيلي الفلسطيني: القبول المتبادل لما يضفي الشرعية العميقة على كل من المعسكرين، والاعتراف، ليس فقط بوجودهم الخاص، بل بالسبب الذي يحرك رغبتهم في الوجود بالشكل السياسي الخاص الذي يعتزمون تقديمه لأنفسهم.
في حالة اليهود، يتعلق الأمر بالصهيونية نفسها، كسياسة محققة: أي العمل الذي يتمثل في بناء دولة، على الأرض التاريخية حيث تم دائما بشكل ضمني الاحتفاظ بوجود يهود الشتات في المنفى، دولة توفر الدعم الأساسي بحيث لا يعود الشعب المشتت فريسة عزلاء سياسيا، ومعرضة بشكل مفرط لمعاداة السامية التي أظهر العصر الحديث في ما يمكن أن تبلغ ذروتها، وأيضا إلى أي مدى لا يمكن فصلها عن أشكال التكامل القومي غير اليهودي، مهما كانت مساواتية. بالنسبة إلى الفلسطينيين، يتعلق الأمر بقدرتهم على العيش على أرضهم التاريخية أيضا، كشعب مستقل يتمتع بسيادة لم تكن له من قبل، ويتجاوز ما يظل حاليا، من جهة، شتاتا إقليميا في العديد من البلدان (بشكل رئيسي إسرائيل، الأردن، لبنان، مصر وسوريا، في ظروف معيشية غير متكافئة للغاية لهذه الأقليات المختلفة، علما أن الأقلية الإسرائيلية هي الفضلى، لأنها الوحيدة التي تمنح الجنسية للأفراد المتساوين في دولة القانون)، ومن جهة أخرى، الشرط الانتقالي لسكان دولة نموذجية، في أراضٍ في حالة حرب أو تحت احتلال أجنبي.
قد تبدو للبعض أن ميل حماس الإجرامي يمثل إنكاراً لا لبس فيه لهاتين الشرعيتين، الإسرائيلية والفلسطينية أيضاً، معتبرينه أمرا غير شرعي في حد ذاته، وتم إقراره يوم 7 أكتوبر. غير أن المسلسل الذي بدأ منذ ذلك الحين يكشف عن الشروط الدقيقة للصراع والمرحلة التي نعيشها اليوم في تطوره المأساوي، كما لو كان من خلال صورة مقلوبة.
قد يستخدم الكاشف، كما لو كان نسخة سالبة من الصورة، من أجل الادعاء بأن ما أظهره التسلسل بوضوح هو أن معاداة السامية ذات المنظور الاجتثاثي ممثلة بشكل جيد ونشطة على الجانب الفلسطيني - وبالتالي فإن إسرائيل لها ما يبررها، ليس فقط في الدفاع عن نفسها، ولكن في الدفاع على وجه التحديد عما تدافع عنه، أي بقاء إسرائيل وحماية اليهود من المذابح. فأن تؤدي مذبحة السابع من أكتوبر أدى إلى ابتهاج وسط شرائح من الرأي العام العالمي ونمو مفاجئ لمعاداة السامية ـ أوروبا ليست مستثناة بأي حال من الأحوال ـ يعزز هذه الحقيقة المستمدة من ذلك الكاشف. باختصار، لم تكن إسرائيل أكثر التزاما بمواجهة التحدي الذي تفرضه المسألة اليهودية، على نطاق عالمي، مما هي عليه في العصر الذي نعيش فيه، في نظر أنصار إسرائيل، الذين ذهبوا إلى أن المذبحة إياها ألقت الضوء ساطعا على الكراهية التي تثيرها. لأننا نعيش في عصر حيث وصلت معاداة الصهيونية ومعاداة السامية إلى نقطة التداخل الأكثر اكتمالا، يضمن توليفهما التقاطع بين قسم راجح من الرأي غير الغربي وجزء كبير من الوعي الغربي التقدمي المفترض - السابع من أكتوبر ، في اندفاعه وردود الفعل الارتكاسية التي تلته، والتي كشفت إما عن الحماس أو الموافقة الراضية التي يولدها هذا التوليف اليوم.
بيد أن أصحاب هذا الرأي لم يفشلوا في أن يستنتجوا من ذلك أن حرب غزة أوصلت إلى الذروة، التي نلمسها الآن، لاشرعية سياسة الاحتلال والقمع الإسرائيلية لفلسطينيي الأراضي طوال عقدين من الزمن، والتي تقوم على رفض اعتبار الهوية القومية والسياسية الثابتة للشعب الفلسطيني برمته. وإذا كانت أقلية من هذا الشعب إسرائيلية، فهو مع ذلك شعب واحد، له الحق في السيادة على الأراضي التي تعود إليه. سياسة إسرائيلية مذنبة لدرجة أننا نستطيع الآن أن نتصور أن قسماً من هذا الشعب الملغى سيموت من الجوع، أو سيموت تحت نيران جيش لا يستهدفهم بالتأكيد كما هو، بل يؤذيهم أيا كانت أفعاله بنسب لا يمكن لدولة يهودية وديمقراطية أن تقبلها.
ليس لليهود الحق في اللاشرعية، أي تجاهل ما يتعلق في تأسيس الدولة اليهودية على وجه التحديد بالقانون الدولي الذي يتطلب احترام حقوق الشعوب. ولكن الفلسطينيين ليس لديهم الحق في معاداة السامية، التي تشكل حقيقتها في نهاية المطاف شرعية إسرائيل. إلا أن الفلسطينيين، ممثلين بحماس، عملوا على تقويض هذه الشرعية ـ في تناغم مع الموافقة، التي تم طورا رفضها وطورا قبولها، من جانب العديد من الجهات الفاعلة الأخرى المنتشرة في مختلف أنحاء العالم. وبدون عودة هذا المعسكر إلى ذاته، والتركيز على هذه النقطة بالتحديد، لن يكون هناك أي تقدم ممكن. وعلى العكس من ذلك، دون إلغاء شرعية الحكومة الإسرائيلية الحالية في شن الحرب كما تفعل، وفي محو القضية الوطنية الفلسطينية من الأجندة السياسية للدولة اليهودية، وبالتالي دون إعادة إطلاق الانتقاد الديمقراطية واليهودية لإسرائيل الحالية باعتبارها (الإعادة) ما يوجه الصراع. نحو قرب نهايته، لن تظهر أي نتيجة أيضا.
كل شيء، حالياً، يمنع هذه الشرعيات المتقاطعة، وبوادر التحول التي تحملها من كل جانب، من الحصول على الاعتراف. لماذا كل ذلك، إذا كان لمسلسل 7 أكتوبر في غزة بالفعل هذه الوظيفة الكاشفة التي رأيناها للتو؟ لماذا، من الناحية السلبية، يستحيل حاليا التقاط الصورة الحقيقية، تلك التي تمكن من تمييز ملامح الوضع، في فوارقه وأضوائه وأعماقه التي تشكل كل حقيقته؟
ذلك أن مسلسل 7 أكتوبر جاء ليندرج في نظام من الوعي، لا سيما في الرأي الغربي، الذي قسمه إلى قسمين ويعيد تعريف كل قطب بتشويهه. لقد حدث انزلاق في هذا الصدد، ليس منذ الأمس، لكنه يخلف اليوم كل آثاره الأيديولوجية. لقد كان يوم 7 أكتوبر بمثابة الهجوم الذي تسبب بالتأكيد في حدوث اضطراب. ألا يعتبر ذلك معاداة للسامية؟ كان "تسياقات" تعني التأرجح الأكثر حذرا في الإنكار، بينما لم يتردد الآخرون في الاحتفال بـ "عمل المقاومة"، حتى بملاءمة التكريم، كما فعلت جوديث بتلر للتو، مع نحفظ ذي طابع جمالي. وذلك لأن هناك حاجة ملحة لأن يتم في الحدث، ليس فقط إخفاء الجريمة، بل العمل الذي وضعت فيه على المحك تحديداً شرعية دولة إسرائيل، التي لا نريد بأي ثمن وقد قمنا بإعادة تصنيفها مسبقاً كدولة استعمارية. لكن دولة استعمارية لماذا أو في مواجهة من؟ وهذا ما لم نعد نعرف كيف نحدده أيضاً، لأننا قمنا بشكل منهجي بمحو مكونات الشعب الفلسطيني، وتمايزه الداخلي، وفي الوقت نفسه الشروط التي تسمح له بتشكيل نفسه ككيان وطني يمنح نفسه دولة. لقد ازدهرت حماس، الحركة الإسلامية التي تحكم غزة باعتبارها قلعة عسكرية، على حساب هذا اللاوعي المعمم.
وبشكل متماثل، يتغذى اليمين المتطرف الإسرائيلي بنفس القدر من الإخفاء. وهو أيضاً ينسجم مع الإنكار الغربي لوجود صراع بين مطالبتين وطنيتين مختلفتين، ولكنهما متساويتان في الشرعية. هي أيضا، بينما تدعي العكس، أعطت بظهرها للسابع من أكتوبر، الذي هو بداية مسلسل يتم فيه ترتيب الشرعيتين في علاقة إحداهما بالأخرى ويجب بالضرورة قياسهما بما "تقولانه حقا". كما أنها (إسرائيل) قطعت قطبي المسلسل المستمر مع الحرب في غزة، لتحول دون إبراز كامل دلالتها، وهي إعادة حل الدولتين إلى الطاولة، على أساس الوعي بمعاداة السامية من ناحية - التي من الواضح أن لها نسختها الإسلامية العربية، المتسمة بالقدر الكافي من الضراوة لتحفيز الأعمال التي رأيناها للتو - ودمج القضية الوطنية الفلسطينية في السياسة الداخلية والخارجية لإسرائيل من ناحية أخرى.
وهو ما يفترض أولاً وقف الحرب كما تدور رحاها حالياً.
الرابط: https://www.multitudes.net/gaza-comment-sen-sortir/








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مؤتمر سويسرا.. عملية السلام من دون روسيا لا يمكن أن تستمر| #


.. واشنطن تحذر.. هجمات حزب الله شمالي إسرائيل قد تؤدي لحرب -غير




.. الجيش الإسرائيلي: استدعينا مقاتلين برا وجوا لمنع اختطاف جثث


.. محتجز إسرائيلي أنقذ من غزة يدعو حكومته إلى التوصل لصفقة تباد




.. الحجاج ينفرون من عرفات إلى مشعر مزدلفة بعد أداء ركن الحج الأ