الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مديات البوح في (أضرحة الورد)

داود السلمان

2024 / 5 / 26
الادب والفن


لا يوجد شيء في الفكر أو الابداع بصورة عامة، يخلو من فلسفة، فالحياة، بكل معطياتها، هي جزء من فلسفة الكون القائمة على مديات أسرار تكمن في طياتها معانٍ سامية؛ فالإبداع، لاسيما الشعر منه، هو أيضا قائم على فلسفة تقع ضمن حدود الشعر ذاته، واعتقد جازما خير ما فعل ذلك، هو الشاعر والفيلسوف أبي العلاء المعري، وقد لا يختلف عليه أثنان. وعلى هذا الاعتبار، فالنصوص عمومًا هي خاضعة لفلسفة معيارية تجعل من كل شيء له معناه الخاص به؛ وإلّا فأنّ النصوص الخالية من روح التفلسف، لا قيمة لها منطقيا.
ولو أردنا أن نقارن ما أشرنا به بنص "أضرحة الورد" نكون قد فلسفنا ما نحن بصدده، أي، بمعنى آخر، اعتبرنا أن النص هذا يخضع لفلسفة معينة، فلسفة تشير إلى قضية ربما هي جدلية، أو ميتافيزيقية لها دلالتها في عمق النص، ولا يمكن في حال من الأحوال أن نتوصل الى ذلك، ألّا أن نغوص في عمق النص ذاته، لنكشف أسراره، وبالتالي لابد أن نصل للمعنى المطروح هنا، وهو المطلوب. فنقرأ في مقدمته قول الشاعرة وجدان وحيد شلال: "حين بكت السماء/ ذابت الكلمات/ على صدر القصيدة/ فما أخضرت الأحلام". حيث هي قضية ومدلولها، فثمة علاقة طردية بين السماء التي بكت (والبكاء قد تعني به الشاعرة: المطر المدرار الذي ينعش الأرض) وبين اخضرار الأحلام، والمقصود العطاء، أي الحياة فلا تكون ثمة حياة بلا ديمومة، وديمومة الحياة تكون بطبيعتها، التي رسمها لنا خالق الكون ومُوجد الوجود، كما يشير بعض الفلاسفة، ومنهم الفارابي وابن سينا وسواهما.
وبالمحصلة النهائية، فأنّ جميع النصوص لها عوالمها الخاصة بها، والنص هذا "أضرحة الورد" ينتمي إلى عالم بعينه، في خانة ابداع، أعُدَّ لهذا الغرض من دون سابق انذار، ليكون بالتالي منجليا وسائرا في طريقة لها مساس بواقعنا المعاصر. وهو من ضمن ارهاصاتنا التي نعيشها على مضض، عبّرت فيها الشاعرة، وضمن حدود معقولة، باعتبارها ماسكة بذيل هذا الواقع المرير، فعبرت عنه بمصداقية واضحة من دون اقحام مفرداتها الشعرية اقحاما، بل جعلتها في حالة انسيابية، لا تخرج عن الطابع الذي من المقرر ايصاله كنص خاضع لمعايير النصوص الحديثة.
إذن، السياق النصيّ له دلالاته، بل قد يكون يتميز بانفرادية، جاعلة - أي الشاعرة - منه طابع الشجن أن يخيّم على الاجواء العامة للنص؛ ونقصد بالشجن المسحة التي تُعطي الدهشة للمتلقي، كي يحس بالبُعد الانساني، فالإنسان عندما يبكي، إنما هو يفرغ الشحنات داخل نفسه، وهو شعور يخص الانسان وحده.
والنص هذا يقع من ضمن مجموعة شعرية، للشاعرة وجدان وحيد شلال، كانت بعنوان "أضرحة الورد" والعنوان ذاته هو نص في هذه المجموعة يقع في التسلسل الثامن عشر في الفهرس، حيث أن المجموعة المكوّنة من تسعة وثلاثون نصًا، والنصوص بصورة عامة، تحاكي الواقع المُعاش، فهي تمس حالة الانسان العصري، وتُعبّر عن نفسيته و وجوده في هذه العالم الشاسع، حيث سمة الشعور بالضياع هي السمة العامة، وربما هذا الشعور لم يكن موجودا قبل قرن من الزمان، أو يزيد قليلا، إذ كلما تقدّم الانسان للأمام ازدادت مشاكله، وجعلته يشعر باضمحلال ادوات السعادة، تلك السعادة التي كانت تغمر قلبه وتنعش فؤاده، لأنّ الحياة كانت بسيطة، ومتطلبات الانسان أيضا بسيطة؛ فتعقدت في الآونة الأخيرة.
*النص:
(أضرحة الورد)
*وجدان وحيد شلال
حين .. بكت السماء..
ذابت الكلمات
على صدر القصيدة
فما أخضرت
الأحلام..
ولا الخطوات العتيقة..
تذكرت
تلك العيون..
المرمية
فوق الفصول..
تنساب جداولا..
على أضرحة
الورود..
اختبأت
كلّ الشموس
بصدى الطفولة..
حينها
فرّت خلف الضباب..
عقلت ذكرياتها
المبللة..
على نافذة الوقت..
يلهو بها الذنب
كالريح...
تعزف ألحانا
من الوهم..
كلّ ما تملك..
حقائب حبلى
بالقصائد...
كانت عكازها
الوحيدة تتكئ عليها
حين يأسرها..
الشوق إليها..
بين الفواصل والحروف..
وصدى صوته المحلق
في سمائها
يشق طريقه
الأصم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال


.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان




.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