الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مستقبل مصر

عادل العمري
كاتب وباحث غير متخصص

(Adil Elemary)

2024 / 5 / 26
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


في التاريخ ليس من المعتاد أن ينتصر "الحق" وأن يعم "الخير" وأن تحقق الشعوب طموحاتها. بل غالبا يحدث عكس ذلك وقليلا ما يحدث العكس. الأهم أن هناك ظواهر في التاريخ تنتهي إلى الأبد ولا تعود أبدًا (مثل اختفاء الامبراطوريات القديمة مثلًا).
بالنسبة لمصر: انتهي عصر العظمة والقوة والجبروت الذي تمتعت به هذه الدولة لعدة قرون، منذ قرون عديدة جدًا. بل فشلت عملية التحديث التي بدأت منذ قرنين إلى الأبد وتسير البلاد من وقتها في طريق يسمى: نمو التخلف، أي النمو الكمي في إطار من التخلف الحضاري العام، بل يحدث تراجع ثقافي مستمر منذ الانقلاب العسكري في 1952، بعد رحيل الاستعمار ومعه عناصر حداثية من الأجانب وتحكم الريفيين في البلاد سياسيًا واقتصاديًا. ففقد المصري حق المواطنة وأصبح الشعب من رعايا الدولة، وتراجع التفكير البرهاني القائم على العقلنة (كان موجودًا لدى النخبة العلمانية فقط) لصالح التفكير المستند إلى النص الديني وفتاوى الشيوخ. كما أصبحت الدولة (نقصد جهاز الدولة) تحكم المجتمع المدني شاملًا الشركات الاقتصادية الخاصة، ناهيك عن الفن والإعلام والاتصالات والتعليم والبحوث الاجتماعية. ولم تعد هناك سوى سلطة واحدة مستقلة هي السلطة التنفيذية: يمكن تلخيصها في: الجيش وأجهزة الأمن. كما اختفى كل هامش حرية للمؤسسات المدنية من شركات خاصة وأحزاب ونقابات وجمعيات أهلية وجامعات وحتى عصابات الجريمة المنظمة والبلطجة والتسول. فالكل أصبح يعمل من تحت إبط "الرجل الكبير" أي حضرة الضابط في هذا المجال أو ذاك. وأصبحت الدولة تسير وفقًا لنظم المماليك القديمة: الاعتماد على فرض الجبايات والإتاوات، والأحكام الجائرة والقرارات المتعسفة المزاجية أحيانًا وشخصنة الحكم، وهو تراجع عن فترة الاستعمار البريطاني الذي رغم هيمنته واستغلاله للبلاد أقام نظامًا أكثر حداثة بمرات من النظام التالي للتحرر الوطني.
أما إمكانية التحول من هذه الوضعية قبل الحداثية والمتدهورة باستمرار فلا نجد له أي أفق حتى الآن، لسببين:
1- الجمهور العام غارق في حالة مرضية نسميها الهوس الديني، فالفتاوى الدينية والغيبيات هي المصدر الأول للمعرفة وإصدار الأحكام على أمور الحياة، والدعاء والصلاة على النبي هي أمضى أسلحة الشعب في "نضاله" من أجل حقوقه. بل نجد في كتابات كثير من الملحدين والعلمانين ما يدل على إصابتهم بالهوس الديني أيضًا!! وهذا يعني أن الخامة البشرية الموجودة مهترئة وعاجزة عن تحقيق أي حلول واقعية للمسخرة المستمرة منذ سبعين عامًا.

2- النخب المختلفة، إسلامية وناصرية وماركسية وقومية، كلها تقريبًا مصابة بمرض هو عبادة الدولة، فالدولة هي الحل سواء كانت دولة إسلامية أو اشتراكية. ولا يوجد لدى تلك النخب أي تصور آخر. والكل يتغافل عن حقيقة ملموسة تمامًا: الدولة هي فعلًا من يسيطر ويتحكم في كل مفاصل المجتمع بما في ذلك الاقتصاد الخاص، وكل المناشدات والتسول منها لن يجدي نفعًا بسبب ضعف طموحات وجبن الجمهور. ويكفي أن صندوق النقد الدولي بقوته الضخمة وبلدان الغرب الكبرى تعجز عن إجبار الدولة على خصخصة الاقتصاد وتصفية اقتصاد الجيش وتحرير منظمات المجتمع المدني. بل عجز الغرب عن محاكمة قتلة ريجيني وعن الإفراج عن ناشط اسمه علاء عبد الفتاح رغم أنه بريطاني الجنسية وغير مذنب أصلًا في شيء (هذه مجرد أمثلة ذات مغزى). فماذا تنتظر النخب المذكورة من سيطرة الدولة؟ واين الخصخصة التي يتكلمون عنها زاعمين أنها تسير على قدم وساق بينما ما يتم منها يتم لصالح الجيش أساسًا.
فمشروع النخب المصرية يمكن تلخيصه في جعل الدولة أكثر حنانًا على الشعب وأكثر عقلانية وأقل وحشية، وهذا ضد طبيعتها كدولة بوليسية تقودها إما شبكة من العملاء أو البلهاء وتتعمد –في الغالب- تخريب الاقتصاد والتعليم وتهميش الشعب لصالح أقلية من الأرستقراطية العسكرية-العقارية.
ولا ننكر وجود أفراد قلائل متناثرين من الليبراليين الطامحين إلى إضعاف دور الدولة لصالح المجتمع المدني، لكنهم بلا نفوذ سياسي يذكر ولا أي أرضية في الشارع المصري.

إذا استمرت مصر تسير في نفس الاتجاه الحالي سيتم في النهاية تهميش الشعب وستكون هناك "جمهورية جديدة" يبشرنا بها السيسي تتكون من عدة مدن معزولة للأرستقراطية.
فهذا بلد مستقبله ظلام ومزيد من الظلام مالم يحدث شيء ما ليس في الحسبان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حاله مصر ؟
على سالم ( 2024 / 5 / 28 - 03:07 )
مصر دى اصبحت خارج التاريخ ودخلت نفق مظلم قاتم وكالح السواد , منذ ثوره يوليو المشؤومه والتى قام بها بلطجيه وعربجيه الجيش الاغبر وحال البلد فى الحضيض ولايوجد اى بصيص امل , السبب ان هذه العصابه غير مؤهله ابدا لحكم مصر بسبب جهلهم وغباؤهم وقصورهم العقلى وايضا بسبب انحطاط اخلاقهم وعدم تربيتهم وفسادهم وسرقاتهم , شويه بلطجيه وشبيحه هلوا علينا من قاع المجتمع المصرى العفن , الغريب انهم متشبثين بحكم البلد بالحديد والنار والقمع والاستبداد من اجل المزيد من السطو على مقدرات البلد وسرقه مواردها ؟ الكارثه هنا ان عصابه الازهر الغير شريف انضمت لهم واصبحوا شركاء فى الفساد والسرقات وتغييب العقول والايمان بالخرافه وعذاب القبر وغسل عقل الناس بأشياء بدويه مقدسه غامضه وارهابيه , يعتبر الازهر الغير شريف صرح لنشر الجهل والتخلف وتسطيح العقول وتفاهتها , كلا العصابتين يعملوا معا واتحادهم اكيد قوه لقهر الناس وارهابهم , هذا اكيد كابوس مروع تتعرض له مصر منذ عقود سوداء طويله ولاتبدوا نهايه قريبه له

اخر الافلام

.. ما الذي يربط الحوثيين بحركة الشباب الصومالية؟ | الأخبار


.. نتنياهو يحل مجلس الحرب في إسرائيل.. ما الأسباب وما البدائل؟




.. -هدنة تكتيكية- للجيش الإسرائيلي في جنوب قطاع غزة ونتانياهو ي


.. جرّاح أسترالي يروي ما حصل له بعد عودته من غزة




.. حل مجلس الحرب الإسرائيلي.. والترددات على تطورات الحرب في غزة