الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رواية للفتيان الملكة كوبابا طلال حسن

طلال حسن عبد الرحمن

2024 / 5 / 23
الادب والفن


رواية للفتيان










الملكة كوبابا








طلال حسن


شخصيات الرواية
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ الملك

2 ـ الكاهن

3 ـ كوبابا

4 ـ أبو كوبابا

5 ـ كارانا خطيب كوبابا

6 ـ أم كارانا

7 ـ عامل الحانة العجوز






" 1 "
ـــــــــــــــــــ
تحامل والد كوبابا على نفسه ، واعتدل في فراشه بشيء من الصعوبة ، حين سمع وقع أقدام نشطة تقترب ، إنها ابنته كوبابا ، ودخلت عليه كوبابا ، وبادرته قائلة : طاب صباحك ، يا أبي .
وردّ عليها والدها بصوته المتعب الواهن : أهلاً بنيتي ، طاب صباحكِ .
ونظر إليها مبتسماً ، وقال : يبدو أنكِ لم تنتظريني ، وتناولتِ فطوركِ وحدكِ .
واقتربت كوبابا منه ، ومدت يدها إلى وجهه تتحسس حرارته ، وقالت : جئتُ إليك قبل قليل ، وقد أشرقت الشمس ، فوجدتك مستغرقاً في النوم .
وأبعد والدها يدها عن وجهه برفق ، وقال : لم أنم البارحة ، حتى ساعة متأخرة من الليل .
وحدقت في وجهه ، وقالت : لم أشأ أن أوقظكَ ، فتناولت بعض الطعام ، فطورك الآن جاهز .
وتنهد والدها متوجعاً ، وقال : لا أشتهي شيئاً في الوقت الحاضر ، سأتناول بعض الطعم ، قبل أن أذهب إلى المعبد عند الضحى .
وابتسمت كوبابا ، وقالت لوالدها بنبرة مزاح : أنت لم تذهب إلى المعبد منذ سنين .
ونظر والدها إليها ، وقال : كنتُ أذهب برفقة والدتك ، فقد كانت تقدس الإلهة ننخرساج ، إلهة الخصب والولادة ، وتدعو لك ، رغم أنك كنت طفلة .
وصمت لحظة ، ثم قال بنبرة حزينة متهدجة : لقد رحلت أمك ، ولم أستطع أن أذهب إلى المعبد وحدي ، وكأن ننخرساج لم تعد ننخرساج .
وابتسمت كوبابا ، وقالت : حتى في حياة أمي ، قلما كنت تذهب إلى المعبد .
وضحك والدها ، وقال : كانت تعاتبني ، وتقول لي ، لو كانت الإلهة عشتار في المعبد ، وليس الإلهة ننخرساج ، لزرتها كلّ يوم .
وصمت لحظات ، راح خلالها يتأمل كوبابا مبتسماً ، ثم قال : الإلهة عشتار تعرف إنني أحبها ، فأعطتني نسخة منها ، أسميتها كوبابا .
وأطرق رأسه لحظة ، ثم قال : لقد أرسل كاهن المعبد ، أحد الكهنة الشباب ، وطلب أن يراني عند منتصف نهار هذا اليوم ، لا أعرف لماذا .
وتأهبت كوبابا لمغادرة الغرفة ، وهي تقول : اذهب ، يا أبي ، وستعرف لماذا .
وهتف والدها : بنيتي ..
وتوقفت كوبابا ، وقالت : لقد تأخرت ، لابد أن العامل العجوز قد فتح الحانة ، وهو بحاجة إلى مساعدتي .
وتابع والدها قائلاً بصوته الواهن المتعب : إنني أحملكِ فوق طاقتك ، كانت هذه مهمتي ومهمة أمك الراحلة ، ومعنا العامل العجوز .
وقالت كوبابا : أمي لم تعد موجودة ..
وقاطعها والدها قائلاً : وأنا يكاد المرض يقعدني .
ومدت كوباب يدها ، وربتت على كتف والدها ، وقالت : لا عليك ، يا أبي ، أنا كوبابا ابنتك .
واستدارت كوبابا ، واتجهت مسرعة إلى الخارج ، وهي تهتف قائلة : لا تنسَ ، يا أبي ، تناول فطورك قبل أن تذهب إلى المعبد .
وهزّ والدها رأسه ، الذي يكلله ثلج شتاء العمر ، وقال بصوته الواهن المتعب : اذهبي ، يا بنيتي ، رافقتك السلامة ، لا تتأخري عودي مع المغرب .
وخرجت كوبابا من عند والدها ، واجتازت الفناء بسرعة ، وفتحت الباب الخارجي ، ولم تكد تخطو بضعة خطوات خارجه ، حتى فُتح باب بيت " كارانا " ، وكان على مسافة قريبة من بيتهم ، وابتسمت كوبابا ، فهذا المشهد يتكرر صباح كلّ يوم ، وإن ادعى كارانا إنها مجرد صدفة ، يا للصدفة يا كارانا .
وسار كارانا إلى جانبها ، وقال : طاب صباحكِ .
وردت كوبابا كالعادة : طاب صباحك .
ونظر كارانا إليها ، وقال : اليوم تأخرتُ دقائق ، وأنت أيضاً تأخرت ، يا كوبابا .
وردت كوبابا قائلة : كنت أحدث والدي .
ورمقها كارنا بنظرة خاطفة ، وقال : وأنا كانت أمي تحدثني ، إنها تتحدث عنكِ دائماً .
لم ترد كوبابا عليه ، فواصل كلامه قائلاً : هذا اليوم قالت لي ، تزوج يا كارانا وإلا شخت ، وعندها لن ترضى بك أية غزالة من غزلان كيش .
ورمقته كوبابا بنظرة خاطفة ، وقالت مبتسمة : اطمئن ، لن ترفضك أياً من غزلان كيش مهما كبرت .
وتوقف كارانا ، وقال : أنا لا تهمني إلا غزالة واحدة ، وسأصيدها ولن يطول الزمن .
وأطلقت كوبابا ضحكة صافية ، دون أن تتوقف ، وقالت : اذهب إلى القصر ، سيدركك الوقت .
ومضى كارنا مبتعداً ، وهو يقول : سأمرّ عيكِ قبيل المساء ، ونعود معاً إلى البيت .
" 2 "
ـــــــــــــــــــ
وصلت كوبابا إلى الحانة ، متأخرة بعض الشيء ، ووجدت العامل العجوز ، بقامته القصيرة ، يتحرك بنشاط بين الزبائن ، ويقدم لهم أقداح البيرة .
وأقبل العامل العجوز عليها ، وحياها قائلاً : طاب صباحك ، يا بنيتي كوبابا .
فقدمت له صرة ، فيها شيء من الطعام ، جلبته له مما تناولته مع أبيها من طعام الفطور ، وردت عليه قائلة : طاب صباحك ، خذ هذا الطعام ، واجلس وتناوله ، سأقف مكانك حتى تنتهي .
وأخذ العامل العجوز ، صرة الطعام منها ، وقال : أشكرك ، يا بنيتي ، لن أتأخر .
وجلس إلى مائدة ، في طرف الحانة ، وراح يلتهم الطعام بسرعة ، وراحت كوبابا تعاون العامل العجوز ، في تقديم أقداح البيرة للزبائن ، وهذا ما تفعله كلّ يوم ، وإن كان العامل العجوز ، ينهض وحده بمعظم العمل .
وقبيل منتصف النهار ، دخل الحانة رجل في منتصف العمر ، بدا أنه غريب ، وتلفت حوله ، ثمّ توقف عن التلفت ، حالما وقعت عيناه على كوبابا .
وتقدم العامل العجوز منه ، وهو يتملاه بعينيه الشابتين ، وقال له : تفضل اجلس ، يا سيدي .
وجلس الرجل إلى منضدة ، قريبة من كوبابا ، وعيناه لا تفارقان وجهها ، وقال للعامل العجوز : أشكرك ، سأجلس إلى هذه المنضدة .
ثم قال للعامل العجوز ، دون أن ينظر إليه : جئني بقدح من البيرة ، أريد بيرة قوية .
ومسح العامل العجوز المنضدة ، بقطعة قماش لا تفارقه ، وقال : حالاً ، يا سيدي .
ورمقت كوبابا الرجل الغريب بنظرة سريعة ، ترى من يكون ؟ هذا ما تساءلته كوبابا في نفسها ، ثم صرفت عينيها عنه ، ليكن من يكون ، إنها في حانة ، يدخلها من يشاء ، ويشرب ما يشاء ، ما دام يدفع الثمن .
وجاء العامل العجوز بقدح من البيرة ، ووضعه أمام الرجل الغريب ، وقال له بشيء من عدم الارتياح : تفضل بيرتك ، يا سيدي .
ومدّ الرجل الغريب يده ببطء ، ورفع قدح البيرة ، ورشف منه قليلاً ، وعيناه مازالتا تتأملان كوبابا ، ثم قال : بيرة لذيذة منعشة .
وحدقت كوبابا فيه صامتة ، وهو يرشف البيرة ثانية ، ثم رأته يضع القدح ، ويقول وكأنه يوجه كلامه لكوبابا : لدينا أنواع كثيرة من البيرة ، في مملكة ماري ، لكن والحق يقال ، ليس لدينا بيرة بهذه اللذة والجمال .
وهمت كوبابا أن تبتعد عن المائدة ، التي يجلس إليها الرجل الغريب ، لكنه نهض من مكانه ، وأطبق على يدها ، وقال لها : ابقي ، أريد أن أتحدث إليك .
وعلى الفور ، اقترب منه العامل العجوز ، وقال له : سيدي ، أنت رجل غريب عن كيش ، اشرب بيرتك بسلام ، ثم انصرف .
وخاطبه الرجل الغريب قائلاً ، وهو مازال يطبق على يد كوبابا : ابتعد أنت ..
وحاولت كوبابا عبثاً ، أن تسحب يدها من يد الرجل الغريب ، وهي تصيح : دعني أيها الوحش ، دعني ، أنت تسحق يدي .
وسحبها الرجل الغريب إليه ، وفي تلك اللحظة ، دخل كارانا إلى الحانة ، وما أن رأته كوبابا ، حتى هتفت به مستنجدة : كارانا ، أغثني .
وعلى الفور ، أسرع كارانا إلى الرجل الغريب ، وأبعد يده بقوة عن يد كوبابا ، وقال له بنبرة حازمة : أيها الغريب ، ارفع يدك عنها ، والتزم حدود الأدب .
وتداعى الرجل الغريب ، وكاد يتهاوى على الأرض ، لكنه تمالك نفسه ، ووقف في وجه كارانا ، وقال له : توقف ، يبدو أنك لا تعرف من أكون .
وردّ كارانا عليه قائلاً : لتكن من تكون .. لقد رأيتك في القصر ، صباح هذا اليوم ..
وقاطعه الرجل الغريب قائلاً : إنني ضابط في جيش مملكة ماري ، وأنا رسول الملك إلى مليككم .
وحدق كارانا فيه بغضب ، وقال له : الرسول يجب أن يحترم نفسه ، إذا أراد أن يُحترم .
وحدجه الرجل الغريب بنظرة غاضبة متوعدة ، ثم تراجع وهو يقول : قد نلتقي في يوم ما ، ليس في كيش ، ولا في مملكة ماري ، وإنما في الميدان .
وردّ كارانا عليه قائلاً : إذا التقينا في الميدان ، ستتمنى وقتها ، لو أنك لم تولد في ماري .
واستدار الرجل الغريب ، ومضى بخطوات مهزوزة ، وخرج من الحانة ، فالتفت كارانا إلى كوبابا ، وقال لها : كوبابا ..
وقاطعته كوبابا مبتسمة : أعرف ما ستقول .
وتابع كارانا قائلاً : إنني مع أبيك .
وقالت كوبابا مبتسمة : لقد ناقشنا هذا مراراً .
وقال كارانا : ليتك لا تتواجدين في الحانة دائماً .
ولاذت كوبابا بالصمت ، فمال كارنا عليها ، وقال ..كوبابا ..
ونظرت كوبابا إليه بشيء من الدلال ، وقالت : نعم
فمال عليها أكثر ، وقال : القمر سيشرق الليلة .
وهزت كوبابا رأسها ، وقالت : لن أشرق لك اليوم ، اذهب الآن ، لقد قمت بدور البطل المنقذ ، وآن لك أن تذهب .
واتجه كارانا إلى الخارج ، وهو يقول : أنت تعرفين أين أنتظرك ، وسأنتظرك مهما كانت الظروف .

