الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية الحلقة الثانية

موقع 30 عشت

2024 / 5 / 26
القضية الفلسطينية


بعد نشر الحلقة الأولى من دراسة بعنوان "القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية"، يقدم موقع 30 غشت الحلقة الثانية من هذه الدراسة.
محاور الحلقة الثانية
القسم الثاني
الماركسية -اللينينية وقضايا التحرر الوطني
الفصل الأول
1 ـــ ماركس و انجلز أمام المسألة القومية
2- ماركس – انجلز-- لينين: المسألة اليهودية والصهيونية
3- لينين والمسألة القومية
4- الماركسية: المسألة اليهودية والصهيونية
5 ـــــ الماركسية والصهيونية
6 ـــــ لينين والصهيونية
الفصل الثاني
1 ـــــ لينين: المسألة القومية وحق تقرير المصير
2- لينين وتكتيك الدعم لحركات التحرر الديموقراطي البورجوازي
الفصل الثالث ــــ ستالين: دوره وأهميته في المسألة القومية
الفصل الرابع ـــ الأممية الشيوعية وأطروحة التحرر الوطني
الفصل الخامس ـــــ المؤتمر الأول لشعوب الشرق (انعقد بين 31 غشت و7 شتنبر 1920 بمدينة باكو بأذربيجان)
الفصل السادس ـــــ تبني الأممية الشيوعية لمفهوم "الثورة المتواصلة" (غير المنقطعة)
الفصل السابع -الثورة الصينية والصراع بين نظرية الثورة المتواصلة عبر مراحل ونظرية الثورة الدائمة
الفصل الثامن ـــــ ماو، الثورة المتواصلة في الصين
الفصل التاسع ــــ مظهري نضال التحرر الوطني:
(إشكالية الوطني والديموقراطي)
التناقضات في العالم

ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ
الحلقة الثانية
ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ ــــــــــ
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية
القسم الثاني:
الماركسية -اللينينية وقضايا التحرر الوطني
الفصل الأول:
1 ـــ ماركس و انجلز أمام المسألة القومية
يذكر التاريخ أن ماركس و انجلز كانا أول من جمع، بين التحرر الطبقي لقطاعات واسعة مضطهدة عن طريق الاستغلال الاقتصادي، و التحرر الوطني للأمم المضطهدة.
وقد قال ماركس أنه "ليس للعمال وطن، فلا يمكن أن ننزع منهم شيئا لا يمتلكونه" وأنه "ما يجب أن يفعلوه هو في الدرجة الأولى الاستيلاء على السلطة السياسية والارتقاء إلى مستوى طبقة قومية والتشكل كأمة والارتفاع إلى مستوى طبقة قومية"، وذلك كما جاء في "البيان الشيوعي"، ويضيف ماركس في كتابه " الصراعات الطبقية في فرنسا" ما يلي:
"إن تطور البروليتاريا الصناعية يرتبط بشكل عام بتطور البورجوازية الصناعية، وفقط تحت سيطرة هذه الأخيرة ترتقي البروليتاريا إلى وجود ذو حجم قومي، الشيء الذي يسمح لها بالارتقاء بالثورة إلى بعد قومي" (الصراعات الطبقية في فرنسا من 1848 إلى 1850، دار التقدم موسكو، 1977، ص 38).
ويحفظ العالم تلك القولة الشهيرة والعبقرية لمؤسسي الفكر الماركسي كارل ماركس و فردريك انجلز ذات الصلة بالتحرر القومي:
"بنفس القدر الذي يتم فيه القضاء على استغلال إنسان لإنسان آخر، بنفس القدر الذي يتم فيه القضاء على استغلال أمة من طرف أخرى. وبقدر ما يتم القضاء عل التناقض العدائي بين الطبقات داخل الأمم، بقدر ما سيتم اختفاء الصراع بين الأمم".
وفي الأممية الأولى سنة 1866، دافع ماركس عن موقف استقلال بولونيا عن روسيا، وسنة 1882 كتب انجلز يقول أن بولونيا يجب أن تكف عن الخضوع والتقسيم حتى تستطيع طبقتها العاملة أن تتطور.
وحول القضية الإيرلندية، كتب رالف فوكس، وهو كاتب شيوعي انجليزي، يقول:
"لم يستطع أي مؤرخ بورجوازي أن يقدم نظرة واقعية وعظيمة لسيرورة إفراغ بلد بكامله من سكانه كما فعلوا في إيرلندا (محاولة اجتثاث كاملة لأمة كبيرة) كما فعل ماركس ...
فماذا وقع في إيرلندا؟
سيشرح ماركس ذلك بوضوح كبير: مسلسل جديد وهائل للنهب، ففي القرن 17، خضع الشعب الإيرلندي لنهب من طرف الاستعماريين الانجليز لممتلكاته على أرضه، وفي أواسط القرن 19 استمر نهب الإيرلنديين، بالإضافة إلى أنه في نهاية القرن، أكثر من النصف فرض عليهم مغادرة بلدهم إلى الأبد، وفي سنوات الخمسين عمل ماركس على أن تصبح وضعية إيرلندا معروفة بشكل واسع من خلال مقالاته في الصحافة الألمانية وفي أمريكا الشمالية، وأعطى أهمية خاصة لصالح حقوق مستغلي الأراضي الزراعية مدينا كل نظام الملكية العقاري الانجليزي (ماركس انجلز و لينين حول إيرلندا ).
هكذا، ومنذ ماركس و انجلز ظهر للعيان أن هناك نزعتان أو تصوران فيما يخص الوطنية:
1- تلك التي تخص البورجوازية المستغلة (بكسر الغين)، والتي تعمل على تأبيد سيطرتها على أمة أخرى، أو التي تعمل على منع النضال الثوري للطبقة العاملة.
2 – أما الثانية فتتعلق بالشعب العامل المضطهد والمستغل.
إذن، العاطفة القومية حمالة أوجه، أي أنها خاضعة لتأويل ثوري أو رجعي، ويقوم التأويل الثاني، كما يقول لوفيفر:
"على تأليه الأمة، الشيء الذي يسمح بتلافي التحليل الدقيق الموضوعي للواقع القومي وللمصالح الوطنية في الإطار الأوروبي والعالمي، ومن هنا الخلط بين مصلحة الرجعية السياسية ومصلحة الوطن.
وقد أبرز ماركس ساخرا، من خلال تطرقه ل "مبدأ القوميات":
"أن هذا الأخير يخدم كعذر عند روسيا حتى لا تتدخل أمة أخرى في شؤون القوميات السلافية، وفي الأخير فإن هؤلاء الأخيرين يتحدثون عن وضعهم كإخوة في العرق يشكلون امبراطورية لكل السلافيين في خدمة موسكو" (ماركس والقوميات الانفصالية، سان ميغل، بلباو 1974).
إن الامبريالية الأمريكية والألمانية، هما كذلك يستعملان "مبدأ القوميات" لتحويل اتجاه استقلالات الشعوب وفرض دول تدور في فلكهما.
2- ماركس – انجلز-- لينين: المسألة اليهودية والصهيونية
إن الحديث عن موقف الماركسية من الصهيونية يستتبع بالضرورة الحديث عن مواقف الماركسية من المسألة القومية.
-تذكير بمواقف ماركس و انجلز من المسألة القومية:
إن الأعمال الكاملة لكارل ماركس والأعمال المشتركة بين ماركس و انجلز، كما الدراسات الحديثة، خاصة الانجلوساكسونية منها، تظهر إلى أي حد كان ماركس و انجلز يهتمان بالقضايا القومية في عصرهما، والشاهد على ذلك أنهما ابتداء من 1850 كانا مهتمان بشكل كبير بالوحدة القومية الألمانية، وذلك إلى حدود تحققها، وتلخص الفقرة التالية موقفهما من الوحدة الألمانية:
"فعلى العمال ليس فقط استكمال إنشاء الجمهورية الألمانية الواحدة، التي لا تتجزأ، بل محاولة تحقيق ذلك ضمن الجمهورية الممركزة القصوى للقوة بين أيدي الدولة، ورفع أي حاجز بين المقاطعات".
وقد لعبت المسألة الإيرلندية والبولونية ودروس الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب في الولايات المتحدة الأمريكية، دورا هاما في تطوير أفكارهما حول المسألة القومية، سمحت لهما بإدخال تعديلات هامة على نظريتهما في المسألة القومية، فقد كانا في البداية يجعلان التحرر القومي رهنا بتحرر الطبقة العاملة الاجتماعي، لكن، وبعد تحليل خبرات ثورات 1848 – 1849 البورجوازية أصبحا يؤكدان على الارتباط الجدلي بين نجاح الثورات الاجتماعية وتحرر البروليتاريا وحل المشكلات القومية الملحة.
وتشهد الأممية الأولى في مؤتمرها المنعقد في جنيف في 1866 على مواقف ماركس و انجلز اللذان دافعا عن حق تقرير المصير لبولونيا وإيرلندا والبلقان.
3- لينين والمسألة القومية
أما لينين، ففي كتاباته مثل "في التطور اللامتكافئ" و "الدولة والثورة" و "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية"، وفي كتابات أخرى، هناك تأكيد مستمر على مفهوم الدولة القومية.
وفي كلمة أثناء المؤتمر الثامن للحزب 1919، قدم لينين انتقادا صريحا وقويا ل "اليساريين": بسبب عدميتهم القومية، مؤكدا أن إسقاط البورجوازية سيؤدي إلى تعجيل هائل في انهيار سائر أنواع الحواجز القومية دون إنقاص التمايز أو التحالف بين البشرية، وكان لينين يرى أن تشكيل دولة قومية هو الاتجاه الذي تتبعه كل حركة قومية... وتمثل الدولة غير المتجانسة قوميا حالة متأخرة أو استثنائية. وتبقى المساهمات اللينينية الأهم على الإطلاق فيما يخص المسألة القومية، هي مساهمته في المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، وخاصة جداله و ردوده على روي الهندي و كارل راديك و سيراتي من إيطاليا.
وخلال المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية أكد المؤتمر على دعم الحركة القومية وليس فقط الاعتماد على النشاط الثوري للشيوعيين. وقامت رئاسة المؤتمر الرابع للأممية الثالثة، بعد اختتام المناقشات حول المسألة القومية و الكولونيالية بتشكيل لجنة خاصة لصياغة الأطروحات المتعلقة بهذه المسألة، كما ندد المؤتمر باقتراحات البند حول "الاستقلال الذاتي الثقافي القومي لليهود" رافضا اعتبار اليهود أمة، وأعاد المؤتمر السابع للأممية الشيوعية سنة 1935 التأكيد على فكرة التحالف مع القوى القومية.
ومن المعروف أن ستالين بتكليف من لينين قد ألف كتابه الشهير "الماركسية والمسألة القومية، التي تعتبر أهم مساهمة ماركسية إلى حد الآن، وقد أقرها الحزب في 1913 بعد الإقرار بالتعديلات الهامة التي أجراها لينين على نص الكتاب. وتتلخص أفكار لينين في الموضوع في كون أن الأمة ليست ظاهرة اقتصادية من ظواهر الرأسمالية كما روجتها التصورات الرائجة لبعض القوى الشيوعية التقليدية، بل ظاهرة تاريخية اجتماعية تضرب جذورها في التشكيلات ما قبل الرأسمالية، ولكنها تجد في الرأسمالية كسوق مركزي اجتماعي ما يسمح لها بالتشكل كظاهرة سائدة. وبالتدقيق في القراءة الستالينية للمسألة القومية لا نجد أي تعارض يذكر، فستالين يميز بين مرحلتين في تشكل الوعي القومي:
الوعي القومي بذاته ما قبل تشكل الأمة والوعي القومي الطبقي بذاته ولذاته في حالة الاستكمال القومي لشروط الأمة الرأسمالية.
أما العامل النفسي، فقد توقف لينين عند أهميته، ولكنه لم يدرجه في العوامل الأساسية للأمة. هكذا، فإن مفهوم الأمة كما صاغها مؤتمر البلاشفة، هي محصلة لتفاعل عدة مقومات أساسية، وهي العلامات التي تصبح القومية بموجبها أمة، وهذه العلامات هي:
1- الأرض
إن الأرض تمثل القاعدة المادية لتشكل الروابط الاقتصادية بين أبناء الشعب وميدان نشاطهم وتطورهم، وأخيرا، فإنه من الأهمية بمكان الأخذ بالحسبان أن الأرض القومية ليست مجرد بقعة جغرافية، وإنما ترتبط عضويا بالنمط الاجتماعي للأمة التي تعيش فوقها.
2- اللغة
ليس ثمة في العالم لغة قائمة بحد ذاتها، فما يوجد فعلا ويتطور هو اللغات القومية بما هي محصلة ثقافية – اجتماعية، وليست إلا تجليات مختلفة للماهية الواحدة للغة، كونها أداة للتفاعل الاجتماعي- الثقافي بين الناس. ويكون من المهم، على طريق رسم سياسة لغوية علمية، استجلاء العلاقة بين الماهية العامة للغة وخصوصيتها القومية.
3- السوق
إن توحيد السوق الرأسمالي هو الذي ينقل القومية بعواملها ما قبل الرأسمالية إلى الأمة بعواملها الأربعة، فوحدة السوق الرأسمالي بما تعني من تطور في مستوى تقسيم العمل والتبادل، وتشكيل طبقتين أساسيتين، رأسمالية مستغلة وأخرى مستغلة تبيع قوة عملها، هي التي تشكل العامل الأخير، العامل الاقتصادي، الذي ليس إلا نتيجة للتفاعل التاريخي للعوامل السابقة ...، وقيمة هذا العامل تكمن في أنه الوحيد الذي يوحد المستغلين والمستغلين في طول البلاد وعرضها حول علاقات إنتاج متطورة تعزز من وحدة النسيج الاجتماعي للأمة ككل، بعد أن ساد الاقتصاد المغلق ما قبل الرأسمالي وسادت الطبقات المتفككة عبر مجموعة كبيرة من الأسواق الصغيرة الضيقة.
4- الطبقة القومية
ويعنى بذلك طبقة ذات دور مسيطر سياسيا كطبقة قومية، عندما تفقد البورجوازية قدرتها على أن تكون قوة قومية، تغدو الطبقة العاملة الذات الحقيقية للأمة، حيث تتجسد فيها كل قوة الأمة، وكل قدرتها على التطور إلى الأمام.
5- حق تقرير المصير القومي
حسب كاتب المقالة "المساهمة اللينينية الأساسية هنا، هي التعرف على الضرورة القومية عند الأمة والشعوب المظلومة بدلالة دينامية وطبيعة الإطار القومي للبورجوازية الصاعدة للأمم الظالمة".
"فعصر لينين، هو عصر الرأسمالية في أعلى مراحلها، وهو عصر قانون التطور اللامتكافئ، الذي يجعل من حرب الأسواق حرب الأمم الظالمة، وحرب التحرر القومي والميل للانعتاق، حرب التحرر الاجتماعي أيضا" ("الماركسية والموقف من القومية والصهيونية"، الدكتور موفق محادين).
4- الماركسية: المسألة اليهودية والصهيونية
إن كتاب ماركس "بصدد المسألة اليهودية" كان موجها بشكل أساسي لنقد اليسار الهيجلي، وهو ما ينفي عنه نزعاته الهيجلية.
لقد اعتقد باور أن المسألة اليهودية مسألة دينية تحل بإلغاء الدين اليهودي والمسيحي على حد سواء، وتحقيق العدالة عبر الإلحاد، بينما أكد ماركس على العكس، مؤكدا أن القضية ليست دينية بل اجتماعية. لقد اهتم ماركس بالحديث عن روح اليهودية، وجوهرها، بما هي روح الرأسمالية وجوهرها، الذي لا يتجلى في الأسفار والكتب المقدسة القديمة، بل في المجتمع الرٍأسمالي المعاصر، فالمال هو إلاه إسرائيل (اليهود) الحقيقي وقومية اليهودية هي قومية رجال المال.
و بالمحصلة، فإن سر اليهودية يكمن في سيكولوجية المنفعة الشخصية لليهودي العملي (بمعنى ليس ذلك الموجود في النصوص) وكان هذا أيضا موقف فيورباخ، فاليهودية لم تكن إلا التعبير الإيديولوجي للسمات الاجتماعية التي ميزت اليهود على امتداد تاريخهم وكانت نتاج ظروفهم الاجتماعية من جهة، والوسط الجغرافي السياسي من جهة ثانية، وبينما عبرت الكاثوليكية عن مصالح النبلاء (العقاريين والإقطاعيين) وعبرت الطهرانية و البروتستانية عن المصالح البورجوازية أو الرأسمالية، عبرت اليهودية عن مصالح طبقة تجارية في عهد ما قبل رأسمالي، ولا تفسر محافظة اليهود على دينهم، المعبر الصادق عن مصالحهم الاجتماعية، كمجموعة متميزة نتيجة لإخلاصهم الديني، بل بالعكس فإن محافظتهم كمجموعة اجتماعية متميزة، هي التي تفسر تعلقهم بالإيمان، وعلى حد تعبير كاوتسكي، "فإن الله أصبح عند يهود فلسطين مصدرا هاما لتأمين رزقهم، وهو ما يفسر أيضا دور الحاخامات في تكريس العزلة الاجتماعية، وبالتالي الوظيفة التاريخية".
عموما، هذا فيما يخص ماركس، أما عند انجلز، فاليهودية القديمة بالنسبة له هي مجموعة من القبائل الهمجية، ومؤرخين يهود سرقوا كل تاريخ الشرق وأساطيره ونسبوه لتلك القبائل التي لم تكن أكثر من محميات عسكرية، تؤجر نفسها تارة لمصر وتارة لفارس.
أما عند لينين فإن ما يسمى بالقومية اليهودية، فهو إيديولوجيا بربرية رجعية تحاول إعادة التاريخ إلى الوراء، وقد اتخذ لينين موقفا ضد كل أشكال التنظيم والتعبير اليهودي الخاصة، بما في ذلك اتحاد العمال اليهود (البوند)، الذي كان يدعو لاستقلال ثقافي ذاتي، والذي اعتبره لينين اتحاد حاخامات، وليس اتحاد عمال.
وتحت تأثير لينين، نددت الأممية الشيوعية في 1920، بفكرة الأمة الوطنية اليهودية، وبما سمي بالحركة اليهودية الشيوعية في كل مكان، خاصة في فلسطين، وكان ستالين بموافقة من لينين، قد أصدر كتابه الهام "الماركسية والمسألة القومية" ردا على اليهودي النمساوي بوير، الذي اعتبر في كتابه "المسألة القومية والاشتراكية الديموقراطية" اليهود أمة.
لقد رأينا كيف سار أبراهام ليون على خطى ماركس في الكتاب أعلاه، حيث أكد على مسألتين هما:
1- إن سر اليهودي في وظيفته كمرابي متجول (تاجر ما قبل رأسمالي)، وليس سر الوظيفة في دينه.
2- إن استمرار اليهود قد تم بدعم التاريخ، لا بالرغم عنه، وبسبب الشتات، لا بالرغم عنه.
5 ـــــ الماركسية والصهيونية
لعل التصورات الماركسية ظلت وما تزال التصورات الوحيدة التي اعتبرت كل خاص يهودي هو خاص السيد العالمي، الإقطاعي ثم الامبريالي، وأن الحل الحقيقي لما عرف بالمسألة اليهودية، وأخذ صورته المسوغة في الكيان الصهيوني الراهن، هو الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها، ليس كيهود من طينة طبقية أو قومية أو دينية محددة، بل كمواطنين يعبرون عن قومية أو طبقة المجتمعات التي يعيشون فيها.
ورغم أن هذه التصورات كانت واضحة ومتوفرة لكل قارئ عادي، إلا أنها تعرضت لحملات واسعة من التشكيك والتشويه، ساعد في تكريسها الموقف السوفياتي المفاجئ من قرار التقسيم، ودفاع بعض القوى الشيوعية التقليدية (العربية) عن هذا الموقف منذ1949. يقول موفق محادين:
"فليس ثمة حل آخر لهذه المسألة في بعديها اليهودي والعربي إلا الحل الماركسي، ذلك أن الحلول اليهودية والعربية السائدة تذهب إلى تكريس "إسرائيل" كخاص امبريالي ... بينما تذهب الحلول الدينية إلى إعادة إنتاج المسألة اليهودية بما يكرس "إسرائيل" كظاهرة من ظواهر الإيديولوجيا الطائفية المجسدة في دولة عرقية عدوانية من جهة، وبما يفرغ الصراع في المنطقة من مضمونه الاجتماعي - التاريخي من جهة أخرى".
6 ـــــ لينين والصهيونية
لقد صارع ماركس ضد اليهودية على الجبهة الفكرية، بينما اصطدم لينين خلال العمل من أجل إقامة حزب اشتراكي ديموقراطي لعامة روسيا، بالبوند، الذي تأسس سنة 1897، وقد كان البوند يدعو للاعتراف به ممثلا وحيدا و قوميا للعمال اليهود على أساس الاستقلال الذاتي القومي الثقافي داخل كل بلد، وقد اعتبر لينين فكرة وجود أمة يهودية فكرة رجعية في جوهرها، ليس فقط عند أتباعها الثابتين من الصهاينة، بل وعند عدد من أولئك اللذين يحاولون توفيقها مع أفكار الاشتراكية الديموقراطية من البونديين، وقد أضاف لينين في معرض نقده لمطالب البوند بالاستقلال الذاتي القومي الثقافي لليهود القاطنين فوق أراضي الامبراطورية الروسية، بان الأجدر بدعاة هذا الشعار أن يصطفوا مع الحاخامات لا مع الاشتراكيين الديموقراطيين. وفيما يخص الدولة اليهودية التي كان الصهاينة يروجونها في أوساط العمال اليهود الروس، كتب لينين في الإسكرا "إن الدولة اليهودية التي يزعمون أنها ستكون قاعدة انطلاق الثورة اليهودية لن تكون في الواقع سوى دولة بورجوازية في خدمة البورجوازية الأوروبية بمفردها أو بمساعدة الزعماء العالميين من الصهاينة، اللذين سيلعبون دور خادم الرأسمال الأوروبي، ولذلك، وبمبادرة من لينين رفض المؤتمر الثاني للحزب الاشتراكي الديموقراطي الروسي 1903 اعتبار البوند ممثلا أساسيا للبروليتاريا اليهودية، كما عارض لينين سنة 1906 فكرة قبول ممثلين عن حزب "الصهاينة الاشتراكيين" الذي كان قد تشكل في مناطق جنوب روسيا في بداية 1905، في عداد وفد الحزب العمالي الاشتراكي الديموقراطي الروسي إلى مؤتمر الأممية الثانية العالمي، الذي كان يجري التحضير لعقده في صيف 1907 في ستوتغارت بألمانيا، وقد علق لينين على هذا القرار قائلا : "إن القرار المتخذ برفض قبول الصهيونيين في عداد الاشتراكية الديموقراطية، حتى ولو كانوا يسمون أنفسهم بالصهيونيين الاشتراكيين، قد حلل إيديولوجية وتكتيك مختلف المجموعات الاشتراكية الصهيونية، وانتقد النظرية القومية المعادية للماركسية التي يتبناها الصهيونيون الاشتراكيون.
وخلال المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية غشت 1920، دار نقاش حول الصهيونية وقضية فلسطين، وصدر أول نص رسمي للأممية متضمن في موضوعات حول المسألة الوطنية ومسألة المستعمرات الذي تقدم به لينين، وأقره المؤتمر بعد إدخال عدد من التعديلات أبرزها:
"يتوجب علينا أن نفضح باستمرار عملية الخداع التي تمارسها القوى الاستعمارية بمساعدة الطبقات صاحبة الامتيازات في البلدان المضطهدة، على جماهير الشغيلة في العالم أجمع، وفي الأقطار المتخلفة خاصة، حيث يتظاهر الاستعمار بمنح بعض الدول استقلالها السياسي لينشئ شتى مؤسسات الدولة والحكومة التابعة له عمليا تبعية كاملة، اقتصاديا، ماليا وعسكريا، وكمثال صارخ على عملية الخداع هاته، التي تمارسها على الطبقة العاملة في البلدان المضطهدة قوى "الحلفاء" الاستعمارية وبورجوازيات هذه البلدان، نذكر مشروع الصهاينة في فلسطين، حيث تعمل الحركة الصهيونية بحجة إنشاء دولة يهودية في فلسطين، التي يشكل اليهود نسبة لا تذكر من سكانها، على إخضاع السكان الأصليين من الكادحين العرب لنير الاستغلال الانجليزي. إن اتحاد الجمهوريات السوفياتية هو السبيل الوحيد لخلاص القوميات المستضعفة والمقهورة في الوضع العالمي الراهن".
وفي 21 شتنبر 1920، ناقش اجتماع اللجنة التنفيذية الطلب الذي تقدم به حزب بوعالي تسيون للانضمام إليها، وقد طالبته اللجنة التنفيذية التخلص من الميول القومية الصهيونية حتى توافق على طلبه، وعندما وافقت اللجنة على قبوله كعضو مراقب احتج الشيوعيون الإيطاليون على ذلك، ونجحوا في استصدار قرار من اللجنة التنفيذية يدعو الحزب إلى حل نفسه وتغيير اسمه، وقطع صلاته بالاتجاهات الصهيونية، وإدانة المشاريع الصهيونية في فلسطين.
وكخلاصة سطرها كاتب المقالة:
"هكذا اتخذت الأممية الشيوعية منذ ظهورها موقفا مناهضا للصهيونية، واعترضت على المجموعات اليسارية اليهودية الراغبة في الانضمام إلى صفوفها، وطالبت أن تتخلى عن الأفكار الصهيونية، وتعلن إدانتها للمشروع الصهيوني في فلسطين. ومن جهة أخرى كانت الأممية الشيوعية قد دعت في مؤتمرها الثاني جميع الأحزاب والمنظمات الشيوعية في البلدان المستعمرة والتابعة، إلى تقديم كافة أشكال الدعم لنضال الحركات القومية التحررية المناهضة للإمبريالية، وكان ذلك يعني في ظروف فلسطين الملموسة، أن انضمام الحزب العمالي الاشتراكي إلى صفوف الأممية الشيوعية لا يمكن أن يتم إلا بعد تخلي الحزب نهائيا عن مقولة "الصهيونية البروليتارية" والاعتراف بالطبيعة الثورية للحركة القومية العربية (الفلسطينية)، واستعداده لدعم نضالها المعادي للإمبريالية والصهيونية".
عن موقع "اشتباك عربي" أبريل 2023
الفصل الثاني:
1 ـــــ لينين: المسألة القومية وحق تقرير المصير
تظهر التجربة التاريخية من خلال دراسة الحياة النضالية لفلادمير إيليتش أوليانوف، أن هذا الأخير من بين القادة الكبار للفكر الماركسي، هو المناضل الثوري الأغزر عطاء بالنسبة لمجال الحقوق القومية للشعوب والوحدة الأممية لكل البروليتاريا العالمية.
كان لينين سنة 1912 مقيما في بولونيا، وبالضبط في مدينة كراكوفيا، وقد لاحظ السيطرة القومية التي يعاني منها البولونيون، وقام بتعليق موجه لرفيقه ستالين الذي كان بجانبه آنذاك:
"إن البولونيين يكرهون روسيا وعن صواب. ولا يمكننا أن نتجاهل قوة عاطفتهم القومية. على ثورتنا أن تتصرف معهم ببالغ العناية، بل وحتى السماح لهم بالقطع مع روسيا إذا كان ذلك ضروريا" ("ستالين"، إسحاق دويتشر، غاليمار، باريس 1953، ص 156).
ومن المعروف أن لينين في هذه اللحظة، أوحى إلى ستالين بتحرير مؤلفه "الماركسية والمسألة القومية".
في سنة 1912 كتب لينين "ملاحظات نقدية حول المسألة القومية"، وفي هذه المقالة يقول لينين أن البرنامج الماركسي في هذا الموضوع يحتوي على نقطتين رئيسيتين:
"أولا، يدافع عن المساواة في الحقوق بين الأمم (وكذلك حق تقرير المصير ...) ويعتبر كأمر غير مقبول وجود أي امتياز على مستوى هذا المظهر.
ثانيا، يدافع عن مبدأ الأممية " ("ملاحظات نقدية").
لقد وضع لينين موقفا ديالكتيكيا وعادلا يوحد بين المبدأين، يعالج المسألة القومية من وجهة نظر الصراع الطبقي، ويقول لينين كذلك:
"إذا ترك الماركسي الأوكراني نفسه ينساق مع حقده، المشروع والطبيعي، ضد المضطهدين الروس إلى الحد الأقصى، حتى لو تعلق الأمر بجزيء من هذا الحقد، وحتى لو كان الأمر مجرد ابتعاد عن الثقافة البروليتارية والقضية البروليتارية للعمال الروس، إن هذا الماركسي سينتهي في مستنقع القومية، ليس فقط البورجوازية، بل أكثر من هذا، السقوط في الرجعية المتشددة، إذا كان النسيان ولو للحظة مطلب المساواة الكاملة في الحقوق للأوكرانيين، أو الحق بالنسبة لهم في التشكل كدولة مستقلة" (نفس المرجع ص 19، 20).
في سنة 1917، كتب لينين كراسته "حول حق الأمم في تقرير مصيرها"، في رد على روزا لوكسمبورغ، التي كانت ترى أنه من غير المناسب النضال من أجل حق الأمم في تقرير مصيرها، وقد حدد لينين بوضوح الموقف في هذا الموضوع:
"إن القول بتقرير مصير الأمم يتضمن حق انفصالهم الدولتي بالنسبة للقوميات الأجنبية، ويتضمن تشكل دولة قومية مستقلة" (نفس المرجع أعلاه).
وفي سنة 1916، في رد له على الأوكراني التروتسكي بياتاكوف، الذي كان يرفض الحق في تقرير المصير، كتب لينين في مقالته "حول كاريكاتير الماركسية والاقتصادوية الامبريالية" يقول:
"إن تقرير مصير الأمم هو نفس الشيء بالنسبة لنضال التحرر الوطني الكامل، من أجل الاستقلال الكامل" ("ضد الحرب الامبريالية"، دار التقدم، موسكو، 1978، ص 216).
بعد الانتصار التاريخي للثورة الروسية البلشفية، فإن السيطرة العنيفة للإمبريالية القيصرية الروسية تم تعويضها بالتحرر القومي والاجتماعي، وبالتحقيق الكامل لمبدأ حق تقرير المصير.
وقد أعلنت الحكومة البلشفية سنة 1918، وذلك في إعلان مشهور يحمل عنوان:
"إلى كل العمال المسلمين في روسيا والشرق" بتوقيع لينين وستالين:
"يا مسلمي روسيا وتتار الفولكا والقرم والقيرغيز والكزاخ والأتراك وتتار ترانسكوكازيا والشيشان وجبليو أنغوشيا، وكل من صوامعهم ومراكز الصلاة قد تم تدميرها، حيث المعتقدات والعادات تمت إهانتها من طرف القياصرة ومضطهدي روسيا:
إن معتقداتكم وعاداتكم ومؤسساتكم القومية والثقافية تعتبر من الآن حرة وغير قابلة للخرق، نظموا حياتكم القومية في حرية كاملة، إنه حقكم! واعلموا أن حقوقكم وحقوق كل شعوب روسيا تحت حماية قوة الثورة وهيئاتها، مجالس العمال والجنود والفلاحين".
استمر بياتاكوف التروتسكي في عناده ضد لينين قائلا أن حق تقرير المصير هو شعار بورجوازي، وأجابه لينين بجملة عبقرية سجلت في التاريخ:
"يقولون لنا أن روسيا ستتجزأ وستتفكك إلى جمهوريات منفصلة، ليس هناك سبب ليخيفنا هذا بالنسبة للعديد من الجمهوريات المستقلة، فليكن، وليس لنا خوف من ذلك، فالمهم عندنا ليس من أين تمر حدود الدولة، ولكن وحدة العمال في جميع الأمم تظل قائمة من أجل النضال ضد البورجوازية في أية أمة كانت".
2- لينين وتكتيك الدعم لحركات التحرر الديموقراطي البورجوازي
في فبراير 1917 كانت البورجوازية الروسية في منصب الحكومة غير قادرة عن تلبية المطالب الأساسية، بحكم ارتباطاتها مع الامبريالية الفرنسية والانجليزية، ولذلك استمرت في خوض سياسة الحرب والمشاركة فيها، ونفس الشيء سينطبق على الإصلاح الزراعي، وذلك لارتباطاتها مع كبار الملاكين العقاريين، اللذين يمثلون فئة الرأسماليين في البوادي، وكان لينين يوجد في المنفى، ومن خلا كتابه "رسائل من بعيد" أطلق لينين نداءه الشهير:
"أيها العمال! لقد أنجزتم معجزات من البطولة البروليتارية والشعبية في الحرب الأهلية ضد النظام القيصري، عليكم إنجاز معجزات من التنظيم البروليتاري والشعبي لتهيئ انتصاركم في المرحلة الثانية للثورة".
و في أبريل 1917، عاد لينين إلى روسيا وقام بإعداد وثيقته الشهيرة "أطروحات أبريل"، حيث سيؤكد أنه من الآن فصاعدا قد حان وقت الثورة الاشتراكية، ليس في مستقبل بعيد بهذا القدر أو ذاك، و لكن الآن على البلاشفة أن يتحملوا مسؤولية هذه المهمة السياسية، وحدد لينين الشكل الذي ستكون عليه السلطة، سلطة مجالس العمال والفلاحين، و وضع شعارا للمرحلة الجديدة "كل السلطة للسوفياتات"، وفي سياق مفهومه للثورة المتواصلة عبر مراحل (أو غير المنقطعة)، التي تعترف بمرحلتين مرتبطتين جدليا، حدد لينين نوعيتان من المهام، الأولى تهم المهام الديموقراطية، والثانية تهم المهام الاشتراكية.
في سنة 1920، سطر لينين في المسودة الأولى لوثيقة "أطروحات حول المسائل القومية والكولونيالية"، التي قدمها إلى المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، فيما يخص الحركة القومية:
"وفيما يخص الدول والأمم المتخلفة، حيث تسود علاقات ذات طابع إقطاعي أو بطرياركي فلاحي، يجب بشكل خاص أن يكون حاضرا في الذهن:
1- ضرورة مساعدة حركة التحرر الوطني الديموقراطية البورجوازية في هذه البلدان من طرف كل الأحزاب الشيوعية، وبالدرجة الأولى، إلزامية تقديم المساعدة الأكثر نشاطا لعمال البلدان، حيث الأمة المتخلفة تخضع للعلاقة الاستعمارية والمالية.
2- ضرورة النضال ضد الكهنوت والعناصر الأخرى الرجعية و القرووسطية، اللذين لهم نفوذ وتأثير في البلدان المتخلفة.
3- ضرورة النضال ضد فكرة "الجامعة الإسلامية" وتيارات أخرى مماثلة، التي تحاول أن تزاوج بين حركة التحرر ضد الامبريالية الأوروبية والأمريكية مع تعزيز مواقع العشائر والملاكين العقاريين والملات ...
4- ضرورة الدعم بشكل خاص لحركة الفلاحين في البلدان المتخلفة ضد الإقطاع وضد الملكية العقارية الكبيرة وكل تمظهرات وبقايا الفيودالية، وعليهم إعطاء حركة الفلاحين الطابع الأكثر ثورية، وذلك عبر تحقيق الوحدة الوثيقة بين البروليتاريا الشيوعية في أوروبا الغربية والحركة الثورية للفلاحين في بلدان الشرق، وبشكل عام، في البلدان المتخلفة، فلابد بشكل خاص القيام بكل المجهودات لتطبيق المبادئ الأساسية لنظام السوفياتات في البلدان التي تهيمن فيها العلاقات ما قبل الرأسمالية، وذلك عن طريق خلق سوفياتات العمال ...
5- ضرورة النضال بحزم ضد إصباغ حركة التحرر الديموقراطي البرجوازي للبلدان المتخلفة باللون الشيوعي. إن الأممية الشيوعية لا يجب أن تساند الحركات الوطنية الديموقراطية البورجوازية في المستعمرات والبلدان المتخلفة إلا بشرط أن عناصر الأحزاب البروليتارية المقبلة تكون في كل البلدان المتخلفة يتم تجميعها وتربيتها بروح مهامها الخاص، بمعنى مهام النضال ضد الحركات الديموقراطية البورجوازية في بلدانها. إن الأممية الشيوعية عليها أن تبرم تحالفا مؤقتا مع الديموقراطيين البورجوازيين في المستعمرات والدول المتخلفة وليس الاندماج معهم، والحفاظ بشكل حازم على استقلالية الحركة البروليتارية حتى ولو كانت بشكل جنيني.
6- ضرورة شرح وإدانة بدون كلل، أمام أوسع الجماهير الكادحة في كل البلدان وخاصة في البلدان المتخلفة الخداع الممارس بشكل منهجي من طرف القوى الامبريالية، التي تحت غطاء خلق دول مستقلة سياسيا، يخلقون في الواقع دولا تابعة لهم بالكامل في المجال الاقتصادي والمالي والعسكري، ففي الوضع الحالي الدولي، وخارج إنشاء الجمهوريات السوفياتية، ليس هناك خلاص للأمم التابعة والضعيفة".
ملحوظة:
إن مصطلح "الحركة الديموقراطية البورجوازية" سيتم تعويضه بمصطلح "وطني ثوري"، وذلك لأنه هناك إمكانية أن تفضل البورجوازية الوطنية الخضوع أو التبعية للإمبريالية بدل الثورة الديموقراطية، وذلك نتيجة خوفها من الشيوعية، وسيقول لينين في "تقرير اللجنة القومية والكولونيالية" في المؤتمر الثاني للأممية سنة 1920 بصدد هذا الاستبدال:
"إن معنى هذا الاستبدال هو أنه، باعتبارنا شيوعيين لا يجب أن نساند، ولن نساند الحركات البورجوازية للتحرير في البلدان المستعمرة إلا في الحالات التي تكون فيها هذه الحركات ثورية بالفعل، وحيث ممثلوها لا يعارضون تشكيلنا وتنظيمنا في روح ثورية، الفلاحين والجماهير الواسعة من المستغلين".
= هذا هو التكتيك اللينيني الذي سيتم اتباعه من طرف الأممية الشيوعية.
الفصل الثالث:
ستالين: دوره وأهميته في المسألة القومية
يقول أحد المؤرخين الأمريكيين (ريشارد بيبس)، أنه في سنة 1912، عندما كلف لينين ستالين، في شهر دجنبر من نفس السنة، بكتابة كراسته حول الأمة، فإن ذلك قد تم بمحض الصدفة، وفي غياب شوميان الخبير الحقيقي في الموضوع، ذلك حسب زعمه أن ستالين لم يكتب شيئا في الموضوع في هذا الوقت، والمشكلة أن أغلبية المؤرخين أعطوا الحق لريتشارد بيبس باعتبار قامته المعرفية، والحال أنه يكفي فتح الأعمال الكاملة لستالين لنجد مقالا مطولا مؤرخا بسنة 1904 عنوانه "كيف تفهم الاشتراكية الديموقراطية المسألة القومية"، إنها مقالة أساسية جعلت لينين يكتب إلى مكسيم غوركي في فبراير 1913 قائلا أنه يوجد "جيورجي رائع" يشتغل حول المسألة القومية ...".
إن تقييمات ستالين تتطابق مع آراء لينين القائلة بأنه يجب النضال ضد اضطهاد الدولة وليس لصالح الإيديولوجيا القومية، يجب الإعلان عن "الحق في الطلاق" وليس "واجب الطلاق".
من حق القوميات أن تثبت نضجها، ليس هناك أمة في ذاتها، بل وعي في طور التشكل حسب درجات مختلفة من المتطلبات السياسية (بيير فيلار، مؤرخ).
أمام هذه الملاحظات كيف لنا أن نتعجب من كون لينين في 1913 كلف ستالين بمقالة نظرية حول الأمة، يدحض فيها الأطروحات الماركسية النمساوية؟ إنه من باب الابتذال، القول، كما زعم بيبس، أن لينين لم يكن راضيا عن المقالة، وهناك عدة إشارات في هذا الموضوع، لكن يتم نسيان واحدة: في سنة 1917 كلف لينين ستالين بمسؤولية قوميسارية القوميات ("حول أسس البنيات القومية"، "وقائع"، عدد 314 برشلونة 1987، ص، 38، 39، 40).
عندما كان ستالين يمارس وظيفته كقوميساري للقوميات قال للفلنديين:
"إننا نعطي للفلنديين الحرية الكاملة في تحديد حياتهم الخاصة كما الحال بالنسبة لشعوب روسيا الآخرين".
وفي سنة 1921، أعطى ستالين حكما ذاتيا واسعا من خلال إعادة الأراضي التي استولى عليها القياصرة إلى الفلاحين، وكذلك حق استعمال الشريعة الإسلامية، للشعوب المسلمة في شمال القوقاز، وهؤلاء خلقوا بالتتالي الجمهورية السوفياتية للجبليين والتي كانت تضم بلاد الشيشان الحالية و أنغوشيا و أوسيتيا و أراض أخرى.
وفي حقيقة الأمر، يشكل كتاب ستالين حول القومية، إسهاما في الفكر الماركسي الكلاسيكي، ويقول المؤرخ البريطاني الشهير إيريك هوبزباوم:
"أن كتاب ستالين هذا قد مارس تأثيرا كبيرا على المستوى الدولي، ليس فقط لدى الشيوعيين، بل خاصة في البلدان التابعة".
ويعتبر أن تعريف الأمة الذي يعطيه ستالين "هو المعروف أكثر"، ويعتبر كذلك أن تحديد الأمة الذي يعطيه ستالين "هو غالبا المعروف أكثر"("الأمم والقومية منذ 1870"، إيريك هوبزباوم).
والتعريف المتحدث عنه هو:
"الأمة هي جماعة بشرية مستقرة تشكلت تاريخيا عبر اللغة، الأرض، الاقتصاد والتكوين النفسي الذي يعبر عن نفسه في ثقافة جماعية".
على نهج لينين، دافع ستالين عن واجب البروليتاريا في الأمم المسيطرة بإعطاء دعم حازم ونشيط إلى حركة التحرر الوطني في الشعوب المضطهدة. وبطبيعة الحال، فمسألة الدعم تفصل بين أولئك المناضلين الثوريين الساعين إلى إضعاف وقلب الامبريالية وأولئك اللذين يسعون إلى إبقائها وتعزيزها (انظر "مبادئ اللينينية"، ستالين).
الفصل الرابع
ـــــ الأممية الشيوعية وأطروحة التحرر الوطني
في يوليوز 1920، انعقد المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، وقد حضره لينين إلى جانب أبرز القادة الشيوعيين في العالم آنذاك، ولعب دورا محوريا في إنتاج الوثيقة التاريخية، التي أنتجها المؤتمر الثاني للأممية تحت عنوان "أطروحات وإضافات حول المسألة القومية والاستعمارية".
ومما جاء فيها، فيما يخص التناول المنهجي للمسألة:
ا - الطرح البورجوازي ومسألة المساواة بين القوميات:
ترى الوثيقة المذكورة أعلاه أن الطرح المجرد والشكلي لمسألة المساواة بين القوميات يندرج بشكل خاص في الديموقراطية البورجوازية في شكل المساواة بين الأشخاص بشكل عام. إن الديموقراطية البورجوازية تعلن المساواة الشكلية أو القانونية بين البروليتاري والبورجوازي، بين المستغل والمستغل (بفتح الغين)، مسقطة الطبقات المضطهدة في أكبر خطأ وأعمقه. إن فكرة المساواة التي لم تكن إلا انعكاسا للعلاقات التي خلقها الإنتاج الرأسمالي، ستصبح بين يدي البورجوازية سلاحا ضد القضاء على صراع الطبقات، الذي تتم محاربته باسم المساواة المطلقة بين البشر، والحقيقة أن المطلب الحقيقي للمساواة لا يتحقق إلا عبر إرادة القضاء على الطبقات. بما أن الهدف الأساسي للأممية الشيوعية هو النضال ضد الديموقراطية البورجوازية وتعرية نفاقها، فإن على الحزب الشيوعي المعبر الواعي للبروليتاريا التي تناضل ضد نير البورجوازية، يجب أن يعتبر كحجر الزاوية في المسألة القومية عدم انطلاقه من المبادئ المجردة والشكلية، والانطلاق من ثلاث مسائل أساسية:
* الانطلاق من تصور واضح للظروف التاريخية والاقتصادية.
* القيام بالفصل الواضح بين مصالح الطبقات المضطهدة والعمال والمستغلين بالمقارنة بالمفهوم العام حول ما يسمى بالمصالح القومية، التي لا تعني سوى مصالح الطبقات المسيطرة.
* إن الانقسام الحالي والواضح بين الأمم المضطهدة والتابعة والمحمية وبين الأمم المضطهدة والمستغلة، والتي تحظى بكل الحقوق خلافا للنفاق البورجوازي والديموقراطي، الذي يخفي بعناية كبيرة الاستعباد الخاص بمرحلة الرأسمال المالي للإمبريالية، حيث قوة الرأسمال المالي والاستعماري تخضع الأغلبية الساحقة من سكان الأرض لأقلية من الدول الغنية الرأسمالية.
عموما ناقش المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية العديد من النقط من بينها "الانضمام إلى الأممية الشيوعية" و "موضوعات حول المسألة القومية" التي قدمها لينين وأقرها المؤتمر، بعد إجراء عدد من التعديلات عليها، ومما تميز به المؤتمر وقوفه ضد إنشاء دولة يهودية في فلسطين.
وعرفت الفقرة السادسة تعديلات تخص الموضوع 11 حول الصهيونية وقضية فلسطين، ومما جاء في الفقرة ما يلي:
"يجب علينا أن نفضح باستمرار الخداع الذي تمارسه القوى الاستعمارية لمساعدة الطبقات ذات الامتيازات في الأقطار المخضعة، على جماهير الشغيلة في العالم أجمع وفي الأقطار المتأخرة تحديدا، حيث ينشأ الاستعمار وراء ستار الاستقلال السياسي شتى المؤسسات الدولتية والحكومية التابعة له عمليا تبعية كاملة، اقتصاديا وماليا وعسكريا، وكمثال صارخ على هذا الخداع الذي يمارسه على الطبقة العاملة في الأقطار المقهورة والمخضعة، "الحلفاء" الاستعماريون وبورجوازية تلك الأقطار، نذكر مشروع الصهاينة في فلسطين، حيث تعمل الصهيونية، بحجة إنشاء دولة يهودية في فلسطين، حيث يشكل اليهود نسبة لا تذكر من سكانها، على إخضاع السكان الأصليين من الكادحين العرب لنير الاستغلال الانجليزي. إن اتحاد الجمهوريات السوفياتية هو السبيل الوحيد لخلاص القوميات الضعيفة والمقهورة في الظروف الدولية الراهنة".
قبل الاستمرار في الطرح النظري سنعرج على مؤتمر آخر ذو قيمة تاريخية بالنسبة للحركة الشيوعية العالمية، لأنه كان محاولة أولية لتجسيد تلك المبادئ العامة حول التحرر الوطني للشعوب.
الفصل الخامس:
ـــــ المؤتمر الأول لشعوب الشرق (انعقد بين 31 غشت و7 شتنبر 1920 بمدينة باكو بأذربيجان)
يكتسي هذا المؤتمر أهمية قصوى، لكونه كان أول محاولة من طرف الأممية الشيوعية بقيادة لينين لتجسيد المبادئ العامة التي وافق عليها المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، وكذلك أول محاولة لخلق جبهة عالمية للشعوب المناهضة للإمبريالية.
انعقد المؤتمر الأول لشعوب الشرق في فترة تلت انعقاد المؤتمر الثاني للأممية الشيوعية، في وقت كانت الحرب الأهلية في روسيا تشرف على نهايتها، وكان لذلك أثر كبير في انتشار الحماس الذي عم العالم، فانتشر معه الأمل في القضاء على العبودية والاستغلال، اللذان أصبحا على جدول الأعمال، وبطبيعة الحال، كانت روسيا تزخر بالعديد من القوميات والأمم والأقليات والطوائف الدينية وغيرها من الجماعات، التي ورثتها الثورة البلشفية عن الامبراطورية القيصرية، التي كان يطلق عليها "سجن الشعوب". في هذا السياق تولدت فكرة جبهة موحدة مناهضة للإمبريالية يقودها الشيوعيون، فجاءت فكرة انعقاد المؤتمر الأول لشعوب الشرق، الذي انعقد برئاسة زينوفييف، وحضره 1891 مندوبا جاؤوا من كل أصقاع آسيا، يمثلون العديد من الدول والشعوب، من قبيل الهند وتركيا وإيران ومصر وأفغانستان وبلوشستان والصين والهند الصينية واليابان وكوريا و جيورجيا و أرمينيا و أذربيجان و داغستان و القوقاز الشمالي و بلاد العرب و بلاد ما بين النهرين و سوريا و فلسطين و بخارى و تركستان و فرغانة و التتار و بشكيزيا و قرقيزيا ...
وعرف المؤتمر نقاشات هامة توجت بصدور وثيقتين، وهما:
- بيان المؤتمر إلى شعوب الشرق
- نداء المؤتمر إلى شعوب الشرق وإلى عمال أوروبا وأمريكا واليابان
ومما جاء في البيان:
"في مواجهة الرأسماليين البريطانيين، وقادة بريطانيا العظمى الإمبرياليين، تنهض اليوم القوة المنظمة لفلاحي وعمال الشرق، الموحدون تحت الراية الحمراء للأممية الشيوعية، تحت الراية الحمراء لاتحاد العمال الثوريين، اللذين وضعوا على عاتقهم تحرير العالم بكامله وكل الإنسانية من كل أشكال الاستغلال والاضطهاد.
إن المؤتمر الأول لممثلي شعوب الشرق يرفع عاليا وبقوة، إلى العالم كله، وإلى القادة الرأسماليين في بريطانيا: إن الأمور لن تبقى هكذا!
إنكم أيها الكلاب لن تلتهموا شعوب الشرق، أنتم أيتها الحفنة البئيسة من المضطهدين لن تحولوا إلى عبودية خالدة مئات الملايين من العمال وفلاحي الشرق، لقد ابتلعتم قسطا كبيرا أكثر مما تستطيعون مضغه، إنه سيخنقكم" (مقتطف من البيان الصادر عن المؤتمر).
"هكذا نحن، ممثلي الجماهير الكادحة لكل شعوب الشرق ... (لائحة البلدان المذكورة أعلاه) موحدون في وحدة لا انفصام لعراها بيننا وبين العمال الثوريين في الغرب، ندعو شعوبنا إلى حرب مقدسة، إننا نقول:
يا شعوب الشرق! لقد سمعتم مرارا النداء إلى الحرب المقدسة من طرف حكوماتكم، مشيتم تحت الراية الخضراء لكن كل هذه الحروب المقدسة كانت مغشوشة لا تخدم إلا مصالح قادتكم الأنانيين، وأنتم الفلاحون والعمال ظللتم في حالة العبودية والبؤس بعد هذه الحروب. لقد حققتم الأشياء الجميلة في الحياة للآخرين، ولكنكم لم تستفيدوا منها أبدا.
ندعوكم الآن إلى أول حرب مقدسة حقيقية تحت الراية الحمراء للأممية الشيوعية، ندعوكم إلى حرب مقدسة من أجل رفاهيتكم ومن أجل حريتكم ومن أجل حياتكم الخاصة.
انهضوا وناضلوا ضد هذا المفترس! تقدموا كرجل واحد في حرب مقدسة ضد الغزاة البريطانيين! انهض أيها الهندي الخائرة قواه من الجوع وبالعمل العبودي الذي لا يطاق! انهض أيها الفلاح الأناضولي الذي سحقته الضرائب والربا! ... انهض أيها الفلاح الأرميني الذي تم طرده إلى الهضاب العقيمة!، انهضوا أيها العرب والأفغان المفقودون في صحار الرمال والمنقطعين عن باقي العالم من طرف البريطانيين!
انهضوا وناضلوا جميعا ضد العدو المشترك، بريطانيا العظمى الامبريالية.
إن راية الجهاد المقدس ترفرف ... إنها حرب مقدسة من أجل تحرير شعوب الشرق، من أجل إنهاء تقسيم الإنسانية إلى شعوب مضطهدة وشعوب مضطهدة، من أجل المساواة الكاملة لكل الشعوب وكل الأعراق كيفما كانت لغتهم ولون بشرتهم، وكيفما كانت الديانة التي يعتنقون".
الفصل السادس:
ـــــ تبني الأممية الشيوعية لمفهوم "الثورة المتواصلة" (غير المنقطعة)
في برنامج 1928، تم تلخيص المبادئ العامة للأطروحة اللينينية حول الثورة الديموقراطية:
"إن الثورة البروليتارية العالمية تنتج من سيرورات مختلفة، وغير متزامنة:
ثورات بروليتارية بالمعنى الخاص، ثورات من نوع ديموقراطي بورجوازي، تتحول إلى ثورات بروليتارية، حرب تحرير وطنية، ثورات كولونيالية.
وليس إلا في آخر المطاف ينتهي المسار الثوري إلى الدكتاتورية العالمية للبروليتاريا".
