الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعبنا من رثاء الاحبة يا كوكب حمزة

رزاق عبود

2024 / 5 / 25
الادب والفن


رثاء متأخر جدا!
كوكب حمزة، كوكب الحلة، كوكب القاسم، كوكب البصرة، كوكب العراق، كوكب المغرب، كوكب تونس، كوكب العرب، كوكب الاكراد، كوكب الاشور، والكلدان، والسريان، والارمن والتركمان. كوكب العالم! تجنب العالمية لانها صارت مرتبطة بالعولمة، فالعولمة الرأسمالية صارت كشف الارداف وهز الصدور وتعرية الجسد ومباركة القاتل ونسيان الضحية وبيع الضمير، رغم ان فكره عالمي اممي. فضل الارتباط بالوطن والانسانية وليس العالمية التي قال عنها الممثل العالمي عمر الشريف بعد تجارب قاسية: "العالمية دي كذبة كبيرة ووهم"! وكوكب حمزة عرف ذلك منذ نشأته الاولي، رغم ان الموسيقى عالمية بلغتها ورسالتها، وتأثيرها. ارتبط ارتباطا عجيبا كغيره من فناني الموقف والمبدأ والالتزام الفكري بالوطن والوطنية كونه شيوعيا متبعا قول مثله الاعلى يوسف سلمان فهد: " كنت منتميا لحزب وطني وعندما اصبحت شيوعيا صرت اشعر بمسؤولية اكبر تجاه وطني"! ليس صدفة اذن ان الغالبية العظمى من مبدعي شعبنا في كل المجالات كانوا يحملون نفس الاتجاه ونفس التفكيرحتى غير المنتمين منهم! لقد أسَرني شاعر "بعثي" يوما: "انا مثل "الرگية" قشرتي خضراء، لكن باطني احمر"! وهو يرد على معاكستي: "كيف يمكن لبعثي ان يكتب مثل هذا الشعر الانساني"؟ واضفت بعد رده علي: "ستخسر نفسك اذا بقيت بعثيا ولم تغلب باطنك على قشرتك"! وصدق حدسي! كوكب حمزة لم تصبغه البصرة شيوعيا احمرا، فلقد كانت بيئته، قيمه، افكاره، تصرفاته، سلوكه، اخلاقه، مبادئه، ابداعه، غربته، طيبته، بساطته، تواضعه، كلها كانت شيوعية بالمعنى المفهوم والمتداول عن المناضل المضحي، الزاهد، المكافح، المثابر، الصامد، المواصل والمتواصل ابدا ودون تراجع او تخلي رغم كل الضغوطات، والصعوبات، والتحديات حتى احتمال خسارة الحياة! كان تلميذا، وطالبا، معلما، ومتعلما، مناضلا مدنيا ونصيرا حمل السلاح الى جانب عوده ووضع ريشته في جيب قميصه الى جانب رصاصات بندقيته. انا لم اعايشه، ولم اكن قريبا منه، ولا صديقا حميما، كما يدعي البعض عندما يرحل احد المبدعين. كنت اتجنب الحضور العلني المتكرر لنادي الفنون في البصرة. اقوم بذلك مضطرا، "غصبن علي" كما يقال بالعراقي الفصيح. لاني لم، ولن اثق باي سلطة جاءت بانقلاب عسكري وبدعم من مخابرات اجنبية. كانت جلسة عند مائدة يزداد طولها كلما جاءت مجموعة و"صفت ميزها" الى جوار ماءدتنا فمن لا يريد، خاصة ممن يحبون الظهور، ان يجلس عند مائدة تضم ابو زيتون، طالب غالي، قصي البصري، و.... ونجوم بصرية غيرهم. كان كوكب حمزة يجلس ليس في مقابلي تماما، يراقب هذا الشاب الصغير يجلس بين الاكبر سنا من الشياب. لاحظت في عينيه البراقة حيرة ونظرات مستفهمة! اختفيت بسرعة، وكانني كنت اخشى ان يكون عينا معادية بعينيه الجميلة الواسعه وشعره المسهب الطويل وصوته الرخيم وحركات يده المتكررة على شعره الطويل برقة وكانه يلامس اوتار عوده! بقيت تلك الصورة في ذاكرتي المتعبة!
قبل سنوات كان لي شرف حضور امسية للانصار الشيوعيين العراقيين واصدقائهم. كان هناك بقامته الممشوقة وابتسامته الرقيقه. سمعت صوته فقط قبل ان اراه وسألت صاحبي: هل كوكب حمزة هنا؟! فرد بفرح وافتخار: نعم انه هنا تعال نسلم عليه! تمنعت وقلت انا اعرف ان كوكب لا يحب التباهي. وانسحبت بعد ذلك خجلا من الابطال الذي صنعوا المجد ولا استحق ان اكون بين صفوفهم فاولئك كلهم نجوم ضحت وتضحي من اجل الوطن وانا مريض مغترب منذ فترة طويلة. في اليوم الثاني ذهبت ابحث عن شخص سمعت انه قدم من لندن مع بعض الانصار سالت عنه فجاءني بهدوءه المعتاد وابتسامته الودية قائلا: انا قلت لنفسي لا يمكن ان يسمع بنا ولا ياتي! واخذني الى "مصطبات" جلوس تحولت الى مائدة طويلة على طريقة العراقيين. برد ربيع السويد، اوصيفها عند الاماسي كبحته حرارة اللقاء. وبين كل النجوم كان كوكب يجلس بهدوء رغم كل هالة الحب والاحترام والشهرة التي ترافق ظهوره. نفس النظرات المتسائلة في نادي الفنون نفس الروح الشجية نفس الابتسامة الحبوبة نفس الشخصية الطيوبة، حسب تعبيراته وغنائه! كان بودي النهوض والتوجه اليه والسلام عليه، لكن صوتا هادئا رخيما اتجه نحوي وهو يراقبني من جديد اُبعد زجاجة البيرة التي دفعها احدهم الي: بعدك ما تشرب؟! وقتها فقط فهمت نظراته المتسائلة قبل سنوات طويلة في نادي الفنون في البصرة! فأجبت: ولا ادخن، وانا اشير الى سيجارته الاثيرة بين اصابعه. ضحك بهدوء مترنحا الى الوراء وكأنه نخلة عراقية تداعبها الرياح.
هذا هو الكوكب الجميل الذي غادرنا وقد ضمنا، وسيظل يضمنا ويسحرنا ويشع علينا ما دمنا احياء بصوته الرخيم، بالحانه الجميلة، بابداعاته الاثيرة، بعزفه النابع من الاعماق، بروحيته الخلاقة، واكتشافه للنجوم!
لا ادري لماذا عندما سمعت خبر رحيل الفنان الكبير كوكب حمزة حضرت صورة الفنان رياض احمد، وهو يعانقني بحرارة امام بيتنا وهو يتوسل بصدق: "الله يخليك، رزاق، احچي ويه كوكب بلكي يلحن لي فد اغنية"! معتقدا ان كل ناشط شيوعي هو قيادي كبير في الحزب، وان له سلطة على اعضاء الحزب واصدقائه من الفنانين! فاجأني طلب رياض واحرجني فاجبت: "اولا، انا لا اؤمن بالوصاية على المبدعين، وثانيا انا لست صديقا مقربا لكوكب حمزة، ولا فنانا مثله، لكني اثق بقدرته على اكتشاف الاصوات الواعدة كما فعل مع غيرك!عليك ان تثق بنفسك وقدرتك وصوتك وامكانياتك الفنية، وتطويرها"! واضفت: "اطلب النصيحة من صديقنا صفاء عبدالقادر فهو عازف مقتدر للكمان"! سمعت بعدها ان كوكب قدم له لحنا لاغنية لا اتذكرمنها اليوم الا مطلعها:" لهفة وضنا وشوگ يكبر، سورة وعلى المامش افتر، ياخذني الماي ويردني الماي، لا هدني ولا بيه حدر"! ظل رياض يدندن بها طويلا في لقاءاتنا الشخصية نحن المجموعة الصغيرة التي تشتت في كل بقاع الارض. كان فخورا جدا ان كوكب حمزة قدم له ذاك اللحن، وظل يصر ويأمل ان ذلك سيبفح الطريق امامه وحصل بعد ذلك فعلا، كما يعرف العراقيون الذين احبوا رياض احمد وادائه الحزين الملتاع وابداعه في اداء طور المحمداوي الذي كانت تتغنى، وتندن، وتنعى به امه ايام طفولته، كما ذكر لنا. سيلتقيان الان كوكب حمزة ورياض احمد ويتحاضنان وسيعاتب بعضهما بعضا، ويتبادلان الانخاب و"يشعلان" سجائرهما وينشدان معا: "امشي واگول وصلت والگنطرة بعيدة"، و"سيحدر" بهما "الماي" معا نحو نهر الخلود!
لن تكون بعيدا ابدا كوكبنا المضئ سنسمع صوتك، ونردد الحانك ونشكرك ما حيينا لانك انرت دروب حياتنا بكل فريد من اجمل الاصوات والالحان والعزف الجميل والمقطوعات الموسيقية التي دخلت قلوبنا قبل بيوتنا وتسللت الى اعماق الروح! انت معنا رغم رحيلك وافتقادك فناننا الجميل حتى نلقاك قريبا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفنان محمد خير الجراح ضيف صباح العربية


.. أفلام مهرجان سينما-فلسطين في باريس، تتناول قضايا الذاكرة وال




.. الفنان محمد الجراح: هدفي من أغنية الأكلات الحلبية هو توثيق ه


.. الفنان محمد الجراح يرد على منتقديه بسبب اتجاهه للغناء بعد دو




.. بأغنية -بلوك-.. دخول مفرح للفنان محمد الجراح في فقرة صباح ال