الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العفالقة الجدد

حمزة الحسن

2003 / 6 / 30
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق



 

لم يكن ميشيل عفلق في أي يوم من الأيام مفكرا بالمعنى العميق والواسع للمفكر كمنتج للأفكار والرموز والمعاني.

فقاموسه لا يتجاوز كلمات معروفة مدرسية إنشائية سطحية استهلكها الفكر الغربي الديني في عصور النهضة مثل الأمة، شمس، وخير وعطاء، وفجر يشرق، وقيامة، ونهوض، وحركة، وتاريخ  الخ.

وهذا القاموس لم يقنع قطا أو عنزة أو بدويا في صحراء أو حتى نصف متعلم، ولو استمرت الأمور على هذه الأفكار الساذجة والتافهة لما وصلت الأحوال إلى هذا الوضع المأساوي.

لكن خطورة الفكر العفلقي ليس في ما كتبه هذا الرجل الذي هو خليط من الصوفي والقومي والنصاب وشبه المفكر، بل خطورته في ما لم يقله علنا، أو ما لم يصرح به، أو ما سكت عنه، وتركه مفتوحا لمن هم بعده في المسؤولية الحزبية في تفسيره والعمل به.

عفالقة الفعل ليسوا هم أنفسهم عفالقة الفكر.

عفالقة الفعل، ومنهم طبعا الطاغية العراقي( لم أذكره بالاسم في أربع روايات) حفنة من تجمع صفات وقيم دونية تقوم على فكرة أن الوطن، الثورة، التغيير، لا يتأسس إلا بالسطو والنهب والاستحواذ والحيازة والملكية وفكر المصادرة.

العراق، في نظر هؤلاء، ليس وطنا بل عقارا، والمواطن فيه ليس مواطنا، بل راعيا، ونحن لسنا شركاء معهم في الأرض بل أجراء، والوطن  في تصورهم:
 ـ ملكية عقارية.
ـ ملكية حزبية.
ـ ملكية شخصية.
ـ ملكية عائلية.
ـ ملكية تاريخية.
ـ ملكية عقائدية.

أما عفالقة الفكر فليسوا أكثر من  أصحاب تكية أو صومعة سياسية في مبنى منعزل ينظّرون عن عالم مثالي مزور لا وجود له خارج هذه الزريبة المعزولة، حالهم حال كثير من المنظرين العرب في السلطة وخارجها عن الجماهير والثورة والحقيقة والإنسان..الخ.

بهذا المعنى فإن ميشيل عفلق ليس شخصا فحسب، وكذلك الطاغية، بل هو أو هما، وجهة نظر، وأسلوب عمل، وطريقة تفكير، ورؤية في السياسة والسلطة والقانون والحياة والقمع.

الفكر العفلقي، بهذا المعنى، ليس هو المرتبط فكريا أو حزبيا، بميشيل عفلق نفسه، بل هو فكر يضع الوطن كـ:

ـ   كعقار.
ـ ملكية شخصية.
ـ عائلية.
ـ حزبية.
ـ عقائدية.
ـ تاريخية.

على هذا الاساس فإن موت أو هرب الدكتاتور لا يعني قطعا موت أو نفي الرؤية العفلقية، رؤية الحيازة، والعقار، والملكية الخاصة، للوطن والناس والثورة والحكم، بل يعني غياب أحد نماذجها لا أكثر ولا أقل.

موت الدكتاتور العقلي والتاريخي والمعرفي هو في أحداث قطيعة بنيوية فكرية معه وهذا ما لن يحصل قريبا.

فهذه الرؤية( رؤية الحيازة والعقار والملكية الوطنية) موجودة اليوم في تقاليد الأحزاب، وفي التقليد اليومي السياسي الذي يصادر ويعاقب ويلغي ويؤرخ ويحذف ويدمج من يشاء بناء على قانون الرؤية الخاصة، القائمة على الحيازة:
ـ حيازة الوطن.
ـ حيازة الحقيقة.
ـ حيازة الشرف.
ـ حيازة الأرض.
ـ حيازة الثروة.

فإذا كانت بعض أحزاب اليسار تدعي ملكية التاريخ والحقيقة، فإن الأحزاب الدينية تدعي ملكية الدنيا والآخرة.

نحن ، إذن، بين مصادرتين:
ـ إما أن نكون مصادرين من التاريخ.
ـ أو نكون مصادرين من الغيب.

أي أننا، في الحالتين، لسنا مواطنين، بل رعايا، ولسنا شركاء في أرض أو وطن، بل أجراء أو مخطوفين إلى حقيقة تاريخية مشكوك فيها وغير مؤكدة، أو إلى غيب غامض وسرابي.

نحن أقرب إلى الشيء منا إلى البشر.

وفي فكر المصادرة والاختطاف يجلس ، متربعا، فكر الحيازة أو الملكية أو العقار، أي الفكر العفلقي.

ليس مجديا البحث عن الطاغية في أي وكر، بل ابحثوا عنه في فكر وهوس ملكية الوطن والتاريخ والحقيقة والناس والغيب والثروة والسياسة، وهو مرض لا يقل خطورة عن هوس الحرائق والتشنيع والجنس والخمر والكذب وأكل البراز !
ــــــ*
روائي عراقي مقيم في النرويج.
www.alaazal.com








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الجورجيون يتحدون موسكو.. مظاهرات حاشدة في تبليسي ضد -القانون


.. مسيرة في جامعة جونز هوبكنز الأمريكية تطالب بوقف الحرب على غز




.. مضايقات من إسرائيليين لمتضامنين مع غزة بجامعة جنيف السويسرية


.. مظاهرة في العاصمة الفرنسية باريس تطالب بوقف فوري لإطلاق النا




.. ديوكوفيتش يتعرض لضربة بقارورة مياه على الرأس