الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة عالمية ونزاعات وحروب: أي أممية للقرن الحادي والعشرين؟ إحاطة إجمالية في زمن «أزمة متعددة الأبعاد»

بيار روسيه

2024 / 5 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية




أجرى الحوار موقع فينتو سورViento Sur

بيانتو سور–يبدو جلياً أننا في سياق أزمة عالمية متعددة الأبعاد، من خصائصها فوضى جيوسياسية نسبية، حيث نشهد تزايد عدد الحروب وتفاقم النزاعات بين الإمبرياليات، كيف بوسعكم تعريف هذا الطور؟

بيار روسيه: أشرتم إلى ال ـ«أزمة العالمية متعددة الأبعاد» (أود قول أزمة على صعيد العالم). أعتقد أن من الأهمية بمكان التركيز على هذا الأمر قبل تناول المسائل الجيوسياسية. تحدد هذه الأزمة كل شيء من خلال جوانب عديدة، ويتعذر الاكتفاء بممارسة السياسة كما كان من قبل. وصلنا «نقطة التحول» التي كنا نخشاها منذ مدة طويلة، وأسرع بكثير من المتوقع.
يدق جوناثان واتس، محرر شؤون البيئة العالمية في صحيفة الغارديان، ناقوس الخطر عبر مقال كتبه يوم 9 أبريل/نيسان بعنوان: «للشهر العاشر تواليا.. يدق تسجيل درجات حرارية قياسية ناقوس الخطر ويحير علماء المناخ». وفي الواقع، «إذا لم يستقر الوضع الشاذ بحلول شهر آب/أغسطس، «سيحل العالم في منطقة مجهولة»، على حد قول أحد خبراء المناخ. […].مما قد يعني أن ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي تؤدي أساساً إلى تغيير طريقة اشتغال نظام المناخ، قبل ذلك بكثير مما توقعه العلماء».
يعتبر الخبير المذكور أن الاستقرار بحلول شهر آب/أغسطس لا يزال ممكناً، لكن أزمة المناخ بالفعل جزء من حاضرنا، مهما كان الأمر. نحن في خضمها، وتتضح بالفعل عواقبها بشكل مأساوي (فوضى المناخ).
تؤثر الأزمة ذات الطابع الشامل التي علينا مواجهتها في جميع مجالات البيئة (ليس المناخ وحسب) وعواقبها على الصحة (بما في ذلك الجوائح). تهم النظام العالمي السائد (أوجه الاختلال مستعصية الحل في العولمة النيوليبرالية) ووضع القوى الجيوسياسي، وتنامي النزاعات وعسكرة العالم، ونسيج مجتمعاتنا الاجتماعي الوثيق (الذي أدت الهشاشة المعممة التي يغديها كل ما سبق إلى اضعافه) …
ما قاسم كل هذه الأزمات المشترك؟ أسبابها «البشرية»، كليًا أو جزئيًا. من الواضح أن مسألة تأثير الإنسان على الطبيعة غير جديدة. يعود تاريخ تنامي انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى الثورة الصناعية. لكن هذه «الأزمة العامة» وثيقة الارتباط بتطور الرأسمالية بعد الحرب العالمية الثانية ثم بالعولمة الرأسمالية. وتتسم بتضافر جملة أزمات محددة تؤدي بنا إلى وضع غير مسبوق، على حدود «مناطق مجهولة» عديدةوحالة تحول ذي طابع شامل.
وبإيجاز، أحبذ تعبير «أزمة متعددة الأوجه». قد يكون مربكًا إلى حد ما وغريبًا على اللغة المعتادة، لكن بصيغة المفرد، يؤكد على الحديث حول أزمة واحدة متعددة الأوجه، ناجمة عن توليف أزمات محددة متعددة. لا نتعامل والحالة هذه معمجرد عملية جمع أزمات، بل مع تفاعلها الذي يضاعف حدة ديناميتها، مما يذكي وتيرة دوامة مميتة للجنس البشري (ولجزء كبير من الكائنات الحية).
