الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحب في زمن الكورونا

فوز حمزة

2024 / 5 / 22
الادب والفن


كنت منهمكةٌ بالمراسلة مع صديقتي عبر الماسنجر، حينما سرتْ همهمة بين ركاب الباص.
أول الأمر لم اهتم بمعرفة ما يجري، فحديث صديقتي عن حبيبها الذي هجرها بعد علاقة دامت سنوات ويرتبط بأخرى، كان حدث الساعة بالنسبة إليّ، قنبلة الموسم، تسونامي عظيم غطى على كل الأحداث الصغيرة، وابتلعها كما تبتلع الحيتان بشهية الأسماك الصغيرة.
بدأت أفكر معها لوضع خطةً محكمة لاسترجاع الحبيب الهارب، الخائن، الناكر للأيام الجميلة التي جمعتهما، والذكريات الرائعة التي تقاسماها معًا، ليس حبًا فيه، أو تمسكًا به، بل انتقام منه، ليعرف أنها ليست لقمة سائغة، فسقف كرامتها عال جدًا، لن يستطع الوصول إليه.
رغم علمي بكذبها، إلا إنني فضلت الصمت في تلك اللحظة.
حين كتبت جملتها الأخيرة، أرسلتْ معها صورة لوجه غاضب.
ارتفاع مستوى الأصوات، جعلني أطلب منها تأجيل الموضوع لأنّ حدثًا غريبًا يقع في الباص، شوش على أفكاري وسبب في انقطاع سلسلتها.
سخريتها مني، ونعتها لي بأن جميع حلقات أفكاري صدئة وغير نافعة، لم يثيرا غضبي لأنَّ خيالها في تلك اللحظة، يسمح لها بتصور أيُّ شيء لا وجود له.
أغلقتُ هاتفي وبدأت اتلفت، متجاهلة رسائل صديقتي وسألت الرجل الجالس في المقعد الموازي لمقعدي عن سبب توقف الباص المفاجئ. هز رأسه وكتفيه ومطَ شفتيه علامة عدم المعرفة.
شعوري بالخجل، جعلني أفتح الهاتف وأقرأ رسائل الحبيبة المغدورة.
لم أفهم كلمة مما كتبتْ، تصاعد الأحداث في الباص، لجم رغبتي في الفهم وقضى على شهيتي للحديث معها.
فجأة، انتبهت إلى الرجل الجالس بجانبي، كررت عليه السؤال. كنت أتوقع نفس الرد. ما حصل كان الأسوأ، اكتفى بالنظر إليّ ثم استدار نحو النافذة.
نظراته البلهاء ورسائل الصديقة المستفزة، وصوت إشعارات تلك الرسائل والفوضى التي احتلت المكان، أشعلت النار في شراييني، أما دخان تلك النار أخذ يتجمع فوق رأسي كغيمة ثقيلة حجبت الرؤية عني.
نظرت إلى السماء خلال النافذة، لا شيء سوى الغيوم، إلى ماذا يحدق هذا الأحمق؟!
نهضت من مكاني أحاول معرفة ما يجري، رجال مسلحون يرتدون ملابس بألوان غامقة يحيطون بالباص، عدد منهم يقف قرب نافذة السائق يأمرونه بفتح أبواب الباص.
ارتجفتْ كل خلايا جسدي حينما رأيت رجلًا منهم ينظر إليّ ويبتسم. لمحت واحدًا منهم يرتدي زي الأطباء.
" ربما يوجد مجرم بيننا " تفوهت بهذه الكلمات امرأة ستينية، جارتها الشابة ردّت:
"حتى لو كان الأمر صحيحًا، فهؤلاء ليسوا رجال شرطة".
أحدهم بدأ يرسل للسائق إشارات توعد في الهواء، بينما أخذ الباقون ينقرون على زجاج النوافذ مما سبب رعبًا لجميع الركاب.
في هذه اللحظة، استجمعت ماتبقى من شجاعتي المسفوحة، وسألت جاري عن كل ما يحدث.
اكتفى بالابتسام وسحب يده حين وجد يدي فوقها. مشاعر إحراج وخجل تمكنت مني.
رسائل الصديقة المستمرة وهي تلعن الحبيب الخائن وتنعته بأقبح الصفات، جعلتني أشعر بأن العالم مكان غير آمن.
تعزز لدي هذا الشعور ونما حينما رأيت جاري يبتسم ببلاهة للطبيب الواقف بين المسلحين، ثم يوزع نظراته بيني وبين ذلك الرجل.
هل يمكن للموت التجسد بهيئة إنسان؟!
فكرت في مغادرة مكاني، المقاعد كلها مشغولة بالإضافة إلى أن أقدامي فقدت قدرتها على الحركة.
تهيأ لي أنني أسمع نبضات قلبي عندما صعد المسلحون الباص وبدأوا يتفرسون في وجوهنا ومعهم الطبيب الذي وضع يديه في جيب ردائه الناصع البياض.
وصل أحدهم ومعه الطبيب إلى مقعدي، تجاهلني وهو يأخذ ورقة من يد الرجل الجالس بجانبي وبدأ يقرأ:
هذا الرجل أبكم وأصم.
أما الطبيب، قال لي بصوت كأنه قادم من عالم آخر والكمامة على وجهه:
- سيدتي، جاركِ مصاب بالكورونا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس


.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام




.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس