الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كتاب العراق / ( اصطراع الديناميات والامبراطورية النفطية المستحيلة )

فاطمة محمد تقي

2024 / 5 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كتاب العراق /
( اصطراع الديناميات والإمبراطورية النفطية المستحيلة ) الجزء الاول

سوف أتناول هذا الفصل في ثلاث حلقات ، لانه فصل جوهري من حيث مقصد الكتاب وهدفه ويتضمن موضوعات رئيسية متداخلة .
الاولى منها تتعلق باعادة النظر في دور الالة ودلالات انبثاقها في الغرب، ونكوصه دون التعرف على حقيقتها وما متوقف عليها من متغيرات اساسية على صعيد الطبقات والبنية المجتمعية والآليات المستجدة التي صارت تنتظم حركة المجتمعات، بعد ان كانت يدوية اي بيئة /كائن بشري ، وقد دخل عليها عنصر جديد من خارج بنيتها .

لقد قامت الظاهرة المجتمعية منذ تبلورها الاول لتأمين الحضور الازدواجي الكينونة (العقل / جسدية) في الكائن البشري، وتجعله متفقا مع اشتراطات التحولية التاريخية .
انقلب الحال مع الالة ليدخل على المشهد عنصر تدخلي من خارج العناصر البيئية، صار بالامكان استعماله للفعل في البنى المجتمعية بغية تحويرها.
حدث هذا الانقلاب غير العادي من دون ان يترافق مع ما ينبغي ان يلازمه من إدراكية، هي أصّلا غائبة ابتداء، ما جعل من غير الوارد تقدير والتعرف على طبيعة ما يمكن ان يترتب على مثل هذا التحول من نتائج واثار، وظلت الأحكام تستمد من ماض من العلاقة بالظاهرة المجتمعية الموصوف بالتفارق العقلي المجتمعي، جعل من الزمن الالي بمثابة استمرار او قفزة تتابعية،كرس منها الجانب الذي وجده العقل الحداثي الغربي متلائما مع مشروعه، ومكانه الذي احتله بمناسبة الانقلاب الحاصل، فاستبعد كليا اي ميل للبحث في الحقيقة المستجدة نمطيا مجتمعيا .
لقد كرس الغرب مع نهوضه ونموذجه سرديات للديناميات التاريخية المجتمعية من نوع او نمط ما يراه عن ذاته والعالم أحاديا، ليكرس نقيصة وقصور الوعي البشري "الانسايواني " بالظاهرة المجتمعية، فلم ترد بباله احتمالية تصادم الاليات والديناميات الفعلية مع ما يراه ويعتقده، بحيث تختلف النتآئج او اوجه التصير عما كان افترضه، او اعتبره بمثابة حتمية متفقة مع المتغير الكبير الذي حل عليه اولا وعلى العالم، الأمر الذي يوجب القول بان العالم منذ النهوض الغربي عالمان، الاول من بينها ذلك المتخيل بناء على مستوى وحدود ادراك المتغيرات ارضويا، والآخر هو مايتفق فعلا معها، ومع موقعها الفعلي وكما هي، وهو ما زال مضمروغائب .
ويظل ينظر إلى الانبثاق الالي المصنعي الأوربي الحديث على انه حدث بلا تفسير من حيث المصادر، فلا احد إطلاقاً من بين الغربيين قال لنا، لماذا وما السبب الذي جعل اوربا بالذات تختص بالانتقال من الانتاج اليدوي إلى الالي، عدا التركيز الذي أبداه الغرب الحديث على الطبقية، ولم يقرن ذلك باحتمالية اخرى، من نوع الديناميات المرافقة، الأمر الذي يجعل من المنطقي للمرء ان يتساءل عن السبب في كون العراق لم ينتقل ابان الطور العباسي إلى الرأسمالية ومعها الالية، على افتراض توافر ما كان لازما في حينه من اشتراطات ضرورية، تزكي مثل هذا الانتقال ؟
تساؤل كهذا إذا طرح فإنه يظل بلا اجابة، بانتظار تطور المقاربة اللاارضوية، وما يمكن ان تراه بخصوص قانون من نوع " فك الازدواج " الذاهبة اليه المجتمعات على اعتبار الازدواج ضرورة ليست ابدية، وخصوصا الانشطارين الازدواجديين الرئيسيين منهما، الازدواج المجتمعي الرافديني، والطبقي الاوربي، والشروط التي ينتقل كل منهما بناء عليها إلى " فك الازدواج " بماهو محطة انتهاء الفعالية المجتمعية بصيغتها الراهنة .
الأمر الذي يضع الالة على عكس ما درج الغرب عليه من تشخيص لموقعها في العملية الاجتماعية، باعتبارها سببا مولدا للاحتدامية التصارعية الطبقية، بينما هي تولدت كعنصر تصريف للاحتدامية الطبقية .
لقد أدت الديناميات المجتمعية لارض ما بين النهرين ابان الدورة التاريخية الاولى، الى اكتشاف "العجلة " اهم منجز تكنولوجي خلال الطور الانتاجوي اليدوي على مستوى المعمورة ، وكان ذلك نتاج التصارعية على حافة الفناء، البيئيّة / البشرية، وضمن اشتراطات متعدية للاحتمالية الالية، التي هي وليد صراعية منغلقة احادية وارضوية، أحاديتها المنغلقة على ذاتها تضمر محركات انتقالها اللزومي النهائي إلى اللاارضوية التي تبقى من حيث صراعيتها مع الارضوية، ضمن ارضها ودائرة ازدواجيتها، مفتوحة بما في ذلك على الخراب الانقطاعي، لا كما يحدث للانشطارية الطبقية الأوربية في العصور الحديثة، حيث يصل الاحتدام الطبقي البرجوازي الاقطاعي حدودا انفجارية بلا مسارب وآفاق تتنفس عبرها، وهو ما يحدث لاحقا عند نهاية الطور التجاري بالانقلاب الالي البرجوازي وصعود الراسمالية، التي ما تلبث ان تنتشر عالميا، بحثا عن المخارج الكوكبية التي لم تكن متاحة في الفترة ما قبل القرن الثامن عشر .
لم يسبق ان وضعت مسألة التحول الالي تحت النظر في مجال "علم الاجتماع " الأوربي، بما ان الاصطراعية الطبقية هي المثال الأوحد كحالة صراعية، يفترض انها عامة وشاملة اعتباطاً للمجتمعات كلها، وإن الاصطراع المجتمعي اللاارضوي الارضوي غير وارد، ولم يسبق للغرب ان نوه به او لاحظه، مفضلا بدله القول ب " الإستبداد الشرقي " كشتيمة بحثية علمية "، ما يبقي الصورة واحدة وحيدة، فلا تحضر المقاربة إلا عندما نجد الكاتب يتوقف عند أشكال الصراعية الاساسية ونوعيها الرئيسيين، الطبقي المغلق النهايات، والمجتمعي المفتوح، الاول يسير وفق اليات إنهائية للآخر ، فكل طبقة من الطبقات حين تكون صاعدة، تلغي الطبقة التي قبلها والتي تكون متسيدة وقتها، قبل ان تنضج الاسباب والشرورط المفظية لانحدارها وفقدانها موقعها، والطبقة ليست المجتمع، بل مكون مجتمعي، وجزء من تكوين اوسع مجتمعي نمطي بذاته في حالة نمطية ارضوية، في المقابل يمتاز الاصطراع المجتمعي اللاارضوي الارضوي الأصل والابتداء بكونه دينامية ازدواجية، نهايتها التحقق المزدوج للمجتمعين، حين يتجسد احدهما إمبراطوريا والآخر سماويا، علما بان هذين السياقين مع الاختلاف في أشكال تجليهما عبر الدورات والانقطاعات، او ( المراحل )، لهما نهاية ونقطة انقلاب نوعي متشابه، احدهما يتجلى اخيرا بحالة فك الازدواج المجتمعي، والثاني في انتهاء الصراعية والطبقية، وفي حين تنتقل المجتمعية الطبقية بالآلة إلى اللامجتمعية، تنتقل المجتمعية والاصطراعية المجتمعية الى الغلبة اللاارضوية، الأمر الذي تتولد معه ديناميات كونية، ينفتح معها الافق نحو الغلبة اللاارضوية الشاملة على مستوى الكوكب ومجتمعاته .
يواصل الكاتب في هذا السياق رصده لوضع الظاهرة الغربية الحديثة الالية، قاصدا وضعها في موقعها التي تستحقه من زاوية نظر الازدواج المجتمعي والتكويني البشري وعملية النشوء والارتقاء، التي هي عقلية بدل الجسدية، التي قال بها ( دارون ) لقصوريته الانسايوانية " ، بغض النظر عن عبقريته ضمن نوعه وحدودها، فالكائن الحي الحيوان، ينتقل مع الانتصاب واستعمال اليدين إلى طور الازدواج ( العقل/ جسدي )، بعد ان يظل ملايين السنين أحاديا تحكم تكوينه الغلبة الكاسحة الجسدية، وهي مرحلة ومحطة تشكلية في السياق التصيري البشري، تظل الجسدية الحاجاتية غالبة إبانها، برغم حضور العقل، في حين تستمر عملية الترقي ذاهبة نحو محطة وطور آخر مكمل للأول، وهو ما يتحقق من خلال المجتمعية واصطراعيتها التفاعلية، التي تبدا وتظل لزمن، احادية ارضوية، الجانب المطابق للعقل واللاارضوية فيه غير ملموس .
وهكذا يؤشر الكاتب على البؤرتين الرئيسيتين المتناظرتين الموجودتين على اللوحة المجتمعية ؛ اوربا وارض مابين النهرين، أوربا الاحادية الأعلى دينامية داخل نوعها الارضوي، لطبقيتها ، والثانية هي الآعلى دينامية على مستوى الظاهرة المجتمعية، وهما معا منتهيان بصيغتهما الراهنة، الطبقية، والثانية ايضا، بانتفاء ممكنات أحد عنصريها على الاستمرار بفعل العامل المستجد الذي يدخل على عنصري اصطراعياتها .
وفي السياق ومع مسارات الانقلابية الاخيرة على مستوى المعمورة، تنتقل الانشطارية الطبقية ، الاحادية جوهرا، نحو أفق آخر ما بعد اصطراعي طبقي، مفصحة عنه بالأخص وقت التصادم مع الكيانية الازدواجية، فيدخل، مع مضاء الوسائل التي يتوفر عليها قياسا الى العثمانيين، وكل من سبقوه عودة الى هولاكو، نفّس دائرة هؤلاء، منتكسا امام ذاته المفترضة، فلم يجد سوى مقترح الاقطاعوية المصطنعة، التي هي نقيضه الذي ثار عليه، بالإضافة إلى إقامته كيانية برانية، مستحيلة ضمن المجال الذي اريد لها ان تقوم فيه، كما من حيث طبيعتها بحسب ما هي قائمة في الغرب نفسه كمنجز تاريخي ذاتي اصيل، على وشك الزوال، بعكس ما يعتقد هو .
هذه اللوحة تكشف ايضا عن حقيقة كون الغرب يمكن حين تقتضي الضرورة ان يكون متناقضا مع ذاته، بمعنى أن يكون ( ليس هو نفسه ) حين ينغمس في ممارسة الإفناءية ضد مجتمعية الازدواج، لدرجة التحلل من الضوابط على المستوى المبدئي، حين يتعلق الأمر بما يعتبره مصالحه المغلفة بمفاهيم "التقدم " كتبرير كاذب .
وهكذا يكون العالم قد عاش زمن الانقلابية الاوروبية باعتبارها الانقلاب الأعلى الارضوي، المتوحد غلبة بظل غياب الفعالية الازدواجية التي هي بالاساس محدودة مكانا، ومفردة، مرهونة لنمط اعقال من جنسها ما يزال غائبا، بينما الغرب الاحادي في اعلى تجلياته، ما وضع الازدواجية الرافدينية امام اشتراطات التصادمية المغلقة للمرة الاولى في التاريخ، قياسا لما كان عليه الحال خلال الدورتين التاريخيتين التين كانت مفتوحتين افقا على منقلبين، سماوي وامبراطوري .
هنا سنتعرف على الطرف الثالث المقابل، او الوسيله المستجدة التي هي من جنس المكان ونوعه وشكل ازدواجيته الارضيه / اللاارضوية تحت وطأة ماقبل النطقية الرافدينية، مع الاضطرار الى التحوير والاستبدال بناء لاشتراطات البرانية المستعارة، التي سرعان ما تصير بلا جدوى ولا اي فعالية، مع ان ذلك لم يحد من قوة الديناميات الاصطراعية الازدواجية المجتمعية او يقلل من زخمها المتأجج، لدرجة التفوق على الديناميات المستعمرة المتقدمة والمرتفعة بسبب الالة، الأمر الذي جعل بعض الظواهر النقلية المتماهية مع الغرب تجد بين يديها وأمامها كل ما هي بحاجة له، لابل مايفوق حاجتها من الاسباب التي تجعلها توقن بصوابية اتباعيتها وتبنيها الببغاوي للمنظورات الايديولوجية الغربية، بغض النظر عما إذا كانت موافقة للواقع كما تتخيله نقديا، او صادرة عنه، فوتيرة الإضرابات العمالية والانتفاضات الشعبية من العشرينيات الى الثلاثينيات والاربعينات في العراق، لم تكن تترك شكا لدى جماعة مأخوذةً بأفكار مستعارة، إذا كانت الوقائع العملية تؤيدها بمثل هذه القوة والزخم، ما يجعل من المقبول القول بان الواقع واليوميات في العراق، بين العشرينات وثورة تموز عام 1958 ، كانت تثبت النظرية المنقولة واقعا وممارسة، فتنفي الحاجة الى إثباتها، الأمر الذي كان يتعدى حضور وحركة القطاع الواحد، إلى اجمالي قطاعات المجتمع في المدن والأرياف، هذا غير الاختراقية "الوطنية " الايديلوجية المضادة للازدواجية المجتمعية وآلياتها التي انبثقت وقتها في الثلاثينات، ذاهبة من الاسفل إلى الأعلى، لتظهر وقتها وحدة فعالية استبدالية شاملة، ردا على الفبركة الكيانية المركبة من اعلى، وكل هذا بديهي منشؤه واقع ارتفاع مناسيب الاليات المجتمعية في هذا الموضع مجتمعيا، بمقابل الاليات المستحدثة الالية .
لقد غاص الغرب هنا، ووقع في المسار التفاعلي الحقيقي، وسقط داخل تداعياته التي لم يمتلك لها جوابا، ليغدو ادني مما يظن، وأقل قدرة على الفعالية، فضلا عن الحل .
فقد كان يمكن اقامة "دولة " برانية من خارج النصاب المجتمعي، ان يحصل من دون ان يكون لذلك مدلولا انعكاسيا كاشفا لتهافت الغرب ومشروعه، كمثل العادة الاحتلالية لبلدان احادية ارضوية، من نوع مصر التي احتلت مدة سبعين عاماً، من دون ان تستثير ديناميات مضادة ومقابلة نوعية، فاحتلال البلدان الاحادية يكفي له لكي يتحقق، ان تكون هنالك قاعدة ووجود عسكري على ارض البلد المحتل،في بلد له اصلا حكومته الراسخة مهما كان نوعها، بما هي نصاب مجتمعي ضمن الظروف التي تمر بها البلاد، لا كما الحال في العراق حيث الحكومات برانية، ومن خارج البنية، كما من خارج الدورة التاريخية، عدا عن كون المكان او الكيان متعديا للكيانية، في وقت سابق على اكتمال تشكله التاريخي بعد .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحجاج ينفرون من عرفات إلى مشعر مزدلفة بعد أداء ركن الحج الأ


.. -مجزرة الشيخ السماني-.. مصرع أكثر من 20 سودانيا في قرية الشي




.. سعيد زياد: لا يمكن للاحتلال الذهاب لجبهة جديدة وهو منهك في غ


.. ناشطون يلطخون واجهة قنصلية ألمانيا بنيويورك نصرة لغزة




.. تكثيف الضربات على مواقع الحوثيين للحد من قدراتهم على مهاجمة