هكذا إذن، فهمت الأممية الشيوعية أن الثورة لن تتم دفعة واحدة، وميزت الأممية الشيوعية في برنامجها ثلاث أشكال من البلدان:
1- البلدان الرأسمالية.
2- البلدان الرأسمالية، حيث تطور الرأسمالية لا زال ضعيفا نسبيا، وحيث الفيودالية لا زالت تحتفظ بقاعدة لها.
3- البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة.
بالنسبة للنموذج الثاني، في بعض البلدان، حيث تتطور الرأسمالية بهذا القدر أو ذاك من السرعة، تتحول الثورة الديموقراطية البورجوازية إلى ثورة اشتراكية، يكون هذا ممكنا، وفي حالة أخرى يكون ممكنا أنواع مختلفة من الثورات البروليتارية، مطروح عليها مع ذلك إنجاز مهام ذات طابع بورجوازي ديموقراطي من حجم كبير، وهنا يمكن ألا تنبني دكتاتورية البروليتاريا مباشرة، إنها تتأسس خلال التحول من الدكتاتورية الديموقراطية للبروليتاريا والفلاحين إلى دكتاتورية اشتراكية للبروليتاريا، وحينما تكون الثورة ترتدي بشكل مباشر طابعا بروليتاريا، فهي تفترض قيادة البروليتاريا لحركة فلاحية زراعية واسعة، فالثورة الزراعية تلعب في هذا بشكل عام دورا كبيرا بل أحيانا حاسما، فعندما تتم مصادرة أراضي الملكية العقارية الكبيرة، فجزء كبير من الأراضي المصادرة، توضع رهن إشارة الفلاحين، أما العلاقات الاقتصادية للسوق فتحافظ على أهمية كبيرة غداة انتصار البروليتاريا، جر الفلاحين إلى التعاون، ثم تجميعهم في جمعيات للإنتاج، هي إحدى المهام الأكثر أهمية في البناء الاشتراكي، وإن إيقاع عملية البناء هاته بطيء نسبيا".
أما بالنسبة للمجموعة الثالثة من البلدان، فكان يقصد بها غالبا دول مثل الصين والهند ...:
"إن النضال ضد الإقطاعية والأشكال ما قبل الرأسمالية للاستغلال والثورة الزراعية، التي يتم اتباعها باتساق، من جهة، النضال ضد الإمبريالية الأجنبية من أجل الاستقلال الوطني، من جهة أخرى، لهما أهمية ذات أولوية.
إن الانتقال إلى دكتاتورية البروليتاريا ليس ممكنا في هذه البلدان، بشكل عام إلا عن طريق سلسلة من المراحل التهييئية، عن طريق مرحلة كاملة من التحولات للثورة البورجوازية الديموقراطية إلى الثورة الاشتراكية.
إن انتصار البناء الاشتراكي في أغلب الحالات مشروط بالدعم المباشر لبلدان دكتاتورية البروليتاريا".
إن محرك الثورة الديموقراطية هو البورجوازية، لكن البروليتاريا تدفع البورجوازية إلى تحمل دورها في هذه الثورة، وعند الضرورة تتحمل مسؤولية الدور القائد في الثورة الديموقراطية البورجوازية.
الفصل السابع:
-الثورة الصينية والصراع بين نظرية الثورة المتواصلة عبر مراحل ونظرية الثورة الدائمة
لقد عرف النقاش داخل الأممية الشيوعية صراعا حادا بين النظرية اللينينية (الثورة المتواصلة) والنظرية التروتسكية (الثورة الدائمة).
إن تطبيق الخط اللينيني للثورة على سلسلة من البلدان، بعضها يشكل فيها الشيوعيون قوة هامة، والبعض الآخر لم تتنظم فيه الحركة الشيوعية بعد (إفريقيا، آسيا، أمريكا اللاتينية) (ضعف الطبقة العاملة وكذلك دور الإمبريالية) (استعمال الدين)، لكن في بعض الحالات كانت الثورة متقدمة كما هو الحال بالنسبة للصين، ولذلك كان النقاش حول الصين داخل الحركة الشيوعية إحدى الشواهد على التعارض بين مفهوم "الثورة غير المنقطعة و "الثورة الدائمة" التي كان يدافع عنها تروتسكي.
لقد كان تروتسكي يعارض مبدأ "الدكتاتورية الديموقراطية للعمال والفلاحين"، وكان يرى أن روسيا يجب أن تكون "دولة عمالية" وليس "دولة عمالية وفلاحية" الذي طرحه لينين خلال ثورة 1905. وفيما يخص الصين، رفض تروتسكي اعتبار أن المظهر الرئيسي لهذه الثورة في هذا البلد، هو المظهر الديموقراطي، ويقوم بشرح موقفه في كتابه "حرب الفلاحين في الصين والبروليتاريا"، ويقول:
"في الصين القديمة كل انتصار للثورة الفلاحية ينتهي بنشوء سلالة جديدة، بالإضافة إلى ذلك ملاكين كبار جدد، الحركة تنتهي إلى حلقة مفرغة في الوضع الحالي، الحرب الفلاحية بحد ذاتها، بدون قيادة مباشرة للطليعة البروليتارية لا يمكنها إلا أن تعطي السلطة إلى طغمة جديدة من البورجوازية، إلى نوع من الكيومنتانغ (يساري)، إلى "حزب ثالث" لا يختلف إلا قليلا عن كيومنتانغ تشين كاي تشيك، وهذا يعني هزيمة جديدة للعمال تعود إلى سلاح "الدكتاتورية الديموقراطية".
وانطلاقا من هذا، يعتبر تروتسكي حتى بالنسبة إلى الظروف شبه الاستعمارية للصين، أن البورجوازية الوطنية الصينية تلعب دورا رجعيا فقط، ويقدم الحجة بمثال القمع في منتصف أبريل 1927، الذي تعرضت له الطبقة العاملة في شنغهاي، وكذلك القمع الذي تعرضت له كومونة كانتون في دجنبر من نفس السنة.
وكخلاصة لذلك، يقول تروتسكي:
"ليس هناك أي نظام ثوري وسط ممكن بين نظام كيرنسيكي أو شين كاي تشيك وبين دكتاتورية البروليتاريا". ("الثورة الدائمة"، تروتسكي).
بطبيعة الحال، فوجهة نظر تروتسكي على طرفي نقيض مع الأممية الشيوعية، فلنرى موقف ستالين في الموضوع:
يقول ستالين:
"إن الثورة الديموقراطية البورجوازية في الصين هي في نفس الوقت نضال ضد بقايا الإقطاعية، وفي نفس الوقت نضال ضد الامبريالية" ("الثورة في الصين ومهام الأممية الشيوعية"، ستالين). ويضيف ستالين قائلا:
"كان لينين يقول أن الصينيين ستكون لهم قريبا ثورة تشبه ثورة 1905 الروسية. إن بعض الرفاق، قد فهموا ذلك، كما لو أن الصينيين يجب أن يكون لهم إعادة بشكل حرفي ما وقع في ثورة روسيا في 1905. إن هذا خاطئ، فلينين لم يقل ذلك قط أن الثورة الصينية ستكون نسخة من الثورة الروسية 1905، فقد قال فقط أن الصينيين ستكون لهم 1905 الخاصة. الشيء الذي يعني أن الثورة الصينية سيكون لها من بين المميزات العامة لثورة 1905، مميزاتها الخاصة، التي ستطبعها بطابعها الخاص، فما هي هذه المميزات؟
الميزة الأولى أن الثورة الصينية: ففي نفس الوقت التي هي ثورة بورجوازية ديموقراطية، فهي كذلك ثورة حركة تحرر وطني، حيث رأس حربتها موجه ضد سيطرة الإمبريالية الأجنبية في الصين، وبهذا تتميز على الفور عن الثورة الروسية في 1905. إن سيطرة الإمبريالية في الصين لا تعبر عن نفسها فقط عبر القوة العسكرية، لكن قبل كل شيء عبر واقع أن الفروع الرئيسية للصناعة من سكك حديدية ومعامل ومصانع ومناجم وأبناك ... توجد بين أيدي الإمبرياليين الأجانب، ومن هنا فإن مسائل النضال ضد الإمبريالية الأجنبية وعملائها الصينيين يجب أن تلعب الدور الأبرز والمهيمن في الثورة الصينية. وهكذا، فإن الثورة الصينية ترتبط مباشرة بثورات البروليتاريين في كل البلدان ضد الامبريالية.
ومن هذه الميزة الأولى للثورة الصينية تتولد ميزة ثانية، وهي أن البورجوازية الكبيرة المحلية ضعيفة جدا مقارنة بالبورجوازية الروسية لفترة 1905. وهذا مفهوم لأن الفروع الرئيسية للصناعة متمركزة بين أيدي الإمبرياليين الأجانب، ومن الطبيعي أن تكون البورجوازية الكبيرة الصناعية ضعيفة ومتخلفة.
وبعلاقة مع ذلك فإن الرفيق ميف في كتابه "من أجل صين حرة وقوية" يعاتب الحزب الشيوعي الصيني على كونه أهمل في مؤتمره الثالث يونيو 1923 توجيهات الأممية الشيوعية الخاصة بالمسألة الفلاحية، لقد كان على حق عندما أشار إلى ضعف البورجوازية الوطنية باعتبارها إحدى العوامل المميزة للثورة الصينية، ومن هنا القول بأن المبادرة والقيادة في الثورة الصينية ودور الفلاحين الصينيين يجب أن تقع على عاتق البروليتاريا الصينية أكثر تنظيما وأكثر قدرة وأكثر مبادرة من البورجوازية.
ويجب عدم نسيان الميزة الثالثة للثورة الصينية، التي تكمن في واقع أنه إلى جانب الصين يوجد ويتطور الاتحاد السوفياتي، حيث التجربة الثورية والدعم يجب أن يساعد نضال البروليتاريا الصينية ضد الإمبريالية وبقايا الإقطاعية القروسطية " ("آفاق الثورة في الصين"، خطاب ألقاه ستالين أمام اللجنة الصينية للجنة التنفيذية للأممية الشيوعية).
الفصل الثامن:
ـــــ ماو، الثورة المتواصلة في الصين
في الصين أخذ مفهوم الثورة المتواصلة شكل "ثورة الديموقراطية الجديدة".
عندما فشلت انتفاضة 1927 في الصين، بدأ اسم ماو يبرز في ساحة الثورة الصينية. كان ماو يتبع خط الأممية الشيوعية، ويعتبر أن الصين عليها أن تنتصر على الإمبريالية وكذلك على الطابع شبه الإقطاعي للبلاد، وكتب ماو كراسته الشهيرة "تحليل الطبقات في الصين"، ومما جاء فيها:
"كل أمراء الحرب والبيروقراطيين والكمبرادور وكبار الملاكين العقاريين المرتبطين بالإمبريالية، وكذلك هذه الفئة الرجعية من المثقفين المرتبطين بهم، هم أعداؤنا.
