الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمعات اخرطي

ريان علوش
(Rayan Alloush)

2024 / 5 / 22
كتابات ساخرة


إن أول معلم لنا بالكذب والادعاء هي كتب التاريخ، فلو فتحنا أي كتاب تاريخ مدرسي وقرأنا بين السطور سيفضح مؤلفه الكذب والادعاء، فيما يتعلق بتاريخنا وتاريخ أجدادنا، وهذا ما استمر معنا إلى ما بعد المدرسة، لأن أغلب روايتنا عبارة عن كذب وادعاء خصوصاً فيما يتعلق بتاريخنا، فرغم التقدم الواضح بالتكنولوجيا والانترنت، إلا أننا ما زلنا نكذب ونزور تاريخنا بتواطئ فيما بيننا، فجميعنا أبطال كأجدادنا، وجميعنا ثوار كآبائنا.
في المدرسة كان الاخرطي على أشده، لدرجة أن السقف كان يتصبب عرقاً علينا خجلا من رواياتنا، فجميع الطلاب كانوا يروون متأثرين بكتاب التاريخ عن بطولات أجدادهم في فتح البلاد، وفي مقاومة المستعمرين، وبشجرات عائلاتهم التي غالبيتها إما قرشي أو تعود بالنسب لآل البيت، ولا أعرف حقيقة سبب هذا التمسك بذلك النسب المخجل، ولا أعرف إصرارهم على نسب أنفسهم للقوي الظالم، الجبار المتغطرس، وتجاهلهم للضحايا الضعفاء المهمشين، وكأن لا وجود لهم رغم أنهم الأغلبية.
وحدي أنا كنت صامتاً، مستمعا لما يرويه التلاميذ عن بطولات أجدادهم، فأنا لا أعرف شيئاً عن تاريخ جدي، ولم أسأله يوما رغم إني أحبه لأنه كان طيباً جداً، لكن في ذلك اليوم قررت أن أسأله لأشارك زملائي واحدثهم عن بطولاته.
في اليوم التالي طلبت من جدي أن يروي لي قصة حياته، فرواها بشيى من التفصيل، وكانت روايته مخيبة للأمال، إذ لا يوجد فيها أي شيء مثير أو يدعو للفخر، فسألته : هل قابلت الأمير يوما؟!
أجابني بنعم، وهنا سررت بجوابه الذي جعلني أتذكر مارواه محمد الماغوط ذات يوم عن بطولته مع الأمير الذي وعندما هم بضربه بسوطه امسكه وأوقعه أرضاً، ثم فر إلى غير عودة.
لم ندقق برواية الماغوط تلك، ولا نستطيع نسبه لمجتمع اخرطي، لأنه كاتب، والكاتب له أن يسرح بخياله ويحق له مالا يحق لغيره.
نعود إلى جدي الذي طلبت منه سرد تفاصيل لقائه مع الأمير، فقال: ذات يوم وبينما كنت في السوق مرت عربة الأمير يرافقه الأعوان من كلا الطرفين، وفجأة توقفت العربة بسبب غرز أحد دوالبيها في جورة مياه، فطلب أعوانه من المارة دفعها
قاطعته متسائلاً: وبالتأكيد رفضت ذلك؟
نظر جدي نحوي باستغراب، ثم قال: وكيف لي أن ارفض والسوط كان يفرقع في الهواء ؟!
كرهت جدي بعدها بسبب خنوعه، وحقدت على الأمير بسبب تجبره.
في اليوم التالي صادفت حفيد ذلك الأمير في الشارع، فافتعلت معه مشكلة بدون سبب، وضربته بقسوة انتقاماً لجدي، ففر أمامي كجرذ، فقلت لنفسي: بالتأكيد كان جده جبانا مثله، لكن خنوع جدي جعله يبدو كبطل.
نعود إلى المدرسة واجتماع اخرطي، حيث كان دوري بالتحدث عن بطولات جدي، فرويت ما رواه لي، لكن وبعد أن وصلت لتفصيل دفع العربة قلت: وعندما طلب أعوان الأمير من المارة دفع العربة، رفض جدي القيام بذلك، الأمر الذي دفع بالأعوان للهجوم عليه، وكان جدي بطل حقيقي، حيث كان يصرع الأعوان أرضاً، إما بضربة من قبضته أو بلسخة من بريمه، وعندما وقف وجها لوجه أمام الأمير، أعجب به الأمير، وقال له: سأعينك مستشاراً لي.
وبالفعل بات جدي أحد الأعيان، بعد أن أهداه الأمير مئات الدونمات ، والذي ما زلنا نحتفظ ببعضها.
كان زملائي ينصتون لي بحماس ، ولم يكذبني أحد، لأن لكل منهم رواية شبيهة بروايتي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس


.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام




.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس