الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأسطورة والواقع في ديوان -مواويل في الليل الطويل- فهد الرماوي

رائد الحواري

2024 / 5 / 26
الادب والفن


إذا ما توقفنا عند العنوان "مواويل في الليل الطويل" سنجد أن هناك (تغني) بالألم/بالليل، وهذا يقودنا إلى طقوس ندب غياب البعل عند السوري القديم، هذا على مستوى المضمون، أما على مستوى الشكل فنلاحظ أن كل المقاطع التي جاءت في الديوان مكونة من أربعة مقاطع، وهذا يتماثل مع عدد كلمات العنوان، بمعنى أن هنا انسجام في مضمون والشكل وبين المتن.
جاء في مقدمة العمل التي وضعها عبد الرحيم عمر: "زجلة فنية فريدة، هذه التي يقضيها القارئ مع فنان رومنسي " ص3، ورغم صغر حجم الديوان إلا أن المقدمة كانت من أجمل ما يكون، وكشفت جمالية المواويل الفنية وما تحمله من مضامين فكرية، وبما أن هناك لوحة للفنان "زكي شقفه" لازمة كل موال وهذا أضاف جمالية ومتعة تضاف إلى ما جاء في مواويل في ليل طويل.
اللافت في هذه المواويل رغم قدمها ـ صدرت في عام 1983 ـ أي قبل أكثر من أربعين سنة، أنها تصلح لزمانا هذا، وكأن مرور هذه العقود الأربع لم تغير أو تبدل في واقعنا كفلسطينيين وكعرب شيئا.
موت البعل
سنحاول التوقف عند ما جاء في الديوان ونبدأ مما جاء في المقدمة التغني بموت البعل، التغني بالألم الحاصل، لأن هناك فرح/عودة قادمة:
"محلى الأسى ينغزل موال يتغنى
يسعد شقانا وتضحكلوا مدامعنا
يا ناس لولا الوجع والجرح واللوعة
كانت حياة البشر كلمة بلا معنى" ص15.
رفع قيمة الألم: "ينغزل، يتغنى" بهذا المستوى يشير إلى أن العقل الباطن للشاعر يؤمن بحتمية الخير/الخصب القادم، فهو يرى/يؤمن أن الموت/الأسى حالة طبيعية، فبعد الخريف سيأتي حتما الشتاء والربيع، وتعود الأرض بهية كما كانت، من هنا التوازن بين الموت والحياة، بين الفرح والترح، ليس في المعنى فحسب، بل في الألفاظ المستخدمة: "محلى/الأسى يسعد/شقانا، وتضحكلوا/مدامعنا، ينغزل/الوجع، موال/الجرح، يتعنى/اللوعة" من هنا يمكننا القول إننا أمام ملحمة سورية/فلسطينية عصرية، مما يجعل فكرة صراع/وجود الخير والشر، الحياة والموت حاضرة ومستمرة منذ أن وجد السوري على هذه الأرض
"قالوا زمان ف المثل أن الدهر دولاب
لا العز دايم ولا الأموال والأحباب
بالأمس يا ولدي كنت القمر ف الدار
واليوم نجمك إتوحد في النهاية وغاب" ص16.
نلاحظ في هذا الموال تركيز الشاعر على الزمن/الوقت من خلال ألفاظ مباشرة: "زمان، الدهر، بالأمس" ومن خلال ألفاظ متعلقة بالزمن: "دولاب، دايم، النهاية، غاب" وهذا يقودنا إلى الفكرة التي يحملها الشاعر وبطبيعة ما يجري من تعاقب الفصول: الخصب/الربيع والجذب/الخريف، وكأنه يريد أن يؤمن المتلقي/ولدي بما يؤمن به من (طبيعية) تعاقب الفصول/الأحوال، فاليوم حزن وغدا فرح.
ونلاحظ أن خطاب الشاعر يتجاوز ما هو أرضي ويتحدث عن السماء: "القمر، نجمك" وهذا له دلالة إيمانية متعلقة بالسماء، فبدا الموال وكأنه دعوة ـ غير مباشرة ـ إلى الخروج مما هو ارضي: "الأموال، الأحباب" إلى ما هو سماوي مرتفع "قمر" وعندما أقرن المخاطب "ولدي/نجمك" أكد على ضرورة الترفع وتجاوز الأرضي غلى ما هو سماوي وعالي.


الواقع العربي
كما أن تعاقب الفصول لم يتغير أو يتبدل، كذلك حال الواقع العربي الذي ما زال فاقدا للكرامة للفعل، يقول الشاعر:
"مات الفرح واغربت شمس الغنا والقول
من يوم حبس العروبة في سجن بو الهول
يا حدي العيس لا تبدي وتحدي
قلبي طفح من أسى السادات والبترول" ص35.
اللافت في هذا المقطع الثنائيات: "مات/اغربت، حبس/سجن، الغنا/القول، السادات/البترول" وهذا يؤكد فكرة العجز/التخاذل الذي تمر به المنطقة العربية، فالشاعر ربط السياسي/السادات بالاقتصادي/البترول، وأشار إلى موت أمجادنا الماضية/بو الهول، وقتل فينا القدرة على الفعل/العمل/الحركة "لا تبدي ولا تحدي" فوجود ألفاظ: "حبس، سجن" لها معنى واقعي/مادي وألفاظ لها مدلول فكري فني جمال "الغنا، القول" يجعل الواقع العربي في غاية البؤس، فعناك قمع مادي وقمع فكري، وما وجود "قلبي طفح" إلا من باب ثقل القمع وشدته وأثره الهائل على الشاعر.
ونلاحظ في الموال ثنائية الخراب/الموت/البؤس، تتمثل موت/قتل البهجة الكامنة في التاريخ/بو الهول، ومنع وحظر فكر الوحدة العربية/ العروبة من خلال: "حبس، سجن" بمعنى أن النظام الرسمي يمنع عنا بهجة الماضي وما فيه من أمجاد، ويمنع عنا فكرة الخلاص من بؤس الحاضر من خلال حبس فكرة العروبة وسجنها، وهذا يقودنا إلى ممارسات الأنظمة الرسمية العربية التي تحارب الفكر الوحدوي والتحرري، وتريدنا أن ننسلخ عن ماضينا وننسى حاضرنا.
ونجد ثنائية السياسي المتمثلة بالسادات/بمصر ودورها في ما نحن فيه، والثروة/ البترول الذي يذهب عائداته إلى عائلات تنفقه على تفاهات تؤخر ولا تقدم، فطرح هذه الثنائية يؤكد رؤية الشاعر الثاقبة والحكيمة، فأسباب تراجعنا، وأسباب تقدمنا يعتمد على مصر وعلى البترول.
الطبقي
من مشاكلنا في المنطقة العربية عدم وجود أمان اقتصادي للمواطن، فهناك مجموعة من المنفذين يتحكمون في خيرات البلاد وفي رقاب العباد، مما يضيف ثقل جديد على المواطن الذي يعاني أصلا من القمع السياسي، حاصر اقتصادي:
"يا لقمت الخبز يا اقوى من البارود
يا سيف قاطع على رقاب البشر ممدود
يا لقمة الخبز عليتي... وذليتي
صار الزمن مسخرة وصار النذل نمرود" ص 12.
يمكننا إيجاد الطرح الطبقي بمفهومة الماركسي من خلال حضور "الزمن" فالماركسية ترى أن الصراع الطبقي ممتد ومتواصل/"ممدود" عبر الزمن/التاريخ، وهو متعلق بالكل "البشر"/الناس/المجتمعات دون استثناء، ونجد الطرح الثوري وضرورته من خلال: "صار النذل نمرود".
وبهذا يكون الشاعر قد طرح فكرة الصراع الطبقي بمفهومه الماركسي، وضرورة مواجهته والثورة عليه بصورة مكثفة/مختزلة بعيدا عن الشرح والإطالة.
الفلسطيني
الشاعر كفلسطيني يتناول الحالة الفلسطينية بأكثر من موال، منها:
"يا ريت يا ارض لو صرتي كرة بارود
حتى يزلزل كيانك شعبنا المطرود
أحنا انظلمنا وكل الناس مسؤولين
وأحنا حقدنا وحقد الحر مالو حدود" ص32.
استخدام الشاعر صيغة النداء "يا ريت" تشير إلى استمرار الوجع الفلسطيني كإنسان واستمرار تعلقه بالأمل، بالأرض/"أرض" وبهذا يكون الشاعر قد أوضح إلى أن المسألة الفلسطينية التي تتعلق بالإنسان وبالأرض، ولا يمكن حل مشكلة الفلسطيني دون هاتين الركيزتين.
ونلاحظ أن الشاعر يستخدم صيغة نحن: "شعبنا، احنا (مكررة)، انظلمنا، حقدنا" وهذا يشير إلى الهم الجمعي الذي يحمله الشاعر، فهو يتجاوز ألمه/حالته كفرد ويندمج/يتوحد مع مجتمعه/شعبه.
هذا على صعيد الفكرة، أما على صعيد الألفاظ فنجد التواصل والتكامل بين الألفاظ، فنجد "يزلزل" التي يتكرر فيها حرفي الزين واللام، يقابلها تكرار "حقدنا/حقد، أحنا" وهذا ما يجعل فعل "يزلزل" متعلق بنا نحن، فما مررنا به من قهر جعلنا "نحقد" على "المسؤولين" عما نحن فيه.
الديوان طبع في المطبعة الأردنية، 1983 دون اسم دار للنشر.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -من يتخلى عن الفن خائن-.. أسباب عدم اعتزال الفنان عبد الوهاب


.. سر شعبية أغنية مرسول الحب.. الفنان المغربي يوضح




.. -10 من 10-.. خبيرة المظهر منال بدوي تحكم على الفنان #محمد_ال


.. عبد الوهاب الدوكالي يحكي لصباح العربية عن قصة صداقته بالفنان




.. -مقابلة أم كلثوم وعبد الحليم حافظ-.. بداية مشوار الفنان المغ