الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بعد أكثر من 23 سنة من الاعتقال السياسي: شهيد والشايب خارج المصالحة والإنصاف

عبد الله لعماري

2006 / 12 / 11
حقوق الانسان


والمغرب لم يطو بعد صفحة الاحتفالية بعرس المصالحة والإنصاف، وأصداء التغني بالقطيعة مع الماضي لازالت تشنف الآذان، ومداد الأدبيات التي سالت تمجدا بالإنجاز الحقوقي الكبير، لم يجف بعد، إذ لم تنصرم بعد السنة الأولى على إنهاء هيأة الإنصاف والمصالحة عملها، وتقديم تقريرها الختامي المعزز بالتوصيات، والتي أوردت ديباجة استهلالها ما يحث على: "ضمان عدم تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان ببلادنا، من أجل توطيد مسلسل الإصلاحات الجارية"، فأوصت بما يتعلق بالإصلاحات المؤسساتية، وبإستراتيجية وطنية لمناهضة الإفلات من العقاب، وبتتبع تنفيذ التوصيات، ومنها التحريم الدستوري "لممارسة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الخالة بالكرامة أو المهينة" على غرار التحريم المغربي الدستوري للحزب الوحيد.
كل ذلك، ولما يطل عليه الأمد، يتعرض المعتقلان السياسيان أحمد شهيد وأحمد الشايب، ذات صباح قريب، لرحيل فجائي من السجن المحلي "عكاشة" بالدار البيضاء، حيث المصحة التي يخضعان فيها للتطبيب والعلاج، وحيث ينزلان بالقرب من عائلاتهما، ترحيل فجائي إلى سجن آخر بمدينة أخرى هي "سلا".
ترحيل فجائي، لا يمكن أن يوضع هو وما صاحبه من تصرفات مسيئة سوى في خانة ضروب المعاملة القاسية واللاإنسانية والخالة بالكرامة والمهينة، تلك التي أجمعت كل شعوب الأرض وأمم البشرية، والمغرب واحدة منها، على تحريمها وتجريمها، بدءا من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي نخلد ذكراه الثامنة والخمسين، والذي ينص في مادته الخامسة على "تحريم تعريض أي إنسان للتعذيب أو العقوبات أو المعاملات القاسية والوحشية أو الحاطة بالكرامة." وانتهاء بميثاق القواعد النموذجية الدنيا لمعاملة السجناء، والتي وقعت عليها المملكة المغربية ضمن الموقعين.
ولم يشفع للمعتقلين السياسيين أنهما قد قضيا أكثر من 23 سنة في غياهب الاعتقال، بدءا من زنازن حي الإعدام الرهيبة التي أمضيا فيها ردحا من الزمن، وتجرعا فيها قساوة شروطها وطقوسها.
ولم يشفع لهما أنهما قد أخنى عليهما الدهر بكلكله، تغييبا وراء الأسوار وفي ظلمات الزنازن ورطوبة أسفلتها، وأنهما منذ زمن بعيد، قد تحولا من نضارة الشباب وغضارة العود، عندما ابتلعهما نفق الاعتقال السياسي الطويل، إلى أحوال الشيخوخة والانحطام والاهتراء الصحي، وأنهما ومنذ زمن بعيد، لم تعد لهما أمكنة يتواريان فيها بالسجون التي يحلان بها وتعاقبا عليها على مر السنين، سوى المصحات، وأن غذاءهما اليومي أصبح يحتل فيه الدواء مناصفة ما يحتله الطعام.
ولم يشفع لهما أنهما من آخر من تبقى في السجون المغربية من تلك العائلة العريضة، التي كانت تشكل قبل سنة 1999 أصناف المعتقلين السياسيين من اتحاديين ويساريين وإسلاميين، وأنهما وقد عايشا كل تلك الأصناف، وخالطا كل المجموعات، وتقاسما وإياهم إسفلت الزنازن وقهر الظلمات وسوط الجلاد، بيد أنهما كانا يتجرعان وحدهما مرارة الاستثناء من الإفراج عند محطات الانفراج السياسي، والتي وعلى الدوام كانت قوافل المعتقلين السياسيين من رفاقهما تعبر منها، قافلة، قافلة، دون أن يكون لهما من عبور قوافل الإفراج سوى عذاب التوديع.
ولم يشفع لهما أنهما، وبكل المعايير المتخذة، والمقاييس والأعراف المعتمدة في العفو، أنهما من ذلك الجسم السياسي الذي أثخن بجراحات الانتهاكات الجسيمة، من مجموعات الاعتقال السياسي، والتي توقف الزمن المغربي أخيرا، لجبر أضرارها وإعادة الاعتبار إليها، وتعويضها ما فات من جراء التعسفات التي حاقت بها، وكذا المصالحة معها، والاصطلاح وإياها على نسق حقوقي جديد من الضمانات والقواعد واستكناه الحقائق، تحوطا لعدم تكرار ما جرى.
وأن ذلك الجسم السياسي بكل أطرافه وفعالياته، وهيآته التي انتظمت للمساهمة في بناء المغرب الجديد، لا زال يعتبر أحمد شهيد وأحمد الشايب، المعتقلين الحبيسين في محطة انتظار تصفية ما تبقى من الاعتقال السياسي بالمغرب، يعتبرهما منه وإليه، ولا يألو جهدا ومساعي، عبر مواقعه الحقوقية، أو منابره أو مسؤولياته التي اضطلعت بها بعض طلائعه ونخبه، في الوصول إلى حيث العبور بهما نحو بر الإفراج واسترداد الحرية.
قرار الترحيل الذي نزل فجأة صباح يوم الاثنين 27 نوفمبر 2006، نزول صاعقة هدت هدأة حياة ساكنة يتعايش معها مؤقتا المعتقلان السياسيان أحمد شهيد وأحمد الشايب، في انتظار الإفراج، هو قرار إداري تعسفي، مشوب بالبعد الكامل عن المنظومة القانونية والتنظيمية التي تؤطر المؤسسات السجنية، وبالنشاز عن المنظومة التشريعية إجمالا.
فالمؤسسة السجنية، هي مؤسسة اجتماعية للإصلاح ولإعادة الإدماج، ومن ثم، فهي مؤسسة إنسانية بامتياز، تخضع لضوابط التعامل الإنساني الذي يجد صداه في مواثيق وأعراف احترام حقوق الإنسان، وفي الأخلاق والقيم والمبادئ التي راكمها المجتمع الإنساني حضاريا، وليست مؤسسة للانتقام والتعذيب والبطش والقهر والتنكيل وتصفية الحسابات.
ومعتقلا الرأي شهيد والشايب، كانا مستقرين بمصحة السجن بالدار البيضاء، بموجب قرار إداري يستجيب للمقتضيات القانونية التي تنص على تقريب المعتقل من عائلته، وتنص على الرعاية الصحية وتوفير متطلبات العلاج، وبعد فترة من الاعتقال تجاوزت العشرين سنة، أي بعد أن عجز الآباء المسنون عن التنقل إلى سجون بعيدة لزيارة أبنائهم عبر الرحلات المكوكية، وبعد أن بلغ الوضع الصحي للمعتقلين ذروة منتهاه من التدهور والتردي والتهالك، فقد عرفا خلال ما يقرب من ربع قرن مقاساة محن نفسية وجسدية عديدة، وخاضا إضرابات الجوع المديد مرات، وتجرعا صدمات معنوية بليغة لاستثنائهما من العفو الملكي في عدة محطات أفرغت كل المعتقلين السياسيين من السجون.
ومعتقلا الرأي أحمد شهيد وأحمد الشايب، علاوة على كونهما آخر من تبقى بالسجون من ضحايا الاعتقال السياسي والمحاكمات الصورية غير العادلة، فهما من أقدم نزلاء السجون المغربية، وهما بهذه الصفة، كانا يساهمان كثيرا في السير السليم للمؤسسات السجنية، إذ كثيرا ما يرجع إليهما المدراء والمسيرون للاستشارة والخبرة وأخذ الرأي السديد، بحكم تجربتهما الطويلة بين السجناء والمعتقلين، وما أكثر ما تم اللجوء إليهما لحل المشاكل وفك الأزمات وتسكين التوترات والتوسط لفض النزاعات بين السجناء والإدارة السجنية، لما يحظيان به من احترام وهيبة، ترجع بالأساس إلى حسن السلوك ورقي السيرة.
وهما الآن، ومنذ صيف 1994، تاريخ الإفراج الكبير بالعفو الملكي الشامل على مجموعات الاعتقال السياسي ومن بينهم كل أفراد المجموعة التي ينتميان إليها، وهي مجموعة الـ 71 الإسلامية، هما أكثر من يعيش قربا وإرهافا وحساسية لنبض مغرب العهد الجديد، لانشغالهما العميق بالتطورات الحقوقية في البلاد، المتفاعلة مع القرار الرسمي بطي صفحة الماضي، وإحلال المصالحة والوئام في المسار السياسي والاجتماعي، ولإحساسهما بكونهما معنيان بهذه المصالحة وتلك القطيعة، فهما في انهماك دائم، فكرا وشعورا ونقاشا سياسيا، في الغوص في فلسفة المصالحة وأدبيات المصالحة، إلى الدرجة التي أنضجت عقليتهما ووجدانهما في اتجاه الاندماج الراقي مع النسيج المجتمعي والسياسي بالبلاد، بحيث أصبح المكان الطبيعي اللائق لحياتهما هو البيت، في حضن الحرية والإفراج ومعانقة الأهل والأولاد.
وأصبح القرار السليم والموضوعي والقانوني الأشد إنصافا واتصافا بالطلب والإلحاح هو قرار الإفراج، وليس قرار الترحيل المفاجئ، المصحوب بالإجهاز على الحقوق والمكتسبات، والماس بالكرامة والأمن المعنوي والأمان الجسدي، والذي يتناقض كليا والنسق التشريعي الذي تحبل به القوانين المتعلقة بالسجون والمذكرات والمناشير، بدءا بالمرسوم رقم 2.73.688 الصادر بتاريخ 12 نوفمبر 1974 بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي إدارة السجون، وانتهاء بالقانون 23.98 المتعلق بتنظيم وتسيير المؤسسات السجنية، والمرسوم رقم 200.485 الصادر بتاريخ 03 نوفمبر 2000 المحدد لكيفية تطبيق القانون المنظم للمؤسسات السجنية. وهو القرار الذي يخرق كليا المضمون الحقوقي للدستور كما ورد في ديباجة الدستور المراجع المعتمد من طرف المملكة المغربية سنة 1996 " وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليه عالميا".
وإذن، فقرار الترحيل المفاجئ، لا سند له من القانون.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اعتقال محامية تونسية بارزة بعد تصريحات وصفت بـ-المهينة- لبلا


.. واصف عريقات: يوم 7 أكتوبر ضربت ركائز الكيان الصهيوني الثلاث




.. شهادة لأحد النازحين في غزة: -أخي ترك منزله واستهدفته الطائرا


.. عائلات الأسرى الإسرائيليين: حكومة نتنياهو تخلت عن الأسرى وتر




.. الأمن العام اللبناني يشدد تطبيق القوانين على اللاجئين السوري