إن البروليتاريا الصناعية هي القوة القائدة لثورتنا، وأقرب أصدقائنا هم مجموع شبه البروليتاريا والبورجوازية الصغيرة. وبالنسبة للبورجوازية المتوسطة المتذبذبة دائما فإن الجناح اليميني يمكن أن يكون عدونا، والجناح اليساري صديقنا، وعلينا أن نحرص على ألا يأتي هؤلاء الأخيرين لبث الفوضى في جبهتنا".
خلافا لتروتسكي، فإن ماو يضع في المقدمة الثورة الزراعية ويأخذ بالحسبان البورجوازية الوطنية في إطار الوضع الخاص بالصين شبة الإقطاعية وشبه المستعمرة، بحيث يمكن أن تلعب دورا إيجابيا. إن ماو لا يعتبر الصين دولة رأسمالية، فالبوادي كان يسيطر عليها كبار الملاكين العقاريين، والرأسماليون الصينيون كان لهم طابع كمبرادوري (مصطلح كمبرادور هو كلمة برتغالية وكانت تعني المدير الصيني أو الخادم الأول لمؤسسة تجارية مملوكة للأجانب)، إضافة إلى اعتبار البورجوازية المسيطرة بيروقراطية وفي خدمة المصالح الإمبريالية، وتتحالف مع كبار الملاكين العقاريين.
تلكم هي أهم المظاهر الأساسية للطابع شبه المستعمر وشبه الإقطاعي للصين.
إن الأطروحة المقدمة أعلاه مطابقة لمبادئ الأممية الشيوعية. وفي كراسة أخرى تحت عنوان "الثورة الصينية والحزب الشيوعي في الصين" يعتمد ماو على نص وثيقة الأممية الشيوعية وعنوانها "في الحركة الثورية في البلدان المستعمرة وشبه المستعمرة"، ويقوم بشرح للنص قائلا بأن:
" الإمبريالية تدخل في شراكة، قبل كل شيء، مع الفئات الاجتماعية المسيطرة للنظام الاجتماعي السابق، مع الإقطاعيين والبورجوازية التجارية والربوية ضد أغلبية الشعب، وسيتبنى ماو مفهوم الثورة المتواصلة عبر مراحل، ويقول في النص ما يلي:
"في مسار تاريخها يجب على الثورة الصينية أن تمر بفترتين، الأولى هي الثورة الديموقراطية، والثانية هي الثورة الاشتراكية، إنهما سيرورتان ثوريتان ذات طابع مختلف، وما نسميه ديموقراطية فإنه لا ينتمي إلى المفهوم القديم، فهي ليست الديموقراطية القديمة، بل تنتمي إلى المفهوم الجديد، إنه مفهوم الديموقراطية الجديدة، انظر كراسة ماو تسي تونغ "الديموقراطية الجديدة".
"إنها ليست ثورة اشتراكية لأنها تفتح الباب لبعض القطاعات الرأسمالية التي لا يتم المساس بها، خاصة تلك التي كانت مساندة لطابع الثورة المناهض للإمبريالية والإقطاعية. وبعد انتصار 1949، وخاصة يعد 1953 بدأت سيرورة الانتقال إلى الثورة الاشتراكية.
يقول ماو:
"إن الثورة الديموقراطية هي التهييء الضروري للثورة الاشتراكية، وهذه الأخيرة هي الخاتمة المنطقية للثورة الديموقراطية. إن الهدف النهائي لكل شيوعي، والذي يجب عليه أن يناضل من أجله بكل قواه هو التحقيق النهائي للمجتمع الاشتراكي والمجتمع الشيوعي" ("الثورة الصينية والحزب الشيوعي الصيني"، ماو تسي تونغ).
وعند طرح سؤال: لماذا الديموقراطية الجديدة؟ ولماذا هناك تعارض بين الديموقراطية البورجوازية القديمة والديموقراطية الجديدة المرحلة الأولى من الثورة الاشتراكية؟
يجيب ماو تسي تونغ:
"إن الحرب الامبريالية العالمية الأولى والثورة الاشتراكية الأولى المنتصرة، ثورة أكتوبر، غيرا مسار التاريخ العالمي حيث دشنا عهدا جديدا (...)
في مرحلتها الأولى، أو فترتها الأولى، فإن الثورة في مستعمرة أو شبه مستعمرة، تبقى أساسا من حيث طابعها الاجتماعي، ثورة ديموقراطية بورجوازية، ومطالبها تتجه موضوعيا إلى فتح الطريق نحو تطور الرأسمالية، إلا أنها لم تعد ثورة من النوع القديم تقودها البورجوازية، وتقترح بناء مجتمع رأسمالي ودولة دكتاتورية البورجوازية، بل ثورة من نوع جديد تقودها البروليتاريا، وتقترح في المرحلة الأولى مجتمع الديموقراطية الجديدة، ودولة دكتاتورية مشتركة لكل الطبقات الثورية".
إن البورجوازية بحكم ضعفها غير قادرة على قيادة الثورة، فوحدها البروليتاريا قادرة على ذلك، وإن الطابع المناهض للإمبريالية لهذه الثورة، يجعل منها مكونا للثورة الاشتراكية العالمية.
ويرى ماو أن المفهوم ذو طابع كوني، فالدول المعنية:
"ستكون بالضرورة لكل منها مميزاته الخاصة، لكنها مجرد خلافات صغيرة داخل تشابه كبير" ماو كراسة "الديموقراطية الجديدة".
ويقول ماو كذلك، أن الثورة الاشتراكية العالمية لها "كقوة رئيسية البروليتاريا في البلدان الرأسمالية، وكحلفاء لها الشعوب المضطهدة في المستعمرات وشبه المستعمرات" (المصدر السابق).
يتبين مما تقدم، أن الثورة الصينية كانت نموذجا لثورة الديموقراطية الجديدة، وكان لها هدفان هما:
أولا، تحقيق الثورة الوطنية والاستقلال عن الامبريالية.
ثانيا، تحقيق الثورة الديموقراطية عن طريق القضاء على الإقطاعية.
وعن الثورة الاشتراكية: (فترة 1949-1953)
= "إن الصين بلد اشتراكي في فترة 1949 – 1953 أقل تطورا من الاتحاد السوفياتي، أي دولة اشتراكية تقودها الطبقة العاملة وتعمل على بناء الاشتراكية في أفق بناء الشيوعية، وبطبيعة الحال في هذه الفترة أقل تطورا، أي ليست بعد دكتاتورية للبروليتاريا، بل ديموقراطية شعبية تقودها الطبقة العاملة، وتقوم على أساس التحالف بين الطبقة العاملة والفلاحين، مما يعني توزيع الأراضي وإيجار وسائل الإنتاج، ويتم القضاء على الإقطاعية وتأخذ مكانها الملكية الخاصة للفلاح الصغير. أما الأبناك الكبيرة والمقاولات الكبرى الصناعية والتجارية فتمتلكها الدولة، ويعني هذا الشركات ذات الطابع الاحتكاري. وتقوم السياسة الاقتصادية في هذه الفترة على سياسة التسامح مع نوع من الرأسمالية الخاصة المدينية والقروية، ويكون هذا في صالح الزيادة في قوى الإنتاج، لكن هذه الرأسمالية هي مرتبطة بالكامل بقطاع الدولة، وهو القطاع المهيمن في الدولة. أما حركة التعاونيات فقد تم إطلاقها كشكل وسطي بين التنظيم الصناعي والتنظيم الاشتراكي، وفي فترة خمس سنوات من 1949 إلى 1953، انتقلت حصة قطاع الدولة في الإنتاج الصناعي من 34% إلى 59،9%، وحصة المقاولات الخاصة من 63% إلى 24،9%.
إن بناء الاشتراكية في روسيا مر عن طريق "النيب" ("السياسة الاقتصادية الجديدة)، أما في الصين، فعن طريق الديموقراطية الشعبية بعد الانتهاء من ثورة الديموقراطية الجديدة.
الفصل التاسع:
مظهري نضال التحرر الوطني:
(إشكالية الوطني والديموقراطي)
التناقضات في العالم
بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وهزيمة الخط الثوري في الصين، سقط التناقض الذي كان قائما بين المعسكر الاشتراكي والمعسكر الرأسمالي.
إن التناقض الرئيسي على المستوى العالمي، هو بين الإمبريالية والأمم والشعوب المسيطر عليها، وهو تناقض يخص القارات، إفريقيا، آسيا وأمريكا اللاتينية.
أما التناقض الرئيسي في الدول الإمبريالية، فهو التناقض بين البورجوازية والبروليتاريا، مع تسجيل انعدام وضع ثوري في هذه البلدان. ولا بد من تدقيق هذا التناقض من جانب بعض العناصر التي تؤثر على مكوناته، من قبيل وجود أرستوقراطية عمالية وعمال مساعدين للرأسمال، إضافة إلى سيطرة اجتماعية وسياسية وإيديولوجية للبورجوازية الصغيرة الأجيرة. وهناك أسئلة تطرح تتعلق ببلدان كالبرازيل وإيران وتركيا والهند.
أما التناقض الثالث، فهو التناقض بين الدول الإمبريالية، وهو تناقض يشكل اتجاها لإضعاف هذه الدول من جهة، ومحركا لتطور الوضع العالمي عن طريق المنافسة، وإعادة التقسيم الدائم للعالم.
وهناك تناقض رابع مستجد، يجب إدماجه، ويتعلق بالتناقض بين الرأسمالية والطبيعة وهو ذو صلة بالتلوث المتزايد والتغيير المناخي واستنزاف الموارد، وهذا التناقض يجب إدماجه في تحليل الوضع العالمي.
وهناك من الناحية العامة تناقض أساسي محدد في آخر التحليل، وهو التناقض بين الطابع الاجتماعي للإنتاج وتملكه الخاص. وبالانطلاق من المادية الجدلية التي أغناها ماو تسي تونغ، نعلم أنه في ظل وضع ملموس هناك تناقض رئيسي (وهو تناقض واحد) وتناقضات ثانوية، وأنه في كل تناقض هناك مظهر رئيسي ومظهر ثانوي، ومن واجب الماركسيين –اللينينيين القيام بتحقيقات وبالعمل النظري السياسي والإيديولوجي للتعرف على مجموع التناقضات وتمفصلها، وأنه لا يجب السقوط في الخطأ فيما يخص تحديد التناقض الرئيسي أو المظهر الرئيسي للتناقض، ثم هنالك تبادل التأثير ما بين التناقض الرئيسي والتناقضات الثانوية، وبين الطرف الرئيسي والطرف الثانوي في التناقض.
وللتذكير فإنه:
1) خلال سيرورة نضال التحرر الوطني غالبا ما يطرح السؤال في فترات محددة حول أيهما المظهر الرئيسي، الوطني أم الديموقراطي، فهناك حالتان:
حالة الكولونيالية حيث تستعمر دولة إمبريالية دولة أو شعبا آخر، وهناك الحالة الثانية، حيث تتغلب دولة إمبريالية على أخرى (احتلال) كما حصل في الحرب العالمية الثانية.