إن ما يثير الاشمئزاز خاصة، والانذهال صراحة أن السلطات القائمة اليوم تلغي التدابير الضئيلة المتخذة للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري ولو بشكل طفيف. وهذا ينطبق خاصة على حكومتي فرنسا وبريطانيا. وهذا أيضاً حال البنوك الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، أو مقاولات النفط. في اللحظة الذي كان من اللازم تعزيزها، وإلى حد كبير، على ما يبدو. يفرض ذوو الثراء الفاحش قانونهم. ولا يعتبرون أننا جميعًا متساوون. إن مناطق برمتها في العالم على وشك أن تصبح غير صالحة للعيش، حيث يترافق ارتفاع درجات الحرارة مع مستويات عالية جدًا من الرطوبة في الهواء. سيذهبون للعيش حيث لا تزال حالة الطقس جيدة، غير مكترثين بما سبق ذكره.
نشهد اليوم عصر الجوائح. أدى تدمير البيئات الطبيعية إلى خلق ظروف حياة مشتركة مواتية لانتقال ما أصبح كوفيد رمزها من أمراض بين الأنواع الحية. أضحى ذوبان الجليد الدائم في سيبيريا قائما، وقد يؤدي الى انتشار بكتيريا أو فيروسات قديمة لا مناعة أو علاج ضدها. وهنا أيضًا قد نلج منطقة مجهولة: تفضي أزمة المناخ إلى أزمة صحية متعددة الأبعاد.
كانت الكارثة متوقعة. نعلم الآن أن مقاولات النفط الكبرى مولت إجراء دراسة في منتصف سنوات 1950 رسمت معالم الاحتباس الحراري القادم بدقة ملحوظة (على الرغم من انكار تلك المقاولات حدوث ذلك لعقود)
لم نستكمل التعرف على جميع أوجه «الأزمة متعددة الأوجه»، لكن قد حان وقت استخلاص بعض الاستنتاجات الأولية.
إن أبرز التأثيرات الجيوسياسية لظاهرة الاحتباس الحراري قائمةفي القطبين، وخاصة في القطب الشمالي. ثمة طريق ملاحة بين المحيطات منفتح في الشمال، إلى جانب إمكانية استغلال ثروات باطن الأرض. تأخذ المنافسة بين الإمبرياليات في هذا الجزء من العالم بعدًا جديدًا. وبما أن الصين ليست دولة مطلة على القطب الجنوبي، تحتاج إلى روسيا للتواجد هناك. مما يؤدي بموسكو إلى دفع ثمن تضامن الصين معها على الجبهة الغربية (أوكرانيا) من خلال تأمين حرية استخدام ميناء فلاديفوستوك.
فيما يتعلق بالوضع الجيوسياسي العالمي، أود تسليط الضوء أدناه على أهمية مسألتين غير مذكورتين.
أولا آسيا الوسطى. إذ تحتل موقعاً محورياً في قلب القارة الأوراسية. تمثل بالنسبة لفلاديمير بوتين، جزءاً من منطقة النفوذ الروسي المميزة، لكنها بالنسبة لبكين، أحد الممرات الرئيسية على الجانب البري من «طرق الحرير» الجديدة الصينية إلى أوربا. يبرزرهان معقد حاليًا في هذا الجزء من العالم، لكن دراساتنا التحليلية لا تشمل إلا معلومات ضئيلة عنه.
