الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-الأسرة المقدسة--تحقيقات وتعليقات حاشية نقدية رقم 1

نايف سلوم
كاتب وباحث وناقد وطبيب سوري

(Nayf Saloom)

2024 / 5 / 25
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات


ينتقل ماركس هنا من الترجمة السيئة إلى تعليقات ادغار بوير وحواشيه على الكتاب التي يصفها بأنها أشد تخريباً لفكرة برودون من الترجمة السيئة لكتابه "ما هي الملكية؟"
يقول ماركس: إن النقد الاولي لكل علم هو بالضرورة أسير لبعض المسبقات العائدة للعلم الذي يناهضه. وعلى هذا الأساس فإن كتاب برودون: "ما هي الملكية؟" هو نقد للاقتصاد السياسي من وجهة نظر الاقتصاد السياسي. في الكتاب قسم حقوقي ينتقد الحقوق من وجهة نظر الحقوق. لن نركز عليه كثيراً حسب ماركس، لأن نقد الاقتصاد السياسي هو ما يشكل أهميته الأساسية. إن مؤلف برودون قد تجاوزه، علمياً، نقد الاقتصاد السياسي، بما في ذلك نقد الاقتصاد السياسي كما يتضح في مفهوم برودون. ولكن هذا العمل (نقد الاقتصاد السياسي اللاحق) ما كان ليتم إلا بفضل مساهمة برودون نفسه، مثلما يستلزم نقد برودون افتراض نقد النظام المركنتيلي من قبل الفيزيوقراطيين ، ونقد الفيزيوقراطيين من قبل آدم سميث ، ونقد آدم سميث من قبل ريكاردو ، وكذلك أبحاث فورييه وسان سيمون. 60
نحن أمام سلسلة من عمل النقد في الاقتصاد السياسي قبل مجيء ماركس.
1-أصحاب النظام المركنتيلي (التجاري): هم أصحاب نظرية اقتصادية انتشرت بوجه خاص في فرنسا وانكلترا في القرن السابع عشر. وبحسب راي المركنتيليين، فإن التجارة هي مصدر فائض القيمة، ولا تثري بلاد ما إلا عن طريق تجارة خارجية ناشطة.
2-الفيزيوقراطيون (الأرض تحكم): هم أتباع نظرية معاكسة لنظرية المركنتيليين، (القرن الثامن عشر: كسنييه، مرسييه دي لاريفير، يتروسن، تورغو وغيرهم) يعتبرون الريع العقاري للأرض الصورة الوحيدة لفائض القيمة، بالتالي العمل الزراعي هو العمل الوحيد المنتج.
3-آدم سميث (1723-1790): فيلسوف أخلاقي وعالم اقتصاد أسكتلندي، يُعد مؤسس الاقتصاد السياسي الكلاسيكي. أشهر كتبه: "نظرية المشاعر الأخلاقية 1759"، و"بحث في طبيعة ثروة الأمم وأسبابها 1776".
4-دافيد ريكاردو (1772-1823): اقتصادي سياسي بريطاني، وواحد من أكثر الاقتصاديين الكلاسيكيين تأثيراً إلى جانب توماس مالتوس، وآدم سميث وجيمس مل "
5-فورييه وسان سيمون: اشتراكيان فرنسيان يمثلان اتجاهين للاشتراكية الطوباوية (الخيالية) في مطلع القرن التاسع عشر.
6-جان باتيست ساي (1767-1832): اقتصادي سياسي فرنسي، من اقتصاديي المبادلة الحرة الرئيسيين، مؤلف "بحث في الاقتصاد السياسي"
يقول ماركس: إن سائر شروحات الاقتصاد السياسي تفترض الملكية الخاصة. ويعتبر الاقتصاد السياسي هذه الفرضية الأساسية كواقعة لا يمكن الطعن في صحتها؛ فهو لا يخضعها لأي تمحيص، وحتى أنه إذا أخذنا إقرار جان باتيست ساي الساذج، فهو لا يذكرها إلا عرضاً.
وها هو برودون يخضع في كتابه موضع الحديث، الملكية الخاصة، أس الاقتصاد السياسي، إلى تمحيص نقدي، إلى أول تمحيص جازم، تمحيص علمي بقدر ما هو قاس" 60
ذلك هو التقدم العلمي الكبير الذي حققه، وهو تقدم أحدث ثورة في الاقتصاد السياسي، وجعل ممكناً، للمرة الأولى، قيام علم حقيقي للاقتصاد السياسي. إن كتاب برودون "ما هي الملكية؟" يضاهي في أهميته، بالنسبة للاقتصاد السياسي الحديث، كتاب سيّاس "ما هو الشعب؟" بالنسبة للسياسة الحديثة. وسيّاس هذا هو إيمانويل جوزيف سيّاس (1748-1836) روماني كاثوليكي وقسيس وكاتب سياسي، وواحد من كبار المنظرين للثورة الفرنسية. أصبح كتيبه لعام 1789 بعنوان "ما هي الطبقة الثالثة؟" البيان الرسمي للثورة. كان بين المدبرين لانقلاب 18 برومير (8 نوفمبر) الذي أوصل نابليون بونابرت (الثالث) إلى السلطة، وصاغ في مخطوط غير منشور مصطلح "علم الاجتماع" وقدم اسهامات نظرية كبيرة إلى العلوم الاجتماعية الناشئة.
إن الاقتصاد السياسي الذي يعتبر علاقات الملكية الخاصة علاقات إنسانية وعقلية، يجد نفسه في تناقض مستمر مع فرضيته الأساسية: "الملكية الخاصة". وهو تناقض مشابه لتناقض اللاهوتي الذي يسبغ دائماً على الأفكار الدينية تأويلاً إنسانياً ويخطئ هكذا على الدوام تجاه فرضيته الأساسية: سمة الدين فوق البشرية (الإلهية)" 61
وهكذا فإن الأجر في الاقتصاد السياسي، يبدو في البداية وكأنه الجزء المتناسب الذي يعود للعامل من الناتج (ناتج قوة العمل). ويتبادل الأجر مع ربح رأس المال أحسن علاقات الصداقة وأكثرها إنسانية، في الظاهر-إذ كل منهما يستفيد من الآخر. ولكننا نلمس فيما بعد، بأنهما يتناسبان عكساً أحدهما مع الآخر، وبأنهما يتبادلان أشد العلاقات عداء" 61-62
في البداية يحدد مبلغ الاجر بالاتفاق الحر بين العامل الحر والرأسمالي الحر. ولكننا نلمس فيما بعد، بأن العامل مكره على ترك تحديد أجره، تماما كما ان الرأسمالي مكره أن يحدده بأدنى حد ممكن. إن حرية الطرفين المتعاقدين قد أخلت المكان للإكراه. ويحدث الشيء نفسه، بالنسبة للتجارة، ولسائر علاقات الاقتصاد السياسي. " 62 كل العلاقات (علاقات رأس المال والملكية الخاصة) التي تبدو في البداية على أنها علاقات حرة، تظهر لاحقاً أنها علاقات اكراه.
الاقتصاديون أنفسهم يشعرون بهذه التناقضات، ويشكل نمو هذه التناقضات الخلفية الأساسية لمناظراتهم المتبادلة. ولكنهم عندما يدركونها، يطعنون هم أنفسهم بالملكية الخاصة في أية صورة من صورها الجزئية. وذلك لأنها تشوه في تصورهم الاجر العقلاني بحد ذاته، أو القيمة العقلانية بحد ذاتها أو التجارة العقلانية بحد ذاتها. بناء على هذا التشويه للعقلانية الإنسانية (البورجوازية) يبحث كل واحد من الاقتصاديين عن هذا التشويه في مكان مختلف من النظام الرأسمالي.
يجادل آدم سميث بالمناسبة ضد الرأسماليين، وديستوت دي تراسي الاقتصادي والفيلسوف الفرنسي (1754-1836) ضد الصيارفة، وسيسموند دي سيسموندي الاقتصادي والمؤرخ السويسري (1773-1842) ضد النظام الصناعي، وريكاردو ضد الملكية العقارية، وجميع الاقتصاديين العصريين تقريباً ضد الرأسماليين غير الصناعيين، الذين تظهر الملكية لديهم كمستهلِكة.
يقول ماركس: وهكذا نشاهد الاقتصاديين يبرزون أحياناً المظهر الإنساني الذي يجدونه في العلاقات الاقتصادية –وهذا استثناء يحصل على الخصوص عندما يهاجمون بعض المفاسد الخاصة جداً-وأحياناً، وهذه هي الحالة العامة، ينظرون إلى هذه العلاقات من حيث ما يميزها بصورة صريحة وجذرية عما هو إنساني، أي من حيث معناها الاقتصادي المحض." 62
بمعنى آخر، إنهم يبروزن الجانب اللاإنساني في بعض القضايا الاقتصادية الجزئية والمجردة للرأسمالية. "ذلك هو التناقض الذي يتخبطون فيه بصورة لا شعورية" حسب قول ماركس.
وهنا نشير إلى مسألة غاية في الأهمية، وهي تميز "اللاشعوري" عند ماركس عن "اللاشعور" عند فرويد". فواضح من العبارة السابقة أن "اللاشعور" عند ماركس هو واقعة حديثة ومعاصرة، بعكس اللاشعور عند فرويد والذي يسميه (الهو) ويعتبره شيئاً عتيقاً وبدائياً في التاريخ البعيد سواء للفرد أو للجماعة. أقول: إن حقيقة الامر أن اللاشعور واقعة معاصرة بامتياز، كما ظهر لدى الاقتصاديين في عدم وعيهم للتناقض الذي يتخبطون به بخصوص "الملكية الخاصة" وموقعها في النظام الاقتصادي الرأسمالي الحديث. هذا اللاشعور بواقعة محايثة وحديثة قد يستدعي حوادث ومناسبات من التاريخ البعيد أو القريب للفرد أو الجماعة.
يقول ماركس مشيراً إلى مأثرة برودون في كتابه الهام "ما هي الملكية": "إن برودون قد وضع حداً وبصورة نهائية لهذا اللاوعي (اللاشعور)" 62
لقد حمل برودون على محمل الجد المظهر الإنساني للعلاقات الاقتصادية، ووضعه وجهاً لوجه، بصورة فاضحة، مع واقعها اللاإنساني. وأجبر هذه العلاقات على التخلي عن تلك الفكرة "الانسانية" والاعتراف بلا إنسانيتها الواقعية. ولهذا فإنه، انسجاماً مع نفسه، لم يعرض بصورة جزئية هذا النوع أو ذاك من الملكية الخاصة –كما فعل الاقتصاديون الآخرون-بل عرض بكل بساطة الملكية الخاصة بشموليتها، باعتبارها تشوه العلاقات الاقتصادية (أو بشكل أدق الجانب اللاإنساني لهذه العلاقات). إنه فعل كل ما يمكن أن يفعله نقد الاقتصاد السياسي، عندما يتخذ وجهة نظر الاقتصاد السياسي" 63 لقد جعل برودون "الملكية الخاصة" من حيث الجوهر (بغض النظر عن الأنواع التي تتمظهر بها) المسألة الأساسية في الاقتصاد والحقوق.
إن كتاب برودون الفرنسي، المنشور عام 1840، لا يتخذ وجهة النظر نفسها التي تحملها ترجمته الألمانية 1844 من قبل إدغار بوير. ويشاطر برودون وجهة نظره هذه، عدد كير جداً من الكتاب الفرنسيين ذوي الأفكار المضادة كلياً. وينجم عن ذلك هذه الميزة لادغار: إنه يسم بجرة قلم واحدة وجهات نظر متضاربة تماماً. ويكفينا على كل حال أن ندفع بالقانون الذي اكتشفه برودون نفسه، إلى نتائجه المنطقية: أي تحقيق العدالة برفضها (رفض العدالة القديمة بعدالة جديدة)، لكي نكون قد تخلصنا من المطلق التاريخي ذاك" 63 إن عبارة "تحقيق العدالة برفضها" البرودونية تقودنا إلى أنه لا توجد عدالة عابرة للتاريخ، فكل عدالة هي تاريخية مشروطة بظروفها ولها شكل وحدود معينة. كما أن عبارة "تحقيق العدالة" تقودنا بالتداعي إلى عبارة تقول: "الحقيقة هي الكل، والكل باطل ". فلكي نصل إلى القول الحق علينا نفي الحقيقة، أي الحكم على الكلية الاجتماعية أو الاقتصادية المكتشفة والتي تم وعي موقعها ودورها الرئيسي بالنفي والعدم حتى يحق الحق ويقوم القائم بالعدل. هذا النفي والاعدام للكلية الاجتماعية المكتشفة هو فعل ذاتي تاريخي ("إلهي") من أفعال الانسان في التاريخ.
إذا كان برودون الحقيقي لم يدفع بتفكيره حتى هذه النتيجة؛ أي حتى المطلق التاريخي، فذلك يرجع إلى سوء الحظ الذي جعله يولد فرنسياً لا ألمانياً كادغار. هكذا يتهكم ماركس من نزوع ادغار بوير إلى تحويل كل شيء إلى مطلق وبالتالي موضوعاً لعلم اللاهوت.
يقول ماركس: إن برودون (المُترجَم والمزيف) بسبب المطلق التاريخي لبوير، وبسبب إيمانه بالعدالة (دون نفيها) قد أصبح بنظر السيد ادغار، موضوعاً لاهوتياً. وادغار بحكم مهنته كناقد في علم اللاهوت، يمكنه الآن أن يستخدم اللاهوت لكي يتوسع طويلاً في بحث "التصورات الدينية". يقول ادغار: "إن ما يميز كل تصور ديني، هو أنه يستخلص عقيدة ثابتة من حالة ما للأشياء بحيث يظهر في النهاية، أحد طرفي التناقض ظافراً وصحيحاً بمفرده"
يعلق ماركس: وسنرى كيف أن "النقد النقدي الديني" يستنتج من حالة ما للأشياء، العقيدة الثابتة التي ينتهي فيها أحد قطبيها، وهو "النقد"، الحقيقة الوحيدة، بالظفر على طرف التناقض الاخر وهو "الجمهور".
ولكن برودون الحقيقي إذ رأى في عدالة "الجمهور" مطلقاً (أي نفياً للعدالة القائمة والمكتشفة للتو)، ذاتاً تاريخية؛ أو "إلهاً" للتاريخ، ارتكب خطأ عظيماً من وجهة نظر برودون المزيف لا سيما وأن "النقد" الصحيح قد احتفظ لنفسه صراحة بدور المطلق ذاك، "إله" التاريخ ذاك" 64








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حتى لا تفقد عناصرها الغذائية.. تعرف على أفضل طريقة لتناول ال


.. أخبار الصباح | فعاليات ترفيهية للأطفال في مخيمات النزوح وسط




.. الحوثيون يعلنون مهاجمة سفينتين ومدمرة أميركية في البحر الأحم


.. جبال بالكايتي.. وجهة العائلات البغدادية والكردية في العيد




.. توفير حضانات للأطفال لمساعدة الحجاج على أداء المناسك بكل أري