← في الحالتين المذكورتين تتم الثورة الديموقراطية تحت راية التحرر الوطني كمظهر رئيسي.
2) في حالة دولة شبه إقطاعية شبه مستعمرة، يكون المظهر الديموقراطي هو الطرف الرئيسي والطرف الوطني هو الثانوي.
كثيرا ما يسقط التحريفيون و الخوجيون في مثل هذه الحالة، فيؤكدون على الطرف الوطني باعتباره طرفا رئيسيا، فيؤكدون على مساندة البورجوازية المحلية، ويخفون الوجه الكمبرادوري للبورجوازية، معيدين بذلك الأطروحة السوفياتية التحريفية، التي انتشرت بين 1960-1980 تحت شعار "الثورة الوطنية والاستقلال"، ليس من أجل انتصار بورجوازية وطنية، ولكن فئة من فئات البورجوازية البيروقراطية، فحالة التحرر الوطني، أو حرب تحرير وطنية توجد عندما يكون استعمار مفتوح أو غزو معين، في هذه الحالة الثانية التي حددناها أعلاه يكون المظهر الديموقراطي هو المظهر الرئيسي، ذلك أن المظهر المعادي للإمبريالية يكون غير كاف. إن الخطأ المذكور أعلاه يؤدي إلى المفهوم التحريفي لما يسمى بالدولة الوطنية، ومن هنا تظهر أهمية قيادة الحزب الشيوعي للبروليتاريا.
في كل البلدان الإمبريالية، فالعدو الرئيسي هو الإمبريالية في ذلك البلد، رغم أن تدخلاته وسياساته، التي تختبئ وراء شعارات الديموقراطية وحقوق الإنسان وحق التدخل لإزاحة دكتاتور، فكل التدخلات التي حصلت لحد الآن لم تغير سوى فئة من داخل الطبقة البيروقراطية دون تغير في النظام ولا في البلاد، الشيء الذي يساهم في تغليط الجماهير التواقة إلى التغيير والتحرر.
في حالة التحرر الوطني، يكون الطرف الديموقراطي محددا، لكنه لا يتحقق إلا عبر راية النضال الوطني، ليصبح الطابع الوطني هو الطابع الرئيسي.
في فلسطين، يتعلق الأمر باستعمار استيطاني عنصري إمبريالي، أي أن هناك كولونيالية من نوع خاص تقوم على قضم الأرض وطرد أصحابها الأصليين وإخضاعهم لأسوأ الجرائم الاستعمارية. إن أقرب حالة إلى حالة الفلسطينيين هم الهنود الحمر، اللذين تمت إبادة 80 مليون منهم، لتقوم مكانهم مستعمرات بريطانية في الشمال الأمريكي، ثم بعد ذلك دولتي كندا وأمريكا.
في مواجهة هذا المشروع الجهنمي، يقوم نضال التحرر الوطني الفلسطيني، والذي يجمع إلى جانب معاداة المشروع الصهيوني، مناهضة مشروع أوسلو التصفوي، الذي يقوم على خدمة المشروع الأول، فقد حولت اتفاقية أوسلو أراضي 67 المحتلة إلى أراضي متنازع حولها فقط، مما ساهم في تزايد عملية الاستيطان، التي فاقت مليون صهيوني، وجرت، وتجري العملية تحت أنظار ما يسمى بالسلطة الفلسطينية، التي تخلت عن المشروع التحرري لمنظمة التحرير الفلسطينية وعن مشروع الدولة الديموقراطية على كامل دولة فلسطين، وهكذا، وبعد مؤتمر شرم الشيخ، الذي جمع مصر وشارون وعباس، قام هذا الأخير في 2005 بحل "كتائب شهداء الأقصى" التابعة لفتح.
إن معضلة المسألة الوطنية الفلسطينية بحكم طبيعة التركيبة الاجتماعية والاقتصادية الفلسطينية، والتي تأثرت كثيرا بطبيعة الاستعمار الصهيوني، هو أن القضية الوطنية، التي تبنتها طبقات وفئات اجتماعية مختلفة، مثلتها تاريخيا قيادات البورجوازية الكبيرة والفئات العشائرية العليا، من قبيل أمين الحسيني والنشاشيبي وغيرها في الحقبة ما قبل ولادة الكيان الصهيوني، ثم رفعتها الحركات القومية العربية للبورجوازية الصغيرة (حركة القوميين العرب في الخمسينات والستينات) والمساندة من طرف الأنظمة الناصرية والبعثية، وكذا القيادة الأولى لمنظمة التحرير الفلسطينية، التي كان لديها ما يسمى بجيش التحرير الفلسطيني، الذي كان يقيم في الأردن، والذي لم يشارك في أي عملية لتحرير فلسطين، ثم بعد ذلك تحملت قيادة التحرر الوطني الفلسطيني تحت شعار "الكفاح المسلح"، منظمات تقودها شرائح من البورجوازية الوطنية الفلسطينية وشرائح من البورجوازية الصغيرة الراديكالية (فتح والمنظمات القومية و اليسارية الفلسطينية).
بعد خروج المقاومة الفلسطينية من لبنان وانطلاق الانتفاضة الفلسطينية الأولى انتعش وانتشر التيار الإسلامي مدعما من طرف بعض الدول العربية وحتى الكيان الصهيوني، وذلك لمحاصرة منظمة التحرير الفلسطينية وتقليم أظافرها، وبعد الانتفاضة الأولى استنفار اليمين الفلسطيني بقيادة ياسر عرفات ليقود منظمة التحرير إلى الاستسلام ضمن ما سمي بلقاء مدريد واتفاقات واشنطن بزعامة كلينتون، تم تتويجها باتفاقية أوسلو الانهزامية أدت إلى بيع القضية الفلسطينية برمتها، فتحول النضال ضد الكيان الصهيوني إلى صراع حول السلطة بين فتح وحماس، اللذان تشكلت لديهما قاعدة اجتماعية قوية في الضفة وغزة، فأصبح الحديث عن حكومة عباس في الضفة وحكومة حماس في غزة.
لقد حول عباس الضفة إلى قطاع تابع للكيان وذراع واق للصهاينة، من خلال التبعية الاقتصادية والأمنية والإدارية، والقيام بدور الدركي لمحاربة اليسار الفلسطيني، وتسليم القادة والمناضلين إلى المخابرات الصهيونية (حالة أحمد سعدات و مروان البرغوتي) كأشهر حالات للتسليم، أحدهما قائد الجبهة الشعبية، والثاني قائد الجناح اليساري داخل فتح، وممثل التيار المقاوم داخل فتح، خاصة بعدما تم حل "كتائب شهداء الأقصى" من طرف عباس.
تظهر الدراسات أن المساعدات التي تعد بملايير الدولارات، يستهلك جزء كبير منها موظفون أشباح يقيمون في الضفة، كانوا أعضاء سابقين في فتح (ما بين 60 ألف و70 ألف موظف). إن كل هذه الفئات المشكلة من شرائح من البورجوازية الكبيرة الفلسطينية (أصحاب الملايير) اللذين تمثل الحكومة مصالحهم وأتباعهم يقفون على خط مناهض للقضية الوطنية الفلسطينية تحت غطاء "الحل السياسي للضفة" وهو في الواقع حل استسلامي مخز، يقوم على تصفية القضية الفلسطينية وإنهائها بالكامل.
وتقف على الجانب الآخر المنظمات المعارضة لأوسلو، وفي مقدمتها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين وفصائل أخرى، وأقوى هذه الفصائل حركة حماس، التي استقلت "تنظيميا " عن التنظيم الإخواني الأصل، وعرفت مجموعة من التحولات بعد انفضاح التيار المساند للهجوم على سوريا، فتعزز دور قادة جدد من قبيل محمد الضيف و السينوار و أبو عبيدة، اللذين أعادوا خط التحالف مع سوريا و إيران.
تستمد حماس قوتها من الدعم الذي تحظى به من قبل بعض الدول الخليجية، ومن القاعدة البورجوازية الصغيرة العريضة المستفيدة من موقعها كحكومة في غزة. ترفع حماس الآن شعار "التحرر الوطني" كتعبير عن شرائح واسعة من البورجوازية الصغيرة الراديكالية الفلسطينية، وبذلك أصبحت تحتل دورا مهما في الفترة الحالية من النضال الوطني الفلسطيني.
إن الفصائل اليسارية، أو التي تحمل تصورا وقيما ديموقراطية، تصارع من داخل المساهمة في النضال الوطني، وليس من خلال التقاعس، الذي يدعو إليه البعض من طهرانيي النضال الثورجي المنمق بفرازولوجيا ثورية، يقبع أصحابه وراء مكاتبهم، وداخل منازلهم يضغطون على أزرار حواسيبهم مرة ذات اليمين ومرات ذات اليسار، ويكتفون بإعطاء الدروس بعيدا عن كل نضال.
إن النضال من أجل الديموقراطية، يمر بالضرورة عبر راية النضال الوطني، فمن يريد أن يثبت مبادئ وقيم التقدمية والديموقراطية والثورية عليه أن يثبت أولا كفاءة خلال النضال الوطني، الذي يلف كل أعضاء الشعب الفلسطيني أو أغلبه.
إن عدم إدراك طبيعة التناقضات، وعدم إدراك طبيعة العلاقة بين النضال الوطني والديموقراطي أسقط العديد من المناضلين اليساريين في أخطاء فادحة، عندما كانت سوريا تقصف بالصواريخ والطائرات وتغزى من طرف الإمبرياليين وفلول المجرمين من أوروبا بدعمهم لتنظيمات القاعدة وداعش، حين انطلقوا لمساندتهم ل "الثورة السورية"، فعن أي ثورة يتحدثون؟ ثورة الرايات السود الظلامية المدعمة بملايير الدولارات الإمبريالية والخلييجية وبدعم لوجستيكي وصحي صهيوني، يا لها من بلاهة ỊỊỊ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
يتبع بحلقة ثالثة

توجد الحلقة الثانية من هذه الدراسة بصيغة بدف على موقع 30 غشت
http://www.30aout.info








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. قصة قتل مو?لمة والضحية الشاب باتريك.. ???? من القاتل؟ وما ال


.. لا عيد في غزة.. القصف الإسرائيلي يحول القطاع إلى -جحيم على ا




.. أغنام هزيلة في المغرب ومواشي بأسعار خيالية في تونس.. ما علاق


.. رغم تشريعه في هولندا.. الجدل حول الموت الرحيم لا يزال محتدما




.. لحظات مؤلمة.. مستشفيات وسط وجنوب غزة تئن تحت وطأة الغارات ال