" 3 "
ـــــــــــــــــــ
قبيل المساء ، جاء أبوها إلى الحانة ، ودخل عليها بخطواته المتعبة الثقيلة ، فأسرعت إليه متلهفة ، وفي أثرها أسرع إليه أيضاً العامل العجوز .
وخاطبت كوبابا أباها محتجة : أبي ..
وقاطعها أبوها ، وهو يجلس إلى مائدة قريبة : دعيني أجلس أولاً ، ثم قولي ما تشائين .
وتابعت كوبابا قائلة ، وهي تقف إزاءه : ما كان لك أن تغادر البيت ، في مثل هذا الوقت .
ونظر والدها إلى العامل العجوز ، وقال : جئت أشرب قدحاً من البيرة ، ثم أعود بك إلى البيت .
ومضى العامل العجوز لتلبية طلبه ، وهو يقول : أمرك يا أبا كوبابا ، سآتيك حالاً بألذّ كوب من البيرة ، لا يوجد مثيلاً له إلا في حانتنا .
وقبل أن يعود العامل العجوز بقدح البيرة ، حدقت كوبابا في والدها ، وقالت : أنت لم تقطع هذه المسافة ، لتشرب قدحاً من البيرة .
وردّ والدها عليها ، وهو يرى العامل العجوز ، يتجه نحوه ، وقدح البيرة في يده : جاءت البيرة ، سأشربها أولاً ، ثم نعود معاً إلى البيت .
ووضع العامل العجوز قدح البيرة أمام الأب العجوز ، وقال : تفضل ، اشربه ، وستعود شاباً .
وابتسم والدها ، وهو ينظر إليها ، وقد أخذ القدح بيده ، وقال : الشباب لابنتي كوبابا ، وهذا يكفيني .
ورشف جرعة من البيرة ، وخاطب كوبابا قائلاً : اجلسي إلى جانبي ، ريثما أنتهي من شرب قدحي .
وجلست كوبابا إلى جانبه ، وانصرف العامل العجوز إلى خدمة الزبائن ، ومالت كوبابا على أبيها ، وقالت : لا أظنّ أنك عدت الآن من المعبد .
وارتشف جرعة أخرى من قدحه ، وقال : كلا ، عدت بعد منتصف النهار ..
وسكت لحظة ، حدق فيها خلالها ، ثم قال : سمعت بما جرى مع رسول مملكة ماري .
فردت كوبابا قائلة : تصرف بقلة أدب ، وصدفة جاء كارانا ، وأوقفه عند حده .
وقال الأب بنبرة عتاب ولوم : مهما يكن ، فهو رسول مملكة ماري ، يا بنيتي .
ونهضت كوبابا ، وقالت : وهذه حانة في كيش ، يا أبتي ، وكان عليه أن يكون مؤدباً .
وأنهى الأب قدح البيرة ، وقال : آه إنها بيرة لذيذة ، لكنها كانت ألذ حين كنت شاباً .
ونهض من مكانه ، ولوح للعامل العجوز ، وقال : سنذهب نحن ، أغلق الحانة مع المساء .
ولوّح له العامل العجوز ، وهو منهمك في خدمة أحد الزبائن ، وقال : رافقتكما السلامة .
وخرجا من الحانة ، وسارا جنباً إلى جنب متوجهين إلى البيت ، ورمقت كوبابا والدها بنظرة سريعة ، وقالت : والآن حدثني بما جرى بينك وبين الكاهن .
ونظر والدها إليها ملياً ، ثم قال :الكاهن تحدث عنكِ كثيراً ، يا بنيتي .
وهزت كوبابا رأسها ، وقالت بشيء من الحيرة : هذا الكاهن يحيرني ، إنني لا أفهمه .
وتابع والدها قائلاً : وطلب مني ، باعتباري والدك ، أن أمنعك من العمل في الحانة .
وبحماس وانزعاج ، ردت كوبابا قائلة : لكن أنت والدي ، وليس هذا الكاهن .
وقال والدها : سألته عن السبب ..
وقاطعته كوبابا ساخرة : لابد أن الإلهة ننخرساج ، أوحت له بذلك .
وتابع والدها قائلاً : من يدري .
وأسرعت كوبابا قليلاً ، حتى حاذت والدها ، والتفتت إليه ، وقالت : أبي ، إنني لا أتلقى مثل هذا الأمر إلا منك أنت وحدك .
ورمقها والدها بنظرة عتاب ، وقال لها : لقد طلبت منكِ ذلك أكثر من مرة ، يا كوبابا .
توقفت كوبابا ، وقالت محتجة : أبي ..
وتابع الأب قائلاً : مهما يكن ، يبدو أن الكاهن لم يطلبني ليقول لي هذا ..
ولحقت كوبابا به ، وقالت : لابد أن هناك أمراً آخر ..
وهزّ والدها رأسه ، وقال : إنه يريد أن يراك في المعبد ، قبل منتصف نهار يوم غد .
وهمهمت كوبابا منزعجة ، ودمدمت : أبي ..
وقاطعها أبوها قائلاً : بنيتي ، عليك أن تذهبي إلى المعبد غداً ، لابدّ أن الأمر مهم جداً .

" 4 "
ـــــــــــــــــــ
أخذت كوبابا أباها إلى فراشه ، حالما وصلا إلى البيت ، وجعلته يتمدد فيه ، ودثرته بغطائه الدافئ ، وقالت له : ارتح هنا ، يا أبي ، ريثما أعدّ العشاء .
وأعدت كوبابا طعام العشاء ، ووضعته على السفرة في غرفة أبيها ، ثم نظرت إلى أبيها ، وقالت له : أبي ، انهض ، العشاء جاهز ، هيا نأكل معاً .
لم ينهض أبوها من فراشه ، فمالت كوبابا عليه ، وحاولت أن تكتم عدم ارتياحها لوضعه ، وقالت له : سيعجبك هذا العشاء ، سمك مقلي .
ورفع أبوها عينيه المتعبتين إليها ، وقال بصوت واهن : إنني شبعان ، يا كوبابا ، لقد أكلت عصر اليوم ، اجلسي أنت ، وكلي ، دعيني أتأملك وأنت تأكلين .
وتعمدت كوبابا أن تضحك ، فهي تعرف أن أباها يحب ضحكتها ، وجلست إلى السفرة ، وراحت تأكل وهي تقول : لم أعد كوبابا الصغيرة ، يا أبي .
فاعتدل الأب في فراشه ، وهو مازال ينظر إليها وهي تأكل ، وقال : أتذكرين ما كانت أمكِ تقوله عنكِ ، حتى عندما ابتعدتِ عن الطفولة .
ومرة ثانية ضحكت كوبابا ، وقالت محاكية أمها الراحلة ، وهي مازالت تأكل : كوبابا ، ستبقين طفلة ، مهما مرت بك السنون .
وكتم أبوها ضحكته ، وقال : كوبابا ، لا تكبري ، ظلي طفلة ، ودعي السنين تأخذنا حيثما تريد ، المهم أن تبقي أنت كوبابا التي أعرفها .
وأطرق رأسه ، وصمت لحظة ، ثم قال بصوته الواهن : إن الحياة لكم الآن .
وتوقفت كوبابا عن تناول الطعام ، ونظرت ملياً إلى أبيها ، وقالت بمرارة : أبي ، ذلك الكاهن ، الذي يقبع في عتمة المعبد ، لا تقل لي إنك تحبه .
وابتسم الأب ابتسامته الشاحبة ، وقال بصوته الواهن : إنه كاهن ، يا بنيتي .
وتابعت كوبابا قائلة : لابد أنك عرفت من حديثه معك ، ما الذي يريده مني .
وهزّ الأب رأسه ، وقال : لم أعرف شيئاً ، الكاهن سرّ مغلق ، ستلتقين به غداً ، وستعرفين كلّ شيء .
وألقت كوبابا لقمة الطعام من يدها ، وقالت : أنت لا تقول لي ما تعرفه ، وأنا لا ألومك .
ونهضت كوبابا ، وراحت تلملم بقايا الطعام ، وهي تقول : من الأفضل أن تنام ، وترتاح يا أبي ، لقد تعبت اليوم أكثر مما ينبغي .
ثم أخذت بقايا الطعام ، ومضت به إلى خارج الغرفة ، وهي تقول : سأنظف المواعين ، ثمّ أذهب إلى غرفتي ، أنا أيضاً متعبة ، تصبح على خير .
ويبدو أن كوبابا ، لم تسمع أباها ، وهو يردّ عليها بصوته الواهن : تصبحين على خير ، يا بنيتي .
وتمدد في فراشه ، وسحب الغطاء فوقه ، لعله يغفو ويرتاح ، وهو يعلم أنه لن يغفو ولن يرتاح ، آه من هذا الكاهن ، الذي قالت عنه كوبابا ، إنه يقبع في العتمة ، ترى ماذا يريد من ابنته .. كوبابا ؟
وخرجت كوبابا من غرفة أبيها ، ونظفت مواعين الطعام ، وأعادتها إلى أماكنها ، كما تفعل كلّ يوم ، بعد أن رحلت أمها إلى العالم الأسفل ، وتركتها وحدها وأبيها في هذا العالم ، الذي فيه الكاهن ، و ..
وأضاءت عيناها ابتسامة فرح ، وقالت في نفسها : ولكن فيها أيضاً .. كارانا .
وبعد أن انتهت من عملها ، تسللت إلى غرفة أبيها ، وواربت بابها قليلاً ، وألقت نظرة على أبيها ، إنه تحت فراشه الدافئ ، وترجو أن يكون نائماً بحق .
وأغلقت الباب بهدوء ، ومضت إلى غرفتها ، وأوت إلى فراشها ، دون أن يفارقها أبوها ، والكاهن القابع في العتمة ، وكذلك لم يفارقها ..كارانا .
وأغمضت كوبابا عينيها ، وتراءى لها كارانا ، ترى أين هو الآن ، لقد قالت له ، إنها لن تشرق الليلة عليه ، وتساءلت : ترى هل أشرق القمر ؟
واعتدلت في فراشها ، وأزاحت ستارة نافذتها الصغيرة قليلاً ، ونظرت إلى الأعلى ، لا قمر ، ولا حتى نجمة واحدة ، فالغيوم تغطي السماء تماماً .
وأعادت كوبابا الستارة إلى مكانها ، هذه الغيوم الثقيلة ، قد يهطل المطر منها في أية لحظة ، أيعقل أن كارانا ذهب إلى الموعد ، لعل قمره يشرق عليه ، في هذه الليلة المدلهمة الماطرة ؟
وفكرت أن تنهض ، وتذهب إلى الموعد ، حتى لو أغرقتها الغيوم بأمطارها الثقيلة ، لكن ماذا عن أبيها ؟ إنه راقد في فراشه ، مريض ، وقد يحتاجها في أية لحظة ، ويناديها فلا تجيبه .
وابتسمت كوبابا ، بل كادت تضحك ، وهي تتخيل كارانا يقف تحت شجرة الموعد ، والمطر ينهمر من السماء الخالية من القمر والنجوم ،آه مسكين كارانا .


" 5 "
ــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي ، وما إن خرجت كوبابا من البيت ، حتى برز لها كارانا ، من باب بيتهم القريب من بيتها ، وكتمت كوبابا ابتسامتها ، من يدري منذ متى وهو يتربص بها وراء الباب ، وقبل أن تحييه ، وتقول له : طاب صباحك ، يا كارانا .
بادرها قائلاً ، وهو يقاوم عطاسه : ماذا جرى ، يا كوبابا ، لقد أقلقتني البارحة أشد القلق .
وابتسمت كوبابا ، وقالت : ردّ التحية أولاً .
وسار كارانا إلى جانبها ، وقال : طاب صباحك و ..
وعطس عطسة شديدة ، ثم تمالك نفسه ، وقال : لقد انتظرتك البارحة طويلاً ، و ..
وعطس ثانية ، فابتسمت كوبابا ، وقالت : لابدّ أنك تمنيت لي أن أنقع بالمطر كما نقعت أنت .
وابتسم كارانا هو الآخر ، وهو يقاوم عطسة جديدة ، وقال : لا ، يكفي أنني نقعت ، إنني لا ألومك ، كان المطر شديداً جداً .
ونظرت كوبابا إليه ، وقالت : الحقيقة لم يمنعني المطر من الحضور ، بل أبي ، كان متعباً للغاية ، بعد أن عاد من مقابلة الكاهن في المعبد .
وتباطأت كوبابا عند مفترق الطريق ، وقالت : خذ طريقك ، واذهب إلى القصر .
وتباطأ كارانا هو الآخر ، وقال لها : سآخذك ذات يوم ، لتري القصر ، ولو من الخارج .
فقالت كوبابا : لا أريد أن أراه ، لا من الخارج ، ولا من الداخل ، هيا اذهب .
لم يذهب كارانا ، وواصل طريقه إلى جانبها ، وقال : سأسير معكِ ، وأوصلك إلى الحانة .
واعترضت كوبابا عليه ، وقالت : لكن قد تتأخر .
فردّ كارانا : لن أتأخر .
وصمت لحظة ، ثم قال : قلت لي ، أن الكاهن التقى بأبيك يوم أمس .
ونظرت كوبابا إليه ، وقالت : ويريد أن يلتقي بي في المعبد هذا اليوم .
ورمقته بنظرة سريعة ، وقالت : كارانا ، لا أظنك تحب هذا الكاهن .
فقال كارانا : لم أحبه حتى الآن .
وقالت كوبابا : ولن تحبه .
ونظر كارانا إليها ، فتابعت قائلة : لقد طلب من أبي ، أن يبعدني عن الحانة .
ولاحت الحانة في نهاية الطريق ، فقال كارانا : رغم أنني لا أحب هذا الكاهن ، ولن أحبه في يوم من الأيام ، إلا أنني معه في إبعادك عن الحانة .
وتظاهرت كوبابا بالزعل ، وقالت : يبدو أنك تشكل حلفاً غير مقدس ، مع أبي والكاهن .
واقتربا من الحانة ، فقال كارانا : لقد رأيت ما جرى البارحة مع رسول مملكة ماري .
وتوقفت كوبابا أمام الحانة ، فتوقف كارانا إلى جانبها ، وقال : أنتِ تعرفين المشكة ..
وتساءلت كوبابا : ما المشكلة ؟
فردّ كارانا قائلاً : المشكلة أنك جميلة جداً .
وخفق قلبها فرحاً ، لكنها كتمت فرحها ، وقالت : اذهب ، وإلا أبعدوك عن القصر .
وهمّ كارانا بالابتعاد ، وهو يقول : متى ستذهبين إلى المعبد ، للقاء هذا الكاهن ؟
وردت كوبابا قائلة : قبل منتصف نهار اليوم .
فسار كارانا مبتعداً ، وقال : انتظريني قبيل المساء هنا ، سآتي وأعود بك إلى البيت .
ودلفت كوبابا إلى الحانة ، وهي تقول : أسرع الآن إلى القصر ، رافقتك السلامة .
وفي داخل الحانة ، أسرع العامل العجوز إلى كوبابا ، حين أقبلت من الخارج ، وبادرها قائلاً : طاب صباحك ، يا ابنتي ، أرجو أن يكون أبوك بخير .
وسارت كوبابا إلى زاويتها ، وهي تقول : طاب صباحك ، أبي بخير ، وإن كان متعباً بعض الشيء .
ونظر العامل العجوز إليها ، وقال : لقد غدا متقدماً في السن ، والعمل في الحانة يرهقه .
ورمقته كوبابا مبتسمة ، وقالت بنبرة مزاح : لا تنس ، أبي ليس أكبر منك .
وهزّ العامل العجوز رأسه ، وقال : أنت تعرفين ، يا ابنتي ، أنني وحيد في هذه الحياة ، وليس لي غير عجوزتي ، وهي مريضة ومتعبة .
فربتت كوبابا على كتفه ، وقالت : لا تقل هذا ، لست وحيداً ، أنا ابنتك .
ودمعت عيناه ، وقال : لتحفظك الآلهة .
وحدقت كوبابا فيه ، وقالت : أبي لا يريدني في الحانة ، ماذا تقول أنت ؟
ونظر العامل العجوز إليها ، وقال : إنني معه ، يا ابنتي .
وتساءلت كوبابا : لماذا ؟
وحدق العمل العجوز فيها ملياً ، ثم قال : أنت جميلة جداً ، يا ابنتي ، ومكانك ليس في الحانة .


" 6 "
ــــــــــــــــــــ
نادت كوبابا ، وهي تنهض من مكانها في الحانة ، وقد اقترب النهار من منتصفه : أيها العم ..
وأسرع العامل العجوز إليها ، وقال : نعم .
فقالت كوبابا له : حان الوقت ، سأذهب إلى المعبد .
وحدق العامل العجوز فيها حائراً ، فأضافت كوبابا قائلة : الكاهن يريد أن يراني .
وتساءل العامل العجوز مستغرباً : لماذا ؟
واتجهت كوبابا إلى الخارج ، وهي تقول : هذا ما لا أعرفه ، سأذهب إلى المعبد ، وأرى ماذا يريد .
وتوقف العامل العجوز عند المدخل ، وقال : رافقتك السلامة ، يا ابنتي .
ومضت كوبابا مبتعدة عن الحانة ، وهي تقول : لن أتأخر ، سأعود حالما أنتهي من اللقاء بالكاهن .
وظل العامل العجوز في مكانه ، يتابع كوبابا بعينيه المحبتين ، حتى غابت في زحام الشارع ، وهو يتمتم : خيراً .. خيراً بمشيئة الإلهة ننخرساج .
وفي طريقها إلى المعبد ، تساءلت كوبابا مرات ومرات ، ترى ماذا يريد هذا الكاهن منها ، وتجيب حائرة ، وماذا يمكن أن بريد ، ها هي ذاهبة إلى المعبد ، وستقابل هذا الكاهن ، وسترى .
وفي المعبد ، استقبلتها عند المدخل كاهنة متقدمة في العمر ، رحبت بها مبتسمة وقالت : أهلاً ومرحباً بكِ ، يا بنيتي ، أظن أنك كوبابا .
وأحنت كوبابا لها رأسها قليلاً ، وقالت : نعم ، أنا كوبابا ، وجئت بناء على طلب الكاهن .
فسارت الكاهنة أمامها ، وقالت : تفضلي ، أنا مكلفة باستقبالك ، وأخذك إلى الكاهن المقدس .
وقادتها الكاهنة إلى داخل المعبد ، ثمّ اتجهت بها إلى حرم الإلهة ننخرساج داخل المعبد ، وقالت لها : تفضلي ، الكاهن المقدس في الحرم ، وسيستقبلك هنا .
ودخلت الكاهنة إلى الحرم ، ودخلت كوبابا مترددة حائرة في أثرها ، ورغم العتمة المضببة ، لاح الكاهن يقف أمام تمثال الإلهة ننخرساج .
وتوقفت الكاهنة ، وخاطبت الكاهن قائلة : سيدي ، هذه عزيزتنا كوبابا جاءت لمقابلتك .
والتفت الكاهن ، وبدل أن ينظر إلى الكاهنة التي خاطبته ، تعلقت عيناه بوجه كوبابا ، وقال : أشكرك ، أيتها الكاهنة ، دعينا وحدنا .
وانحنت الكاهنة قليلاً ، وردت قائلة : نعم ، يا سيدي .
ومضت الكاهنة ، وأغلقت باب الحرم وراءها ، فأشار الكاهن لكوبابا ، وقال : تعالي ، يا ابنتي ، وقفي إلى جانبي ، بين يدي الإلهة ننخرساج .
لم ترتح كوبابا لطلبه ، ووقفت حائرة لا تعرف ماذا تفعل ، فخاطبها الكاهن ثانية قائلاً : تعالي ، تعالي ، لا تخافي أيتها الحلوة .
وتقدمت كوبابا مترددة ، ووقفت إلى جانب الكاهن ، أمام تمثال الإلهة ننخرساج ، فرفع الكاهن عينيه القاتمتين إلى الإلهة ، وقال فيما يشبه التضرع : أيتها الإلهة ننخرساج ، هذه الصبية الطاهرة كوبابا ، باركيها ، وألهميها ، أن تقوم بدورها المقدس خير قيام .
والتفت الكاهن إلى كوبابا ، وحدق فيها ملياً ، ثم قال بصوت أراده أن يكون مهيباً : كوبابا .
ورمقته كوبابا بنظرة سريعة ، وقالت : نعم .
وتابع الكاهن قائلاً : أنتِ محظوظة ، يا كوبابا .
وحدقت كوبابا فيه مستفهمة ، فقال : الزواج المقدس يقترب موعده ، ونحن نتهيأ له منذ الآن .
ولاذت كوبابا بالصمت حائرة ، فما علاقتها بالزواج المقدس ، والتفت الكاهن إليها ، وقال لها : لقد اختارتك الإلهة ننخرساج لتكوني أنتِ عشتار .
وشهقت كوبابا : أنا !
وردّ الكاهن قائلاً : هذه مشيئة الإلهة ، ومشيئة الآلهة ، مهما كانت ، لا راد لها .
وهمت كوبابا أن تعترض ، لكن الكاهن قاطعها ، وقال : خلال الأيام القادمة ، سأقدمك إلى الملك ، فلجلالته أن يتعرف على عشتاره في الزواج المقدس .
لم تتراجع كوبابا ، فقالت بنبرة اعتراض : لكن عشتار تكون في الزواج المقدس ، الكاهنة العظمى ، أو أي كاهنة من كاهنات المعبد .
ومال الكاهن عليها ، وقال : هذا ما شاءته الإلهة ننخرساج هذه المرة ، يا كوبابا .
وتراجعت كوبابا قليلاً ، وقالت : أمهلني بعض الوقت ، عليّ أن أرى ما يراه أبي .
وردّ الكاهن قائلاً : أبوك رجل طيب ، ويعرف أن ما تشاءه الآلهة لا راد له .
واستدارت كوبابا ، وخرجت بسرعة من حرم الإلهة ننخرساج ، لكن صوت الكاهن طاردها من عتمة الحرم ، يقول : سأرسل لكِ بعد أيام ، لآخذك بنفسي وأقدمك إلى الملك ، تموزك في الزواج المقدس .


" 7 "
ـــــــــــــــــــ
عادت كوبابا إلى الحانة حوالي العصر ، وأسرع العامل العجوز إليها ، وعيناه تتأملانها بقلق ، وقال لها : أراكِ غير مرتاحة ، يا ابنتي .
وجلست في مكانها متنهدة ، وقالت : لا عليك ، إنني متعبة بعض الشيء .
ومال العامل العجوز عليها ، وقال : سأعد لك لقمة تأكلينها ، وستكونين أفضل .
ونظرت كوبابا إليه ، وقالت ممتنة : أشكرك ، لا أشتهي الآن أي شيء ، جئني بقدح من الماء .
وأسرع العامل العجوز ، وجاءها بقدح من الماء ، وقدمه لها قائلاً : اشربي ، يا بنيتي ، ولا تهتمي لأي شيء ، يكفيك أحبتك وهم ليسوا قلة .
وابتسمت كوبابا ، وهي ترشف الماء ، وما إن انتهت ، حتى أخذ القدح منها ، وقال لها : لابد أنه الكاهن ، يا بنيتي ، لا أحد يحبه في كيش .
ونهضت كوبابا ، وهي تقول : إنني متعبة ، الأفضل أن أعود إلى البيت .
وسارت متجهة نحو المدخل ، فسار العامل العجوز في أثرها ، وهو يقول : رافقتك السلامة ، يا ابنتي .
ومضت كوبابا مبتعدة عن الحانة ، والعامل العجوز يتابعها بعينيه المحبتين ، وهو يتمتم قائلاً : لا أدري ما الذي يريده هذا الكاهن منها ، تباً له ، لتأخذه إلهة العالم الأسفل ايرشكيكال .
وسارت كوبابا وسط المارة ، متجهة إلى البيت ، يمضها الإرهاق والقلق ، ترى ماذا سيقول أبوها ، حين يعلم ما دار بينها وبين الكاهن في المعبد ؟
وكارانا ماذا سيقول ؟
من جهتها ، لقد احتجت ، واعترضت ، و .. أهذه هي مشيئة الإلهة ننخرساج ، أم مشيئة الكاهن ؟ وماذا يريد من وراء ذلك ، هذا الغراب الأسود ؟
وتناهى إلى الأب ، وهو راقد في فراشه ، صوت باب البيت يفتح ، وارتفع من الفناء وقع أقدام مألوفة ، إنها ابنته كوبابا ، واعتدل في فراشه ، ونادى بصوته الواهن المشروخ : كوبابا .
وجاءه الردّ منها ، مع وقع أقدامها المقترب : مهلاً ، يا أبي ، إنني قادمة .
وسرعان ما أطلت من باب الغرفة ، وأقبلت عليه مقطبة متعبة ، على غير عادتها ، وبادرته قائلة قبل أن يتكلم : يبدو أنك لم تتغدّ ، يا أبي .
وتجاهل أبوها ما قالته ، وقال لها : بنيتي ، تعالي اجلسي إلى جاني ، أنت متعبة جداً .
وهزت كوبابا رأسها ، وقالت معاتبة : أنت تنسى أنك لم تعد شاباً ، وأنك مريض .
ومرة ثانية تجاهل كلامها ، وقال لها : تعالي ، يا بنيتي ، واجلسي إلى جانبي ، وحدثيني .
واستدارت كوبابا ، واتجهت إلى الفناء ، وهي تقول : دعني أولاً أعدّ بعض الطعام لي ولك .
وانهمكت كوبابا بإعداد الطعم ، وفرشت السفرة أمام أبيها ، ثم نظرت إلى أبيها ، وقالت : عرفت أنك لم تأكل شيئاً ، تعال نأكل .
وزحف الأب بصعوبة ، وجلس إلى السفرة ، وجلست كوبابا قبالته ، وقبل أن يمدّ الأب يده إلى الطعام ، قال لها : بنيتي ، لابدّ أنك قابلت الكاهن في المعبد .
وهزت كوبابا رأسها ، وهي تتشاغل بتناول الطعام ، فتابع الأب قائلاً : حدثيني عما دار بينكما ، فقد كان مهتماً جداً بهذا اللقاء .
ونظرت كوبابا إلى أبيها ، وقد توقفت عن تناول الطعام ، وقالت : ستذهل بما قاله لي ، يا أبي .
وتوقف الأب بدوره عن تناول الطعام ، وتساءل قائلاً : ماذا قال ، يا كوبابا ؟
وردت كوبابا منفعلة : يريدني أن أكون عشتار .
وتمتم الأب مذهولاً : عشتار !
وتابعت كوبابا قائلة : لقد اقترب موعد الزواج المقدس ، يا أبي ، ويريدني أن أكون عشتار في هذا الزواج .
واتسعت عينا الأب ، وتمتم مذهولاً : أمام الملك !
فقالت كوبابا : الإله تموز .
وقال الأب ثانية : الملك ؟
فقالت كوبابا : نعم ، الملك .
واعتدل الأب في جلسته ، وقال : بنيتي ، هذا شرف عظيم ، قلما تحظى به فتاة من خارج المعبد .
وردت كوبابا قائلة : لكن لي تموزي .
تمتم الأب متسائلاً : كارانا ؟
فقالت كوبابا : نعم ، أنت تعرف ذلك ، وقد باركته .
وقال الأب ، وقد لمعت عيناه : أن تكوني عشتار ، لا يتعارض هذا مع أن تكوني زوجة فيما بعد لكارانا .
وهبت كوبابا واقفة ، وهي تقول : كلا ..
ومضت إلى الخارج ، وهي تقول : لا أريد أن أكون عشتار في هذا الزواج الذي شاءه الكاهن .
وتمدد الأب في فراشه ، وهو يقول : يا للويل ، لقد جنت كوبابا .

" 8 "
ـــــــــــــــــــ
خيم الليل في وقت مبكر هذا اليوم ، خاصة وأن الغيوم القاتمة ، المثقلة بالمطر ، كانت تغطي السماء ، وتمددت كوبابا في فراشها ، وتمنت أن تستغرق في النوم ، هرباً مما تعانيه من ضيق خانق .
وتناهت إليها طرقات خفيفة على الباب ، لا شكّ أنّ هذا كارانا ، نعم إنه هو ، وتذكرت أنها لم تنتظره اليوم في الحانة ، ليعود معها إلى البيت .
ونهضت من فراشها ، وتسللت مسرعة عبر الفناء ، وفتحت الباب ، إنه كارانا كما توقعت ، وبادرته مرحبة : أهلاً كارانا .
وردّ كارانا بشيء من العتاب : أهلاً بك ، لقد مررت مساء اليوم بالحانة ، وسألت عنكِ ، فأخبرني العامل العجوز ، بأنك عدت إلى البيت مبكراً .
فقالت كوبابا : نعم ، كنت متعبة .
وقال كارانا : لكنك وعدتني ، بأنك ستنتظريني ، لنعود معاً إلى البيت ، يا كوبابا .
وخرجت كوبابا من البيت ، وأغلقت الباب وراءها ، وقالت : كارانا ، خذني إلى النهر .
ونظر كارانا إليها ، وقال : لم تُعلمي أباكِ .
وسارت كوبابا أمامه ، وهي تقول : هيا ، خذني إلى النهر ، لعل الجو مريح هناك .
وسار كارانا في أثرها ، وقال بصوت هادئ : لابدّ أن أباك مستغرق في النوم الآن .
فردت كوبابا قائلة : كلا ، لقد تخاصمنا .
ونظر كارانا إليها مندهشاً ، وقال : تخاصمت مع أبيك ؟ كوبابا ، إن أباك مريض .
وتوقفت كوبابا ، وقالت بشيء من الانفعال : إنه يريدني أن أكون عشتار .
وتوقف كارانا بدوره ، وقال : عشتار !
وتابعت كوبابا قائلة : أمام الإله تموز في حفل الزواج المقدس القريب .
وشهق كارانا قائلاً : الملك !
فردت كوبابا : نعم ، الملك .
وصمتت لحظة ، ثم قالت : هذا ما اقترحه الكاهن .
ولاذ كارانا بالصمت ، وقد استبدت به الحيرة ، ولا يعرف ماذا يقول ، وواصلت كوبابا سيرها ، وكارانا يسير إلى جانبها صامتاً ، حتى وصلا إلى النهر ، وتوقفت كوبابا عند الشاطئ ، وماء النهر ينساب بهدوء في الظلام ، وتوقف كارانا على مقربة منها ، دون أن تبدر منه حركة واحدة .
وأطل القمر من بين الغيوم ، وراح يتراقص فوق مياه النهر ، فرمقت كوبابا كارانا بنظرة سريعة ، وقالت : لم تقل لي رأيك .
ونظر كارانا إليها متردداً ، وقال : في ماذا ؟
وقالت كوبابا : أبي يريدني أن أكون عشتار .
ولاذ كارانا بالصمت ، فقالت كوبابا : وأنت ، ماذا تريد ؟
وتلجلج كارانا ، ثم قال : إنه أبوك ، يا كوبابا .
وبشيء من الحدة ، قالت كوبابا : يريدني أن أكون عشتار في الزواج المقدس أمام الملك .
وحدق كارانا فيها ، وقال : أهي إرادة الملك ؟
وبدل أن ترد على تساؤله ، قالت له : أنت ماذا تريد ؟
وتلجلج ثانية ، ثم قال وكأنه يلقي حملاً عن ظهره : أنا أريد .. ما تريدينه أنت .
وبشيء من الارتياح ، قالت كوبابا : هذا ما توقعته ، أنا كوبابا ، زوجتك في المستقبل القريب ، أن أكون عشتار في الزواج المقدس أمام الملك .
ولاذ كارانا بالصمت ثانية ، فتساءلت كوبابا : هذه قضيتنا أنا وأنت ، وعلينا أن نبحث عن حل لها .
ومال كارانا برأسه ، وقال كأنما يحدث نفسه : وأبوك .. وأمي .. و ..
وقاطعته كوبابا قائلة : أبي وأمك لا يعارضان أن نكون معاً ، وأن نكون كما نريد .
وحدق كارانا فيها ، وقال : والحل ؟
فقالت كوبابا : نهرب ..
وشهق كارانا قائلاً : نهرب !
وتابعت كوبابا : نهرب إلى ماري أو أشناك أو ..
واحتج كارانا قائلاً : ماذا تقولين ؟ الملك سيعتبر هذا خيانة ، ماري وأشناك دولتان عدوتان لكيش .
وقالت كوبابا : نحن نهرب من الملك .
واحتج كارانا قائلاً : لا تنسي ، يا كوبابا ، أنا ضابط في قصر ملك كيش .
ولاذت كوبابا بالصمت ، ثم استدارت ، ومضت تسير عائدة إلى البيت ، ولحق كارانا بها ، وراح يسير إلى جانبها ، ثم هتف بها : كوبابا ..
لم ترد كوبابا عليه ، أو تلتفت له ، فتابع كارانا قائلاً : الأمر لم يحسم بعد ، إنه اقتراح من الكاهن ، قد لا يوافق عليه الملك ، خاصة وأن زوجته ، لم يمضِ على رحيلها سوى عام واحد .
ولاح بيت كوبابا ، فتوقف كارانا ، وقال لها : كوبابا ، أراك غدا هنا كالعادةً .
لم ترد كوبابا عليه ، فتمتم وهو يتابعها بعينيه الحزينتين : تصبحين على خير .



" 9 "
ــــــــــــــــــــ
لم ينم الأب هذا اليوم ، إلا في ساعة متأخرة من الليل ، ولم يكن ذلك فقط بسبب الشيخوخة وأمراضها ، التي كان يعاني منها ، وإنما أيضاً بسبب قلقه على ابنته كوبابا ، وخوفه مما يدور حولها .
وطوال ساعات الليل ، لم تغب كوبابا عن تفكيره ، لقد أوت البارحة ، في وقت مبكر ، إلى غرفتها ، وهي منزعجة ومتأثرة ، لكن يبدو أن كارانا جاءها في أول الليل ، وربما خرجت معه ، لا بأس فكارانا شاب ناضج وطيب ، ولعله كان قد أغفى حين عادت إلى البيت .
وصباح اليوم ، حين أفاق ، وقد أشرقت الشمس ، كانت كوبابا قد خرجت من البيت ، وذهبت كالعادة إلى الحانة ، لكن دون أن تمرّ عليه هذه المرة ، واضح أنّ البنية غاضبة من أبيها ، لا بأس ستعرف عاجلاً أو آجلاً ، أنه لا يريد لها إلا الخير .
وتساءل الأب بينه وبين نفسه ، ما إذا كانت قد حدثت كارانا ليلة البارحة ، عما أراده منها الكاهن ، وماذا كان موقفه ، إنه مثل أبيها ، لا يريد إلا الخير لكوبابا ، والخير واضح وضوح الشمس .
وانتبه الأب إلى أن أحدهم يطرق بابه ، فتحامل على نفسه ، ونهض من فراشه ، وفتح الباب وإذا كاهنة شابة تبتسم له ، وتحييه قائلة : طاب صباحك .
وردّ قائلاً : أهلاً ومرحباً .
وقالت الكاهنة : لابدّ أنك والد كوبابا .
فردّ قائلاً : نعم .
فقالت الكاهنة الشابة : أرسلني الكاهن إليك ، ويريد أن يراك في المعبد ، قبل ظهر اليوم .
وتساءل الأب مندهشاً : ماذا يريد ؟
وردت الكاهنة ، وهي مازالت تبتسم : هذا ما ستعرفه ، يا سيدي ، عند لقائك بالكاهن في المعبد .
وهزّ الأب رأسه ، وقال : حسناً ، سأذهب حالاً إلى المعبد ، وأرى الكاهن .
وتراجعت الكاهنة الشابة ، وهي تقول : أستودعك الإلهة ننخرساج ، عن إذنك .
فقال الأب لها : رافقتك السلامة .
وعاد الأب إلى غرفته ، وأخذ عكازه ، وشدّ يده عليه ، ومضى بخطواته المتعبة الثقيلة إلى المعبد ، ليرى ما الذي يريده الكاهن منه ، لابد أن الأمر يتعلق بكوبابا ، هذه المجنونة ، كان عليها أن تفرح ، إنه الإله العظيم تموز ، وهي ستكون عشتاره .
وحين وصل المعبد ، استقبله الكاهن في غرفته ، وشعر ببعض الارتياح ، فقد كان استقبال الكاهن له طيباً ، ثم أشار له إلى مقعد قريب من مقعده ، وقال له : تفضل ، اجلس هنا ، يبدو أنني أتعبتك .
وجلس الأب حيث أشار الكاهن ، وقال مبتسماً : أشكرك ، إنه العمر ، وهذه نهاياته .
وصمت لحظة ، ثم نظر إلى الكاهن ، وقال : حدثتني ابنتي كوبابا ، وهي مازالت صبية صغيرة ، عما دعوتها إليه ، وهذه التفاتة أبوية منك .
ونظر الكاهن إليه ، وقال : كوبابا ابنتنا ، قريبة منّا في المعبد ، ونحن لا نريد لها إلا الخير .
وصمت لحظة ، ورمقه بنظرة جانبية ، ثم تابع قائلاً : سمعت شذرات من الحديث عن كارانا ، لابد أنك تعرفه جيداً ، حدثني عما تعرفه عنه .
فقال الأب : إنه شاب خلوق طيب ، يسكن مع أمه قريباً من بيتنا ، وهو ضابط من ضباط حرس القصر الملكي ، ويحظى بمكانة طيبة عند الملك .
وصمت لحظة ، ثم قال متردداً : وهو يكاد يكون خطيب ابنتي .. كوبابا .
وابتسم الكاهن له ، وقال : هذا أيضاً أعرفه ، وأظنه لا يوافق كوبابا على تمردها .
ومال الأب على الكاهن ، وسارع إلى القول : سيدي ، كوبابا مازالت صبية ، أقرب إلى الطفولة في تصرفاتها ، قليلاً من الصبر ، والتعامل الرفيق الهادئ ، وستكون كوبابا التي تريدونها .
ونظر الكاهن إليه ، وقال : هذا ما نفعله ، وكما قلت لك ، فإن كوبابا ابنتنا ، ونحن حريصون عليها .
وصمت لحظة ، ثم قال : سألتقي بجلالة الملك هذه الليلة ، وأعرض عليه الأمر ، وكلي أمل أن يوافق جلالته ، على أن تكون كوبابا ، عشتار أمام الإله تموز .
فقال الأب متحمساً : أشكرك ، يا سيدي ، وسأبشرها أنا بما قلت ، ولابدّ أنها ستطير من الفرح .
ونهض الكاهن من مكانه ، وقال : إذا سارت الأمور كما نتمنى ، فقد أرسل من يأتيني بكوبابا ، لآخذها بنفس إلى جلالة الملك في القصر .
ونهض الأب بدوره ، وهو يتوكأ على عكازه ، ونظر إلى الكاهن ، وقال : أشكرك ، يا سيدي ، لتختر الإلهة ننخرساج ، ما فيه الخير لكيش .
وابتسم الكاهن له ، وقال : رافقتك السلامة ، تحياتي إلى ابنتنا الجميلة الغالية كوبابا .




" 10 "
ـــــــــــــــــــــ
في الموعد المحدد ، كان الكاهن في القصر ، فاليوم هو موعده مع الملك ، الذي سيتفق معه عن أهمّ ما في الزواج المقدس ، عشتار ، مادام هو تموز .
وطلب الإذن من الملك ، فدخل الحاجب على الملك ، في قاعة العرش ، وانحنى له ، وقال : مولاي ، الكاهن بالباب يطلب الإذن .
وتذكر الملك أنه على موعد مع الكاهن ، حول عشتار الزواج المقدس ، الذي يقترب موعده ، كان في الماضي يهتم بهذا اليوم كثيراً ، لكن مع الزمن قلّ اهتمامه به ، لعله العمر ، فهو لم يعد صغيراً ، إنه يقترب من الخمسين ، ولا يدري لماذا لا يحب هذا الكاهن بالذات ، رغم أنه كان يتملقه كثيراً .
وأشار الملك بيده : ليدخل .
ودخل الكاهن في ثيابه الفضفاضة ، الجديدة على ما يبدو ، وقد ارتداها خصيصاً لهذه المقابلة ، وانحنى للملك ، وقال : طاب صباحك ، يا مولاي .
ورد الملك بدون حماس : طاب صباحك .
وأشار إلى مقعد قريب ، وقال : تفضل اجلس .
وجلس الكاهن متمتماً : أشكرك ، يا مولاي .
ونظر الملك إليه ، وقال : أيها الكاهن ، أظن أن يوم الزواج المقدس قد اقترب .
فقال الكاهن : نعم ، يا مولاي ، وقد أوشكت كلّ الاستعدادات له أن تتمّ ..
وصمت الكاهن ، فنظر الملك إليه وقال : في المرة السابقة ، التي التقينا فيها ، قلت لي أنك اخترت عشتار ، وأنك ستبلغها بالأمر .
فهزّ الكاهن رأسه ، وقال : تعم ، يا مولاي ، اخترنا عشتار ، وبلغناها بالأمر .
وصمت لحظة ، ثم تابع قائلاً : إنها فتاة شابة ، متميزة ، اسمها كوبابا .
وزوى الملك بين حاجبيه مفكراً ، وحدق في الكاهن ، ثم قال : كوبابا .. كوبابا ؟ يُخيل إليّ أنني سمعت بهذا الاسم ، لا أظن أنها كاهنة .
فردّ الكاهن قائلاً : لا يا مولاي ، إنها ليست كاهنة ، لكنها أصلح فتاة في كيش لتكون .. عشتار .
وصمت لحظة ، ثم قال : إنها فتاة شابة ، نشطة ، جميلة ، أبوها رجل مسن ، مريض ، يملك حانة وسط المدينة ، وهي تديرها بدل أبيها ، يساعدها في ذلك رجل من أصدقاء أبيها ، متقدم في العمر .
وحدق الملك في الكاهن ، وقال مندهشاً : ماذا ! تدير حانة !
وصمت لحظة ، ثم تابع قائلاً : عشتار عادة تكون كاهنة من كاهنات المعبد .
فمال الكاهن على الملك ، وقال : أمها الراحلة كانت ورعة ، يا مولاي ، وصارحتني مرة أنها تتمنى لابنتها أن تدخل المعبد ، وتصير كاهنة .
وسكت الكاهن لحظة ، ثم قال : وإذا اقتضى الأمر ، يا مولاي ، يمكن أن تدخل كوبابا المعبد ، قبل الزواج المقدس ، حتى ببضعة أيام قليلة .
ولاذ الملك بالصمت لحظة ، ثم نظر إلى الكاهن ، وقال : في هذه الحالة ، أظن أنك تريد مني أن أراها ، قبل أن أعلن موافقتي عليها ..
فأحنى الكاهن رأسه ، ووافق الملك قائلاً : هذا أمر ضروري ، يا مولاي .
ولاذ الملك بالصمت ، فرفع الكاهن عينيه إليه ، وأضاف قائلاً : الفتاة مترددة ، يا مولاي ، ولا غرابة في ذلك ، فهي صبية صغيرة ، وليس لها خبرة الكاهنة ، التي عاشت في المعبد .
وصمت لحظة ، ثم أضاف قائلاً : حديثك معها سيؤثر فيها ، أن تكون كوبابا عشتار أمامك ، يا مولاي ، لهو شرف عظيم لها .
ونهض الملك من مكانه ، فنهض الكاهن بدوره ، وقال : خطيبا ضابط في حرس القصر ، يا مولاي .
وصمت لحظة ، ثم قال : واسمه كارانا ..
وحدق الملك فيه مستفسراً ، فأضاف قائلاً : لابد أنك تعرفه ، يا مولاي . .
تمتم الملك : كارانا ..
ثم خاطب الكاهن قائلاً : حسناً ، حدد موعداً ، واعرضها عليّ ، أريد أن أراها .
وانحنى الكاهن للملك ، وقال : سأستدعيها في أقرب فرصة ، يا مولاي ، وأبلغها بالموعد المحدد .


" 11 "
ــــــــــــــــــــ
خلال اليومين الماضيين ، لم تلتقِ كوبابا بكارانا ، لا في الصباح ، ولا في العصر ، ولا في أي وقت آخر ، وتعمدت أن تذهب إلى الحانة ، بعد أن تتأكد من أنه ذهب إلى القصر ، وتعود إلى البيت قبيل المساء .
وهذا اليوم ، عند تناول طعام الفطور ، وقد أشرقت الشمس ، قال لها أبوها : بنيتي ، يبدو لي أنك لا تلتقين بكارانا هذه الأيام .
فنظرت كوبابا إليه ، وقالت : اطمئن ، يا أبي ، إنه مازال كارانا بالنسبة إليّ .
وهزّ الأب رأسه ، وقال : ويجب أن يبقى كذلك ، إنه شاب رائع لا شائبة فيه .
ونهضت كوبابا من مكانها ، فقال لها أبوها : بنيتي ، أنت لم تأكلي شيئاً .
فردت كوبابا قائلة : لقد شبعت .
ثم اتجهت نحو الفناء ، وهي تقول : حان الوقت ، يجب أن أذهب إلى الحانة .
وهتف بها أبوها : لا تتأخري هذا اليوم .
ومضت كوبابا دون أن تردّ عليه ، وبعد قليل سمع الباب الخارجي يصفق ، فهزّ رأسه مبتسماً ، وقال : ليت طبعها هادئ ، كطبع أمها الراحلة .
وطوال فترة بقائها في الحانة ، ظلت كوبابا قابعة في مكانها ، لا تغادره ، وكان العامل العجوز يحوم حولها بين فترة وأخرى ، لعلها تتحدث إليه ، أو تطلب منه شيئاً ، لكن دون جدوى .
وبعد منتصف النهار ، اقترب العامل العجوز منها ، وقال لها : حان وقت الغداء ، يا ابنتي .
فردت كوبابا قائلة : تغدّ أنت .
ونظر العامل العجوز إليها لحظة ، ثم قال : أتمنى أن تأكلي معي ، ولو لقمة واحدة .
وردت كوبابا ثانية : كلْ أنت ، إنني لست جائعة .
وانصرف العامل العجوز عنها ، وانهمك في خدمة الزبائن المرتادين للحانة ، دون أن يتغدى هو الآخر ، رغم أنه كان جائعاً .
وحوالي العصر ، نهضت كوبابا من مكانها ، فأسرع العامل العجوز إليها ، فقالت له : إنني متعبة بعض الشيء ، سأذهب وأرتاح في البيت .
وسارت كوبابا بادية التعب ، واتجهت إلى المدخل ، وسار العامل العجوز وراءها ، وهو يقول لها : رافقتك السلامة ، يا ابنتي .
وهمت أن تردّ عليه ، لكنها توقفت ، فقد لاح كارانا يقف في مدخل الحانة ، دون أن يتفوه بكلمة ، فواصلت سيرها ، واجتازته ، وهي تقول : إنني ذاهبة إلى البيت .
ولحق كارانا بها على عجل ، وقال لها بصوت مفعم بالعاطفة : جئت إلى الحانة ، في هذا الوقت المبكر ، لأنني لم أحظَ بك صباحاً منذ يومين .
وردت كوبابا قائلة : لن أخرج إلى الحانة مبكرة ، كما كنت أفعل في السابق .
ونظر كارانا إليها ، وهو يسير إلى جانبها ، وخاطبها قائلاً : كوبابا ..
وقاطعته كوبابا قائلة : لنرجىء الحديث في هذا الأمر ، في الوقت الحاضر .
ولاذ كارانا بالصمت لحظة ، لكنه سرعان ما تراجع ، وقال : استدعاني الملك صباح اليوم ..
وسكت كارانا ، لكن كوبابا لم تلتفت إليه ، رغم أنها على ما يبدو بدت مُثارة ، فتابع كارانا قائلاً : سألني الملك ما إذا كنتُ خطيبك .
وتوقفت كوبابا ، وتساءلت محتدة : وبماذا أجبته ؟
وردّ كارانا قائلاً : أجبته الحقيقة ..
وبحدة أكثر تساءلت كوبابا : وما الحقيقة ؟
فردّ كارانا : قلت له نعم .
وسكت كارانا فترة طويلة ، وكوبابا لا تنطق بحرف واحد ، ثم نظر إليها ملياً ، وقال : قال لي الملك ، بأنه سيراك خلال أيام برفقة الكاهن .
وأسرعت كوبابا ، حين اقتربا من بيتيهما ، دون أن توجه إليه كلمة واحدة ، ودفعت الباب الخارجي ، ومضت مسرعة إلى الداخل .
وتوقف كارانا يتابعها بنظره الحائر ، حتى اختفت وراء الباب ، هذه المجنونة الجميلة ، ماذا تريده أن يفعل ؟ أن يهرب معها إلى المجهول ؟ سيتزوجها ، وستعقل كما تقول أمه ، و .. واستدار مقطباً ، ودخل إلى البيت .



" 12 "
ـــــــــــــــــــــ
منذ العصر ، انصرفت كوبابا إلى تنظيف غرفتها ، وترتيب الأثاث فيها ، ونظفت الفناء ، واعتنت بشتلات الورد ، التي كانت أمها تحبها كثيراً .
ثم راحت تعد طعام العشاء ، في وقت مبكر ، وأبوها يتابعها بعينيه المتعبتين الصامتتين ، دون أن يتوجه إليها بكلمة واحدة .
وهزّ رأسه ، وتنهد من أعماقه ، آه لقد رحلت زوجته الطيبة في غير أوانها ، كان يتمنى لو أنها موجودة الآن ، فكوبابا أحوج ما تكون لها الآن ، وهو كرجل لا يستطيع أن يقدم لها أي شيء .
ورغم أن كوبابا ، لم تتفوه بكلمة واحدة ، بل وتجنبت حتى النظر إلى أبيها ، إلا أنها من الواضح كانت متوترة ، تكاد تنفجر ، وآه لو انفجرت .
وتمنى الأب لو عرف ما يدور في خلدها ، وكارانا ماذا يفعل الآن ؟ وهو لا شك محرج بينها وبين المعبد والقصر ، لتكن الآلهة معه ، وإلا ضاع ، ومن يدري ، فقد تضيع كوبابا معه ، وتخسر حياتها .
وعند المساء ، تناهى إلى الأب ، وهو في فراشه ، طرق خافت على الباب ، واعتدل في مكانه ، وهمّ أن ينادي كوبابا ، لكنه توقف حين رآها عبر الباب الموارب ، تتجه إلى الباب الخارجي .
وقبل أن تفتح كوبابا باب البيت ، عرفت من القادم ، إنها الكاهنة الشابة ، رسولة الكاهن من المعبد ، وحين فتحت الباب ، وجدتها تقف مبتسمة ، وهي تحدق فيها بعينيها البغيضتين .
وانقبض قلبها ، وحدقت فيها بعينين غير صديقتين ، وقالت لها بصوت جاف : نعم .
وحيتها الكاهنة الشابة قائلة ، وهي مازالت تبتسم : طاب مساءكِ ، يا سيدتي .
فردت كوبابا بنفس الصوت الجاف ، والنظرات غير الصديقة : أهلاً .. أهلاً .
وتابعت الكاهنة الشابة ، والابتسامة مازالت تعلو شفتيها : يحييك الكاهن ، ويحيي والدك المحترم ، ويقول لك ، إن الملك يريد أن يراك غداً .
وتنهدت كوبابا ، وقد ازداد انقباضها ، وقالت الكاهنة المبتسمة : سأزورك صباح الغد ، وآخذك إلى المعبد ، حيث ينتظرك الكاهن المقدس .
وردت كوبابا قائلة باقتضاب : حسناً ، انتظرك ..
وهمت أن تصفق الباب ، وتمضي إلى غرفتها ، لكن الكاهنة مدت يدها ، وأمسكت الباب مبتسمة ، وقالت : يقول الكاهن ، أنك ستقابلين الملك في القصر الملكي ، فعليكِ أن ترتدي ملابس مناسبة .
وصفقت كوبابا الباب ، دون أن تردّ بكلمة ، وسمعت الكاهنة تهتف بها ، من وراء الباب : تذكري الموعد ، غداً صباحاً ، إلى اللقاء .
واستدارت كوبابا ، بعد أن صفقت الباب ، وفوجئت بأبيها يقف على مسافة خطوات منها ، ونظرت إليه صامتة ، فقال لها : هذه الكاهنة رسولة الكاهن ؟
فردت كوبابا باقتضاب : نعم .
واقترب أبوها منها قليلاً ، وقال : بنيتي ..
فقاطعته كوبابا قائلة : العشاء جاهز ، فلنذهب ونتعشَ قبل أن يبرد الطعام .
ومشت كوبابا ودخلت الغرفة ، حيث السفرة وقد وضعت عليها الطعام ، ولحق بها أبوها ، متوكئاً على عكازه ، وقال لها : هيا نأكل .
وجلس والدها ، وقد وضع عكازه جانباً ، فجلست قبالته على السفرة ، وراحت تأكل ببطء وبدون شهية ، فرفع أبوها رأسه إليها ، وقال : بنيتي ، هذه فرصة تحلم بها كلّ فتاة في كيش .
وصمت لحظة ، ثم قال : إنه الملك ، يا كوبابا .
ولاذت كوبابا بالصمت ، وهي مازالت تأكل ببطء وبدون شهية ، فتابع أبوها قائلاً : ثم إنها فرصة لكارانا ، إنه ضابط في القصر ، وسيكون له شأن كبير ، إذا أرضيتِ الملك ، وأحسنت التصرف معه .
وسحبت كوبابا يدها عن الطعام ، ثم نهضت ، وقالت : ستأتي الكاهنة غداً ، وسأذهب معها إلى المعبد ، ثمّ يرافقني الكاهن إلى القصر .
ورغم أن كوبابا لم تكن فرحة بما يجري ، إلا أن أباها كان مرتاحاً بعض الشيء ، فهي على الأقل تبدو مستسلمة للأمر ، ومن يدري ، لعلها بعد لقائها بالملك في أجواء القصر ، يغمرها الفرح .
ورفع الأب رأسه ، وتراءت له زوجته الهادئة الطيبة ، وتمنى لو كانت على قيد الحياة ، لترى ابنتها المحبوبة كوبابا ، وقد صارت عشتار أمام تموز نفسه .


" 13 "
ـــــــــــــــــــــ
في صباح اليوم التالي ، جاءت الكاهنة الشابة ، وابتسامتها الدائمة معلقة على شفتيها ، ورافقتها إلى المعبد ، حيث كان الكاهن ينتظرها ، وطوال الطريق لم تنبس كوبابا بكلمة واحدة .
واستقبلها الكاهن في المعبد ، وعلى شفتيه النديتين ، شبح ابتسامة غريبة ، لم تفهم فحواها ، وقال لها حالما دخلت عليه مع الكاهنة الشابة : لنذهب إلى القصر ، لابدّ أن الملك ينتظرنا الآن .
وفي الطريق إلى القصر ، قال الكاهن لكوبابا : أنصحك أن تصغي إلى الملك ، إنه ملك كيش ، وهذا طقس مقدس ، يمكن أن يغير مسار حياتك .
ودخل الكاهن على الملك ، في قاعة العرش ، وانحنى له ، وقال : مولاي ، كوبابا بالباب .
وحدق الملك فيه ملياً ، ثمّ قال : لتدخل كوبابا وحدها ، سألتقي بها ، ثم سأكلف من يعيدها إلى بيتها ، بعد انتهاء هذه المقابلة .
وانحنى الكاهن للملك ثانية ، وقال : لتوفقك الإلهة ننخرساج ، يا مولاي ، وأرجو أن تبلغونا بنتيجة اللقاء ، فموعد الزواج المقدس يقترب .
فقال الملك : رافقتك السلامة .
وخرج الكاهن من قاعة العرش ، وشبح ابتسامته قد اختفى تماماً ، ودخلت كوبابا ، في ثوبها البسيط الملون بألوان ربيع كيش ، وتوقفت عند الباب الذي أغلق خلفها ، وعيناها ثابتتان على الملك .
وحدق الملك فيها ، وداخله شيء من الارتياح ، ربما هبّت عليه أنسام من ربيع كيش ، غابت عنه منذ أن رحلت زوجته ، وتركته لبرودة الوحدة .
وتمتم الملك : كوبابا .
وردت كوبابا : نعم ، يا مولاي .
وقال الملك ، وعيناه تطوفان في ربيع كيش : حدثني الكاهن عنك ، وها أنا أراك .
وتطلعت كوبابا إلى الملك ، بعينيها الربيعيتين الجميلتين ، وقالت : لا أدري لماذا أرادني للزواج المقدس ، وأنا لست كاهنة من كاهنات المعبد .
واقترب الملك منها ، ودار حولها ، وهو يقول : عشتار وحدها تعرف السبب ، نحن مجرد بشر .
وجلس الملك على كرسي العرش ، ثمّ أشار لها ، وقال : تعالي ، يا كوبابا ، اقتربي .
واقتربت كوبابا مترددة ، وتوقفت مطرقة أمام الملك ، فأشار إلى مقعد قريب من العرش ، وقال لها : اجلسي هنا ، يا كوبابا .
وجلست كوبابا على طرف المقعد ، فخاطبها الملك قائلاً : قيل لي أنك تعملين في حانة صغيرة .
وهزت كوبابا رأسها أن نعم ، فتبع الملك كلامه قائلاً : أنت فتاة شابة .
ونظرت كوبابا إلى الملك ، وقالت : مولاي ، أبي رجل مسن ، ومريض .
واعتدل الملك ، وقال : لو كنت أنا المسؤول عنك ، لمنعتك من العمل في الحانة ، مهما كان السبب .
وقالت كوبابا مترددة : لكن أبي مريض ، يا مولاي ، ولا يقوى على العمل طول النهار في الحانة .
وصمتت لحظة ، وتابعت قائلة : ثم إن أكثر من فتاة وامرأة يعملن في حانات كيش .
فرمقها الملك بنظرة سريعة ، وقال لها : هذا صحيح ، لكنكِ أنت شيء آخر ، يا كوبابا .
وصمت الملك ، فلاذت كوبابا بالصمت أيضاً ، فنظر الملك إليها ، وقال : أخبرني الكاهن ، أنك لم ترتاحي إلى دور عشتار في الزواج المقدس .
وردت كوبابا قائلة : لست كاهنة ، وما جرى عليه التقليد ، أن تكون عشتار كاهنة من كاهنات المعبد .
ولاذ الملك بالصمت ، وحدق فيها ملياً ، ثمّ قال : سأرسل في طلب كارانا ، ليعود بك إلى البيت .
فنهضت كوبابا ، وقالت : أشكرك ، يا مولاي ، أنا أفضل أن أعود إلى البيت وحدي .
ونهض الملك ، وقال : كما تشائين .
وانحنت كوبابا للملك ، وقالت : أشكرك ، يا مولاي .
ثم اتجهت نحو الخارج ، وعند الباب ، ناداها الملك قائلاً : كوبابا .
فالتفتت كوبابا إليه ، وقالت : مولاي .
فتابع الملك قائلاً : سأرسل من يأتي بك إلى القصر ، خلال الأيام القليلة القادمة .
فقالت كوبابا : أمر مولاي .
فقال الملك : اذهبي ، رافقتك السلامة .


" 14 "
ـــــــــــــــــــــ
بعد مرور يومين فقط ، جاءتها إلى البيت ، جارية شابة ، وحين فتحت الباب ، وقع نظرها عليها ، وخفق قلبها ، لابدّ أنه الملك ، وابتسمت الجارية لها ، وقالت : طاب صباحك ، يا مولاتي .
وخفق قلبها أكثر ، مولاتي ! كوبابا مولاتي ؟ وكتمت عواطفها ، وردت قائلة : طاب صباحك .
فقالت الجارية : جلالة الملك ، أرسلني إليك ، يا مولاتي ، يريدكِ أن تأتي إلى القصر .
وتساءلت كوبابا : متى ؟
وردت الجارية قائلة : الآن ، يا مولاتي ، جئت لأرافقك ، الملك ينتظرك في القصر .
فقالت كوبابا : أمهليني لحظة ، ريثما أبدل ثيابي .
وقبل أن تقول الجارية : تفضلي ، يا مولاتي .
استدارت كوبابا ، ومضت إلى الداخل ، وسرعان ما عادت ، وقد بدلت ثيابها ، وارتدت نفس الثياب ، التي قابلت بها الملك في المرة السابقة ، وقالت للجارية وهي تتقدمها : هيا فلنذهب .
وسارت الجارية إلى جانب كوبابا ، وهي تقول : هيا يا مولاتي ، الملك ينتظرك الآن في القصر .
واستقبلها الملك في القصر ، ولكن ليس في قاعة العرش ، كما في المرة السابقة ، وإنما في طرف من حدائق القصر ، تحيط به الأشجار السامقة ، وشجيرات الورود على اختلاف أنواعها .
وحين قادتها الجارية ، حيث يقف الملك ، توقفت أمامه ، وانحنت قائلة : طاب صباحك ، يا مولاي .
ونظر الملك إليها ، وقال : أهلاً كوبابا .
ثم أشار للجارية أن تنصرف ، فانحنت للملك ، واستدارت على عجل ، وسارعت بالانصراف ، وتلفت الملك حوله ، وقال : الجو جميل اليوم ، تعالي أريك بعض أطراف حدائق القصر ، يا كوبابا .
وسار الملك على النجيل الندي ، الذي تحفه أشجار النخيل وشجيرات الورد ، وهو يقول لكوبابا التي راحت تسير إلى جانبه : إنني أقضي معظم وقت فراغي في هذه الحدائق ، إنها تعطيني الهدوء الذي أحتاجه .
وأصغت كوبابا إلى الملك ، دون أن تنبس بكلمة ، وأخذها في جولة في أطراف الحدائق ، وهو يتحدث عن الأشجار وشجيرات الورد ، دون أن يتطرق بكلمة واحدة إلى الزواج المقدس ، ودورها فيه .
وأقبلت جارية ، وانحنت للملك ، وقالت : مولاي ، إن مائدة الطعام جاهزة .
وهزّ الملك رأسه ، وأشار للجارية أن تنصرف ، فانصرفت في الحال ، والتفت إلى كوبابا ، وقال : أنا أتناول الطعام وحيداً كل يوم ، واليوم ستأكلين معي .
ونظرت كوبابا إليه محرجة ، وقالت : مولاي ..
فقاطعها الملك قائلاً : هيا قبل أن يبرد الطعام .
وقاد الملك كوبابا إلى مائدة الطعام داخل القصر ، وجلس على رأس المائدة ، وأشار إلى مقعد قريب ، وقال لكوبابا : اجلسي هنا ، يا كوبابا .
وجلست كوبابا محرجة ، فقال الملك : هيا نأكل ، الطعام لذيذ اليوم على ما يبدو .
ومدّ الملك يده ، وراح يتناول الطعام ، ومدت كوبابا يدها على استحياء ، وراحت تأكل محرجة ، وقال الملك : في مكانك هذا ، كانت تجلس الملكة ، وكنا نتناول الطعام معاً على الدوام .
وصمت لحظة ، ثم تابع قائلاً : كانت مريضة منذ البداية ، لكنها كانت جميلة وطيبة للغاية ، وقد أنجبت العديد من الأطفال ، لكن أحداً منهم لم يعش طويلاً .
وصمت الملك ، ونظر إلى كوبابا ، وقال : كوبابا ..
وردت كوبابا قائلة : نعم ، يا مولاي .
وتابع الملك قائلاً : هل تحبين كيش ؟
فردت كوبابا متأثرة : نعم ، يا مولاي ، كيش حياتنا .
فقال الملك ، وكأنه يحدث نفسه : كيش محاطة بالأعداء ، والحاسدين ، والطامعين ، وهي للأسف الشديد ، لا مستقبل لها ، فهي بدون ولي للعهد .
ونظرت كوبابا إلى الملك ، دون أن تتفوه بكلمة ، فتابع الملك قائلاً : بعد أن عرفتك ، أدركت أنني لست بحاجة إلى عشتار ، وإنما أنا أحوج ما أكون إلى كوبابا .
وتمتمت كوبابا مذهولة : مولاي .
فنظر الملك إليها ، وقد توقف عن تناول الطعام ، وقال : أنا ملك كيش ، يا كوبابا ، لكني لن آمرك ، أريد ولياً للعهد لكيش ، وآمل أن تعطينا أنت ولي العهد هذا ؟


" 15 "
ــــــــــــــــــــ
طوال ساعات ما بعد منتصف النهار ، انتظرت الأم ابنها كارانا ، وقد أعدت له ما يحبه من طعام ، لكن دون جدوى ، وها هو المساء يقترب ، ولا أثر لكارانا .
وتزايد حزنها وقلقها مع مرور الوقت ، في السابق لم تكن لتلتفت إلى تأخره ، فهي تعرف أين هو ، ومع من أيضاً ، إن كوبابا هي الرفقة الدائمة ، وحيثما تكون يكون كارانا معها آمناً وسعيداً .
لكن الأمر اختلف الآن ، وحلت الغيوم في سمائه التي كانت صافية ، وكل الغيوم ، في مختلف فصول السنة ، تزول ، وتعود السماء صافية مرة أخرى ، إلا غيومه هذه ، فلن تزول ، ولن تعود سماؤه إلى صفائها السابق ، مهما مرّ الزمن .
وعند حوالي المغرب ، عاد كارانا إلى البيت ، ونظرت إليه أمه ، بعينيها الشائختين المحبتين ، إنه على غير عادته منذ أيام ، حزين مقطب قليل الكلام ، فقالت له : يبدو أنك لم ترَ كوبابا اليوم أيضاً .
فتهاوى على الحشية ، التي يجلس عليها عادة ، وقال : ولن أراها بعد اليوم .
ونظرت أمه إليه متسائلة مندهشة ، فقال بصوت ميت : كوبابا ستتزوج قريباً .
وشهقت الأم قائلة : تتزوج كوبابا !
فتابع كارانا قائلاً : نعم ..
وتساءلت الأم : من تتزوج ؟
وأجاب كارانا : ستتزوج الملك .
وشهقت الأم مذهولة : الملك ؟
وقال كارانا : نعم ، ستتزوج ملك كيش .
وصاحت الأم : وأنتَ ؟
فتمدد كارانا فوق الحشية ، وقد أغمض عينيه ، وقال : رُفعتُ ، ونقلت قائداً لحامية على الحدود .
ونظرت أمه إليه حائرة ، فتابع كارانا قائلاً بمرارة شديدة : هذه مكافأة لي ، وتعويض من الملك ، عما خسرته بفقدي لكوبابا ، يا أمي .
وتطلعت أمه إليه ، وقالت له : انهض ، يا كارانا ، واذهب إليها .
وفتح كارانا عينيه المتعبتين ، ونظر إليها ، وقال : وماذا يمكن أن أفعل ؟ يا أمي ، إنها مشيئة ملك كيش ، بل مشيئة الإلهة ننخرساج نفسها .
ولاذت الأم بالصمت طويلاً ، وقد دمعت عيناها ، ثم نظرت إليه ، وقالت : لا عليك ، يا بنيّ ، إن الآلهة لم تخلق كوبابا فقط ، الفتيات كثيرات في كيش .
وأغمض كارانا عينيه المتعبتين ثانية ، وتمتم بصوت خافت كأنه يحدث نفسه : إن الآلهة لم تخلق ، ولن تخلق ، سوى كوبابا واحدة .
ومضت أمه عنه ، وانصرفت بصمت دامع ، إلى إعداد طعام العشاء ، وبصمت دامع وضعت الطعام على السفرة ، وهمت أن تناديه لتناول الطعام ، فألفته مستغرقاً في النوم ، فساحت الدموع من عينيها ، يا للحظ العاثر ، منذ الصغر وكوبابا لكارانا ، وكارانا لكوبابا ، آه .. يا لمشيئة الآلهة .
وفزّ كارانا من نومه متمتماً : كوبابا ..
وهتفت به أمه بصوت دامع متحشرج : كارانا ..
وبدا أنه أفاق ، فقد فتح عينيه ، ونظر إليها ، وربما أدرك أنه كان يحلم ، فقالت له أمه : بني ، الطعام جاهز ، انهض ولنتناول العشاء معاً .
واعتدل كارانا ، ونهض واقفاً ، وبدل أن يجلس إلى سفرة الطعام ، اتجهً نحو باب الغرفة ، وهو يقول : كلي أنتِ ، يا أمي ، لستُ جائعاً .
وردت أمه قائلة : كيف آكل ، وأنت لم تأكل شيئاً بعد ؟ تعال كلْ ولو لقمة واحدة .
وخرج كارانا من الغرفة ، وتوقف وسط الفناء ، والنجوم تلمع وسط سماء صافية ، خالية من الغيوم ، وسرعان ما اندفع نحو الباب الخارجي ، ففتحه بقوة ، ومضى يضرب في العتمة على غير هدى .
ووجد نفسه بعد حين ، أمام باب بيت كوبابا ، وتوقف في الظلام ، يحدق في الباب ، دون أن يفكر لحظة واحدة ، في أن يقترب منه ، أو يقرعه .
وتناهت إليه حركة من وراء الباب ، لعلها كوبابا ، أو أبوها ، فتراجع متوارياً في الظلام ، ثم استدار ، ومضى عائداً إلى البيت .
واستقبلته أمه عند الباب ، وكأنها كانت تنتظره في الفناء ، وهتفت به : بنيّ ، كدت أخرج ، وأبحث عنك ، لقد أقلقني غيابك .
ودخل كارانا الغرفة ، فدخلت أمه وراءه ، وقالت : سأسخن لك الطعام ، لابدّ أن تأكل ، يا بنيّ .
ونزع كارانا ملابسه ، وارتدى منامته ، واندس في الفراش ، وسحب الغطاء فوقه ، وقال : إنني متعب ، أريد أن أنام .
وأغمض عينيه المتعبتين ، وأضاف قائلاً بصوت خافت : غداً التحق بموقعي الجديد ، وأبقى فيه ، إنني أريد أن أبتعد عن .. كيش .


" 16 "
ـــــــــــــــــــــ
تسارعت الأحدث خلال الأيام التالية ، بما لم يتوقعه أو يريده الكاهن نفسه ، فقد أبلغه الملك ، عن طريق وزيره العجوز ، أن كوبابا لن تكون عشتار ، في الزواج المقدس ، هذه إرادة الملك التي لا راد لها ، وأن على الكاهن أن يجد بديلة على أن تكون كاهنة من كاهنات المعبد .
وقد استغرب الكاهن من موقف الملك ، وفكر أن وراءه ما وراءه ، وأدرك أنه على حق ، عندما علم أن الملك ، قد قرر أن يتزوج من كوبابا .
وشهق الكاهن ، وتصدع شيء في قلبه ، لا يعرف سره أحد ، وقد آن أن يحاول دفنه في الأعماق ، بحيث لا يكون له أثر على حياته اليومية المليئة بالقداسة .
والأنكى بالنسبة له ، وهو الذي تمناها أن تكون عشتار أمام تموز ، وطالما تمنى أن يكون هو تموز ، ولو في الحلم ، لكنه ها هو يعدّ العدة ، لإجراء مراسيم الزواج الملكي بين كوبابا وملك كيش ، في المعبد أمام الإلهة ننخرساج نفسها .
وجاء اليوم الموعود ، ودخل الملك المعبد ، في موكب مهيب ، مع عروسه الشابة كوبابا ، يحيط بهما الحرس المدججون بالسلاح ، وأهل كيش في زينتهم وثيابعم ، التي يرتدونها أيام الأعياد فقط ، وقد غاب عنه أبو كوبابا ، فقد كان مريضاً ، كما غابت عنه أم كارانا ، فكيف تحضر الاحتفال ، وكوبابا تزف إلى غير ابنها كارانا ، الذي وصل قائداً للحامية ، التي تقع على الحدود مع مملكة ماري .
ولأيام عديدة ، ظل القصر يزهو بالأفراح ، وقمره الجديد كوبابا ، التي رغم كلّ شيء ، بدا للملك أنها ليست فرحة تماماً ، لا بأس ، ستلمس أهمية مكانتها في القصر ، وعند الملك نفسه ، بوماً بعد يوم ، وستدرك أنها حظيت بما لم تحظَ به فتاة في كيش كلها .
وذات ضحى ، والملك في قاعة العرش ، دخل عليه الحاجب ، وقال له : مولاي ، رسول من الحامية ، التي تقع على الحدود مع مملكة ماري .
فقال الملك : ليدخل .
ودخل الرسول ، وانحنى للملك ، وقال : مولاي ، الرسالة من قائد الحامية كارانا .
وتمتم الملك : خيراً .
فقال الرسول : مولاي ، هاجم مجموعة من فرسان مملكة ماري ، حاميتنا على الحدود ، وحاولوا السيطرة عليها ، لكن قائد الحامية وجنده صدوا المجموعة ، وقضوا على معظم أفرادها .
وصمت الرسول ، وقد بدا الفرح على الملك ، ثم قال : يرى القائد كارانا ، أن مملكة ماري ، بعد هذه الهزيمة ، تستعد لتعرض أوسع ، ربما تريد من ورائه التوغل في أرض كيش نفسها .
فقال الملك : عد أنت إلى الحامية ، وبلغ كارانا شكري وتقديري ، وقل له ، إننا سنستعد لكل طارئ .
وجرى خلال الأيام التالية ، عدة تعرضات من فرسان مملكة ماري على الحامية ، وجرى صراع دام ، راح ضحيته عدة فرسام من كلا الطرفين .
وهدأت الأوضاع بعض الشيء ، أو هذا ما بدا للجميع ، لكن كارانا لاحظ أن جيش ماري يستعد للقيام بهجوم واسع على كيش .
وأبلغ الملك بذلك ، فأمر الملك بإعداد الجيش ، للتقدم إلى الحدود ، والتصدي لهم ، وكسر شوكتهم ، لكي لا يكونوا خطراً على كيش ، ومكانتها المقدسة .
وحزنت كوبابا ، عندما علمت أن الملك ، سيقود الجيش بنفسه ، وسيذهب به قريباً إلى الحامية ، على الحدود مع مملكة ماري .
وذات ليلة ، والملكة كوبابا تتمدد إلى جانب الملك في فراشهما ، قالت له : يقال أن جيشنا على أتم الاستعداد ، لخوض المعركة مع ماري .
فنظر الملك إليها ، وقال : نعم ، وسأقوده بنفسي ..
وهمت كوبابا أن تعترض ، فقاطعها الملك قائلاَ : لن أغيب طويلاً ، فجيشنا قوي جداً ، ومدرب تدريباً جيداً ، بعكس جيش مملكة ماري .
ونظرت الملكة كوبابا إليه ، وقالت : ليتك ترسل قائد الجيش ، ومعه القادة المساعدون ، وتبقى أنت في القصر في كيش .
وهزّ الملك رأسه ، وقال : أنا ملك كيش ، يا كوبابا ، وعليّ أن أكون في المقدمة .
فنظرت كوبابا إلى بطنها ، ثم قالت : حتى لو قلت لك ، إن ولي العهد هنا .
واتسعت عينا الملك ، وشهق فرحاً ، وقال : ماذا !
فتابعت كوبابا فرحة ، وقالت : إنني حامل .
ومدّ الملك يده ، ولمس بطنها برفق ، وقال وقد غمره الفرح : ولي العهد !
ونهض الملك من مكانه ، وقال : هذا أدعى للواجب ، فأنا أريده آمناً مطمئناً ، عندما يأتي إلى الدنيا .


" 17 "
ـــــــــــــــــــــ
قاد ملك كيش الجيش بنفسه ، وخرج الناس من بيوتهم ، واصطفوا متدافعين على جانبي الطرق ، من داخل المدينة ، حتى خارج أسوارها المنيعة ، يتقدمهم الكهنة والكاهنات وكاهن المعبد نفسه .
وأرادت الملكة الشابة كوبابا ، أن تشارك أهالي كيش ، في توديع الملك والجيش ، لكن الملك لم يوافقها على ذلك ، و أصرّ على أن تبقى في القصر ، مع ولي عهده الذي تحمله له في أعماقها ، وأوصى رئيس حراس القصر ، أن يحميها ليل نهار ، ويحرص عليها كما لو كانت بؤبأي عينيه .
وابتعد الجيش عن كيش ، لكن الأهالي لم يعودوا إلى بيوتهم داخل المدينة ، حتى منتصف النهار ، بل إن بعضهم ظلّ عند الأسوار حتى مغيب الشمس .
وعندما وصل الملك بالجيش إلى موقع الحامية ، على حدود مملكة ماري ، استقبله قائدها وجنودها استقبال الأبطال المنتصرين .
وفي أول الليل ، اجتمع الملك بقادة الجيش ، وفي مقدمتهم قائد الحامية الشاب .. كارانا ، وتدارسوا خطة المعركة مع جيش مملكة ماري .
وفي صباح اليوم التالي ، لاح من بعيد ، جيش مملكة ماري ، يقوده الملك نفسه ، وبدا لملك كيش ، وقادتها ، جيشاً كبيراً عدداً وعدة ، وقرر الملك أن يواجههم بنفسه ، وأن يكون خلال المعركة في مقدمة جنده .
ورضخ القادة والجند لقرار الملك ، لكن كارانا عارضه برفق ، وقال : مولاي ، نحن حريصون عليك كما نحرص على كيش ، والمعارك ستطول ، ومخاطرها كثيرة ، نحن فداء لك ولكيش ، نحن نكفيك ..
وسكت لحظة ، وسط صمت الآخرين ، الذي يعني له أنهم معه ، فتابع قائلاً : ما نتمناه ، يا مولاي ، أن تكرم جيشنا ، وتقوده ، وتشرف على سير المعارك من أمام خيمتك ، وهذا يكفينا لنحقق النصر باسمك .
وحدق الملك فيه صامتاً ، فتابع كارانا قائلاً : وإذا سمحت لي ، يا مولاي ، ونتيجة لخبرتي مع فرسان ماري ، سأسير فارساً مع فرساني في المقدمة ، ونواجههم كما كنّا نواجههم دائماً ، وننتصر عليهم .
ورغم حماس الملك للمشاركة ، منذ البداية في المعركة ، إلا أنه أصغى إلى كارانا ، ثم قال : حسناً ، ابدأ الهجوم أنت غداً ، ومعك فرسانك الشجعان ، ومجاميع مختارة من خيرة الفرسان ، وسأتابعكم من أمام خيمتي ، وأرى ما سيجري مع فرسان ماري .
وبدأت المعركة منذ الصباح الباكر ، بهجوم فرسان الحامية ، والمجاميع المختارة من خيرة الفرسان ، يقودهم القائد الشاب كارانا ، وتشجع الملك ، وأدرك أن النصر قادم ، فأرسل فرسانه وجنوده المتحمسين لدعم المهاجمين ، والإسراع في تحقيق النصر ، حتى قبل أن يأفل النهار ، وتغرب الشمس .
وخلال ساعات المعركة الدامية ، التي دارت بين جنود وفرسان الطرفين ، وبتخطيط من ملك ماري وعدد من قادته ، التف فرسان مدربون من الوراء ، وهاجموا خيمة ملك كيش .
وفوجئ حراس الملك بالهجوم ، لكنهم تصدوا للمهاجمين ، وراحوا يقاتلونهم ببسالة ، ويحبطون سعيهم ، وبحركة يائسة ، أطلق أحد فرسان ماري سهماً على الملك ، أصاب منه مقتلاً .
وهرع كارانا وعدد من فرسانه لنجدة الملك ، لكنهم وصلوا بعد فوات الأوان ، ورغم أن أحداً من فرسان ماري لم يخرج حياً من تلك المؤامرة ، إلا أن الثمن كان غالياً جداً ، فقد توفي الملك ليلاً متأثراً من جراحه .
وقبل أن يرحل الملك ، خاطب قادته بصوته الواهن قائلاً : هذه مؤمرة ، والمؤامرة هي فعل الجبناء ، أريد غداً أن تنجزوا النصر ، بقيادة من بدأ النصر .. كارانا .
وفي اليوم التالي ، ومنذ الصباح الباكر ، حشد كارانا ومن معه قوة ضخمة ، من الجنود والضباط والفرسان ، وشنوا هجمة مباغتة ماحقة على جيش ماري ، وقبيل منتصف النهار ، استطاعوا أن يحققوا النصر ، ويلحقوا الهزيمة بماري وملكها المتآمر .
وأرسل القائد كارانا رسولاً إلى الملكة كوبابا ، ينعي إليها ملك البلاد ، ويقول لها ، أن الجيش الذي هزم ماري ، في طريقه إلى كيش ، حاملاً النصر على الأعداء ، ومعه يحمل الملك الذي حقق النصر .
وخرج أهالي كيش ، إلى خارج الأسوار ، يستقبلون بالأحزان والدموع ، ملكهم القتيل المنتصر ، وفي مقدمتهم هذه المرة كانت .. الملكة كوبابا .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل


.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف




.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس


.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام




.. عشر سنوات على مهرجان سينما فلسطين في باريس