علاوة على ذلك، يستحضر الاحتباس الاحترار العالمي الأهمية القصوى للمحيطات، التي تغطي نسبة 70% من سطح الأرض، وتؤدي دورا حاسما في تنظيم المناخ، وتضم النظم الإيكولوجية الحيوية، لكن ذلك كله مهدد بارتفاع درجات حرارة البحار. كما نعلم، يمثل الاستغلال المفرط لموارد المحيطات رهاناً كبيرا، إضافة إلى توسيع الحدود البحرية التي لا تقل مشاكلها عن مشاكل الحدود البرية. لا يمكن لتفكير جيوسياسي ذي طابع شامل تجاهل المحيطات والقطبين.
يكمن طبعاً جانب رئيسي آخر من «الأزمة متعددة الأبعاد» التي نواجهها في العولمة والأمولةfinanciarisation الرأسماليين. أديا إلى تشكيل سوق عالمية موحدة أكثر من أي وقت مضى، كفيلة لحرية حركة السلع والاستثمارات والرساميل القائمة على المضاربة (وليس الأشخاص). أفضت عوامل عديدة إلى تعطيل اشتغال هذه «العولمة السعيدة» (بالنسبة لكبار الملاك): ركود تجاري، وحجم الديون والتمويل القائم على المضاربة، وجائحة كوفيد التي كشفت عن مخاطر التقسيم العالمي لسلاسل الإنتاج، ودرجة اعتماد الغرب على الصين، مما ساهم بسرعة في تغير العلاقات بين واشنطن وبكين (من التوافق الودي إلى المواجهة).
أرادت المقاولات الغربية الكبرى تحويل الصين إلى ورشة عمل للعالم، لضمان إنتاج منخفض التكلفة وتحطيم الحركة العمالية في بلدانها. كانت أوربا في طليعة الدول الساعية إلى تعميم قواعد منظمة التجارة العالمية التي انضمت إليها بكين. كانت كلها مقتنعة بأن إمبراطورية الصين سابقاً قد تكون تابعة لها بشكل نهائي، وكان ممكناً أن تكون كذلك. وإذا لم يكن الأمر كذلك، فلأن الجناح القيادي في البيروقراطية الصينية، نجح في إرساء التحول نحو الرأسمالية، بعد سحق المقاومة الشعبية بالدم (عام 1986)،، مما أدى إلى ولادة شكل أصيل من أشكال رأسمالية الدولة.
تتمتع رأسمالية الدولة بتاريخ طويل في شرق آسيا، تحت إشراف الكومينتانغ (الحزب القومي الصيني) في الصين أو تايوان، وكوريا الجنوبية… من الواضح أن التشكيلة الاجتماعية الصينية فريدة من نوعها، بسبب تاريخها، لكن تجمع بشكل كلاسيكي تمامًا بين تنمية رأسمال خاص واستيلاء الرأسماليين على مؤسسات الدولة. لا نتعامل هنا مع قطاعين اقتصاديين منفصلين (اقتصاد مزدوج أساساً)، بل هما في الواقع مرتبطان بشكل وثيق من خلال تعاونيات عديدة، وعبر زمر عائلية قائمة في جميع القطاعات.
أولاً، تحت اشراف دنغ شياو بينغ، بدأت الصين المتحولة إلى الرأسمالية بحذر في اقلاعها الإمبريالي واستطاعت الاستفادة من البعد الجغرافي عن الولايات المتحدة الأمريكية التي كانت عاجزة منذ فترة طولية عن إعادة التركيز على آسيا منذ فترة طويلة (لم يتحقق ذلك إلا بقيادة جوبايدن في أعقاب الاندحار الأمريكي في أفغانستان).
وختاما، نشير إلى ما يلي:
– تظل المواجهة بين الإمبريالية القائمة (الولايات المتحدة الأمريكية) والإمبريالية الصاعدة (الصين) سائدة على الوضع الجيوسياسي العالمي. لا يشكلان بالطبع الفاعلين الوحيدين في الرهان العالمي الكبير بين قوى كبيرة وصغيرة، لكن ما من قوة أخرى تضاهي نفس «القوتين العظمتين» وزناً.
-يتسم هذا النزاع بدرجة عالية جدًا من الترابط الموضوعي. من المؤكد أن أزمة العولمة النيوليبراليةجلية،لكن إرثها قائم لحد الآن. لم يعد ثمة «عولمة سعيدة»، لكن لا توجد ثمة أيضاً «إزالة عولمة (رأسمالية) سعيدة». تعد النزاعات الجيوسياسية من أعراض هذه الأزمة الهيكلية وتؤدي إلى مفاقمة حدة تناقضاتها. دخلنا أيضًا منطقة مجهولة وغير مسبوقة، إلى حد ما.
– على الرغم من أن الولايات المتحدة الأمريكية تظل «القوة العظمى» الرئيسية، شهدت هيمنتها تراجعًا نسبيًا. لا تستطيع الاستمرار في ضبط العالم دون مساعدة حلفاء موثوقين وفعالين، مفقودين ميدانياً. أدت الأزمة السياسية والمؤسسية التي أثارها دونالد ترامب وعواقبها الدبلوماسية الدائمة (فقدان الثقة بين حلفائها) إلى إضعافها. يمكن تأكيد عدم وجود إمبريالية «كلاسيكية» الآن، نظرًا لحجم تراجع التصنيع في البلد. يقوم جو بايدن الآن بتعبئة موارد مالية وقانونية كبيرة في محاولة تغيير الأمور في هذا المجال، لكن المهمة صعبة. لا بد من الإشارة لعجز دولة مثل فرنسا، على إنتاج معقم اليدين والكمامات طبية والأقنعة التنفسية FFP2 والأردية التمريض (FFP2)، حتى بوجه حالة طوارئ حيوية (كوفيد). مع ذلك لا يتعلق ذلك بتكنولوجيا متطورة!
– كان وضع الصين أفضل بكثير في هذا المجال. كانت ورثت من الحقبة الماوية أساسا صناعيا محليا، وسكانًا متمتعين بارتفاع معدل إلمام بالقراءة والكتابة بالنسبة للعالم الثالث، وطبقة عاملة ذات تكوين. بعد أن أصبحت ورشة عمل في العالم، أمنت موجة تصنيع جديدة (تابعة جزئيًا، لكن ثمة مجالات غيرها). استثمرت موارد ضخمة في إنتاج التكنولوجيات الدقيقة. تمكنت الدولة-الحزب من تنظيم تطور البلد وطنيا وعالمياً (كان هناك طيار في الطائرة). مع ذلك، أصبح نظام الصين اليوم أكثر غموضًا وسرية من أي وقت مضى. نحن على علم كيف تؤثر الأزمة السياسية والمؤسسية على الإمبريالية الأمريكية. من الصعب للغاية معرفة ما يحدث في الصين. لكن، المركزة المفرطة للسلطة في ظل حكم شي جين بينغ، الذي أصبح رئيسًا مدى الحياة، عامل من عوامل الأزمة الهيكلية على ما يبدو الآن.
– أدى تراجع الولايات المتحدة الأمريكية نسبيا وصعود الصين القوي غير المكتمل إلى فتح مجال قد تقوم فيه قوى ثانوية بدور دال، بالأقل في منطقتها (روسيا وتركيا والبرازيل والمملكة العربية السعودية…). على هذا النحو، لم تتوقف روسيا عن فرض الأمر الواقع على الصين في الحدود الشرقية لأوربا على ما يبدو. كانت موسكو وبكين، إلى حد كبير سيدتا الرهان في القارة، من خلال العمل معاً. مع ذلك، لم يكن هناك تنسيق بين غزو أوكرانيا والهجوم الفعلي على تايوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انتخابات تشريعية بفرنسا: اكتمال لوائح المرشحين واليمين المتط


.. ندوة سياسية لمنظمة البديل الشيوعي في العراق في البصرة 31 أيا




.. مسيرات اليمين المتطرف في فرنسا لطرد المسلمين


.. أخبار الصباح | فرنسا.. مظاهرات ضخمة دعما لتحالف اليسار ضد صع




.. فرنسا.. مظاهرات في العاصمة باريس ضد اليمين المتطرف